"قصتي ابتدأت بإعطاء 500 درهم رشوة للقابلة للسهر على توليد زوجتي.. وانتهت بإهمال أدى إلى وفاة ابني الجنين"، إنه عنوان لإحدى الروايات المتكررة داخل المستشفيات العمومية بالمغرب، وبالضبط الجناح الخاص بالتوليد، حيث مظاهر الابتزاز والرشوة والإهمال والإهانة، بحسب شهادات استمعت لها هسبريس من نساء وأُسَر عانوا الوجَعَين: "وجَع الولادة ووجَع الإهانة". قصص تتكرر داخل المستشفيات وفي ممراتها وأمام أبوابها الحديدية، تثير اشمئزاز من يسمعونها واستياء من يعيشونها وغضب من يشاهدونها عن قرب، حيث الزوار يتعرضون للابتزاز من أجل الاستفادة من خدمات "مجانية" في أحسن الأحوال، فيما ضيوف المؤسسات الصحية العمومية من أمهات حوامل ومتوجعات يتعرضن للإهمال والإهانة، "غرف الولادة المتسخة تأوي أمهات حديثات الوضع ممتلئة عن آخرها.. حيث ترقد امرأتان رفقة مواليدهن في سرير واحد.."، تروي إحداهن لهسبريس، واصفة الوضعية ب"المهينة جدا". وتطول قائمة "الانتهاكات" في حقوق النساء الحوامل المتوجعات في مدن كفاس وزايو وشيشاوة وبولمان والدار البيضاءومراكش وأكادير والرّباط، قائمة تختلف عناوينها بين "امرأة تضع مولودها بممر المستشفى" وأخرى "تضع مولودها في الهواء الطلق بعد رفض استقبالها"، وأخرى "تضع ابنها في المرحاض" و"فوق دراجة نارية" و"داخل سيارة أجرة". المركز الاستشفائي الجامعي "محمد السادس" مراكش هناك بجناح الولادة بالمستشفى ذي الواجهة البرّاقة، تعلو أصوات النّساء الحوامل المتوجعات استعدادا لولادة فلذات أكبادهن، أصوات مرتفعة "طبيعية" تقابلها صيحات المولدات والقابلات بالشتيمة والسبّ، تروي إحدى الأمهات لهسبريس، (سعيدة)، التي عاشت ليلة عصيبة بالمستشفى، "سكتي لْمّْ.. كاتعارفي تهزي رجلي.. غير مع راجل.. وهنا ماتعرفي تسكتي"، هي إحدى نماذج العبارات المشينة الموجهة لبعض المتوجعات.. في مقابل اكتفاء بعض الممرضات بالضحك والسخرية على النساء اللائي يصرخن من معاناة وجع الولادة، تحكي سعيدة. الأم حديثة الولادة، تروي لهسبريس كيف جاءها المخاض بشكل مباغت، لتنتقل ليلا على وجه السرعة من منطقة نائية، "العزوزية"، إلى المستشفى، "بقيت على أرضية المركز الاستشفائي أتوجع لوَحدي وأحكمتُ قبضتي بكرسي ثابت.."، توضح سعيدة التي ولّدت نفسها بنفسها في غياب تام لأي طاقم طبي متخصص، "إلى أن جاء شاب يبدو أنه طبيب متدرب ليقطع الحبل السري وينصرف على الفور"، وأخبرها بتاريخ أداء فاتورة الولادة لدى إدارة المستشفى. في الليلة ذاتها، تروي سعيدة، التي انصرفت في النهاية "بسلام" مثلها مثل باقي الأمّهات، كيف أن مشهد الأمهات وهُنّ مفترشات الأرض في غياب للأسِرّة الطبيّة، لم يفارق مخيلتها إلى حد الآن، "صدمت من 3 نساء وضعن مواليدهن على أرضية المستشفى ولم أتوقع من أن السيناريو سيتكرر معي"، مضيفة أنها أُنذِرَت على المدخل بعدم اصطحاب هاتف نقال إلى الداخل "تخوّفًا من تصوير الإهمال والإهانة التي تعرضت لها الأمهات المتوجعات". المستشفى الإقليمي محمد الخامس بآسفي قصة إهمال حقيقية أخرى داخل المستشفى كانت نهايتها، هذه المرة، موت الجنين داخل بطن أمه نتيجة "إهمال" القابلة، يروي عبد الجليل، زوج وفاء التي تعرض رحمها لنزيف حاد وتمزق غشاء الجنين "بعدما تأخر الأطباء والممرضات في توليدها لأكثر من 10 ساعات"، وهو ما أدى إلى اختناقه في بطن أمه. "حين شعرت زوجتي بوجع الولادة حملتها إلى قسم الولادة بالمستشفى.. حيث استقبلتنا المولدة الحاجة ح. و تسلمت مني مبلغ 500 درهم لأجل السهر على توليدها"، يروي عبد الجليل في شهادة حية لهسبريس، الذي أضاف بأنه وبعد مرور 10 ساعات "ذهبت إلى المستشفى وجدت الحارس العام الذي أخبرني بأن المولود