ثلاثية مغربية في المرمى الزامبي.. "الأسود" يؤكدون جاهزيتهم للأدوار الإقصائية    الكعبي أفضل لاعب في لقاء زامبيا    كروس يرى المغرب من بين أبرز المرشحين للتتويج بمونديال 2026    سجن عين السبع 1 يوضح حقيقة ما رُوّج حول السجينة سعيدة العلمي    صرف منحة استثنائية لفائدة أرامل ومتقاعدي الأمن الوطني    كان المغرب.. جنوب إفريقيا تفوز على زيمبابوي (3-2) وتتأهل إلى دور الثمن    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    استنفار أمني بضواحي طنجة بعد العثور على جثة شخص مُتفحمة    إذاعة فرنسا الدولية: المغرب وجهة مفضلة للمشجعين والسياح    أبو عبيدة.. رحيل ملثم أرّق إسرائيل طوال عقدين    "ماركا" الإسبانية تصف ملعب الحسن الثاني ب"التحفة الهندسية" المرشحة لكأس العالم 2030    اكتظاظ السجون يفجّر سجالاً حاداً بين وهبي والمعارضة داخل البرلمان    إحداث أزيد من 35 ألف مقاولة بشكل رقمي    انهيار جزئي لطريق بإقليم شفشاون يثير مخاوف السائقين    برادة : هذه هي نسبة تعميم التعليم الأولي بالعالم القروي    فتح الترشيح للجائزة الوطنية للقراءة    السنغال تتطلع لضمان البقاء في طنجة    مدرب منتخب تونس يلوّح بالاستقالة    إنفانتينو: الفيفا تلقى 150 مليون طلب لشراء تذاكر كأس العالم في أسبوعين    مصرع 3 آلاف مهاجر في 2025 .. والجزائر تتحوّل إلى بوابة جديدة    صناعة الطيران المغربية .. نحو منظومة مندمجة ذات قيمة مضافة أعلى    تجديد هياكل الفرع المحلي للجامعة الوطنية للتعليم بالحسيمة    اللوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية الأجل المحدد لتقديم طلبات التسجيل سينتهي يوم 31 دجنبر    مونية لمكيمل وسامية العنطري تقودان الموسم الجديد من "جماعتنا زينة"    سعد لمجرد يلتقي جماهيره بالدار البيضاء    أمطار متفرقة وثلوج بالمرتفعات .. تفاصيل طقس الأيام المقبلة في المملكة    الأمطار تعزز حقينة السدود بالمغرب.. نسبة الملء 38% وتصريف 80 مليون متر مكعب في البحر    هذه مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    هبوط الذهب من مستويات قياسية والفضة تتراجع بعد تجاوزها أكثر من 80 دولارا    أكثر من 200 طن..زيادة قياسية في مشتريات الحبوب بالصين    مرصد حماية المستهلك يندد باستغلال المقاهي لكأس إفريقيا لرفع الأسعار    هيئة حقوقية تطالب بالتحقيق في ادعاء تعنيف المدونة سعيدة العلمي داخل السجن    هدم نصب تذكاري صيني عند مدخل "قناة بنما"    بنعلي ينتقد النموذج الفلاحي في بركان    ترامب يعلن إحراز "تقدم كبير" في سبيل إنهاء الحرب بأوكرانيا    القوات الروسية تعلن السيطرة الكاملة على بلدة ديبروفا في دونيتسك واسقاط صواريخ وطائرات مسيرة    تصدير الأسلحة يسجل التراجع بألمانيا    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تعقد جمعها السنوي العادي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    الصين تطلق مناورات عسكرية وتايوان ترد بالمثل    "فيدرالية اليسار": سياسات التهميش حولت المحمدية ومناطق مجاورة إلى "تجمعات تفتقر للتنمية"    تنظيم "داعش" يعطب أمنيين في تركيا    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    أمريكا تتعهد بتمويل مساعدات أممية    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"        بوصوف: المخطوطات "رأسمال سيادي"    المهدي النائر.. ريشة تحيي الجدران وتحول الأسطح إلى لوحات تنبض بالجمال    روسيا ‬وجمهورية ‬الوهم ‬‮:‬علامة ‬تشوير جيوسياسي‮ ‬للقارة‮!‬    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما ينتظره المثقفون والفنانون المغاربة من وزارة الثقافة
