المصادقة على 4 مراسيم لتحسين أوضاع العسكريين    وزير الخارجية البوروندي: عازمون على ضمان علاقات صداقة وتعاون وطيدة ومستدامة مع المغرب    نقابة تستنكر تدهور الأوضاع في المدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن    إحالة محمد شدا البرلماني السابق على الوكيل العام وترقب قرار الاعتقال    وحش السياسة المتخفي خلف قناع الفضيلة    الهيئة المغربية لسوق الرساميل تؤشر على المنشور المتعلق ببيع أسهم "رونو"    المغرب يتربع على عرش صناعة السيارات الأقل تكلفة في العالم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    النفط يهبط بفعل مخاوف من زيادة المعروض وحذر حيال اتفاق أمريكا والصين    انطلاق مناورات "الأسد الإفريقي" بالمغرب    وهبي: يمكننا تحقيق أشياء عظيمة والمهم هو بلوغ النهائي    أمطار رعدية بمناطق متفرقة من المملكة اليوم الثلاثاء    كيوسك الثلاثاء| برادة يتوعد مثيري الشغب الرياضي بعقوبات صارمة وإجراءات لمحاصرتهم    ترامب يصل إلى السعودية في مستهل جولته بالشرق الأوسط    عودة الاستعمار القديم الجديد    من هو أمين الشابي سفير المغرب لدى جمهورية باكستان الإسلامية؟    برشلونة على أعتاب لقب "الليغا" وريال مدريد يودّع أنشيلوتي    نبذة عن هشام بلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض    بكين وواشنطن تتفقان على آلية حوار اقتصادي لتفادي التصعيد    بكين ترسم مع أمريكا اللاتينية خارطة طريق لعقد جديد من التعاون الشامل    بطولة اسبانيا: ريال مدريد يفتقد لجهود فينيسيوس وفاسكيس للاصابة    حكيمي يعزز استثماراته الرياضية بشراء نادي إسباني    ألمانيا تطيح بمملكة وهمية.. 6000 شخص يرفضون الدولة    جلالة الملك يستقبل ثلاثة أعضاء جدد بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية    من الناظور إلى اسبانيا.. سقوط إمبراطورية الحشيش بقبضة الشرطة وهكذا وضف "الزعيم" عشيقاته لتبييض الأموال    تركيا.. أزيد من 64 مليون مسافر عبروا مطارات البلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025    حريق مهول يلتهم محلاً لمواد التجميل في طنجة (فيديو)    كأس إفريقيا لكرة القدم لأقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي يتأهل لنصف النهائي ويحجز بطاقة العبور للمونديال    مندوبية السجون توضح بخصوص زيارة الزفزافي لوالده    نصف نهائي ناري لكأس إفريقيا ينتظر أشبال الأطلس    تعيين محمد عكوري مديراً عاماً للمجموعة الصحية الترابية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة    تزامنا مع عرض مسرحية صينية بالرباط.. السفير الصيني بالمغرب يشيد بمستوى العلاقات الثقافية بين بكين والرباط    إخراج السجناء لزيارة أقاربهم المرضى أو لحضور مراسم دفن أقاربهم المتوفين.. مندوبية السجون توضح    المبادرة بطنجة تقود مسيرة حاشدة ضد سياسة التجويع بغزة    حماس تفرج عن الرهينة عيدان ألكسندر    الجوق السمفوني الملكي يمتع جمهور مدينة الدار البيضاء    السعدي: التكوين المهني السبيل الوحيد لإنقاذ الحرف المهددة بالانقراض    رسميا: أنشليوتي يقود منتخب البرازيل    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    الخزينة العامة للمملكة تكشف المداخيل الجمركية    15 فيلما مطولا تتنافس في الدورة 25 لمهرجان خريبكة الدولي للسينما الإفريقية    سلطات دار أقوباع تمنع تجار الفخار من احتلال الملك العمومي    الفنان سعيد الشرادي يحيي حفلا فنيا بمدينة مراكش    حكيمي أفضل لاعب إفريقي في فرنسا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مبيعات الإسمنت تجاوزت 4.52 مليون طن عند نهاية أبريل الماضي    نداء العيون-الساقية الحمراء: الدعوة لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    ندوة علمية بالحسيمة تسلط الضوء على التراث الثقافي بإبقوين ورهانات التنمية السياحية    "ريمالد" تنشر لعثماني عن الحكومة    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في مقالة أحمد عصيد :( في حرية اللباس بين 'الحجاب' الممنوع و'الحجاب' القسري)
نشر في لكم يوم 21 - 03 - 2012

إغناءا للنقاش الذي فتحه الكاتب أحمد عصيد من خلال الأفكار التي بسطها في مقالته المشار إلى عنوانها أعلاه، بخصوص مسألة حرية اللباس وعلاقته بالكرامة، فإنني أقدم هذه المساهمة أرصد فيها أهم ما جاء في مقالة الكاتب ومناقشتها.