تأخر في الولادة لعدة أيام"، مبررا وفاته ب"حتى وإن بقي حيّا فإنه سوف يولد معوقا ومشوها وأن المولدة أخبرت زوجتي بأنه توفي في بطنها أكثر من خمسة أيام". عبد الجليل يرد على "ادعاء" الحارس العام للمستشفى عبر شكاية موجهة لدى وكيل الملك بابتدائية آسفي، توصلت بها الجريدة، يقول فيها بأن الفحوصات التي أنجزها على زوجته يومين قبل الولادة تثبت بأن الأمور عادية، مضيفا أن زوجته ما تزال مصدومة "خصوصا بعد أن وضعوا جثة ابنها المتوفى إلى جانبها في السرير داخل المشفى"، وهو أمرٌ أثار حفيظة عبد الجليل وأُسْرَته، "أقسمت حينها ألا أثق في المؤسسات الصحية العمومية". مشاهد آخرى (الصورة) من داخل المستشفى الإقليمي محمد الخامس بآسفي ترويها مصادر مطلعة لهسبريس، توضح بالصور كيف أن القطط وجدت ضالتها للنوم فوق أسِرّة المرضى، "القطط والفئران الضالة تعيش مع المرضى وتأكل من نفس أكله"، فيما الأوساخ القذرة والروائح الكريهة تنبت داخل المراحيض وغرف الولادة وبجنبات المستشفى. مستشفى الليمون للولادة والأمّ بالرباط "من حقي أن أحتج على ما يجري داخل المستشفى"، عبارة أزعجت مسؤولي إدارة مستشفى الليمون للولادة والأم بالعاصمة، الذي يقرب بضع أمتار عن مقر البرلمان ومديرية الأمن الوطني ووزارة العدل والحريات، حين اختارت أمينة الولادة في هذه المؤسسة الصحية المؤدى عن خدماتها، مضيفة لهسبريس أن أحد مسؤولي المستشفى انتفض في وجهها بعد أن انتقدت أوضاع التوليد في ليلة من الليالي. وأكدت المتحدثة أن المستشفى مفروق إلى مؤسستين: "من له النفوذ والمال يلقى اهتماما ملحوظا، فيما الضعفاء والدْرَاوْشْ ونساء النواحي يهمشن عن قصد"، مضيفة لهسبريس أن زميلتها في الولادة تعرضت أمامها لخطأ طبي بعد أن أقدمت طبيبة متدربة على رتق وفتح جرح الولادة لأكثر من مرة. وتضيف أمينة كيف أن جانباً من المستشفى، "الذي يُسَوّق له كواجهة صحية راقية في الرباط" يعيش وضعا كارثيا من قلة الموارد البشرية وتصدّع الحيطان "حتى أن موظفي الصيانة بادروا بأشغال تركيب مكيفات هوائية طيلة النهار دون أدنى احترام لوضعية وراحة نزلاء المستشفى". هسبريس والزيارة المفاجأة انتقلت الجريدة في صبيحة يوم من أيام شهر أكتوبر الجاري، إلى مصلحة التوليد بمستشفى الليمون للولادة والأم بالرباط، حيث قادتنا الصدفة إلى التزامن مع خروج جُثة أمّ انتهى أجلها وهي تتوّجع، وفق روايات متطابقة استقتها هسبريس من الجالسين في قاعة الانتظار منذ يوم، أما حديث النساء والأُسر داخل المصلحة وجنبات المستشفى، فيدور باهتمام حول إهمال تعرضت له السيدة نتج عنه وفاتها. الأحاديث الجانبية وسط قاعة الانتظار، لا تفتر عن الحديث عن ولادة سيدة قبل أيام ببهو المستشفى، الذي يحمل سمعة "جيدة" لقربه من البرلمان ومحاذاته لصور العاصمة العتيق، وهي الولادة "المعتادة" التي تسببت فيها حالة الاكتظاظ، التي تعرفها غرفة الولادة بالمستشفى. وحين سألت هسبريس الحارس العام ل"الليمون" عن واقع المستشفى المثير للاستياء من طرف مرتاديه وزواره، أجاب بالقول إن جزء كبيرا من طاقمه "في غياب مسموح به كفترة عطلة صيفية"، موضحا أن هذا الغياب جرى تعويضه بأطر متدربة جديدة، وفق تعبيره. رغم أن وزارة الصّحة لا تزال تعترف بوجود حالات حقيقية، تهمّ فضائح ولادات "مهينة" لمغربيات داخل وخارج المستشفيات، حيث لا يتوانى وزير الصحة، الحسين الوردي، في التوعد باتخاذ إجراءات تأديبية ضد مرتكبي تلك "الجرائم الصحية"، إلا أن ارتفاع حالات الولادات في البلاد مقابل ضعف المؤهلات التقنية والبشرية و"الإنسانية" لأقسام الولادة في جل مستشفيات المغرب، تسلّم دائما بأن "الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود".