طريق المغرب في التحول إلى رائد صناعة السيارات    اتحاد طنجة يتضامن مع نهضة بركان ويندد ب"صبيانية" العصابة الجزائرية    هشام الدكيك: مواجهة أنغولا في النهائي ستكون مختلفة تماما عن مباراة الافتتاح    انطلاق فعاليات النسخة 15 من الأيام التجارية الجهوية بتطوان    فيروس التهاب الكبد.. أوروبا تكشف عن حالة لفراولة مغربية مصابة مرت عبر الجمارك    ها جديد أزمة تونيات نهضة بركان فالجزائر    خفض صبيب الماء الشروب بمدينة وجدة من 22 إلى 29 أبريل الجاري (وكالة)    مجموعة قاصرين تنفذ عملية اقتحام إلى سبتة المحتلة سباحة    12 فيلما يتنافسون على جوائز الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    عزيزة العمراني تحرز لقب الدورة ال38 لماراطون الرمال    الوزير الأول المالي: المغرب بلد صديق نعتمد عليه لمواصلة إعادة البناء    الدرهم يرتفع بنسبة 0,78 في المائة مقابل الأورو    موظف شرطة يضطر لاستعمال سلاحه الوظيفي لتوقيف شخص عرض أمن المواطنين والشرطة بوجدة    تساقطات مطرية مرتقبة ترفع التحذيرات من منعرجات طرقية بين طنجة وتطوان    إصابة نحو 12 ألف طفل منذ بداية الحرب على غزة (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)    حمد الله يخرج عن صمته ويوجه لومه للناخب الوطني    فضيحة تأمينية في مليلية.. مواطنون يقودون سياراتهم بوثائق تأمين مزورة    بمشاركة عدد من الدول.. افتتاح مهرجان فاس للثقافة الصوفية وسط حضور إفريقي كبير    حزب الاستقلال بتطوان يعقد مؤتمره الإقليمي استعدادا للمؤتمر الوطني ال18    نقابات الصحة تشل حركة المستشفيات من جديد    أيام التراث بطنجة تحتفي بدور المرأة في صيانة الموروث المغربي    قمة مشتعلة بين "الكوديم" المتصدر والاتحاد الإسلامي الوصيف    وزير خارجية ايران: هجوم اسرائيل لعبة اطفال ولن نرد عليه لان مصالحنا لم تتضرّر    مهنيون يتوقعون ارتفاع أسعار المواشي قبل عيد الأضحى    المركز الجهوي يتطلع لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لجهة شمال    كازا عندها مهرجان دولي للسينما المستقلة. ها رئيس لجنة التحكيم وها علاش كيراهن    بمناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار: الإيسيسكو تدعو إلى تعزيز القدرات الابتكارية للشباب والنساء    اليونسكو ضيف شرف الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    المصرية إلهام شاهين تخرج بتصريحات تغضب المغاربة    ضربات الشمس تتسبب في وفاة وعشرات الإصابات بالمسكيك    الصحراء بعيون البيت الأبيض وتقارير المؤسسات الأمريكية!    الأرصاد الجوية تحذر من الرياح والأمطار وتراجع درجات الحرارة‬ في المغرب    توقيف 7 أشخاص بتهمة النصب والاحتيال وانتحال صفات في تازة    تفاصيل تغيير مفاجئ في برنامج المنتخب المغربي قبل تصفيات المونديال    أكادير : هددت بالتصعيد.. نقابة تطالب بإرجاع الأساتذة الموقوفين و"السحب الفوري" لكل الإنذارات والتوبيخات    أمريكا تفرض عقوبات على أحد المقربين من وزير إسرائيلي وكيانين جمعا أموالا لمستوطنين "متطرفين"    بمشاركة قرابة ألف شخص.. "أسطول الحرية" يستعد للإبحار نحو غزة    أسود الفوتسال: هدفنا الاول بالتأهل للمونديال حققناه ودابا مركزين على فينال كوب دافريك    مياه الفلتر المنزلي ومياه الصنبور، أيهما أفضل؟    