نشر في هسبريس يوم 16 - 10 - 2021


(رسالة مفتوحة إلى السيد وزير الثقافة)
السيد الوزير المحترم، تحية طيبة وبعد،
أهنئكم أولا لتعيينكم على رأس وزارة لا تقل أهمية عن باقي الوزارات والقطاعات الحكومية الأخرى، بالنظر إلى مهامها الجسيمة ودورها الحيوي، كما أتصوره على الأقل، في النهوض بقطاعيْ الثقافة والفنون في بلدنا العزيز، وجعْلِ مشاريعهما وإنجازاتهما وتجسيداتهما المادية والرمزية رافدا حقيقيا للتنمية، ثم إيمانا مني بما للثقافة والفنون، بجميع أشكالها وتعبيراتها كحاضنة وحافظة في الوقت نفسه لذاكرة الأمّة، من دور أساسي في تهذيب الأرواح وإغناء العقول، وترسيخ الوعي الجمالي وقيم الحضارة والسلوك المدني والتربية على المواطنة، المبنية أساسا على حُبّ الوطن والمساواة والتسامح والتواصل ونبذ التطرف والعنف والقبول بالاختلاف والمغايرة في الرأي، والمساهمة الخلاَّقة في إعداد المجتمعات إعدادا جيدا في آخر المطاف، أسمح لنفسي، كفاعل في المشهد الثقافي الوطني، بتوجيه هذه الرسالة المفتوحة إليكم، بحُرقَتها وهواجسها وأسئلتها وانتظاراتها الكثيرة، التي نتمنى صادقين أن تتحقق على أيديكم هذه المرة من خلال هذه التجربة الحكومية الجديدة، وخصوصا لِما خلّفَته الجائحة من آثار كارثية وموجعة على قطاعات الثقافة والفنون المغربية، وكذا كل المشتغلين بالمهن المرتبطة بها.
أتساءل بداية، وبحرقة شديدة أيضا: هل توجد في المغرب "حياة ثقافية" فاعلة ودينامية بالمعنى الحقيقي للعبارة، كما هو موجود ومتعارف عليه في الكثير من الدول، المتقدم منها والسائر في طريق النمو، والتي جعلتْ من الثقافة أولوية وحاجة قصوى في بناء الإنسان وتنمية المجتمع تنمية حقيقية وسليمة؟
وحتى لا يُفْهَمَ من كلامي هذا بأنني أسعى إلى تبخيس الثقافة المغربية، وأستكثر عليها مسألة أن تكون لها وزارة خاصة، أو أني أستكثر على الوزارة نفسها أيضا أن تكون جديرة بإدارة وتدبير شؤون هذه الثقافة، يكون من الضروري القول بأنه ليست لي شخصيا نزاعات أو صراعات يمكن أن تكون ذاتية أيضا مع أي مسؤول في هذه الوزارة، وليست لي كذلك أسباب معينة لأكون حاقدا أو متحاملا على أيّ كان، لكن خارِجَ هذا الاعتقاد المغلوط الذي كرسَتْه الكثير من الحزبيات والرسميات وأشكال المساطر والبروتوكولات الإدارية، التي قد تعمل بوسائلها وآلياتها الخاصة على تحجيم الرؤى وطبيعة الثقافة نفسها، يكون من واجبي، بصفتي مواطنا مغربيا وواحدا من المنتمين إلى الحقل الثقافي المغربي، أن أطرح هنا مجموعة من الملاحظات والتساؤلات، محاولا الإشارة فقط إلى بعض الاختلالات المزمنة والمتأصلة في جسد وزارة الثقافة المغربية وما تزال ملتصقة بها، هي المؤسسة التي تَعاقَب على رأسها ومسؤوليتها، منذ الاستقلال إلى الآن، الكثير من الأشخاص والأسماء، منهم المتحزب والتكنوقراط، الكاتب والمفكر والشاعر والفيلسوف، حيث تغيرت الدنيا ولم يتغير حال هذه الوزارة، بالرغم من تعاقب كل هؤلاء على رأسها وجها بوجه، والقليل منهم فقط ترك بعض البصمات على بعض إنجازاتها وعملها، ولو بشكل محدود ومحتشم وغير مُتّصل بتاتا، ظلتْ تطبعه القطيعة وعدم الاستمرارية، مع ميزانيتها الهزيلة، والتي أضحتْ تُعرف في المغرب بوزارة "ثلاثة في المائة" من الميزانية العامة للدولة، أو وزارة "صفر فاصلة شي حاجَة"، إلى درجة أن أحد السياسيين المغاربة سبق أن شبه ميزانية وزارة الثقافة المغربية ب "ميزانية أصغر مَحْلَبة في أوروبا"، وتلك قصة أخرى.
