المغرب يرد على "ادعاءات" الجزائر: تشجيع النزعات الانفصالية يوسع رقعة الارهاب    البنك الدولي .. التوترات والمديونية تزيد ضبابية مستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    المغرب يحتج على "الفاو" لاعتمادها خريطة مبتورة للمملكة في مؤتمر دولي بالرباط    رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز ل"رسالة24″: " أضاحي العيد متوفرة ولا داعي للقلق"    يوفنتوس ملزم بدفع أزيد من 9 ملايين أورو لكريستيانو رونالدو وهذا هو السبب    كأس الكونفدرالية... بعثة نهضة بركان تشد الرحال إلى الجزائر عبر تونس لمواجهة اتحاد العاصمة    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    أمن مراكش يوقف ثلاثة أجانب مرتبطين بنشاط "كارتيلات" إجرامية    إحباط محاولة تهريب 116 ألفا و605 أقراص مهلوسة إلى داخل التراب الوطني    بتنسيق مع الديستي.. أمن فاس يوقف خمسة أشخاص متورطين في الاتجار في البشر    أما ‬حان ‬لمجلس ‬الأمن ‬الدولي ‬أن ‬ينهي ‬هذا ‬المسلسل ‬؟    تطوان: شركة طيران عالمية تفتتح قاعدة جوية بمطار سانية الرمل    هاتريك رحيمي في مرمى الهلال السعودي يقرب العين الإماراتي من نهائي أبطال آسيا    دي ماريا يتلقى تهديدات بالقتل من عصابات المخدرات في الأرجنتين    الحكومة ‬المغربية ‬تؤكد مآل ‬تجديد ‬اتفاقية ‬الصيد ‬البحري    استطلاع: الأسرة المغربية غير قادرة على حماية أطفالها من مخاطر "التواصل الاجتماعي"    تحذيرات من الأونروا "بإحكام المجاعة قبضتها" على قطاع غزة ووفاة الأطفال جراء سوء التغذية    بعثة نهضة بركان تشد الرحال صوب الجزائر صبيحة اليوم الخميس تأهبا لملاقاة اتحاد العاصمة    زيارة رسمية تقود وزيرة الثقافة الفرنسية إلى المغرب    هل يظهر أول مترو أنفاق في المغرب قريبًا؟    الإطاحة بموظفة أمن فرنسية متورطة في عمليات بيع التأشيرات لمغاربة    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    نور الدين مفتاح يكتب: سوريالية بالفرنساوية    خوفا من مافيا يتزعمها مغربي.. ولية عهد هولندا هربت إلى إسبانيا (فيديو)    ما العلاقة التي تربط المغربية كريمة غيث بنجم الزمالك المصري؟    بلاغ جديد وهام من وزير الداخلية    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة    موهبة كروية جديدة تُشغل الصراع بين المغرب والجزائر    الأمم المتحدة.. بمجلس الأمن سجال محتدم بين هلال ووزير الخارجية الجزائري بشأن البحر المتوسط    تحداو ظروف الحرب وخرجو يبدلو الجو.. مئات الفلسطنيين قصدو البحر فغزة باش يستمتعو بالما والشمش (فيديو)    نفاد تذاكر نصف نهائي "كان الفوتسال"        لماذا أصدرت شركة أبل تحديثاً لهواتفها يعالج الرمز التعبيري للعلم الفلسطيني؟    حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية    ملف "انفصال القبايل" عن الجزائر يصل الأمم المتحدة!    نشرة الأخبار: رقم قياسي في الملل    الرياضية: الكاف ما غيعاودش يدير السوبر ليگ الأفريقي    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    "سانت كيتس ونيفيس" تجدد دعمها لسيادة المغرب على صحرائه وتؤيد الحكم الذاتي    أوزين ل"كود": كنتأسفو على هدر الزمن التشريعي بسبب الصراع على رئاسة لجنة العدل والتشريع وكنتمناو من الاتحاد الاشتراكي يستحضر التوافق كيف تافقنا من اللول    الأمثال العامية بتطوان... (575)    الملك محمد السادس يعزي سلطان عمان إثر الفيضانات التي شهدتها بلاده    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    القطاع البنكي المغربي معر ض لمخاطر مناخية مادية    كوثر براني تصدم متابعيها: 99 في المائة من الرجال "خونة"!    ندوة أكاديمية بالمضيق بعنوان " النقد والتحقيق بحاضرة الثقافة تطوان"    أرقام رسمية.. 3000 مغربي مصاب بمرض "الهيموفيليا" الوراثي وها شنو موجدة وزارة الصحة لهاد النزيف الدموي    المغرب يحتضن فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في نسختها الثانية    الجمال الفني والثقافي المغربي يلتقي بالأدب الإنجليزي في "حكمة الجنوب"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    شقيق رشيد الوالي يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    "محطات من تاريخ السينما بالمغرب".. موضوع محاضرة بكلية الآداب بالجديدة    لأول مرة خارج المغرب.. عرض 200 قطعة من الحُلي الأمازيغية التابعة للقصر الملكي    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظهور حضارة المايا واختفاؤها.. ما زال أمرا يحيّر العلماء
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2013

ظهور وإختفاء حضارة "المايا" ما زال أمرا يحيّر العلماء ، وما فتئ يثير غير قليل من التساؤلات حتى وإن كانت هناك بعض التفاسير والنظريات ، منها التغييرات التي طرأت على التربة فى الأراضي التي كانوا يقيمون فيها والتغيّرات الطقسية والمناخية، والحروب الأهلية المتوالية فى البوادي والأدغال، وثورات البراكين ،وإنتشار الأوبئة...إلخ ففى نهاية القرن الثامن الميلادي بدأ عصر إنحطاط المايا فى الأراضي الواطئة (غواتيمالا والهوندوراس) وإنتهت في العاشر الميلادي وآخر معلم من معالمهم المعمارية الكبرى بني عام 909.
