لم يكن مخرج المسلسل التلفزيوني التركي "سنوات الضياع" يعرف أن مسلسله سيضيع حياة شاب عربي من سوريا ، بعدما شنق نفسه وانتحر بسبب تأثره الشديد بأحداث المسلسل التركي المدبلج ! الشاب المنتحر كان ربما يخبئ في دواخله كثيرا من الرواسب التي لم يساعده المجتمع الذي يعيش فيه على الإفصاح عنها ، وجاء المسلسل التركي ليهيج هذه الرواسب مما دفع به إلى وضع حد لحياته بعدما لم يعد متحكما في نفسه . إنها واحدة من نتائج النفاق الاجتماعي العربي الذي يقول بأن الشخصية العربية قوية كالحديد ، ولا يمكنها أن تتأثر بمثل هذه التفاهات التي يقدمها التلفزيون مثلما يحدث في الغرب ، لأن العرب يهتمون بما هو أهم . ليفاجأ الجميع بأن الشخصية العربية ليست محصنة إلى هذه الدرجة كما نتوهم ، وأن هذه القوة التي نتظاهر بها ظاهريا توازيها هشاشة مخيفة في الأعماق . آلمزوق من برا آش خبارك من الداخل. ومن المؤكد أيضا أن مخرج مسلسل "نور" ، الصنو الرشيد لمسلسل سنوات الضياع ، لم يكن بدوره على علم مسبق بأن مسلسله الرومانسي سيزعزع أركان كثير من العلاقات الزوجية في الوطن العربي ، حيث الناس يعتقدون بأن هذه العلاقات مبنية على أساس غير قابل للانهيار ، فإذا بهم يكتشفون أن هذه العلاقات ليست مبنية سوى على الوهم! فلم تمض سوى أسابيع قليلة على شروع إحدى القنوات الفضائية العربية في بث المسلسل التركي المدبلج حتى بدأت طلبات الطلاق تتقاطر على المحاكم العربية من طرف زوجات اكتشفن من خلال المسلسل أن لا فرق بينهن وبين الثلاجات وآلات التصبين والآلات الجامدة التي تملأ مطابخهن ، ما دامت أحاسيسهن ومشاعرهن قد تعرضت للإعدام مباشرة بعد اللحظة التي وضعن فيها توقيعهن على عقد النكاح الذي ربط مصيرهن بأزواج لا يعرفون حتى كيف يلقون تحية الصباح والمساء ، ولا يعرفون كيف يرسمون قبلات على خدود زوجاتهم ولوعن طريق الإشارة ، وربما لا يقبلونهن حتى عندما يكونون على فراش النوم ! فليس سهلا أن تعيش المرأة في مثل هذا الجو الذي ترى فيه أنوثتها تعدم كل يوم ، في الوقت الذي يوجد على شاشة التلفزيون أبطال مسلسلات يذكرونها صباح ومساء كل يوم بأن الحياة الزوجية يمكن أن تكون أحلى وأكثر روعة وسعادة فقط بلمسة حنونة وهمسة ساحرة وقبلة هادئة ودمعة تنساب من العين بدون حواجز . لكن المشكلة هي أن مثل هذه اللقطات الرومانسية لا مكان لها في البيوت العربية ، لأن الرجال عندنا يعتبرونها تافهة ، لا لشيء سوى لأنها تهدد رجولتهم المقدسة في فقدان قدسيتها في أي لحظة ! داكشي علاش كايديرو بناقص منها . ورغم أن الرجل العربي كغيره من رجال الدنيا بأكملها يحتاج بدوره إلى لحظات رومانسية وإلى سماع كلمات رقيقة من طرف زوجته ، إلا أنه لا يملك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بهذه الحقيقة المؤلمة ، لأن في دواخله عقدة مزمنة تربت معه منذ الطفولة تذكره في كل مرة بأن الدموع والحنان والرقة من خصائص النساء ، وعندما يتجرأ رجل عربي على إظهار مشاعره فأول جملة سيسمعها هي أنه ماشي راجل ! وطبعا فليس هناك من هو على استعداد لسماع جملة مدمرة كهذه . لذلك ستظل المرأة العربية تنظر على الدوام بعين الإعجاب والعشق إلى الرجل الغربي ، لأنه أكثر رقة وحنانا ورومانسية ، وتنظر في المقابل إلى الرجل العربي بنظرة الخادمة إلى سيده ، وكلكم تعرفون أن نظرة الخادمة إلى سيدها تكون السمة الأساسية التي تطبعها في غالب الأحيان هي الكراهية الشديدة والحقد ! إيوا راه ما فيها باس الواحد يكون رقيوق شي شوية من الناحية العاطفية مع زوجته ، وإلا فإنها ستعيش معه بجسدها فيما قلبها وعقلها وأحاسيسها ستكون من نصيب الممثلين الوسيمين الذين تشاهدهم في المسلسلات والأفلام الرومانسية على شاشة التلفزيون والسينما . فعندما لا تجد المرأة الحب على أرض الواقع يمكن أن تبحث عنه في أي مكان ، بما في ذلك الخيال وحتى القنوات الفضائية ، وهذا بالضبط ما يمكن فهمه من خلال هذا التعلق الذي يجمع بين النساء العربيات والمسلسلات التلفزيونية الأجنبية التي يكون الحب موضوعها الرئيسي . وما سيزيد من هذا التعلق هو أن هذه المسلسلات الرومانسية لم تعد تأتي من "الغرب الكافر" فقط ، بل تأتي أيضا من دولة إسلامية اسمها تركيا المجاورة للعالم العربي ، لذلك سيكون السقوط في "غرام" أبطالها سهلا للغاية ، ما دمنا نشترك معهم في الديانة والحدود الجغرافية . إيوا حضي راسك أسي محمد قبل ما يديرها بيك البطل "مهند" ! فقد تستطيع أن تبسط سيطرتك المطلقة على زوجتك ، وتستطيع حتى أن تقفل عليها باب المنزل ، لكنك بكل تأكيد لن تستطيع السيطرة على قلبها بالعنف والإكراه ، لأن القلب بكل بساطة لديه تأشيرة بيضاء يستطيع بها تجاوز كل الحدود دون أن يتململ الجسد في مكانه ! فقد تكونان معا في "اجتماع" حميمي على سرير النوم ، لكن القلب يوجد في اجتماع آخر على بعد آلاف الكيلومترات من غرفتكما ! الواحد هو اللي يرد بالو قبل ما يفوت الفوت ... [email protected] ""