فقد حاول من خلال مقالته طرح رؤيته الفلسفية "العلمانية" لقضية حرية اللباس، محاولا الدفاع عن هذا التصور "النموذجي"، ومعتبرا أن: "جوهر العلمانية هو احترام الآخر وقبوله كما هو" مضيفا: "تعارض العلمانية تماما مع كل الإيديولوجيات الشمولية التي تسعى بوسائل السلطة والغلبة إلى فرض نهج معين على الجميع"، وإمعانا في التبشير بالعلمانية و"تفردها" بالاعتراف بحرية اللباس، أسهب الكاتب في إثبات "إيمانه العميق" كعلماني بهذه الحرية، سواء تعلق الأمر بمحجبة أو بغير المحجبة، ليؤكد على أنه ليس ك: " الإسلاميين والتيارات الدينية (الذين ) يتعاملون معها (حرية اللباس) بوجهين، ويكيلون بمكيالين"، أردف " لا شك أن ما تقوم به بعض المدارس الخاصة وما يتمّ داخل بعض المدارس العمومية، مخلّ بمبادئ حقوق الإنسان وبالحريات الفردية التي لا يحق لأحد التدخل فيها، والتي منها اختيار الملبس والمأكل والمشرب ونمط الحياة".
بعد ذلك، ينتقل بنا الكاتب إلى "اصطياد" بعض الممارسات المشينة التي تقع داخل: " بعض المدارس في الحي الحسني بالدار البيضاء مثلا، حيث يهيمن التيار الإسلامي التابع لحزب العدالة والتنمية، أو في بعض أحياء مراكش حيث ينتشر السلفيون، وفي عدد من المدارس العمومية بالأحياء الشعبية، حيث يعمد بعض المدرسين والمدرسات، إلى منع بعض التلميذات من ولوج القسم بدون غطاء الرأس، كما يعمل آخرون على تخصيص "جوائز" للواتي يضعن "الفولار" والتعامل مع الأخريات بنوع من التمييز والغلظة من أجل دفعهن إلى الإلتزام بوضع غطاء الرأس قسرا"، وذلك ليجدد التأكيد مرة أخرى على رفضه المساس بحرية اللباس كيفما كانت الضحية محجبة أم غيرها.
لكنه عند حديثه عن هذه التجاوزات التي تقع في بعض المدارس، يستفيض في كيل الاتهامات للتيار الإسلامي ككل، ويضعه في سلة واحدة، كما لو أنه كتلة واحدة متجانسة، ليقرر بأن ذلك " مسّ صارخ بالحريات ينمّ عن مقدار ضعف الخطاب الديني في الإقناع بما يتعارض مع الكرامة الإنسانية. ويدلّ هذا على أن الإسلاميين يعمدون إلى الطرق الشفوية والزجر والترغيب عندما يكونون خارج السلطة، وكذا في حالة تواجدهم في حكومة ائتلاف تجمعهم مع غيرهم، حيث يفضلون الأساليب الملتوية، بينما يعمدون إلى الفرض المباشر باعتماد عنف الدولة والأساليب السلطوية المؤسساتية عندما يستفردون بالسلطة لوحدهم...".
ومن خلال قراءة هذا الخطاب، يتضح مدى ابتعاده عن الموضوعية، وسقوطه في التحامل الإيديولوجي، فالكاتب نقض كلامه بين فقرة وأخرى، حيث يؤكد في فقرة سابقة أن "مفهوم الحرية لا يمكن أن يبرز من خلال نماذج جزئية أو حالات خاصّة، بل عبر المفهوم العام الذي يعلو فوق هذه الحالات النسبية"، وهو باجتزائه للحالات التي ذكرها وإخراجها من سياقها، وبناءه عليها حكما عاما، يكون قد ابتعد عن النسبية والموضوعية وأصبغ تحليله بلون إيديولوجي.