قريبا.. تعيين 600 معلم جديد لتدريس الأمازيغية في المدارس المغربية خلال الموسم الدراسي القادم    المهندسون يهددون بالهجرة إلى خارج المغرب بعد تجاهل مطالبهم    شخص يضرم النار في نفسه أمام المحكمة التي يمثل أمامها ترامب بنيويورك    جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنساني    ندوة تلامس السياق في الكتابات الصوفية    هشام العلوي: استفحال اقتصاد الريع في المغرب ناتج عن هشاشة سيادة القانون والنظام يخشى الإصلاح الاقتصادي الجوهري (فيديو)    المغرب يسعى لاستقطاب مليون سائح أمريكي سنويا    نقابة: نسبة إضراب موظفي كتابة الضبط في دائرة آسفي فاقت 89% رغم تعرضهم للتهديدات    إعلام عبري.. نتنياهو صرخ في وجه وزيرة خارجية ألمانيا: نحن لسنا مثل النازيين الذين أنتجوا صورًا مزيفة لواقع مصطنع    الجدارمية د گرسيف حجزوا 800 قرعة ديال الشراب فدار گراب بمنطقة حرشة غراس    الأمثال العامية بتطوان... (577)    تسجيل حالة وفاة و11 إصابات جديدة بفيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عوائق إبستيمولوجية في تلقي الفن التشكيلي العربي
نشر في بوابة القصر الكبير يوم 09 - 11 - 2016

لكل عمل فني متلق عام وآخر خاص؛ لا سيما أن الفنان يبتغي من وراء عمله التعبير عن إحساسه اتجاه قضية من القضايا التي تخالج فكره .
والفنان التشكيلي العربي هو جزء لا يتجزأ من بنية عامة وهي الثقافة العربية ، وخصوصا في شقها الإسلامي الذي ارتبط بالحلال والحرام ، وما أعقب ذلك من تسليط للضوء على قضايا رسم الإنسان والأعضاء التي دعا إلى تحريمها الفقهاء بدريعة بعض الأحاديث الضعيفة التي تتخذ كحجة من الحجج الواهية. وهذا أكبر عائق ابستيمولوجي حال بين المعرفة العالمة في شقها الفني، والمعرفة الدينية المنمطة في شقها الفقهي الذي لم يتأسس على نصوص صريحة لمنع الإبداع البشري . فهل استطاع الفنان العربي التعبير عن ثقافته بغض النظر عن تاريخ تطور الفن عند العرب في شقه الديني المانع للرسم والتصوير ..؟ وهل استطاع أيضا الفنان العربي خلق فن تشكيلي يراعي مقومات الهوية والبنى الإجتماعية المكونة للثقافة العربية ؟ أم إنه سجين تصورات غربية تؤطر فكره وأفق تصور الفني كمحاولات لاستنساخ ما أنتجه الغرب وعكسه بمسلاط نحو الذات العربية للمجتمع العربي معتمدا على معيار المماثلة لخلق أشباه ونظائر ؟
ما هو معيار الحكم الجمالي عند المواطن العربي في تلقيه للعمل التشكيلي ؟ وهل استطاع أن يرقى بذوق هذا المواطن نحو فهم حقيقة الفن وجوهره ؟
في تقديرنا لا وجود لعمل فني يرتبط بجهة معينة ، سواء تعلق الأمر بالشرق أوالغرب، ما دام هذا العمل من إنتاج الذات الواعية المبدعة، فهو عمل يحتفظ بصفته الكونية وبالتعبير عن المشترك الإنساني .
وثاني عائق إبستيمولوجي – بالمعنى البشلاري – يعوق سيرورة تلقي العمل الفني مسألة الذوق الجمالي، وهي وليدة ركام وخبرة كبيرة في الاطلاع على الثقافة البشرية ومعرفة خباياها، هذه الثقافة التي تعبر عن الإنسان والعالم .
