الأمن الوطني يطلق منصة رقمية "إبلاغ" لمحاربة الجرائم الرقمية    كيف تهدد الجزائر و"البوليساريو" أمن الساحل والصحراء؟    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة بركان والزمالك في نهائي الكاف    إجهاض عملية تهريب وترويج نحو 63 ألف قرص مخدر من المؤثرات العقلية بالدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    البحث العلمي وبعض الشروط الأساسية من أجل الإقلاع!    من قمة المنامة..رسائل ملكية قوية إلى من يهمهم الأمر    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    بدء وصول المساعدات عبر الرصيف العائم وحماس تشكك في نوايا واشنطن وتؤكد الاستعداد لمعركة استنزاف طويلة    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    طنجة.. توقيف شخصين وحجز الآلاف من قنينات الكحول غير مصرح بها    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    الساكنة تستنكر لامبالاة المسؤولين تجاه حادث انفجار أنبوب للماء الصالح للشرب وسط الناظور    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    المنتخب المغربي النسوي يهزم نظيره الجزائري ويتأهل للدور الأخير من تصفيات كأس العالم        افتتاح مهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية على أرض التسامح والانفتاح    طقس السبت..جو حار وأمطار بهذه المناطق!    باحثون شباب يستعدون لتطوير مشغل ذكاء اصطناعي باللهجة الدارجة المغربية        مقاولات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة توفر أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    المغرب يفرض رسوم مكافحة إغراق السوق على سلعة تركية    الفيفا تقر تعديلا يمنع انتقال أي لاعب من أي بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    افتتاح بيت الحمية المتوسطية بشفشاون..تكريم ثقافة عريقة وتعزيز التنمية المستدامة    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    "البيجيدي" يطالب بالتحقيق في تسويق منتجات غذائية مصنوعة من المخدرات    جامعة محمد الخامس "الأفضل في المغرب"    الخسارة الثالثة للأشبال بدوري ماركفيتش    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    ملف إسكوبار الصحراء.. محاكمة بعيوي تبدأ في هذا التاريخ    كيف يتم تحميص القهوة؟    سانشيز يعلن الأربعاء موعد الاعتراف بفلسطين    إسرائيل: حرب غزة "ليست إبادة جماعية"    الطالبي العلمي يجري مباحثات برلمانية بالصين    الخزينة تكتتب ما يعادل 3,4 مليار درهم في سوق السندات ما بين 8 و 15 ماي    منظمات الإغاثة تحذر من تحديات متزايدة في عملياتها في قطاع غزة    القمة العربية في مواجهة التحديات    العصبة الاحترافية تحدد تاريخ إجراء مواجهة "الديربي البيضاوي"    السيد العمراني يلتقي أجاي بانغا.. إرادة قوية لتعزيز التعاون بين البنك الدولي والمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الجزائر.. نظام العسكر يلجأ لتوظيف مؤسساتها التعليمية لتحريض الأجيال الصاعدة ضد المغرب    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    شراكة تثمّن الإمكانات الغنية للسياحة القروية    المحكمة الدستورية تقبل استقالة مبديع وتدعو وصيفه لشغل مقعده بمجلس النواب    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    الأمثال العامية بتطوان... (600)    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موسم الإجهاز على ما تبقى من المكتسبات الأمازيغية
نشر في خنيفرة أون لاين يوم 30 - 09 - 2014

بقلم ادريس رابح / قليل هم من يتعظون بمجريات السنن التاريخية وقليل هم من ينتبهون إلى أن التجارب الأممية، رغم تباعدها في الزمان أو المكان، تتشابه وتتكرر في أكثر من قطر، وإن ثبت هناك اختلاف في الشكل أو في جانب من سيرورة التحقق، إلا أن الجوهر لا يتغير والنتائج تتقارب رغم تباين الشروط والظروف التاريخية والسوسيوثقافية التي احتضنتها ووفرت لها أسباب الوجود.