والكاتب فيما ذهب إليه لا يميز بين الخطاب الديني كخطاب عام وثابت، وبين القراءات والتأويلات المتعددة لهذا الخطاب، والتي تتميز بالنسبية والمحدودية في الزمان والمكان، وبالتالي فإذا رجعنا إلى الخطاب الديني الإسلامي تحديدا، لاستيضاح الأمر، فإننا نجده يقرر حكما شرعيا فيما يتعلق بموضوع اللباس، بحيث نجد نصوصا صريحة فيما يتعلق بلباس المرأة المسلمة، حيث وضعت له ضابطا وحيدا وهو أن يكون ساترا للجسد، وعندما ننتقل من الخطاب الديني العام إلى التطبيقات العملية، هنا نجد الاختلاف بين الفقهاء والعلماء في الاجتهادات بين من يقول بالتغطية الكاملة للجسد، وبين من يستثني الوجه والكفين، لكن الكل يُجمع على فرضية الحجاب الساتر لجسد المرأة، وسأتناول فيما بعد الجانب الفلسفي للزي الإسلامي للمرأة في علاقة بحرية اللباس.
ليصل الكاتب في الأخير إلى استنتاج صحيح وهو" أننا أمام مشروعين مجتمعيين لا يمكن أن يلتقيا، لأنهما لا يقومان على مفهوم مشترك للحرية والكرامة...".
والحقيقة، أن حرية اللباس هي قضية مرتبطة بالأساس بتصورين فكريين مختلفين، تصور علماني يعتبر جسد المرأة هو ملك لها، وبالتالي يمكنها أن تصنع به ما تشاء، ولا يحق للمجتمع التدخل في طريقة لباسها، لأن ذلك يدخل في حريتها الشخصية، بغض النظر عن مدى التأثير السلبي لذلك اللباس على المجتمع.
وهذا التصور العلماني لحرية اللباس لدى المرأة، يرتكز بالأساس على معنى "إباحي" لمفهوم الحرية، يختزل المرأة في جسدها، ويروّج لفكرة أن الحرية رديفة لتمرد وجرأة المرأة على الضوابط الأخلاقية للمجتمع.
أما التصور الإسلامي، فإنه يقوم على أساس أن الجسد ليس ملكا للإنسان، إنما هو ملك لخالقه جلّ في علاه: (يَا أَََيُّهَا الإنْسَان مَا غرََّكَ بِرَبِّكَ الكَريمِ الَّذي خَلَقَكَ فَسَوَّاَكَ فَعَدََّلَكَ فِي أيّ صورة مَا شَاء ركّبَك)، وبناء عليه، فإن مسألة حرية اللباس في الإسلام لها ضوابط شرعية، الهدف منها حماية المرأة المسلمة أولا، ثم المجتمع ثانيا، وذلك على اعتبار أن انكشاف المرأة بجسدها أمام الناس، يعرضها للأذى والمضايقات، ابتداء بالتحرش وانتهاء بالاغتصاب، وهذا ما نشاهده يوميا في الفضاءات العامة، وقد يقول قائل: حتى المحجبات يتعرضن للتحرش، لكننا يجب أن نميّز بين المحجبة التي ترتدي لباسا ساترا لا يصف جسدها، وبين تلك التي تضع غطاء الرأس من فوق وترتدي من تحت لباسا مبرزا لجسدها، فهي إذن لا تختلف عن الأخريات من حيث الإثارة والإغراء.
أما عن حماية المجتمع، فيتجلى ذلك في كون لباس المرأة المحتشم يحول دون انتشار كثير من الانحرافات السلوكية، لأن خروجها كاشفة عن جسدها، يجعلها محط إثارة بل واستفزاز لغرائز الرجال، وبالتالي فهي من حيث تدري أو لا تدري تكون مسؤولة عن كثيرا ما يترتب عن ذلك من ردود فعل سلبية من طرف الجنس الآخر، وإذا عدنا قليلا إلى الماضي القريب، سنجد أن المجتمع المغربي لم يعرف الانتشار الواسع للانحرافات التي نراها اليوم، بسبب أن النساء كن يرتدين لباسا يحفظ كرامتهن، ولا يترك المجال لكل من هب ودب أن يتعرض لهن.
وهنا تأتي أهمية ربط الحرية بالكرامة كما جاء في مقالة الكاتب: "هذا الربط بين الحرية والكرامة هو الذي يشرح الحدود بين ما هو حرية وما ليس كذلك، فإلزام الإنسان بالوقوف في الضوء الأحمر لا يجعله يشعر بالإهانة أو بالقهر والتسلط "، وهنا نتساءل لماذا قيد هنا الحرية؟ الجواب واضح، هناك مصلحة مجتمعية تتعلق بحرية وحقوق مواطنين آخرين، كذلك بالنسبة عندما تقوم فتاة بارتداء الحجاب إيمانا منها واقتناعا بفرضيته، فإنها لا تشعر لا بالإهانة ولا بالإكراه، لأنها تقوم بذلك وهي تعلم أنها تقوم بواجب ديني، يمليه عليها إيمانها، وحتى تعيش في انسجام مع ذاتها ومعتقدها، ترتدي الحجاب، وبالتالي فهي تنأى بنفسها عن المضايقات والتحرشات التي قد تتعرض لها الفتاة في المجتمع.
عندما تخرج الفتاة إلى الشارع أو تذهب إلى المدرسة أو الوظيفة وهي في كامل تبرجها، من الطبيعي أن تتعرض إلى التحرش والمضايقات، هذا يقع في جميع الدول، ونحن لسنا بصدد تبرير هذه الانحرافات المشينة، وإنما نريد التنبيه إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن حفظ كرامة المرأة لا يمكن بأي حال من الأحوال أي يكون بإطلاق حريتها في اللباس، وإنما باحترامها حرية الآخرين الذين يتقاسمون معها الفضاءات العامة، التي يجب أن تخضع لقواعد تنظم حركة السلوك البشري في المجتمع حتى لا تقع حوادث سير غير مرغوب فيها.
والأمثلة التي ساقها الكاتب في معرض استدلاله على الأطروحة التي يدافع عنها، لا يمكن أن يُبنى عليها حكم عام، لعدة اعتبارات: أولها أن واقعة الاعتداء على فتاة وتمزيق ثيابها من طرف سلفيين حسب قوله، لو صحت الرواية هي حادثة معزولة ولا تمثل ظاهرة مضطردة في المجتمع، نصدر من خلالها حكما عاما على تيار معين، ثانيا: أن الحادث على فرض صحته لا نملك تفاصيل كافية عن سياقه وحيثياته، ثالثا: فإن هؤلاء الذين نُسب إليهم الحادث لا يمثلون إلا أنفسهم، لأن الشذوذ في الفكر والسلوك موجود في كل التيارات، نفس الحكم ينطبق على المثال الذي ساقه عن قيام بعض المدرسين بمنع التلميذات من ولوج الأقسام بدون حجاب أو التمييز في المعاملة بين المحجبات وغير المحجبات.
ويختم الكاتب مقالته بالتساؤل التالي: "هل سنحزم أمرنا فنقوم بإصلاح منظومتنا التربوية من أجل تربية النشئ على الحرية واحترام الإختلاف، أم أننا سنسمح لإيديولوجيات أجنبية بتقويض مشروعنا الديمقراطي ووضع المغرب على أبواب المجهول".
ونحن بدورنا نسائله عن طبيعة هذا "الإصلاح التربوي " الذي يدعو له الكاتب؟ هل هو إصلاح يهدف إلى وضع قواعد أخلاقية تضبط العلاقة بين التلاميذ فيما بينهم من جهة، حتى يسود بينهم الاحترام المتبادل، وبين التلاميذ والمدرسين من جهة ثانية؟ أم هي دعوة للتحرر من كل القيود والضوابط الأخلاقية؟
كما نتساءل عن قصده من "الإيديولوجيات الأجنبية"، التي ستقوض مشروعه الديمقراطي هل العقيدة الإسلامية تدخل ضمنها؟ وماذا عن العلمانية ؟؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.