وللأسف ما زال المواطن العربي يذعن للأعمال التشكيلية المحاكاتية لنماذج من الطبيعة كزرقة المياه والزهور والأشجار والجبال …
وبنماذج أخرى تتجذر في عمق الهوية العربية كالتعبير عن المرأة البدوية في صيغ مختلفة على حسب البلدان التي ينتمي إليها الفنان، أو التعبير أيضاً عن أجواء احتفالية لمناسبة من المناسبات كالدينية والوطنية أو لموسم من المواسم التي تمتاز بها منطقة من المناطق أو جهة متجهات الوطن العربي والنماذج هنا مختلفة …
والملاحظ أيضاً أن هذا العائق الإبستيمولوجي ظل لسنوات من الزمن يهيمن على جل الأعمال التشكيلية لدى الفنانين العرب، ولا سيما تلك الفئة التي باعت منتوجاتها " الإبداعية " بثمن بخس خدمة للبورجوازية التي صارت تقدم لهم موضوعات وتيمات أعمالهم الفنية، حيث اقتصرت وظيفة هؤلاء على النسخ والتصوير وكأنّهم آلة فوتوغرافية …
وظل السؤال على مرور أزمان طوال لماذا لم نرقى بذوق المواطن العربي نحو عتبة مقبولة – لا أقول حسنة أو جيدة – لفهم الفن ومحاولة للصعود به في سلم التذوق ؟
ما زال هذا السؤال يسكن أدمغة المبدعين من التشكيليين العرب وغيرهم من الذين ساروا على درب الإبداع بخطى ثابتة بهاجس أساس مؤداه هدم بادئ الرأي التشكيلي الذي ارتبط بتلك النماذج التي ذكرناها آنفا والتي ظلت للأسف لصيقة بوعي المواطن العربي حتى ظن أنها جوهر الفن التشكيلي .
وثالث هذه العوائق يرتبط بالفنان التشكيلي في حد ذاته من خلال مشكلة اللغة التعبيرية التي ينبغي أن يتوفر عليها في تذليل الصعوبات ورفع اللبس لتقريب المتلقي من عمله، فكيف يعقل أن يتعذر على فنان أبدع لوحة تشكيلية أن يوضح فكرتها لجمهوره في قاعة العرض وأن يعمل على تفسير مكوناتها ؟
لست أدري هل المسألة ترتبط بافتقار الفنان التشكيلي العربي للمعلومات النظرية وللتعابير الدالة على إبداعه ..!!
للأسف الشديد لقد اقتصرت المعارض العربية على عرض اللوحات بطريقة نمطية وشرب العصائر وأكل الفطائر والحلويات …
دون تحليل نقدي أو قراءات في اللوحات يقدمها نقاد الفن الذين اقتصر عملهم على الكتابة الصحفية التعريفية بالفنان وبمنجزه التشكيلي الذي وسم مرحلة تكوينه وأماكن عرضه …
فضلا عن كتابة الإطراءات والمجاملات والكلمات المعسولة في دفتر زوار المعرض .
أما العائق الإبستيمولوجي الرابع فمرده إلى راهنية الخطاب التشكيلي المعبر عن روح العصر، عبر تقديم منجزات تشكيلية تستدمج هذه الروح للمتلقي العربي. فإنه في نظرنا مازال الفن التشكيلي لم يستجب لقضايا المواطن العربي وللفن العالمي على وجه التحديد ، لكون راهنية التعبيرالتشكيلي هي جزء لا يتجزأ من الإسمنت الثاوي لبنى الفكر البشري على مر العصور ، فهي هموم وأحاسيس الفنان التي يعبر عنها بأشكاله وألوانه وتصوراته الذهنية les notions cognitives لا سيما تلك التي تتطلب تحليل وتأويل الأشياء الكامنة داخل بواطن الخطاب الفني، باعتباره خطابا من الخطابات، إذ يبتغي وراءه الفنان أن يحاجج على قضية من القضايا والتعبير عنها .
فالمعارض الدولية التي تنال فيها جوائز ليست وليدة محاكاة فوتوغرافية بل إنها جهد وعمل منهجي وتقني يشكل الفن ذاته . كما أن الفنان مطالب بأن يدافع عن عمله التشكيلي ويقوم بشرحه منهجيا وتقنيا حتى يقنع اللجنة بصدق الدعوى التي يتبناها في عمله التشكيلي .