كل دول العالم تنتهج سياسة معينة تجاه نسيجها اللغوي الداخلي وفق ما تقتضيه مصلحة القوامين بالقرار السياسي، وتخضعه لنمط من التصورات الموجهة من طرف خلفيات الطبقة الحاكمة، وتتحدد طبيعة هذه السياسة بخلفيات تاريخية ورهانات هوياتية ومحددات اديولوجية وتوجهات براغماتية.
لذلك، فالدولة التي تتوفر، مثلا، على الرغبة السياسية الحقيقية في النهوض بمكون لغوي معين، تلجأ إلى حمايته قانونيا وتوفير له ترسانة تشريعية تكون سندا ومرجعا لكل الهيئات والأفراد في ''التعامل مع وضعه الاعتباري، في المقابل، نجد أن الدولة التي يعوزها معنى ''الانتماء''وتروم تكريس مشهد لغوي محدد على حساب أحد مكوناتها اللغوية الأخرى، تسطر سياسة لغوية إقصائية تقوم على تهيئ الشروط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والقانونية التي تجعل تنافسية السوق اللغوية تميل لصالح ''المكون اللغوي'' الذي يخدم إيديولوجيتها ومصالحها الإستراتيجية.
تختلف إذن السياسة اللغوية من بلد إلى أخر، حسب الأهداف والخلفيات وتغيير موازين القوى داخل المجتمع. فكيف إذن، تتحدد نظرة الدولة المغربية إلى اللغة الأمازيغية ومستقبلها(وهنا أتحدث عن النظرة العميقة وليس ما يظهر على السطح) من خلال عدة مؤشرات أهمها ''واقع تدريسها في المنظومة التربوية'' و''تأخر إخراج القوانين التنظيمية للترسيم الفعلي للأمازيغية''وغيرها من مؤشرات ميدانية...؟
بالعودة إلى تجارب عالمية شاذة، فضلت من خلالها دول محددة أن تقصي إحدى دعائهما الهوياتية وإحدى مكوناتها اللغوية، سنجد أن هناك نقط مشتركة بينها وبين السياسة اللغوية التي تنتهجها الدولة المغربية تجاه الأمازيغية، رغم وجود اختلافات على مستوى التمظهرات والتكتيك المتبع والصورة التي تحاول أن تسوقها لسياستها البرغماتية والاحتوائية.
إن سياسة الدولة تجاه الأمازيغية واضحة من حيث الهدف وملتبسة من حيث الوسائل التي توهم بعكس ما تخفيه، وتاريخها يبين أن الأمازيغية لها بعد هوياتي يشكل تهديدا للشرعية في نظر السلطة السياسية المغربية، لذلك وجب سن إجراءات تنحو تدبير هذه الملف وفق نهج يحافظ على الغاية المسطرة –طمس الأمازيغية-وفي نفس الوقت يأخذ بعين الاعتبار التغيرات والتحولات التجادبات المرحلية، كأن تتم الاستجابة لبعض المطالب وفق ممارسة محسوبة الخطوات تتشرب اندفاع بعض النخب والتيارات بالاستقطاب تارة وتحاول تقليم أظافر البعض الأخر تارة أخرى، ولعل إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية وإنشاء ايركام والدسترة الشكلية أهم تلكم الآليات التي يعتمدها المخزن في ترويض ''الأمازيغية المزعجة'' لحساباته. فالنظر إلى نمط التعامل مع الأمازيغية من طرف الدولة يجعلنا نقف على جوهر السياسة اللغوية المتبناة والتي لا تختلف في مضمونها ومراميها عن تلك المعتمدة في بعض الأقطار، كأندونسيا والصين في مقاطعة zhuang du guangziوالبرازيل تجاه اللغة الأصلية...، مع فرق بسيط أن تلك الدول تمارس سياستها على ''لغات الأقليات'' بينما في المغرب تمارس هذه السياسة على لغة الأغلبية وهو ما يعني تكييف لتلك السياسة لتلائم الخصوصية المغربية، وهنا تنبع في البيئة المغربية تلك المقاربة التي تمزج بين الدين والعروبة في الوجدان المجتمعي وتحريك بعض التيارات لتخوين المطالب الأمازيغية وربطها بالاستعمار والصهيونية...وهي وسائل أتت أكلها في مجتمع أمي تحركه العاطفة أكثر ما يميل إلى اعتماد العقل والمنهجية العلمية.
