بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    البطولة: اتحاد طنجة المنقوص عدديا ينتصر على نهضة بركان    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عَفْواً السّيدُ الوَزير…
نشر في الدار يوم 11 - 12 - 2019

هل توجد في المغرب " حياة ثقافية " فاعلة ودينامية بالمعنى الحقيقي للعبارة، وكما هو موجود ومتعارف عليه في الكثير من الدول، المتقدم منها وغير المتقدم، والتي جعلتْ من الثقافة أولوية وحاجة قصوى في بناء الإنسان وتنمية المجتمع تنمية سليمة، حتى تكون له وزارة خاصة بالثقافة، تبرر، على الأقل، صَرْفَ هذا القدر من المال ولو كان هزيلا ؟ طالما حيرني هذا السؤال الذي لم أعثر له بَعْدُ على جواب يشفي الغليل ويبرر لي أيضا هذا الربط " القَسْري " والجائر أحيانا، في المغرب وفي الكثير من الدول العربية بين الثقافة والوزارة ؟ إلى درجة أن الكثير من المغاربة والسياسيين منهم على الخصوص، بمن فيهم المتعلمون، حتى لا أقول المثقفين، لديهم اعتقاد راسخ في أن وزارة الثقافة، كمؤسسة رسمية، هي من تمثل الثقافة، وأن وزيرها هو المسؤول المباشر والرئيس الفعلي لكل الكُتّاب والشعراء والمفكرين والمبدعين والفنانين وكل من له صلة بمجالات الإبداع والإنتاج الفكري والفني والكتابة، وأن على هؤلاء جميعا عدم التحدث باسم الثقافة، ومن ثَم، تكون طاعتُهم للوزير فرْضا وطنيا ومسألة مؤكدة وواجبة.
وحتى لا يُفْهَمَ من كلامي هذا بأني أسعى إلى تبخيس الثقافة المغربية، وأستكثر عليها مسألة أن تكون لها وزارة خاصة، أو أني أستكثر على الوزارة نفسها أيضا بأن تكون جديرة بإدارة وتدبير شؤون هذه الثقافة، يكون من الضروري القول بأنه ليست لي شخصيا نزاعات أو صراعات يمكن أن تكون ذاتية أيضا مع السيد وزير الثقافة الحالي، الذي أكن له كامل الاحترام والتقدير، ولا مع من سبقه من الوزراء، وليست لي كذلك أسباب معينة لأكون حاقدا أو متحاملا على أيّ كان، لكن خارِجَ هذا الاعتقاد المغلوط الذي كرسَتْه الحزبيات والرسميات وأشكال المساطر والبروتوكولات الإدارية التي قد تعمل بوسائلها وآلياتها الخاصة على تحجيم الرؤى وطبيعة الثقافة نفسها، يكون من واجبي هنا، بصفتي مواطنا مغربيا وواحدا من المنتمين إلى الحقل الثقافي المغربي، أن أفَتْحَ هذا القوس، وأهمس من خلاله في الأُذُن الرسمية كذلك للسيد وزير الثقافة ببعض الرسائل والملاحظات والتساؤلات، محاولا الإشارة فقط إلى العديد من الاختلالات المزمنة والمتأصلة في جسد وزارة الثقافة المغربية وما تزال ملتصقة بها، هي المؤسسة التي تعاقب على رأسها ومسؤوليتها، منذ الاستقلال إلى الآن، الكثير من الأشخاص والأسماء، منهم المتحزب والتقنوقراط، الكاتب والمفكر والشاعر والفيلسوف، حيث تغيرت الدنيا ولم يتغير حال الوزارة، بالرغم من تعاقب كل هؤلاء على رأسها وجها بوجه، والقليل منهم فقط ترك بعض البصمات على عملها وبعض إنجازاتها، ولو بشكل محتشم وغير مُتّصل بتاتا، ظلتْ تطبعه القطيعة وعدم الاستمرارية، بالرغم من ميزانيتها الهزيلة، والتي أضحتْ تُعرف في المغرب بوزارة " ثلاثة في المائة " من الميزانية العامة للدولة، أو وزارة " صفر فاصلة شي حاجة "، إلى درجة أن أحد السياسيين المغاربة سبق وأن شبه ميزانية وزارة الثقافة المغربية ب " ميزانية أصغر مَحْلَبة في أوروبا "، وتلك قصة أخرى.