والغريب أنّه بعد هذا الإنحطاط ظهرت حضارة جديدة لهم فى "يوكاتان" وهي شعوب المايا التي يطلق عليها علماء التاريخ " بمايا ما بعد العهد الكلاسيكي"، وقد ظهرت هذه الحضارة فى المكسيك فى الوقت الذي كانت حضارتهم فى الأدغال الجنوبية تحتضر.وضاعت معلومات كثيرة عن هذه الفترة بسبب حدث تاريخي مؤسف،إذ مثلما أحرق الرّاهب الإسباني الكاردينال ثيسنيروس فى مدينة غرناطة بمكان يسمّى إلى اليوم "باب الرّملة" آلاف الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية فى الأندلس، كذلك أحرق الرّاهب "دييغو دي لاندا" (وهو أوّل أسقف فى يوكاتان)معظم كتب ومخطوطات للمايا التي تسجّل أخبارهم وعلومهم ومعارفهم على إختلاف مجالاتها.
وهناك رسالة كتبها هذا الراهب عام 1565 م، سبّبت حزنا عميقا لدارسي تاريخ شعب المايا والتاريخ الإنساني على العموم، تقول الرسالة :"هؤلاء القوم كانوا يستعملون نوعا من العلامات أو الحروف يكتبون بها كتبهم التي تتحدّث عن ماضيهم القديم ومدنهم.لقد عثرنا على كتب كثيرة من هذا القبيل مكتوبة بهذه العلامات لم يكن يتضمّن معظمها سوى الحديث عن الخرافات أو التعامل مع الشيطان ،لقد أحرقناها جميعها ممّا سبّب لهم ألما وحزنا شديدين". وهكذا حرم هذا الراهب العلم والتاريخ والبشرية من التعرّف على سرّ ظهور هذه الحضارة ثمّ إختفائها.
وفي عام 987 وصل غاز من الشمال يطلق عليه (كتنرالكوتل كولولكان) أي (الأفعى ذات الرّيش) ينتمي لحضارة نشأت فى الشمال تسمّى " تيلتيكاس" كانت عاصمتها " تولا" وجعل هؤلاء الغزاة من مدينة "ششين إتزا " الجميلة عاصمة لهم وأصبحت من أهمّ الحواضر ومن أكبر بناياتها معبد "كولول لكان" الذي تحكي لنا كتب التاريخ أنه كان آية من آيات الجمال المعماري حيث تنتشر فيها حيوانات محنّطة مثل النسور والنمر الأمريكي"الجاغوار" وتقوم فى ساحته ما ينيف على مائة من الأعمدة فى شكل ثعابين مريّشة أو ذات الريش المزركش،مع حمّامات بخارية وأسواق ، ومرصد فلكي دايري كان يطلق عليه " الحلزون" ، بالإضافة إلى ملاعب كرة المايا وغيرها من مظاهر العمران.
ملوك الطوائف عند المايا
وأكبرحواضرهم فى يوكاتان هي مدينة "مايبابان" أسّست عام 1100 م، كان يحيط بها سور يبلغ طوله 9 كيلومترات،وقد شيّدت على طراز مدينة " شيشين إتزا" وكان يقطن بداخلها حوالي 12 ألف نسمة.ثم بدأ ما يمكن ان نطلق عليه ب(عصر ملوك الطوائف)عند المايا حيث أسّست 17 ممالك موزّعة ، ولكنها كانت أقاليم مستقلّة لم يحقّق أيّ منها أهمية تذكر سياسيا أو إجتماعيا أو عسكريا أو ثقافيا وإتّسمت معظمها بالوهن والضعف.
وفى أواسط القرن الخامس عشر كانت شعوب المايا قد تناثرت وتركت مراكزها الحضارية وأصبحت مدنهم الكبرى خالية مهجورة، وعلى هذا الحال وجد المستكشف الاسباني " إيرنان كورتيس" هذه المدن عندما غزا المكسيك ومرّ، بمنطقة يوكاتان فى إتجاه الهوندوراس عام 1524 م وكان يقتحم هذه المجاهيل وهويستأنس بخريطة من وضع المايا كان يستعملها تجّارهم فى تنقلاتهم ورحلاتهم نحو الجنوب. وهكذا فإنّ إمبراطوريتهم كانت قد بادت عن آخرها عندما وصل الإسبان إلى أمريكا ،ولم يعر الإسبان كبير أهميّة لمعابد المايا القديمة خاصة تلك التي بنيت فى عمق الأدغال.
وكان مجتمعهم الجديد قد ورث نفس النظام الإجتماعي لقدمائهم مع حدوث ظواهر إجتماعية جديدة، حيث فقد الكهنة مكانتهم الرفيعة السابقة أمام المنزلة المرموقة التي أصبح يحظى بها المحاربون الذين كانوا يضمنون أمن الدولة وإستقرارها ، ثم التجّار الذين كانوا يمدّون الدولة بالوسائل الضرورية للعيش ، بل لقد عمل كثير من النبلاء والحكتم على مزاولة التجارة ،ولقد كان الإنتشار الواسع الذي عرفته لغتهم اثر بليغ فى زيادة توسيع رقعة المبادلات التجارية ، وكانت قوافل العبيد هي التي تنقل السلع عبرالطريق البرية، وعبر الطرق البحرية.وكانت لديهم مراكب تسع ل 25 شخصا.
وقبل أن يكتشف الأوربيون أرض المايا تصادفوا مع تجّارهم . ففى عام 1502 إلتقى كريستوفر كولومبوس فى جزيرة "غواناخا"(بالهوندوراس)مع مركب غريب من مراكب المايا يبلغ قطره حوالي ثمانية أمتار ،وكان بداخله تجّار صحبة نسائهم وأبنائهم وسلعهم ، وقد قدم المركب من يوكاتان وكان متّجها نحو الهوندوراس.
عادات وتقاليد
مثلماهو الشأن عند مختلف الشعوب والحضارات القديمة كانت عند المايا عادات وتقاليدبعضها تتّسم بالغرابة ويأنفها الذّوق العصري ،إلاّ أنّه كانوا يجدون تفاسير لعادتهم الغريبة هذه.ومن أغرب هذه العادات أنهم كانوا يقومون بإجراء إعوجاج فى جمجمة المولود،أي أنهم بعد أيام من ولادته كانوا يضعون خشبتين الأولى فى الجبهة الامامية والأخرى فى مؤخّر الرّأس وكانوا يشدّون الخشبتين بضمادة ممّا يؤدّي إلى إستطالة الجمجمة،إذ كانوا يعتبرون ذلك محبّذا وجميلا .كما كان من عاداتهم أن يعوّجوا أنوفهم حيث يجعلونها محدودبة شبيهة بمنقار طائر،ومن عاداتهم الغريبة أيضا أنهم كانوا يسبّبون الحول.
كان المايا ينشأون على إحترام السلطة والكهنة وأكبرهم سنّا،وكانوا مقلّين فى أكلهم حيث يتناولون فى إفطارهم فطائر من الذرة وكوبا من الكاكاو ، وبعد عودتهم من العمل يهيّئون الوجبة الوحيدة التي كانوا يتناولونها فى اليوم والتي غالبا ما كانت تتالف من جعة الذرة والخضر وأحيانا السمك أو اللحم أو الدواجن.
وكانت عادة تناول الكاكاو عندهم منتشرة على أوسع نطاق مثل الشاي والقهوة فى عالم اليوم .حيث كان يزرع فى بلدهم أجود أنواع الكاكاو،وكانت الشيكولاته التي تصنع من هذا النبات تخلو من السكر الذي ظل مجهولا عندهم حتى وصول الإسبان ،وكانوا يتناولونه باردا ممزوجا بالماء بعد أن يضاف إليه قليل من حبّات الذرة أو بعض مسحوق الفلفل الحار،كما كان يحلّى فى بعض الأحيان بالعسل.
