عرف قطاع التربية والتعليم، منذ استقلال المغرب سنة 1956 إلى اليوم، إشكالية حقيقية في دمقرطة هذا المجال الحيوي. ذلك أن تعاقب الحكومات، وما رافقه من تغيّر السياسات وتعدّد الإصلاحات المقترحة، قد أفضى إلى مأسسة الأزمة التعليمية، فتحولت إلى عائق بنيوي ثابت وحلبة صراعٍ إيديولوجي بامتياز. فكيف الخروج إذن من هذه «الورطة«؟ هل تمثل الإصلاحات المتتابعة، الحالية منها والمستقبلية، الحل الحقيقي؟ أم أن الحل يكمن في إحداث قطيعة مع التعامل مع هذا القطاع كحقلٍ للتجارب، والبدء في تشخيص دقيق يضع اليد على مكامن الضعف والخلل؟ ألم يحن الوقت لاعتبار قطاع التربية والتعليم العمود الفقري لكل تنمية ممكنة ومستدامة، ومن ثَمَّ القطع مع منطق الارتجال وغياب وضوح الرؤية الذي رافق تدبيره لعقود؟ لا يمكن إنكار المحاولات والمجهودات المبذولة للرفع من مردودية قطاع التربية والتعليم، ولا الميزانيات الضخمة التي رُصدت له، ولا اللجان والمجالس التي أُنيطت بها مهمة الإصلاح. غير أن كل ذلك لم يُسفر عن نتائج تفي بالغرض المطلوب، ولا عن تحول نوعي ينسجم مع انتظارات المجتمع وطموحاته. فأين يكمن الخلل؟ هل في تعدّد السياسات وتبدّلها بتغيّر الحكومات، أم في تعثر تنزيل مقررات الإصلاحات المقترحة؟ أم أن الخلل يكمن في العجز عن تشخيص جوهر الإشكالات العميقة التي تعتري هذا القطاع، رغم أن الكفاءات المكلَّفة بهذه المهام هي نفسها التي يُعوَّل عليها في كل مرة لإيجاد الحلول ووضع التصورات؟ أم تراه يرجع الى التحولات اللامتناهية التي يعيشها المجتمع المغربي، كغيره من دول العالم، مما ينعكس حتما على مجال حيوي وحساس كهذا؟ المتتبع لمسار الإصلاحات الرامية إلى تحديث النظام التعليمي وتطويره، لن يغفل الكم الهائل منها منذ سنة 1970 إلى اليوم. لقد خضنا، كمغاربة من مواقع مختلفة، رحلة طويلة تفاوتت فيها القرارات والإجراءات والنتائج، وخصصت لها ميزانيات ضخمة، وحظيت هذه الإصلاحات بالترويج في كل مرحلة. إصلاحات تارة تنصب على البرامج والمناهج، وتارة أخرى على العنصر البشري(المدرس ) قدراته وكفاءته، وحتى المتمدرس، وما يتطلبه بلوغه من مهارات ونظريات بيداغوجية وووو… ودائما الحصيلة لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هناك أزمات تتالت، لتتحول إلى ثوابت يصعب زحزحتها: غياب جودة وضعف مردودية، هدر مدرسي مزمن، تراجع عدد الناجحين خصوصا في التعليم العمومي، وانسداد الآفاق أمام غالبيتهم لضعف في مستوى تكوينهم /ن، علما أن المدرسة العمومية كانت ولادة في ما مضى، وكان الخريجون الجامعيون في مختلف التخصصات، ينتمون إليها، ارتفاع بطالة الخريجين ذوي تعليم جامعي... التقارير التي أسفرت عنها اجتهادات ودراسات هذه اللجن الكثيرة العدد، والمجالس المنتقاة من أجل الإصلاح، تباينت نتائجها بتباين المرحلة والظرفية، وأيضا الغاية، لنتواجه في كل مرة مع عطالة في قطاع حيوي، لا يحتمل التأجيل في إيجاد حلول فعالة بعيدا عن تكدس المتون والنصوص المبهرة في نظرياتها المستوحاة من هذا البلد أو ذاك، ومن هذه التجربة أو تلك . إنه هدر زمني ينضاف إلى هدر مدرسي، وهدر لطاقات بشرية، كان من الممكن وقد تمكنت من ولوج المدرسة، أن تحظى في كل الأسلاك بتعليم جيد، يطور مهاراتها وقدراتها، معارفها، قيمها، ويؤهلها لمجال الشغل، وأن يصنع منها ذواتا تعي دلالة الوطنية والمواطنة، ذواتا تدرك جيدا أنها في عالم متحول، يحمل في تغيراته ما قد يدفع بها إلى الأمام، وما قد يعيق رحلتها نحو كل نجاح حقيقي . طاقات ستحمل مشعل العلم والمعرفة، وهي المتشبعة بالفكر النقدي والعقلاني بعيدا عن كل محاولات تدجين، ستكون له عواقبه مع مرور الزمن. طاقات ستسهم، دون شك، في تنمية البلد والعمل على تطويره، وطبعا حمايته والدفاع عنه بكل ما أوتيت من عزم ومسؤولية . كل هذه الطموحات وغيرها، كانت ستجد طريقها إلى التفعيل على أرض الواقع، لو كنا كمغاربة نستفيد جميعا، تلامذة وأولياؤهم، من مشروع مجتمعي واعد، مشروع يقطع مع كل ما قبله من ارتجال، واضح الرؤى، مسكون بالأمل في إصلاحات حقيقية، يحدث حوله الإجماع، يحقق التساكن المجتمعي وما يستتبعه من نتائج تلبي انتظارات المغاربة أجمعين .