برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى رئيسة جمهورية الهند على إثر تحطم طائرة ركاب هندية بأحمد آباد    العدوان على إيران: بين الدعم والتفرج    الجديدة.. ضابط أمن يستخدم سلاحه الوظيفي لتحييد الخطر الصادر عن أشخاص في حالة اندفاع قوية    آسفي تبلغ نصف نهائي كأس العرش    جهة الدار البيضاء–سطات تسجل تفوقا يفوق 61 % في نتائج بكالوريا 2025    عمر الحريري وهبة بناني يتصدران نتائج الدورة العادية للبكالوريا    الفرقة الوطنية للشرطة القضائية…توقيف شقيقين للاشتباه في ارتباطهما بشبكة إجرامية تنشط في ارتكاب جرائم النصب والاحتيال وخيانة الأمانة والاتجار بالبشر        حزب العدالة والتنمية: بين ازدواجية المواقف ودعم المحاور المعادية لوحدة المغرب    وفاة مستشار المرشد الإيراني متأثرا بجراحه بعد يوم واحد من تعرضه للهجوم الإسرائيلي    تكريم الفنانين أحمد حلمي ويونس ميكري في حفل افتتاح مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي    كأس العالم للأندية.. صيغة جديدة تعد بمتعة أكبر وتنافسية أعلى    برشلونة يخوض مباراة ودية بالدار البيضاء في غشت المقبل    غوغل تُحوّل نتائج البحث إلى بودكاست صوتي باستخدام الذكاء الاصطناعي    تخصيص ميزانية 113 مليون درهم لتحديث وتأهيل مطار العروي    المغرب يحتفي باليوم الوطني للتبرع بالدم لتعزيز روح التضامن والإنقاذ    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي على وقع الانخفاض    جيلان تتألق في "ها وليدي": ملحمة فنية مغربية تنبض بالحب والولاء للوطن.. المغرب لا يُغنى عنه، بل يُغنّى له    إسرائيل تواصل غاراتها على إيران ونتنياهو يقول إن "ضررا حقيقيا" لحق ببرنامج طهران النووي    موجة حر تصل إلى 45 درجة تضرب عدداً من أقاليم المملكة مطلع الأسبوع    جمعية: "بيجيدي" يسيء للجالية اليهودية    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى عاهل المملكة المتحدة بمناسبة عيد ميلاده    تامر حسني يكشف تطورات الحالة الصحية لنجله    "صفعة للاستثمار وضربة لصورة المغرب".. نخرجو ليها ديريكت يكشف كواليس توقيف مشروع فندقي ضخم في قلب الدار البيضاء    الحسنية توقع رسميا عقودها مع المدرب الرئيسي والمدير الرياضي للحسنية    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم يهم تحسين وضعية مهندسي العدل    إيران تعلن مقتل 3 علماء نوويين جدد    مطالب للحكومة باتخاذ إجراءات ملموسة تحفز اندماج القطاع غير المهيكل بالاقتصاد الرسمي        اجتماع وزاري لتفعيل التوجيهات الملكية حول إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية    إيران تقرر إغلاق الأجواء حتى إشعار آخر    مونديال الأندية.. ميسي "متحمس" وماسكيرانو يشيد بقوة الأهلي    رينجرز يعلن رحيل المغربي عصام الشرعي من منصبه كمساعد مدرب    حصيلة وفيات تحطم طائرة هندية ترتفع إلى 270 شخصا    لامين يامال يفجر "ضجة كبيرة" بشأن صفقة نيكو ويليامز    الطالبي العلمي يستقبل وفد المنتدى البرلماني الإفريقي لبحث قضايا الدفاع والخارجية    ريال مدريد يضم اللاعب الأرجنتيني ماستانتوونو    أجواء حارة في توقعات طقس السبت    واشنطن.. عرض عسكري غير مسبوق احتفالا بالذكرى ال250 لتأسيس الجيش الأمريكي    حملة ميدانية واسعة لمحاربة احتلال الملك العمومي بسوق للازهرة بالجديدة    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري    تراجع ملحوظ في كميات وقيمة الأسماك بميناء الناظور خلال الأشهر الأخيرة    اجتماع عمل لبحث إجراءات إعادة تكوين قطيع الماشية على مستوى جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    " التحول " معرض فردي للفنانة حياة قادري حسني برواق باب الرواح بالرباط        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو يتوج ملكة جمال حب الملوك    أسماء غنائية عربية تعتلي خشبة موازين في دورته العشرين    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    شهادات مرضى وأسرهم..    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    









عن التعليم ورداءته.. الإنسان ابن بيئته
نشر في هوية بريس يوم 11 - 02 - 2021

التعليم في بلدنا من المجالات التي يتجلى فيها قول النبي عليهالسلام: (ما من عام يأتي الا والذي بعده شر منه…).