كما تجدر الإشارة هاهنا إلى الصراع الذي يجد أرضا خصبة وسط الفنانين التشكيليين العرب ما زال قائما وعلى أشده، ليس بين بلد وآخر فحسب، بل إنه داخل البلد الواحد، بين من يدعي الأكاديمية والدراسة العالية والتكوين الغربي وبين من درس في معاهد الفنون العربية على قلة التخصصات العليا في هذه البلدان ما عدا مصر التي تواكب حركة التعليم العالي للفنون . أضف إلى ذلك تعالي الأنا لدى من ينعتون أنفسهم بالأكاديميين بين الفنانين العصاميين الذين لا يقلون شأنا عنهم، وليأتي بعد ذلك في الدرك الأسفل الفنانين الشعبيين من الفولكلوريين الذين لم يطوروا أعمالهم بل ظلوا تجاريين يحذون حذو النعل بالنعل .
إن هؤلاء يشكلون كثرة في المشهد الثقافي وقد دعا الفنان التشكيلي المغربي الراحل محمد شبعة إلى استقطابهم بدور الفنون وبالمعاهد من أجل أن يطوروا فنهم نحو الخروج من الشعباوية نحو العلمية والإبداعية الخلاقة يقول: "لقد كنت على حق – وكان ذلك ضروريا- أن أناهض ذلك، ولكننا لم نكن نناهض الفنانين..كنا نناهض التوجيه والتأطير والتحريف الذي كانت تقوم به جهات معروفة للأسف. إن هذه السياسة أجهضت ما كان يمكن أن نقوم به نحن في ظروف أخرى، من استقطاب لبعض التعابير الشعبية وحمايتها وتطويرها، ولكن في إطارها الشعبي: أي أنه لا يمكن أن تحول فنانا فطريا، وأقصد بالفطرة الأمية الأدبية، بحيث يفكر بشكل منهجي في عمله ويعبر عنه وينشئ خطابا حول أعماله. هذا النموذج من الفنانين، هو الذي كنا نريد أن نحتضنه ونؤطره. فليس لأنه فنان شعبي تلغى عنه هذه الضرورة. إنما نريد أن يكون الفنان الشعبي قادرا على الانتقال إلى مرحلة محترمة وهذا لم يتم" ، لكن للأسف فقد رفض بعض الفنانين من الأكاديميين ذلك بذريعة التساوي مع من هم أقل منهم ولأنهم استطعموا حياة الترف والصالونات والحوارات الصحفية المحاباتية …
وهي نفس الدعوة التي دعا إليها الفنانون الرواد من المصر أمثال فؤاد كامل ورمسيس يونان وجورج حنين في جماعة " الفن والحرية ". و محمد الناجي وراغب عياد في جماعة " أتلييه القاهرة " …
عموما وتأسيسا على ما سبق فإن هذه العوائق الإبستيمولوجية في نظرنا، قضية إشكالية رئيسة من القضايا التي يطرحها تلقي الفن التشكيلي داخل الوطن العربي، ونحن ها هنا لا ندعي الإحاطة بها ككل، بل إننا نقدم في هذه الورقة بوصفها أرضية التفكير والتحليل والمناقشة محتمين بلواء الفلسفة التي توجه أفق تفكيرنا وتنير بضوئها جميع العقول المبدعة .
لكن هل استطعنا بالفعل خلخلة العقل العربي ونقده من داخل بنيته لقبول الفنون والإبداعات البشرية من أجل الرقي به من التفكير العامي الشعبي نحو التفكير العلمي المنهجي ؟ فإلى أي حد استطاع الفنان العربي من خلال عمله الإبداعي أن يدعو المتلقي لفنه ولا سيما من بني وطنه نحو طلوع أدراج الفن وثقافة الذوق من أجل تقديم تحليل ومناقشة له ولم لا أن ينتقده علميا ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.