ثيودوروس رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوربا فرحان فالعاصمة وها مع من تعشا    الرباط تحتضن النسخة الثالثة للدورة التكوينية المتخصصة لملاحظي الانتخابات بالاتحاد الإفريقي    ألباريس دخل طول وعرض فالحزب الشعبي: فين تقرير المصير ديال الصحرا اللي كدافعو عليه فبرنامجكم الانتخابي وفيناهو فلقاءات زعيمكم راخوي مع المغرب؟    تساقطات قوية مرتقبة بشمال المغرب    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    سياحة الأعمال.. المغرب يسعى لاستقطاب مليون ونصف سائح سنة 2026    نتانياهو: بالهدنة وللا بلاش الجيش غيدخل لرفح    مسلح بسيف يطعن عناصر أمن في لندن    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    تصرفيقة جديدة للكابرانات: الطاس رفضت طعن الاتحاد الجزائري و USMA فقرار الكاف فدومي فينال نهضة بركان    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    ماتش جديد بين المغرب والجزائر.. واش الكابرانات غاينساحبو تاني؟    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    رونالدو يتخلى عن الاستثمار في نادي "كروزيرو" البرازيلي    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    صفرو.. أنسبكتور استعمل سلاحو الوظيفي باش يوقف مشرمل جبد جنوية وهدد بها الناس    بسبب تكفير أستاذ جامعي ووصفه بالمرتد والملحد.. النيابة العامة ففاس تابعات عضو بالمجلس العلمي وقيادي فالعدل والإحسان    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    بعد مؤتمر "الاستقلال".. رجة حكومية منتظرة ووزراء يتحسسون رؤوسهم    الدار البيضاء.. مناظرة حول محاولات "السطو" على الزليج والقفطان المغربيين    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    أسعار النفط تهبط للجلسة الثالثة ترقبا لمباحثات هدنة في غزة    "الأمم المتحدة": تدخل الشرطة "غير متناسب" ضد احتجاجات الجامعات الأميركية    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    نقابة "البيجيدي" ترفض مقاربة الحكومة للحوار الاجتماعي    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    ثلاث وفيات وعشرون حالة تسمم بأحد محلات بيع المأكولات بمراكش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    الوداد يحدد لائحة المغادرين للقلعة الحمراء    الموانئ الأوروبية في حاجة إلى استثمار 80 مليار يورو لبلوغ التحول الطاقي    ف 5 يام ربح 37 مليار.. ماسك قرب يفوت بيزوس صاحب المركز الثاني على سلم الترفيحة    أسترازينيكا كتعترف وتعويضات للمتضررين تقدر توصل للملايين.. وفيات وأمراض خطيرة بانت بعد لقاح كورونا!    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    مطار الحسيمة يسجل زيادة في عدد المسافرين بنسبة 28%.. وهذه التفاصيل    الصين تتخذ تدابير لتعزيز تجارتها الرقمية    معاقبة جامعة فرنسية بسبب تضامن طلابها مع فلسطين    بطولة اسبانيا: ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على فالنسيا 4-2    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يحتاج المغرب لمشروع سياسي جديد؟؟
نشر في هوية بريس يوم 02 - 05 - 2020

عندما أعلن الملك محمد السادس فشل المشروع التنموي السائد ببلادنا، ودعا بالمقابل في خطاب العرش (يوليوز2019) لتجديد النموذج التنموي الوطني، أكد على أن هذا الأمر ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو مدخل لمرحلة جديدة. غير أن هذه الدعوة التي لقيت ترحيبا واسعا من لدن الرأي العام وعموم القوى السياسية والمدنية سرعان ما خفت بريقها، وانطفأت شحنتها،و بدت وكأنها مجردة من أي قوة دفع سياسية واجتماعية في سياق وطني متشائم، ومنهك يشهد على أزمة مجتمعية بنيوية متفاقمة، وعلى مشهد سياسي يتآكل رصيده عند كل استحقاق وطني،حيث يظل رهينة "نخب" باتت تجتر نفس الخطابات ونفس الشعارات، حتى أنها أصبحت مستعدة ، في كل مرحلة، أن تعيد على مسامع المواطنين نفس الشعارات، بل و مقتطفات من الخطابات الملكية نفسها، حتى وان كانت تتوجه لهؤلاء الفاعلين بعينهم،وتوجه لهم سهام النقد ، وتحملهم بالمحصلة مسؤوليات التنكر للالتزام السياسي والحزبي والانتخابي،تماما كما حصل عند الخطابين الافتتاحيين للسنة التشريعية ليوم الجمعة 10 اكتوبر 2014، وللسنة التشريعيىة ليوم الجمعة 14 اكتوبر 2016.
