30 يونيو، هي ذكرى جديدة انضافت إلى تاريخ مصر الحديث، يرى من خلاله البعض أن الشعب المصري حقق "معجزة" أخرى بالإطاحة برئيس "غير مرغوب فيه" عبر ثورة سلمية، فيما يرى البعض الآخر أن 30 يونيو تاريخ مشؤوم ويؤرخ لفترة سوداء في حياة المصريين بعد "انقلاب" عسكري في زيّ مدني على شرعية طالما طالب الدكتور محمد مرسي بحمايتها في آخر ثلاث خطابات له قبل "عزله". محمد مرسي، لم يكن مجرد رئيس شرعيّ تنتخبه الجماهير الشعبية المصرية بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك الاستبدادي، بل كان أحد رموز المشروع الإسلامي بمصر وخارجها، والقائد الذي تنتظره منه الجماهير الشعبية تخليصها من ربقة الاستبداد والفساد من مُنطلق الشّريعة الإسلامية، وتحت يافطة "الإسلام هو الحل"، الذي ظلت تحمله جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي.. وهي المنطلق الذي ظلت المليونيّات المناصرة للرئيس السابق مرسي تهتف به، أبرزها مليونية الشرعية والشريعة.. فهل مع عزل الرئيس مرسي من كرسيّ الرئاسة بعد سنة فقط من تولّيها، يسقط شعار "الإسلام هو الحل"، ويتداعى معه بنيان باقي الجماعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي التي تحمل بعضها الشعار ذاته، فيما ينهل البعض الآخر من نهر الإخوان المسلمين فكريا وتصوريا؟؟ "عزل" مرسي.. بين الانقلاب على الشرعية والإرادة الشعبية في تعليقه على حدث "تنحية" الرئيس المصري، محمد مرسي، يرى امحمد الهلالي، نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح، أن ما وقع في مصر ليس عزلاً لمرسي، "لأن العزل مقنن بالدستور الذي جرى تعطيله"، لكن ما جرى، يضيف الهلالي في تصريحه لهسبريس، هو انقلاب على الثورة وعلى الإرادة الشعبية وعلى الديمقراطية الناشئة. واعتبر القيادي الإسلامي أنه تم التغرير بقسط من الثوار المتدمرين أو الرافضين لبعض الممارسات، مشيرا أن "الانقلاب" استعملت فيه رموز منتهية الصلاحية سياسية ومدنية ودينية تحت جبة عسكرية كاملة؛ موضحا أن الحاصل اليوم بمصر هو مجرد مخاض ثوري "ستنبثق عنه محطة جديدة عندما يتوصل الثوار إلى وفاق في نقاط الخلاف التي استغلها الفلول للانقضاض على الثورة". أما منتصر حمادة، الباحث والمتخصص في الشأن الديني والحركات الإسلامية، فيرى أن تاريخ "30 يونيو 2013"، هو نكسة إسلامية والتاريخ المؤسس للانقلاب العسكري على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، مشيرا أن الحركات والأحزاب الإسلامية التي ترفع شعار "الإسلام هو الحل"، ستراجع خطابها بشكل نوعي ومختلف، مقارنة مع حقبة ما قبل ذلك الانقلاب. هل سقط مشروع "الإسلام هو الحل"؟.. يجيب منتصر حمادة على السؤال بالقول إن واقعة عزل مرسي ستساهم في التأسيس لثلاث تيارات على الأقل، أولها "التيار الإخواني" الذي، يرى منتصر، أنه من غير المستبعد أن يتشدد أكثر في مواقفه، على غرار ما جرى في الحالة الجزائرية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وانخراط الجزائريين القسري في ما سمي آنذاك ب"العشرية الدموية". التيار الثاني، وفقا للمتخصص في الشأن الإسلامي، سيراجع شعار "الإسلام هو الحل"، حتى يساهم في التقزيم من مخاوف التيارات السياسية المنافسة، "لأنه بدى واضحا أن مُعارضي الإخوان المسلمين خلال الآونة الأخيرة هم الملايين الذين أعلنوا انضمامهم إلى حركة "تمرد"، ولو أن هذه الحركة خرجت في الواقع ضد الجميع، حكومة إخوانية ومعارضة غير إخوانية"، إضافة إلى المعارضة الحالية التي تقودها رموز متواضعة من حيث التنظيم (البرادعي، عمرو موسى، حمدين صباحي) وكذا الأقباط. أما التيار الثالث، فيعتقد منتصر حمادة أنه سيؤسس لأطروحات الباحث الإيراني "أصف بيات"، الذي يعود له سبق التنظير لأطروحة "ما بعد الإسلام السياسي"، "لا نتحدث عن فشل الإسلام السياسي بتعبير الباحث الفرنسي أوليفيه روا، وإنما ما بعد الإسلام السياسي"، وهي أطروحة، يضيف المتحدث ذاته، من المتوقع أن تصبح مُقعّدة على أرض الواقع بعد اندلاع هذه الأحداث. المطلوب "إسلاميا" وسياسيّاً بعد عزل مرسي.. لقد كان المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري، ينصح الإخوان المسلمين، قبل اندلاع أحداث "الربيع العربي" بضرورة مراجعة هذا الشعار والتخلي عنه، مقابل رفع شعار بديل "العدل هو الحل"، يقول منتصر حمادة، مشيرا أن الشعار المعدل يلمّ جميع الأصوات السياسية والإيديولوجية، سواء كانت إسلامية حركية أو ليبرالية أو علمانية أو غيرها، وهو رأي، يضيف منتصر، لم يؤخذ به، حتى قدوم تاريخ 30 يونيو. وحول التأثير الذي يمكن أن يلحق "عزل" مرسي بجماعة الإخوان المسلمين، يوضح امحمد الهلالي، أن الرئيس المصري السابق لم يعد قيادياً في جماعة أو حزب بعد انتخابه من جموع الشعب المصري، "ولذلك لا يتعلق الأمر لا بمرسي الذي كان عضوا في الإخوان ولا بجماعة الإخوان وشعاراتها السابقة واللاحقة". أما علاقة الحدث المصريّ بالمغرب، فيقول الهلالي أن الاختلاف الذي ميّز التجربة المغربية على التجربة المصرية هو في المنشأ والمنطلق "هو الذي يميزهما في هذا اللحظة الفارقة التي تعيشها مصر"، مشيرا في الوقت نفسه أن المطلوب اليوم هو استلهام منهج نجم الدين أربكان التركي في مواجهة الانقلابات المتتالية، إلى غاية رجوع العسكر إلى الثكنات بالقانون والدستور، "ويرفع الحجر عن الإرادة الشعبية الحرة وتحقق المصالحة الوطنية والشراكة السياسية بين جميع الفرقاء". "المطلوب صبر ساعة وسوف نرى الشرعية تعود من جديد عبر بوابة السلمية والانتخابات القادمة"، ذلك ما ذهب إليه الهلالي، الذي يرى أن "الانقلاب" الذي حصل في مصر هو أحد مخاضات المسار الثوري الماضي، وهو المسار الذي يستند في استمراره على صمود الثوار في الميادين وعضّهم بالنواجد على السلمية "وعدم الانجرار إلى المخطط المحبوك"، وهو المخطط الذي يعتقد الهلالي أن يجري الترتيب له بتحالف قِوى محلية تنتمي إلى النظام الساقط وقوى إقليمية ومباركة القوى الدولية، "التي لم نسمع منها أي إدانة صريحة للانقلاب".