مع ذلك، فمسألة ميزانية وزارة الثقافة، بالرغم من هزالتها، لا ينبغي أن تظل بمثابة تلك الشماعة الوحيدة التي نعلق عليها عدم قدرة هذه الوزارة على تحقيق دفعات نوعية وقوية للثقافة المغربية بمكوناتها المادية واللامادية، ولو أن تنفيذ الاستراتيجيات والمشاريع الثقافية الكبرى والنوعية يحتاج بالضرورة إلى ميزانية ضخمة كذلك، إلا أن هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي لا تحتاج بالضرورة إلى ميزانية من حجم كبير، وخصوصا فيما يتعلق بالمسؤولية الشخصية للوزراء أنفسهم وطريقة تدبيرهم لشؤون الثقافة ووزارتها، من خلال الاختيارات الجيدة والموضوعية للموارد والطاقات البشرية (التعيينات والتكليفات في المهام ومناصب المسؤولية)؛ إذ تحتاج هذه المهمة أو المسؤولية فقط إلى الكثير من الحياد والموضوعية والصرامة والغيرة على الثقافة المغربية، انطلاقا من اختيارات صائبة لهذا الوزير أو ذاك في تشكيل مستشاريه وعناصر محيطه وطاقم عمله ومديري ومسؤولي مصالحه المركزية والجهوية والإقليمية.
ويكفي القيام بمسح بسيط لطبيعة وممارسات بعض هؤلاء المديرين والمسؤولين، مركزيا وجهويا وإقليميا، في قطاع الثقافة، عبر الحكومات المتعاقبة، لنقف على هذا الكم الهائل من الاختلالات، مما أَضَرّ كثيرا بالوزارة وبالثقافة المغربية نفسها، هي القلعة المنيعة، إلى جانب قطاع التربية والتعليم، التي ينبغي أن تظل بعيدة كل البعد عن كل أشكال هذه الاختلالات، وهي القطاعات الحافظة والضامنة أساسا للهوية المغربية، والشخصية المغربية، وذاكرة الأمّة المغربية العريقة والعتيدة، والمواطن المغربي الذي ينبغي أن يجد في الثقافة والتربية والتعليم ذلك الصمّام الحقيقي والأمين لحمايته من كل أنواع المخاطر، وجعْلِه في مستوى التحديات المحلية والإقليمية والدولية التي يواجهها المغرب الآن وأكثر من أي وقت مضى، مما يجعل مسؤولية وزارة الثقافة كبيرة وذات أهمية في نشر الثقافة والفكر والفنون الرفيعة والجادة والمواطِنة، بما يقتضي ذلك من تشجيع النشر والإبداع كمّا وكيفاً، وتكريس امتداداتهما الفعالة في كل المؤسسات الثقافية والفنية، تحصينا لبلدنا وشبابنا، الذي هو رأسمالنا وثروتنا الحقيقية، من كل أشكال الفكر الظلامي والمد الديني والإيديولوجي المتطرف، الذي أصبح يجد بسهولة فرائسَه السهلة و"جُنُودَه" المخلصين بشكل أعمى داخل تعليم هش وثقافة مهلهلة ما زالت دون مستوى كل التحديات.