يقوم هذا النمط من السياسة المسماة'' سياسة الاستيعابpolitique d'assimilation ''، على اعتماد وسائل غالبا ما تكون عبارة عن تخطيط مسبق وواع لتسريع وثيرة جعل بعض المكونات الهوياتية واللغوية أقلية ومصادرة رصيدها ومعالم تميزها. وتبني سياسة الاستيعاب لبناتها على ''سن قوانين المنع والإقصاء والتهميش الاجتماعي للناطقين، ويحدث أن تتظاهر الدولة بتبني العدالة اللغوية في القوانين ولكن في عمق الممارسة تتوسل بسلوكيات تغترف من التمييز والإقصاء تجاه مكون لغوي معين. وهذا ما ينطبق في جزء كبير منه على السياسة اللغوية المغربية تجاه الأمازيغية، ويبرر الوضعية المزرية التي تتخبط فيها داخل المنظومة التربوية.
تحاول الدولة أن تمارس الحياد السلبي تجاه وضعية اللغة الأمازيغية، وهو الدور الذي تمارسه عادة الدول الليبرالية التي تتمتع ساكنتها بعدالة لغوية دون تمييز وحين تكون لغاتها قد وفرت لها كل الشروط القانونية والسوسيولسانية. وهذه السياسة مقصودة بل وتخدم اديولوجية المخزن باعتبار أن الأمازيغية لم تحظى بعد بالوضع القانوني والتشريعي والاهتمام المستحق حتى نخضعها لمقتضيات تنافسية السوق اللغوية.
إن من النتائج المباشرة لسياسة الاستيعاب هو ذاك التخبط الذي تعيشه اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية، وكنت قد نبهت في مقال نشر في المسار الصحفي في الجمعة 8 نونبر العدد 94، بمناسبة الموسم الدراسي الماضي 2013.2014، أن الدولة المغربية لا تملك رؤية واضحة تجاه تدريس اللغة الأمازيغية نتيجة غياب الرغبة السياسية لدى صانع القرار الرسمي، مما يعني معه غياب إستراتيجية ذات أهداف محددة ووسائل التقويم والمتابعة وبالتالي المحاسبة.
وأولى انعكاسات ذلك على المستوى الميداني، أن يترك تدبير ملف إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية خاضعا لمزاجية النواب الإقليميين ورؤساء المصالح ومدراء المؤسسات التعليمية. فالمشاكل تتكرر كل سنة والتراجعات في المكتسبات لازالت تسجل في العديد النيابات الإقليمية، فمن خلال معطيات استجمعناها على مستوى الكنفدرالية المغربية لجمعيات أساتذة اللغة الأمازيغية، فقد قام بعض النواب بسحب تكليفات أساتذة اللغة الأمازيغية وإزالة مادة اللغة الأمازيغية من البنية التربوية لهذا الموسم كما حدث في نيابة خنيفرة، كما أن هناك نواب طالبوا أساتذة اللغة الأمازيغية الجدد المعينين من طرف الوزارة بتدريس مواد أخرى كالعربية والفرنسية لسد نقص الموارد البشرية، بالإضافة إلى غياب كلي إلى أي مذكرة وزارية تعنى بالإمازيغية كما أعتيد على استصدارها عند بداية كل موسم دراسي.
إن إفشال تدريس اللغة الأمازيغية ليس في أخر المطاف إلا وجه من أوجه سياسة الدولة الإقصائية التي تروم استيعاب الهوية والثقافة الأصلية للبلاد وليس كذلك إلا توفيرا لشروط إضافة لإنجاح مسلسل التعريب الجذري للإنسان والحجر والشجر وطمس الهوية الأمازيغية وتاريخها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.