أتابع باهتمام ما يصدر عن رجال التعليم من تدمر وتسخط على مستوى التعليم.. ففي جل الصفحات ووسائط التواصل الاجتماعي إضافة، إلى ما نسمعه مباشرة، لا تكاد تجد فيهم أحدا إلا وهو يشكو ويتحسر على ما آل إليه مستوى التلاميذ الذي بلغ عند كثير منهم الحضيض وقاع القاع، لا قدرات ولا مهارات لا قرائية ولا تحليلية ولا فهم ولا استنباط ولا مناقشة...
لقد كان هذا واقع التعليم في الظروف العادية، فكيف ونحن في زمن كورونا فإن البقية أتت والقادم مرعب. إن لم يتداركنا الله برحمته، ولم نتدارك أنفسنا بهبة صادقة من أجل الوطن وشعبه –نعم أقول صادقة–، لأن الأمر يثير الشكوك حول اختلاط النوايا، وما ينشر من تقارير تتحدث عن الجودة والمردودية لا تعبر عن الحقيقة، ولا أدري لأي هدف أو غرض؟
إن الحديث عن واقع التعليم سال فيه مداد كثير، وقيل فيه كلام أكثر، ورغم أن هناك من كتَب مشخصا للواقع ومقدما للحلول، إلا أن هناك تدهورا متزايدا يطرح أكثر من سؤال عن سر هذا الفشل، رغم ضجة إصلاح التعليم، والميزانية المخصصة له والإجراءات والدوريات والمذكرات… وكل محاولة أصبحنا نتنبأ لها بالفشل من كثرة الفشل.
وبعد النظر والتأمل بدا لي أن الاصلاح في بيئة لا تناسبه سيكون دائما بلا نتيجة ومآله الضياع والفشل. فإن برامج الإصلاح كالزرع لابد له من بيئة مناسبة، وهي ما نفتقده في هذا الوطن. وقد كنت قديما كتبت عن الموضوع وقلت إن تعليما لا يخدم الهوية والدين لا يمكن أن ينجح أبدا حتى وإن اعتمدت فيه أحدث النظريات وأرقى الوسائل، وإن الناجحون في العالم نجحوا لأنهم تحركهم عقيدة وهوية يخدمونها في جميع المجلات وعلى رأسها أم المجالات؛ التعليم.
فإذا كنا نفتقد إلى هذه الهوية الواضحة المنضبطة، بالإضافة إلى بيئة لا تسمح بإنتاج تعليم ناجح رائد يعد ركيزة أساسية لكل عملية تنموية ريادية تروم بلوغ القمة في سلم الحضارة. فإننا نضيع الوقت والجهد والمال فقط، وهذا ما يؤكده الواقع.
ولمعرفة أثر البيئة في صناعة أجيال متعلمة مقدرة للعلم والمعرفة أرجع بالقراء إلى الماضي الجميل لأمتنا الإسلامية التي تركت بصمات بارزة في مجال العلم والمعرفة. تشهد بها الجامعات العريقة والمكتبات الزاخرة في جميع العلوم والميادين، لأنقل هذا النص لعالم مالكي، وهو أبو بكر الأبهري توفي سنة 375ه يقول رحمه الله:
"دخلت جامع طرسوس وجلست بسارية من سواريه، فجاءني رجلفقال لي: إن كنت تقرأ فهذه حلقة قرآن، وإن كنت مقرئًا فاجلس يُقرأعليك، وإن كنت فقيهاً فاجلس يُحلق عليك، وإن كنت متفقهًا فهذهمجالس الفقه، قم إليها، فإن أحدًا لا يجلس في جامعنا دون شغل"...!(ترتيب المدارك للقاضي 2/224).
