جولة في قلب حاضرة مغربية راحلة عريقةِ التاريخ، يتيحها معرض جديد يستقبله متحف بنك المغرب حول سجلماسة، "ملتقى الحضارات والتجارة". افتتح هذا المعرض، بالرباط، مساء الخميس 23 دجنبر الجاري، بحضور المهدي بن سعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل. ومن المرتقب أن تظل أبوابه مفتوحة إلى متم شهر ماي من السنة المقبلة 2022. يركز هذا المعرض الجديد على الدور المحوري لسجلماسة بوصفها مركزا ماليا عالميا، طيلة قرون. دور تراجع مع تغير العواصم، والسلالات الحاكمة، حتى صارت موقعا أثريا، وضعه، وفق تشخيص أركيولوجي، نشره موقع المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، "مؤسف". وشهدت سنة 2021 دعوة مغربية دولية ل"التعبير عن الاهتمام" من أجل الاستمرار في الأبحاث الأثرية بهذه الحاضرة. ويعرض متحف بنك المغرب لقى من سجلماسة، تحكي تاريخها، ومعيش ساكنتها وزوارها، وقصة عمرانها، وجمالياتها، وصِلاتها بالعالَم، وكيف دارى دورها الاقتصادي ما شهدته من حياة روحية وفكرية. وبالمعرض مساحة اختصت بسرد قصة اللقاءات الحضارية بسجلماسة، خاصة مع جنوب الصحراء الإفريقية، وتأثير حياة المدينة على انتشار الإسلام، خاصة المذهب المالكي والتصوف الطرقي ورواية ورش للقرآن، واللغة العربية، ومعها الخط العربي المغربي، ومجموعة من المعارف والمهارات التقليدية. سجلماسة، بكلمات دليل المعرض، "مدينة أسطورية، تقع وسط واحة تافيلالت جنوب شرق المغرب. لعبت دورا أساسيا في تجارة الذهب بين إفريقيا جنوب الصحراء وحوض البحر الأبيض المتوسط. (...) مدينة تلخص وتجسد لوحدها التاريخ القديم والحديث للمغرب في أبعاده الثقافية والاقتصادية والإستراتيجية". سجلماسة هذه، يواصل الدليل: "منذ تأسيسها سنة 140 للهجرة، 757، أصبحت، ودارَ سكتها، قبلة للتجار والباحثين عن العملة الذهبية من الشرق والغرب على حد سواء. من جنوة إلى تمبكتو، ومن بغداد والقاهرة إلى أوداغست، ومن قرطبة وإشبيلية إلى غاو، كانت لا تجري معاملة تجارية أو مالية دون أن يكون لسجلماسة نصيب منها". وكانت دار سكتها "أكبر دار بالغَرب الإسلامي بأكمله"، مما بوأها "دورا محوريا كمركز مالي عالمي استنادا إلى قيمة العملات التي أصدرتها". ويتحدث المصدر ذاته عن "التطور الاستثنائي للمدينة"، بوصفها "ملتقى محوريا لتجارة القوافل" وانعكاسه على "استقطاب عناصر بشرية أخرى من مختلف بقاع العالم الإسلامي غربا"، إلى جانب "دينامية الجماعات اليهودية بالمدينة، سواء فيما يخص المعاملات التجارية والمالية أو على مستوى العلاقات الدينية والمصاهرات العائلية". من بين مظاهر هذا الاستقطاب وصول "القبائل العربية المعقلية إلى المنطقة منذ القرن ال12 الميلادي"، وهو ما تلته "تحولات كبرى على التركيبة الديموغرافية للمدينة والمجال القروي المحيط بها، خاصة خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، إذ إن قوتهم العددية مكنتهم من التدخل في الشؤون السياسية والعسكرية"، ومنح الانتساب إلى الأسرة النبوية ل"الأسرة العلوية سلطة رمزية لدى الساكنة المحلية، وأصبحت تلعب دورا دينيا متناميا مكّنها من الوصول إلى السلطة مع بداية القرن السابع عشر". وأشرف على هذا المعرض قيّمان من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط هما: أحمد صالح الطاهري ومحمد بلعتيق، وقيم من جامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة. وفي حديث عمّا يغري به المعرضُ زواره، قال عبد الله فلي، أستاذ جامعي للتاريخ والآثار من فريق القيّمين: "حاولنا وضع خليط بين الجوانب التاريخية والأثرية غير المعروفة كثيرا عند الجمهور العريض، مع تقريب لأهمية سجلماسة في سكّ النقود بالمغرب، كدار سكة بمفهومها الحالي، منذ التأسيس إلى القرن السابع عشر". وذكر الأستاذ بجامعة أبي شعيب الدكالي أن المعرض يتيح التعرف على سجلماسة التي "تلخص الجوانب الكبرى لتاريخ المغرب في تأسيس الدول، والأهمية الإستراتيجية لعلاقتنا بإفريقيا جنوب الصحراء، وبحوض البحر الأبيض المتوسط، فقد كانت مركزا للتجارة العالمية، وتوفرت على أكبر دار سكة في تاريخ المغرب ككل، اشتغلت من بداية القرن العاشر الميلادي إلى حدود القرن السابع عشر، وكل الدول المتعاقبة على المدينة سكّت النقود الذهبية والفضية والنحاسية بهذا الموقع".