مع ذلك، فمسألة ميزانية وزارة الثقافة، بالرغم من هزالتها في نظرنا المتواضع، لا ينبغي أن تظل بمثابة تلك الشماعة الوحيدة التي نعلق عليها عدم قدرة هذه الوزارة على تحقيق دفعات نوعية وقوية للثقافة المغربية بمكوناتها المادية واللامادية، ولو أن تنفيذ الاستراتيجيات والمشاريع الثقافية الكبرى والنوعية يحتاج بالضرورة إلى ميزانية ضخمة كذلك، إلا أن هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي لا تحتاج بالضرورة إلى ميزانية من حجم كبير، وخصوصا في ما يتعلق بالمسؤولية الشخصية للوزراء وطريقة تدبيرهم لشؤون وزارتهم، من خلال الاختيارات الجيدة والموضوعية والنزيهة للموارد والطاقات البشرية ( التعيينات والتكليفات في المهام ومناصب المسؤولية ). إذ تحتاج هذه المسؤولية فقط إلى بعض الحياد والموضوعية والصرامة والغيرة على الثقافة، انطلاقا من اختيارات صائبة لهذا الوزير أو ذاك في تشكيل مستشاريه وعناصر محيطه وطاقم عمله ومديري ومسؤولي مصالحه المركزية والجهوية والإقليمية.
إذ يكفي القيام بمسح بسيط لطبيعة وممارسات بعض هؤلاء المديرين والمسؤولين، مركزيا وجهويا وإقليميا، في قطاع الثقافة، عبر الحكومات المتعاقبة، لنقف على هذا الكم الهائل من الاختلالات، مما أَضَرّ كثيرا بالوزارة وبالثقافة المغربية نفسها، هي القلعة المنيعة، إلى جانب قطاع التربية والتعليم، الذي ينبغي أن تظل بعيدة كل البعد عن كل أشكال هذه الاختلالات، وهي القطاعات الحافظة والضامنة أساسا للهوية المغربية، والشخصية المغربية، والمواطن المغربي الذي ينبغي أن يجد في الثقافة والتربية والتعليم الصمّام الحقيقي لحمايته من كل أنواع التحديات والمخاطر، مما يجعل مسؤولية وزارة الثقافة كبيرة وذات أهمية في نشر الثقافة والفكر الجادّيْن، بما يقتضي ذلك من تشجيع النشر والإبداع كمّا وكيفاً وتكريس امتداداتهما في كل المؤسسات الثقافية والشبابية، تحصينا لبلدنا من كل أشكال المد الديني والإيديولوجي المتطرف الذي أصبح يجد بسهولة فرائسه السهلة و" جُنُودَه " المخلصين بشكل أعمى داخل تعليم هش وثقافة مهلهلة ما زالت دون مستوى التحديات.
وبالرغم من إيماني العميق بأن هناك العديد من الشرفاء وذوي الكفاءات والضمائر الحية الحقيقية داخل الوزارة نفسها، لديهم فعلا هذه الرغبة الحقة في خدمة مبادئ الوطن وقيمه السامية وصيانتها، فإنني أتوق فعلا لرؤية إستراتيجية ثقافية واضحة تندرج في سياق صناعة ثقافية حقيقية بدل الاكتفاء بثقافة المهرجانات والصالونات، إذ المطلوب أن يصبح الهم الثقافي هما مجتمعيا يتجاوز المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة إلى التعليم والإعلام والصحة، وما إلى ذلك من امتداد مجتمعي، وهو ما يقتضي الرهان على الأسماء والكفاءات الحقيقية في شتى القطاعات.