هذا واقع الأمة، أمة "اقرأ" التي كانت تعظم العلم وكانت بيئتها علمية، لا مجال فيها للبطالين ولا الخاملين ولا الكسالى. العلم كان يشتغل به الجميع متخصصون ومتفرغون، وأصحاب المهن والمسؤوليات،فكان في الأمة الأسر العلمية، الأب والأم والأبناء وأبناء العم والخال وأبناء الاخوة والأصهار… وهلم جرا، الكل منشغل بالعلم ولا شغل له إلا هو، فيفتح الطفل عينيه فلا يرى إلا اهتماما بالعلم واشتغالا به، وقد كتبت مقالات وكتب في الأسر العلمية التي تعد ظاهرة مميزة في الحضارة الاسلامية.
أمة تقدس العلم لأنها تنتمي إلى دين الاسلام دين العلم الذي دل عليه أول ما نزل من الوحي، الذي سيغير وجهة العالم من الشر إلىالخير، ومن الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، حيث نزل قول الله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) سورة العلق.
فتأمل الآيات حيث بدأت بالقراءة ثم تلاها كل ما له علاقة بالعلم والمعرف من ذكر التعليم والقلم وتكرار ذلك، مما يدل دلالة صارخة على أهمية العلم في هذا الدين. ولأن الأمة الإسلامية كانت تنفذ أمر الله،وكانت لا تقرأ فحسب بل تقرأ باسم الله كما هو الأمر، وهذا ما يدل على أن العلم والمعرفة ينبغي أن يكون المنطلق فيه خدمة العقيدة، لذلك كانت الأمة ولقرون طويلة أمة رائدة؛ أمة علم ومعرفة، بيئة لا صوت فيه يعلو على صوت العلم.
ومؤلفات العلماء في الحث على طلب العلم وشروطه وآدابه ومناهجه كثيرة جدا، ولم تفوت الأمة وعلماءها أي وسيلة تحفظ للبيئة العلمية مكانتها وهيبتها وريادتها إلا واعتمدوها وحثوا عليها. وكانوا يحذرون من كل أمر يرون فيه خطرا على منظومة العلم والتعليم في زمانهم، وفي هذا الصدد يقول الإمام المالكي سحنون رحمه الله ت240ه: وأكره للمعلم أن يُعلّم الجواري (الفتيات) ويخلطهن مع الغلمان لأن ذلك فسادلهم. (آداب المعلمين). يقول هذا رغم أن زمانهم زمان طهر وعفاف وشرفودين.
أما ونحن اليوم نشتكي ونتدمر غاية التذمر من مستوى التعليم الرديء فلا عجب ولا غرابة؛ إذ البيئة ليست بيئة علم ومعرفة، فأمةالإسلام اليوم "أمة اقرأ" لا تقرأ ولا تتعلم إلا ما كان من أجل تحصيل مال أو منصب تنتهي المعرفة بتحصيله.
ومن تأمل وجد الآمة اليوم أصبحت أمة رقص وغناء وعبث وتفاهة ومجون وتباه وضحك ولعب.. وهلم جرا، وهذه هي بيئتها التي تنشأ فيها الأجيال. وما ينشره الإعلام الذي يعد واجهة الأمة يعطيك الخبر اليقين.
فمتى تنشغل الاجيال بالعلم والمعرفة وهي التي تفتح أعينها على هذه الصورة القاتمة والبيئة الموبوءة التي لا تشجع العلم بقدر ما تشجع على التفاهة والمتعة الزائلة الزائفة، والتي لا تحتاج إلى جهد وتضحية بقدر ما تحتاج إلى وقاحة وجرأة وانعدام ضمير وعفة.