مسرح وغناء ورقص وموسيقى
إلى جانب حضارة العمران والبناء التي إشتهر بها المايا التي كانت تبهر الناظرعندما يتأمل قصورهم ودورهم ومعابدهم، وعلى الرغم من جفوتهم الظاهرية وصلابتهم وشراستهم الحربية وعاداتهم الغريبة ، فقد بلغوا من جهة أخرى لإختراعهم الكتابة أوجا كبيرا فى مجال العلوم والرياضيات وعلم الفلك والطب..إلخ.
كما أنّهم خلفوا لنا كذلك جوانب ثقافية أخرى مثل الشعر ورواية الأساطير والحكايات والأمثال ،كما أنهم عرفوا جانبا آخر من جوانب الإبداع الفني لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الذي يستحقه وهو المسرح، حيث وجد عندهم كتّاب شبيهون بيوربيديس وسوفوكليس عند الإغريق وإن لم يرق مسرحهم الى مستوى المسرح الإغريقي بمفهومه الدرامي الفني المتميّز ،فقد رفع المايا المسارح الى جانب معابدهم حيث كانوا يقدّمون أعمالا تمثيلية ويتقمّصون أدوارا لها صلة بعاداتهم وحروبهم وبسالتهم، أو التي تعكس مظاهر من حياتهم الإجتماعية اليومية .من هذه الأعمال التي سجلتها مخطوطاتهم :" تخت السماء" و"بائع البطّ" وطبائع الفلفل القارص" وو"بائع الشّباك" و"مزارع الكاكاو".
وكان الممثلون يرتدون نوعا من الألبسة تناسب الأدوار التي أنيطت بهم فى المسرحية أو الحكاية التي تقدّم على الخشبة.كما كانت عندهم فنون فولكلورية متوارثة من رقص وغناء وموسيقى ،وكان لكل جماعة سكنية مطربها الذي يلقن الاغاني ويحافظ على الألحان فضلا عن كتابة كلمات الاغاني والمقطوعات الشعرية .وتم العثور عام152فى مدينة "ميريدا" المكسيكية على تسع أوراق(نوتة)مكتوبة بلغة المايا تتضمن 15أغنية سابقة للوجود الإسباني كانت تغنّى مصحوبة بالر قص ، وكانت تعرف أغاني "دزيبالشي" وهي تشكل مظهرا من ماهر الحياة الروحية لشعوب المايا .يضاف الى ذلك إبداعات أدبية جميلة من قصص وحكايات على لسان الحيوانات على طريق إبن المقفّع أو لافونتين على الرغم من البون الزمني الهائل بين أولائك وهؤلاء .بالإضافة الى أشعارهم الموحية والرقيقة التي تتغنّى بالحياة والحب.
كما خلّفوا لنا من الناحية الفنية آثارا رائعة إستعملوا فيها مختلف الألوان فى رسومات رمزية وهندسية وطبيعية ما زالت محفوظة على جدران معابدهم وحيطان قصورهم وعلى ظهر فخارياتهم وأوانيهم .ولقد إستفاد من أسلوبهم الفني فنّانون مكسيكيو على إمتداد العصور ولم يفلت من هذا التاثير فنانون كبار مثل "ريفيرا" و"فريدا"و"سيكيروس" وطكويباس"و"تامايو"وغيرهم.ومن أهم الرسوم الجدارية التي خلفها لنا المايا رسومات "بونامباك"التي تروي قصة معركة حامية الوطيس.
أشباح المايا
يشير الباحث المكسيكي رولدان باريرا فى كتابه"أشباح المايا" أنه ليس هناك فلاح فى يوكاتان (حيث ترعرعت حضارة المايا) لا يعتقد بوجود اشباح المايا ،ويحكي هؤلاء السكان الاصليون بلغة الواثق وبشكل طبيعي حول أحداث غريبة حدثت لهم أو لأحد أفراد عائلاتهم ويقسمون بمقدّساتهم أنهم ذات مرّة إلتقوا فى طريقهم بمخلوقات غريبة ذات أشكال خرافية او اسطورية، وهذه أشياء عادية عندهم ،ففي ولاية " كينتانا روو" تمطر السّماء نوعا من الحرذون او العظاية عند هبوب العواصف والزوابع،كما انه في جبل يسمّى" سيكليرا" تعيش ذبابة تسمّى " ياكاش" تهاجم الأنف أو الأذن من أعضاء الإنسان .