وبالرغم من إيماني العميق كذلك بأن هناك العديد من الشرفاء وذوي الكفاءات والضمائر الحية والنبيلة داخل وزارة الثقافة المغربية، ولديهم فعلا هذه الرغبة الحقيقية والصادقة في خدمة مبادئ الوطن وقيمه السامية وصيانتها، فإنني أتوق فعلا، ككل المثقفين والفنانين المغاربة، إلى رؤية استراتيجية ثقافية واضحة تندرج في سياق صناعة ثقافية حقيقية أيضا، بدَل الاكتفاء بثقافة المهرجانات والصالونات؛ إذ المطلوب، هنا، أن يصبح الإصلاح والهم الثقافي هَمّا مجتمعيا، يتجاوز المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة إلى قطاعات أخرى مثل: التعليم والإعلام وغيرها من المجالات الحيوية للبلاد، وهو ما يقتضي الرهان على الأسماء والكفاءات الحقيقية في هذه القطاعات؛ إذ لا يمكننا، هنا، أن نتحدث عن أي شكل من أشكال الإصلاح بدون مُصلحين!
وبما أن "النيات أو النوايا الحسنة" وحدَها لا تكفي للإصلاح وتخليق التوجهات والممارسات في قطاع الثقافة وغيرها، فسيكون من الضروري، بل من الواجب الوطني أيضا، ترجمة هذه النوايا إلى حقائق ملموسة وتنزيلها في الواقع بما لا يترك مجالا للشك أو للقيل والقال. وهنا إشارة أولية إلى بعض أشكال الاختلال التي ظلتْ وما تزال تعاني منها وزارة الثقافة المغربية بوزرائها المُتعاقبين وسياساتها المتتالية، وما نراه مناسبا وموضوعيا ومنطقيا أيضا فيما ينبغي أن تكون عليه هذه الوزارة:
بغض النظر عن كثرة المديريات الجهوية والإقليمية للثقافة، فإن القليل منها يشتغل بمثابرة واجتهاد وابتكارية وموضوعية؛ إذ تَغلُب الرتابة والارتجالية في البرمجة والتنظيم على عمل الكثير من هذه المديريات، مع ضعف في الانفتاح الحقيقي على كل المؤسسات والفعاليات المنشغلة بالسؤال الثقافي، ناهيك عن حضورها الباهت في الفضاء الرقمي والبث التفاعلي، في زمن يكاد يصبح بكامله رقميا ومُعولما، خاصة أمام عزوف المواطنين المغاربة عن القراءة والتداول الفكري والثقافي، فكم من مديرية للثقافة، جهوية وإقليمية، لها موقع محترم واحترافي على الإنترنت (موقع يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي؟) وكم منها يقوم بطبع أشغال ندوات المهرجانات والملتقيات المنظَّمة في كُتب ومنشورات؟ سنجد الحصيلة هزيلة جدا، بل حتى مُخجلة من دون شك!
تحتفل الدول المتقدمة سنويا بالدخول الثقافي الجديد، من خلال عرض استراتيجية وزارة الثقافة أو المؤسسات ذات الصلة من دور نشر ومكتبات وطنية وملحقاتها المؤسساتية، عبر تبني خط تصاعدي في النشر والتوزيع كمّا وكيْفا، فهل ستكون وزارتنا راضية على هذا الدخول الثقافي المحتشم لكل سنة، خاصة أمام تدني مستوى القراءة ببلدنا وتدني أرقام الكتب المنشورة؟ ناهيك عن أننا لم نتجاوز سقف 1000 نسخة، على أكثر تقدير، من العناوين المنشورة لكل كاتب؛ إذ الملاحظ، لا على مستوى المجلات أو الكتب المدعمة من قبل وزارة الثقافة، أن عددها لا يتجاوز ال 500 نسخة.