فأجيال اليوم بالخصوص لا وقت لهم للاشتغال بالمعرفة والعلم وتخليص الوقت له وحصر الجهد من أجله، كيف وهو يقصف على مدار الساعة بوابل من العبث والتفاهة، كبلته وبلدته ففقد كل المقومات التي تجعل منه تلميذا نجيبا ذكيا فطنا، يحب العلم والمعرفة.
بل إن حجم الكره الذي يسكن التلاميذ اليوم للدراسة والعلم لا يتصور. ومن أدلته تلك الفرحة الغامرة التي تنتاب قلوب كثير منهم حين يعلمون بغياب الأستاذ أو توقف الدراسة أو عطلة مفاجئة.. وفرحهم بالحصول على معدلات لم يبذلوا فيها جهدا، واختصار أمانيهم في النجاح من مستوى إلى آخر، واحترافهم للغياب عن الدروس، بل الأدهى غيابهم عن الامتحانات بدون مبرر فقط لهوى في نفوسهم، بالإضافة إلى احتقار معلميهم وإهانتهم والاعتداء عليهم والتباهي بذلك.
متى سيهتم هؤلاء بدراستهم وهم يرون أن نجوم الأمة المحتفى بهم ليسوا إلا مغنين وممثلين وفكاهيين وتافهين وو…. لا مجال بينهم للمتفوقين دراسيا وعلميا ومعرفيا، والمبرزين في عالم التقنية والاختراع والابتكار، ولا سيما ممن يعتز بدينه وهويته وقيمه الإسلامية، أنى لهم أن يهتموا بالدراسة وهم نشأوا في بيئة تهتم بجمالية غرفة استقبال الضيوف أكثر من جمالية أخلاق أبنائهم، ويهتمون ببناء البيوت أكبر من اهتمامهم ببناء شخصيات أبناءهم إلا بقدر من يخدم الرفاهية ومتع الحياة، بيوت لا تكاد تجد فيها فضاء مخصصا للكتب، ولا اهتمام فيها بالكتب بقدر الاهتمام بالأثاث والأواني والملابس، كيف سيقدر هؤلاء الأبناء الدراسة والعلم وهم ينشؤون في بيوت تتحلق حول الأفلام والمسلسلات والبرامج التافهة، ولا تتحلق أبدا حول محاضرة أو قراءة كتاب أو مناقشة فكرة، كيف سيهتمون بالدراسة ونحن في بيئة موبوءة يثني فيها التلاميذ على الاستاذ الذي يمنح النقط بلا جهد ويغطي على فشله بذلك، ويسبون الأستاذ المجد والذي لا يغش ولا يحابي، ولا يحصل تلامذته الا على ما أدركه جهدهم وحصلوه بمثابرتهم. كيف سيهتمون بالعلم وكثير من الآباء لا يهتمون بمتابعة مسار أبنائهم الدراسي، وكثير منهم يشجعون أبناءهم على الغش ويسبون الأستاذ الذي لا يتسامح مع الغش ويدعون عليه، ويمدحون الأستاذ المتغافل والمتواطئ ويدعون معه!
إن بيئتنا اليوم بيئة تعشش فيها التفاهة، بل بيئة صارت محصنة ضد العلم والمعرفة التي هي سبيل الرقي والكرامة؛ لأننا أمة يراد لها أن تبقى في الحضيض؛ أمة بلا قيمة ولا قامة. وعليه فما دام الوضع العام في علاقته بالعلم والمعرفة بهذه الصورة القاتمة فإن أي جهد لن يحقق هدفا ولا غاية.
ولذلك معشر الأساتذة وشرفاؤهم يشتكون من تلاميذ مستوى دراسي في سنة، فإذا جاءت السنة أخرى أصبحوا يترحمون على من كانوا يشتكون منهم، وهكذا دواليك. فما من عام يأتي إلا والذي بعده شر منه، ما لم تتم معالجة القضية بشمولية وصدق مع مراعاة الهوية والعقيدة، ذلك ما أرجوه والأمر لله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.