ومع ذلك، وعند كل خطاب توجيهي، تستهلك النخب هاته نفس الشعارات لتسقط مع توالي الأيام والسنين في ابتذال المفاهيم، دون تجديد أو مبادرات حقيقية لاسترجاع الثقة في الحياة السياسية عموما، والمؤسسات التمثيلية على وجه الخصوص.
وبالنتيجة، كادت الدعوة إلى صياغة نموذج تنموي جديد أن تتحول هي الأخرى، بالنظر للسياق العام الذي رافقها،و بالصيغة التي تم اعتمادها إلى جلسات استماع بروتوكولية لم تكن لتفضي، في تقديرنا، إلى بلورة مشروع وطني يدشن لمرحلة جديدة بشكل فعلي ومستقبلي، في غياب قوة الدفع المطلوبة بأبعادها الوطنية الشاملة، وفي مقدمتها، تهييىء شروط التعبئة الوطنية المفروضة في هذا الورش الوطني بغية تحقيق أي تعاقد اجتماعي جديد. وحسبنا، أنه لا مشروع تنموي بدون تعبئة وطنية موازية قائمة على الثقة وتستنهض الرأسمال البشري للانخراط في هذا الورش.
وإذا كانت الدعوة لتجديد النموذج التنموي الوطني لا تخرج طبعا عن الشروط العامة التي تندرج فيها، مؤسساتيا، وسياسيا، وبشريا، وثقافيا..فكيف لنا إذن أن نتطلع لتشييد نموذج جديد،بنفس النخب السائدة التي تتحمل قسطا وافرا من المسؤولية التدبيرية المباشرة، أو غير المباشرة . ومنها،على وجه الخصوص، تلك التي حولت السياسة لمجال يختص باستغلال الدين في السياسة خدمة لأجندات تتعارض مع مقومات الاختيار الديمقراطي مدعومة في ذلك بمختلف أذرعها الدعوية والايديولوجية، أو تلك التي حولتها لوكالات تجارية وعقارية، ولرأسمال مقاولاتي وانتخابي، ونجحت في تمييع الحقل الحزبي ، فأضحى بدون روح،وبدون فكر، ولاثقافة، ولانظرية، ولا قضية.
واليوم، حيث إن الوباء يضرب بقوة، فإنه قد "نجح" في خلق رجات متعددة، مست كل مناحي الحياة. وشكل موضوعا خصبا سمح بتناول العديد من الإشكالات والقضايا في أبعادها الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والدينية، والقيمية، والسلوكية..فكتب الباحثون والمهتمون، ورجالات الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة عن هذه اللحظة مثلما لم يفعلوا من قبل. فهاهم يكتبون عن المجتمع، والدولة، وحقوق الإنسان، والسلطة، والتنمية، والديمقراطية،والدستور، والعدالة الاجتماعية،والدين، والأخلاق، والقيم،والتضامن….كما يكتبون عن مستقبل الرأسمالية، وقضايا الدولة الوطنية،وواقع العولمة، ومسألة الحدود ، وآفاق العلاقات الدولية،ومستقبل الاقتصاد العالمي،ومنهم من كتب، ويكتب عن مستقبل السياسة في المغرب في ظل كل الانعكاسات المحتملة لهذا الوباء، متطلعا لتشييد نموذج سياسي قادر على مواكبة كل الأوراش الوطنية الكبرى.
وإذا كان هذا الوباء المستجد قد سمح بتناول كل هذه القضايا بكثير من القلق، واللاثقة، وعدم اليقين في الحاضر والمستقبل، فان الفرضية الرائجة تكاد تجمع ، بمؤشرات متعددة، بأن راهن ومستقبل العالم لن يكون، بعد الجائحة، كما كان من قبل. فلا سبيل أمامنا إذن إلا مساءلة الوقائع، والأحداث الجارية من منظور مستقبلي باستثمار كل العناصر الايجابية المترتبة عن هذه المرحلة.
وفي بلادنا، تكاد تكون رجة كورونا بمثابة " قوة الدفع الموضوعية" التي جاءت لتخلخل البنيات القائمة، مسائلة كل المسلمات واليقينيات الجاهزة التي كادت أن تتحول الى براديغمات عقيمة. ولأن الرهان الأكبر اليوم يتعلق بصياغة نموذج تنموي جديد، فحسبنا أن ما أفرزته الجائحة من أولويات لا يخرج عن الممكنات التاريخة لبناء مشروع وطني متكامل لمجابهة تحديات مغرب اليوم، ومغرب المستقبل. وفي مقدمة هذه التحديات، بناء تعددية سياسية حقيقية تتجاوب مع انتظارات المغاربة، وتعيد لهم الأمل والثقة في مؤسسات الدولة، وأن تكون تعبيراتها الحزبية تعبيرا حقيقيا عن حاجة مجتمعية متجددة.وألا تكون النخب من صناعة الإدارة بأي شكل من الأشكال.
بهذا المعنى، فان سؤال السياسية اليوم لا يتعلق فقط بتجديد النخب بل، وبالضرورة، يتعلق بالرهان على تفكيك كل البنيات التقليدية في المجال السياسي والتي مازالت عالقة به، فكرا وممارسة وعلاقات.وهي البنيات التي مازالت تتمظهر ظلالها في المجال العام، وفي المشهد الحزبي، كعلاقات زبونية، مصلحية، ريعية قائمة على المصالح المتبادلة، وتعيد إنتاج نفس الممارسات العتيقة في الحياة السياسية.
وفي هذا الصدد، يستوجب الذكر بأنه حتى المشاريع الحزبية الجديدة التي رافقت العهد الجديد، والتي أريد لها أن تكون حاملة مشعل التجديد السياسي برؤية تقدمية، ورافعة لخدمة الدولة العصرية الحداثية،مع ما تعنيه من رهاتات وتوازنات كبرى، سرعان ما تحولت إلى وكالات انتخابية بدون جوهر سياسي أو مضمون ثقافي وحقوقي ومجتمعي.وظلت معزولة عن العمق الاجتماعي، وغير قادرة على لعب دور الوساطة المجتمعية الايجابية، بل إنها ساهمت ، والحالة هاته، في تشويه شعارات سياسية رائدة، وتسفيه منطلقاتها التأسيسية بعد أن تحولت إلى وكالات حزبية انتخابية مصلحية تحت سلطة الأعيان، ولوبيات المصالح.
وفي ذات السياق، تحول الفضاء السياسي إلى لعبة مبتذلة بين الأغلبية الحكومية الهجينة، وبين معارضة سياسية ضعيفة تتكلم لغة صماء، بدون روح أو عمق اجتماعي، لغة لا يعرفها الشارع، ويتبرم منها، ولا يعرف حقيقة هل هي صدى لهموم المواطن ومطالبه، أم صدى للحكومة وخياراتها. حتى أضحى التصويت على العديد من المشاريع، بالأغلبية المطلقة أو بالإجماع ، معاكسا لصوت الشارع ومطامحه. ولعل أخطر ما جرى ، ويجري، هو إفراغ المؤسسات التمثيلية من أدوارها المفترضة ، وتوسيع الشرخ بينها وبين عموم المواطنات والمواطنين.فيما يستمر الحزب الحاكم في توسيع دوائر نفوذه، واختراق العمق الاجتماعي .
وعوض أن تشكل لحظة دستور 2011، وما بعده، فرصة لتقوية خيارات التحديث، وتعزيز أدوار الصف الديمقراطي الحداثي، ستنقلب المرحلة بكاملها لصالح الحزب الإسلامي الذي سينجح في قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، وفي شروط عامة ما زالت تؤكد غلبة موازين القوى لصالح تنظيمات الإسلام السياسي وتراجع أدوار القوى السياسية المحسوبة على الصف الديمقراطي. فيما أعلن البعض الارتماء في أحضان الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة بدون شرط أو قيد في غياب القدرة على منافسة العرض الإسلامي داخل المجتمع وعبر تنظيمات المجتمع المدني.
واليوم، تبدو الحاجة إلى مشروع سياسي جديد حاجة موضوعية تجيب على ضرورة تأهيل المشهد السياسي العام بالانتقال لنموذج سياسي جديد يتجاوز منطلقات العروض السابقة ((سياق المصالحات- تقرير الخمسينية- توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة…)) بالانفتاح على المجتمع التكنولوجي الجديد، وترسيخ أسس مجتمع المعرفة، والبحث العلمي والتكنولوجي،وتجسير العلاقة مع مكونات المجتمع المدني في مختلف المجالات والحقول.
وهذه الرهانات لن تتحقق إلا بتأمين القدرة على تحقيق التوازنات المطلوبة في المجتمع بالموازاة مع الأدوار الجديدة للدولة الوطنية ، وفي مقدمتها ترسيخ نموذج تنموي جديد تكون فيه المسألة الاجتماعية هي جوهر كل السياسيات العمومية،ويكون فيه المواطن المغربي هو الرأسمال الحيوي لكل تنمية منشودة.وهذا الرهان، يتطلب مشهدا سياسيا تعدديا حقيقيا يعكس القدرة على تحقيق الوساطات الاجتماعية الايجابية، وترسيخ قيم المواطنة المغربية الايجابية بتعزيز مقومات التعددية الثقافية واللغوية والحضارية، وتجديد النخب الحزبية على قواعد الكفاءة، والنزاهة، والاستقلالية، والفعالية، والمبادرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.