وبما أن "النوايا الحسنة " وحدها لا تكفي للإصلاح وتخليق التوجهات والممارسات في قطاع الثقافة وغيرها، فسيكون من الضروري، بل من الواجب الوطني أيضا، ترجمة هذه النوايا إلى حقائق ملموسة وتنزيلها في الواقع بما لا يترك مجالا للشك أو للقيل والقال. وهنا إشارة أولية إلى بعض أشكال الاختلال التي ظلتْ وما تزال تعاني منها وزارة الثقافة المغربية بوزرائها المُتعاقبين وسياساتها المتتالية، وما نراه مناسبا وموضوعيا ومنطقيا أيضا فيما ينبغي أن تكون عليه هذه الوزارة:
بغض النظر عن كثرة المديريات الجهوية والإقليمية للثقافة، فإن القليل منها من يشتغل بمثابرة واجتهاد إبداعيين، إذ يغلب على عمل الكثير من المدراء الجهويين والإقليميين الرتابة والارتجالية في البرمجة والتنظيم، دون انفتاح حقيقي على باقي المؤسسات المنشغلة بالسؤال الثقافي، ناهيك عن حضورهم الباهت في الإنترنت والبث التفاعلي في زمن يكاد يصبح بكامله رقميا ومُعولما، خاصة أمام عزوف المواطنين المغاربة عن القراءة والتداول الفكري والثقافي، فكم من مديرية للثقافة لها موقع على الإنترنت وعلى موقع يوتوب والفيسبوك؟ وكم منها يطبع أشغال وفعاليات المهرجانات والملتقيات في كتب ومنشورات ؟ سنجد الحصيلة هزيلة جدا ومخجلة من دون شك.
تحتفل الدول العظمى سنويا بالدخول الثقافي الجديد، من خلال عرض إستراتيجية وزارة الثقافة أو المؤسسات ذات الصلة من دور نشر ومكتبات وطنية وملحقاتها المؤسساتية، عبر تبني خط تصاعدي في النشر والتوزيع كمّا وكيْفا، فهل وزارتنا راضية على الدخول الثقافي المحتشم سنويا، خاصة أمام تدني مستوى القراءة ببلدنا وتدني أرقام الكتب المنشورة ؟ ناهيك أننا لم نتجاوز سقف 1000 نسخة، على أكثر تقدير، للعناوين المنشورة لكل كاتب، إذ الملاحظ، لا على مستوى المجلات أو الكتب المدعمة من قبل وزارة الثقافة، أن عددها لا يتجاوز 500 نسخة.
يقتضي العمل المؤسساتي الرصين، إيلاء الكثير من العناية والأهمية للجانب الإحصائي والتوثيقي، فكيف لا نجد دراسات وأنطولوجيات وببليوغرافيات للإصدارات المغربية في شتى المجالات، خاصة وأن الكثير من كتب المغاربة تنشر في الخارج، ولا تجد منها نسخا حتى في المكتبة الوطنية؟
فما هي إستراتجية وزارة الثقافة في سياق ما بات يعرف عالميا بالصناعات الثقافية، خاصة أمام قلة ما يُنشر، وصعوبة التوزيع وطنيا، أما عربيا، فالكتاب المغربي يعاني من حيف كبير؟
لم أقتنع لحد الساعة، كمواطن مغربي ينتمي إلى حقل الثقافة المغربية، بأن الكثير من التعيينات والتكليفات التي تتم في بعض مواقع المسؤولية والمهام داخل وزارة الثقافة ( مركزيا وجهويا وإقليميا ) هي ترجمة وفية للرجل/المرأة المناسب/ة في المكان المناسب.
أحتاج فعلا إلى من يقنعني بالدليل القاطع أيضا بأن الكثير من أشكال الدعم المقدمة من طرف وزارة الثقافة لمشاريع الأشخاص والجمعيات والمؤسسات في مجالات الكتاب والتظاهرات والمشاريع الثقافية والفنية، هي أشكال ومَبالِغ دعم مستحقة، بسبب اللجان التي يتم تكليفها واختيارها لهذا الغرض، سواء بالنسبة إلى الدعم ( الكتاب، المجلات، الموسيقى، المهرجانات الفنية، المشاريع الثقافية…إلخ) أو بالنسبة إلى " جائزة المغرب للكتاب "، هي اللجان التي كانت وما تزال موضع تساؤل كبير في عمل الوزارة، وموضع استنكار واحتجاج واسعين من لدن العديد من المتضررين والمقصيين والمغضوب عليهم من المثقفين والكُتّاب والفنانين والفاعلين الثقافيين والفنيين المغاربة، والوقائع والأمثلة في هذا السياق كثيرة ومعروفة.
إن مسؤولية ضمان أن تتم هذه التعيينات والتكليفات في مواقع المسؤولية داخل الوزارة، وكذلك توجيه الدعم إلى من يستحقه، وبالقدْر الذي يستحقه، على أساس الاستحقاق والكفاءة وجودة المشاريع ونوعيتها وعمقها فقط، تقتضي، بالضرورة وفي المَقام الأول، وضع لجان تتمتع بالكفاءة والنزاهة والموضوعية والحياد والمصداقية اللازمة نفسها لمثل هذه المهام. إذ أصبحت العديد من الوجوه، وأغلبها غير معروفة في الوسط الثقافي والفني المغربي، مقيمة بشكل شبه دائم في لجان وزارة الثقافة، تتكرر في كل مهمة وكل مناسبة، ناهيك عن الكثير من المدعوات والمدعوين إلى مناسبات وتظاهرات الوزارة في الداخل والخارج، حيث لا اعتبار في ذلك، وفي الكثير من الحالات، سوى للصداقات والعلاقات والمصالح المتقاطعة، والتي للتاريخ، يمكن القول أن السيد وزير الثقافة الحالي، يحاول جاهدا تجاوز هذه الأعطاب والاختلالات.
كيف يُعقَل، على سبيل الحصر لا التعميم، أن يكون عضوا في لجنة تحكيم دعم الكتاب المغربي من ليس مكرسا ثقافيا وفكريا، وطنيا وعربيا، ولا يتوفر على تجربة ذات الاعتبار؟ أو عضوا في لجنة تحكيم " جائزة المغرب للكتاب " من هو حديث العهد بالفكر والبحث والإبداع، وفاقد لأهلية الحُكْم على تجارب أسماء أفنت عمرها في البحث والكتابة والإبداع بالكثير من الجهد والعمق والمكابدة ؟
وإن كنا نحترم، هنا حقيقة، كل المجهودات المبذولة من طرف الوزارة في تنظيم المعرض الدولي للكتاب، بما يتيحه من فرص مهمة للتشجيع على القراءة وتداول الكتاب وحضور ندوات وأنشطة ثقافية وفكرية موازية مهمة، فإننا نعتبر ذلك غير كاف بالنسبة لحجم وشساعة وغِنى المنتوج الثقافي والفكري والإبداعي المغربي، لذلك يكون من الضروري، في هذا السياق، زيادة حجم الدعم المادي المخصص للمعارض الجهوية للكتاب وتطوير تصوراتها وبرامجها وتدبيرها، حتى يجد الكُتاب والمفكرون والباحثون المغاربة، ممن لم يستطع المعرض الدولي للكتاب استيعاب إصداراتهم ونشاطهم الإبداعي والفكري، فرصا أخرى لعرض منتوجهم والتواصل مع المهتمين وعموم القراء والباحثين.
هل يُعقَل أن تظل جائزة الكِتاب التي تحمل اسم المغرب ( البلد بقامته الشامخة ) متواضعة وغير ذي قيمة إلى هذا الحد، سواء بالنسبة إلى آفاقها وامتداداتها ( النشر والتوزيع )، أو بالنسبة لقيمتها المادية الهزيلة التي لا تليق باسمها ولا بقيمة الحاصلين عليها و " لا تسمن ولا تُغْني من جوع " ؟ جائزة أقل ما يقال عنها أنها رمزية. ألا تعيش وزارة الثقافة المغربية على هذا الكوكب وتأخذ العبرة والمقاييس ومواصفات الجوائز العربية المحترفة والمحترمة من دول الخليج على سبيل المثال لا الحصر ؟ مع أخذنا، طبعا، بعين الاعتبار الكثير من الملاحظات التي تم توجيهها لهذه الجوائز، لكنها تظل، على الأقل، بالنسبة إلى وضعنا المغربي الراهن نموذجا وقدوة. فهناك جائزة " البوكر العربية " ( الجائزة العالمية للرواية العربية)، حيث يتم ترشيح قائمة طويلة من الأعمال، ليستخلص منها قائمة قصيرة ونهائية من ستة أعمال روائية تتنافس فيما بينها على الجائزة، فيما تمنح الرواية الفائزة مبلغ خمسين ألف دولار أمريكي ( يعني حوالي خمسمائة ألف درهم بالعملة المغربية )، إضافة إلى عشرة آلاف دولار ( مائة ألف درهم ) لكل رواية من الروايات الست ضمن القائمة القصيرة، بينما لا تتجاوز القيمة المادية لجائزة المغرب للكِتاب مئة وعشرون ألف درهم.
وهناك جائزة " كتارا للرواية العربية " التي تهدف إلى ترسيخ حضور الأعمال الروائية العربية المتميزة عربياً وعالمياً، وإلى تشجيع وتقدير الروائيين العرب المبدعين لتحفيزهم للمضي قدماً نحو آفاق أرحب للإبداع والتميز، إذ تلتزم الجائزة بالتمسك بقيم الاستقلالية والشفافية والنزاهة خلال عملية اختيار المرشحين، كما تقوم بترجمة أعمال الفائزين إلى اللغة الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وتحويل الرواية الصالحة فنياً إلى عمل درامي مميز، ونشر وتسويق الروايات غير المنشورة، حيث تَفتح الجائزة باب المنافسة أمام دور النشر والروائيين على حد سواء، بما فيهم الروائيون الجدد الذين لم يتم نشر أعمالهم الروائية، وهناك نماذج أخرى متقدمة لجوائز الفكر والبحث والإبداع في العالم العربي على وزارة الثقافة المغربية أن تأخذ منها المواصفات والمقاييس والعبرة. أين يكمُن المشكل ؟ هل في غياب الإرادة أم في قصور الرؤى والتصورات ؟
ليس إعطاء النموذج من هذه الجوائز ، هنا، بالخبر الجديد أو بالفتح المُبيِن، وأَعْلَمُ بأن الوزارة تعرف هذا النوع من الجوائز حق المعرفة، وهي ليست في حاجة لأن يُذَكّرها أحدٌ بها أو يُقدّم لها النصيحة، لكن حقي في السؤال، ككل مواطن مغربي، يظل مشروعا، مهما اختلفتْ وتباينتْ المواقع والمسؤوليات بيننا كمواطنين مغاربة مِنْ ثَمّ، أعود وأقول: أين نحن فقط من هذه الجوائز العربية المميزة ؟ وأين وزارة الثقافة المغربية من غِنَى وتَراكُمِ وتَعدُّدِ الإنتاج الأدبي والفكري والعلمي والفني المغربي، لتبرزه وتكَرِّسه وتنشره محليا وعربيا أولا، كي يتمكن من الوصول بعد ذلك إلى الانتشار الواسع وإلى العالمية ؟
هذا " غيْضٌ من فَيْض" كما يقال، آملين أن يتم تدارك كل هذه الاختلالات في وزارة الثقافة المغربية، وأن يتسع صدر السيد الوزير المحترم إلى همومنا وملاحظاتنا واقتراحاتنا وشكوانا وانتقاداتنا النابعة من حبنا وإخلاصنا غير المشروط للوطن ولثقافته المتعددة والمجيدة، مع تنويهنا بمبادرته الرامية إلى عودة "مجلة الثقافة المغربية" و "مجلة المناهل" إلى الصدور بتصورات جديدة. إن غايتنا القصوى، في هذا الإطار ، هي أن نستيقظ كل يوم ونجد الثقافة المغربية مثل عروسة يمتلئ كفها بالفراشات والوطن مثل حديقة ملونة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.