يقتضي العمل المؤسساتي الرصين إيلاء الكثير، بل المزيد، من من العناية والأهمية لمجال النشر في مجال الكِتاب وإصدار المزيد من المجلات العلمية والفكرية والأدبية والفنية المتخصصة، وإسناد مسؤولية رئاستها وتدبيرها إلى مثقفين ومثقفات مشهود لهم ولهن بالكفاءة وبغزارة الإنتاج الكتابي والإبداعي في مجالات تخصصهم على وجه التحديد، ثُم إيلاء الكثير من الاهتمام كذلك إلى الجانب الإحصائي والتوثيقي للمنتوج الثقافي والفني المغربي بشكل خاص. لذلك، يكون رجاؤنا ومطلبنا أن تعمل وزارة الثقافة، وبشكل مكثف ومتواصل، على إعداد ونشر دراسات وأنطولوجيات وببليوغرافيات ومونوغرافيات لما ينتجه ويبدعه الكُتّاب والشعراء والمفكرون والفنانون المغاربة في شتى المجالات، خاصة وأن الكثير من كتب المغاربة تنشر في الخارج، ولا تجد منها نسخا حتى في المكتبة الوطنية. فما هي استراتيجية وزارة الثقافة في سياق ما بات يعرف عالميا بالصناعات الثقافية، خاصة أمام قلة ما يُنشر، وصعوبة التوزيع وطنيا، أما عربيا، فالكتاب المغربي يعاني من حيف كبير من حيث التوزيع ووصوله إلى القارئ والباحث والمهتم؟
أريد أن أقتنع، كمواطن مغربي ينتمي إلى حقل الثقافة المغربية، بأن بعض التعيينات والتكليفات التي كانت تتم في بعض مواقع المسؤولية والمهام داخل وزارة الثقافة (مركزيا وجهويا وإقليميا) هي ترجمة حقيقية ووفية لمبدأ أو لمقولة: "الرجل المناسب في المكان المناسب" أو "المرأة المناسبة في المكان المناسب".
أحتاج فعلا إلى من يقنعني بالدليل القاطع أيضا بأن الكثير من أشكال الدعم المقدمة من طرف وزارة الثقافة للمؤسسات الثقافية الوطنية الكبرى ("اتحاد كتاب المغرب" و"بيت الشعر في المغرب" على سبيل المثال لا الحصر)، ولمشاريع الأشخاص والجمعيات والمؤسسات في مجالات الكتاب والنشر والتظاهرات والمشاريع الثقافية والفنية، هي أشكال ومَبالِغ دعم مُستحَقة؛ إذ ظلت أشكال وطبيعة هذا الدعم وقيمته موضع تساؤل كبير، وموضع استنكار واحتجاج واسعين من لدن العديد من المتضررين والمقصيين والمغضوب عليهم من المثقفين والكُتّاب والفنانين والفاعلين الثقافيين والفنيين المغاربة، والوقائع والأمثلة في هذا السياق كثيرة ومعروفة وموثقة، ويمكن العودة إليها.
وإن كنا نحترم، حقيقة، الكثير من المجهودات المبذولة من طرف الوزارة في تنظيم المعرض الدولي للكتاب، بما يتيحه من فرص مهمة للتشجيع على القراءة وتداول الكتاب وحضور ندوات وأنشطة ثقافية وفكرية موازية مهمة، فإننا نعتبر ذلك غير كاف بالنسبة لحجم وشساعة وغِنى المنتوج الثقافي والفكري والإبداعي المغربي. لذلك، يكون من الضروري، في هذا السياق، العمل على إنشاء فضاء آخر، خاص ومميز وعصري للمعرض الدولي للكتاب والنشر، وزيادة حجم الدعم المادي المخصص للمعارض الجهوية للكتاب وتطوير تصوراتها وبرامجها وتدبيرها، ثم الحرص على استمرارية إقامتها باحترافية أكثر وبانتظام، حتى يجد الكُتاب والمفكرون والباحثون المغاربة، ممن لم يستطع المعرض الدولي للكتاب والنشر استيعاب إصداراتهم ونشاطهم الإبداعي والفكري، فرصا أخرى لعرض منتوجهم والتواصل مع المهتمين وعموم القراء والباحثين.
هل يُعقَل أن تظل جائزة المغرب للكِتاب، التي تحمل اسم المغرب (البلد بقامته الشامخة) متواضعة إلى هذا الحد، سواء بالنسبة إلى آفاقها وامتداداتها (ترجمة الأعمال الفائزة وترويجها وطنيا وعربيا ودوليا)، أو بالنسبة لقيمتها المادية الهزيلة، التي لا تليق باسمها ولا بقيمة الحاصلين عليها؛ إذ "لا تسمن ولا تُغْني من جوع"؟ لماذا لا تأخذ وزارة الثقافة المغربية العبرة والمقاييس ومواصفات الجوائز العربية المحترفة والمحترمة من دول الخليج على سبيل المثال لا الحصر؟ مع أخذنا، طبعا، بعين الاعتبار الكثير من الملاحظات التي يتم توجيهها لهذه الجوائز العربية، لكنها تظل، على الأقل، بالنسبة إلى وضعنا المغربي الراهن نموذجا وقدوة. فهناك جائزة "البوكر العربية" (الجائزة العالمية للرواية العربية)، بحيث تُمنح للرواية الفائزة بالمرتبة الأولى مبلغ خمسين ألف دولار أمريكي (يعني حوالي 500.000 درهم بالعملة المغربية)، إضافة إلى عشرة آلاف دولار (100.000 درهم مغربي) لكل رواية من الروايات الست ضمن القائمة القصيرة، بينما لا تتجاوز القيمة المادية لجائزة المغرب للكِتاب (120.000 درهم مغربي)؟
ثم هناك جائزة "كتارا للرواية العربية" التي تهدف إلى ترسيخ حضور الأعمال الروائية العربية المتميزة عربياً وعالمياً، وإلى تشجيع وتقدير الروائيين العرب المبدعين لتحفيزهم للمضي قدماً نحو آفاق أرحب للإبداع والتميز؛ إذ تلتزم الجائزة بالتمسك بقيم الاستقلالية والشفافية والنزاهة خلال عملية اختيار المرشحين، كما تقوم بترجمة أعمال الفائزين إلى اللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وتحويل الرواية الصالحة فنياً إلى عمل درامي مميز، ونشر وتسويق الروايات غير المنشورة، حيث تَفتح الجائزةُ باب المنافسة أمام دور النشر والروائيين على حد سواء، بمن فيهم الروائيون الجدد الذين لم يتم نشر أعمالهم الروائية، وهناك نماذج أخرى متقدمة لجوائز الفكر والبحث والإبداع في العالم العربي، يمكن لوزارة الثقافة المغربية أن تأخذ منها المواصفات والمقاييس والعبرة. أين يكمُن المشكل؟ هل في غياب الإرادة أم في غياب الرؤى والتصورات؟
وليس إعطاء النموذج من هذه الجوائز، هنا، بالخبر الجديد أو بالفتح المُبيِن، وأَعْلَمُ بأن الوزارة تعرف هذا النوع من الجوائز حق المعرفة، وهي ليست في حاجة لأن يُذَكّرها أحدٌ بها أو يُقدّم لها النصيحة، لكن حقي في السؤال، كفاعل ثقافي، يظل مشروعا، مهما اختلفتْ وتباينتْ المواقع والمسؤوليات بيننا كمواطنين مغاربة. مِنْ ثَمّ، أعود وأقول: أين نحن فقط من هذه الجوائز العربية المميزة؟ وأين وزارة الثقافة المغربية من غِنَى وتَراكُمِ وتَعدُّدِ الإنتاج الأدبي والفكري والعلمي والفني المغربي، لتبرزه وتكَرِّسه وتنشره محليا وعربيا أولا، كي يتمكن من الوصول بعد ذلك إلى الانتشار الواسع وإلى العالمية؟
هذا "غيْضٌ من فَيْض" كما يقال، آملين أن يتم تدارك كل هذه الاختلالات في وزارة الثقافة المغربية، وأن يتسع صدر السيد الوزير الشاب المحترم لهمومنا وملاحظاتنا واقتراحاتنا وشكوانا النابعة من حبنا وإخلاصنا غير المشروط للوطن ولثقافته المتعددة والمجيدة، ويعمل على ترميم وتدارك كل أشكال هذه الاختلالات في جسد الوزارة وطريقة عملها، وما ذلك بعزيز عليه. إن غايتنا القصوى، في هذا الإطار، هي أن نهمس في أذن السيد الوزير المحترم بكلمة حب وتقدير وحقيقة، ونستيقظ كل يوم لنجد الثقافة المغربية في أبهى حُلّتها، مثل عروسة يمتلئ كفها بالفراشات، ونجد الوطنَ مثل حديقة ملونة.
(*) شاعر وناقد فني مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.