ويحكى الرحّالة المكسيكي" باشيكو كروث" فى كتابه حول "حيونات منطقة يوكاتان"انه رأى بعض العمّال والفلاحين (رجالا ونساء) بدون أنوف وبلا آذان.كما يحكي الباحث المكسيكي " رامون بيتيتا ": " أنه فى قرية تسمّى (ريّو هوندو)خرج رجل فى مطاردة بطّ برّي الذي كان قد أصابه بجرح فضاع فى الجبال وبعد ثمانية ايام عاد إلى القرية شاحب اللون أفطس الأنف ذا خلقة مشوّهة ،فجبال أرض المايا متشعّبة وملتوية ووعرة ومن يتيه فيها قد يعود بما لا يحمد عقباه، ويشير "روبيرت ريدفيلد" فى كتابه " آثار وثقافة المايا": " فى هذه الأرض تنتشر فى جنح الليل العديد من أصوات المخلوقات الغريبة الشبيهة بالحشرجة لا يفهم منها الغريب شيئا ولكن الهندي المنحدر من قدماء المايا يفهم لغتها وأصواتها ورسالتها" .
ويحكي هذا المؤلف فى هذا الكتاب أن السكان الأصليين قد حكوا عن مخلوقات غريبة تجوب أرض المايا عبارة عن عمالقة ذوي ظهور محدودبة ،وأفاعي سحرية ، وطيور الريح،إذ يعتقد الهندي أن هذه المخلوقات هي من ريح،ويعتقد سكان المايا ان مدنهم الكبرى المبجّلة التي ما زالت قائمة لليوم منها مدينة "شيشين إتزا" يعمرها ملوك ومحاربون وكهنة وعبيد تظهر صورهم على الأحجاروالنصب والجدران ، وهي الآن فى سبات عميق وسوف تنهض منه يوما مّا ليعيد التاريخ نفسه.
ويشير الباحث " باريرا" أنّ طيور المايا الخرافية العجيبة التي لا تشبه لا طائر الرخّ ولا طائر العنقاء ما زالت تعيش فى أذهان وخيالات وخرافات سكّان المايا الحاليين،ويعتب الباحث باريرا على الكاتب خورخي لويس بورخيس الذي جمع العديد من المخلوقات العجيبة فى كتابه" المخلوقات الخيالية"(1967)كونه لم يتعرّض للمخلوقات الغريبة عند سكان أمريكا الأصليين باشتثناء مخلوقات فولكلورية قليلة فى أمريكا الشمالية ،وهو الذي يطلب من قرّائه فى تقديمه لهذا الكتاب يأن يمدّوه بالأسماء والأوصاف الحقيقية لهذه المخلوقات، وما إشتهر عنها من عادات.ويشير الباحث باريرا انه منذ إكتشاف أمريكا إلى اليوم أنجزت العديد من الدراسات حول هذا الموضوع من طرف باحثين مكسيكيين وأجانب، وقد إمتزجت كثير من أساطيرالمايا مع الأساطير التي إستقدمها الإسبان معهم ممّا أدّى إلى ظهور أساطير جديدة يتداولها السكّان فيما بينهم حتى اليوم من أحفاد المايا الذين يعيشون فى نفس المناطق التي عاش فيها أجدادهم.
الخلاصة
تاريخ القارة الأمريكية إذن لا يبتدئ من 12 أكتوبر1492 عندما وصل كولومبوس ليعلن للعالم عن وجود أرض وراء بحر الظلمات تعجّ بالذهب الوفيروالفضّة واللجين، ولكنه وصحبه والذين جاؤوا بعده أقامواستارا من فولاذ أمام الحقيقة ، فالأرض العذراء المكتشفة لم تكن أرضا بورا أو خلاء ، بل كانت عامرة آهلة يقطنها رجال ونساء وشعوب، إنّ المايا، والأزتيك ،والإنكا وسواهم أقاموا حضارات كبرى يمكن مقارنتها بحضارات أخرى قديمة ظهرت فى أصقاع أخرى من العالم.
تتحدّث مدنهم وقصورهم ومعابدهم الكبرى المزيّنة بمختلف ضروب التصاوير والمنحوتات عن عظمة هؤلاء ومقدراتهم الهائلة على الإختراع والعمران والبناء والخوض فى مختلف مجالات العلوم الرياضية والكتابية والفلكية والطبية ..ووضع المخطوطات المزدانة بالرسومات الملوّنة. كل ذلك وسواه يقدّم الدليل على سعة علومهم، وتعدد معارفهم، وعلوّ كعبهم فوق عتبة التاريخ، وأنهم اوّلا وأخيرا لم يكونوا قوما" جهلة متوحّشين"كما أشيع عنهم ظلما وجورا وبهتانا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.