في مقال سابق حاولنا الإلمام ببعض أسباب تراجع حركة 20 فبراير ، كما حاولنا تقديم بعض عناصر الإجابة عن الإشكالية التي تطرحها فعالية الحركة واستمراريتها ، خاصة و أنها على ما يبدو، بدأت تنخرط في استراتيجية الأمد المتوسط أو ربما البعيد. كان الهدف من ذلك وما يزال ، إثارة نقاش فكري هادئ بين الفاعلين الناشطين والمساندين والمنسحبين. وفي هذا الإطار نعتقد أن المقال الذي وقعه بتاريخ 18/05/2012 الأستاذ فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، بعنوان "الوضع المغربي في سياق الربيع العربي " ، يندرج ضمن هذا النقاش الذي لا محالة أنه سيتوسع. فبعد تذكير الأستاذ بأهم ما أفرزه الصراع بين الحركة والمخزن من نتائج ، كان أهمها في نظره تخطي حاجز الخوف ، يقول " إن حركة 20 فبراير وصلت إلى مرحلة كان لا بد فيها من الحسم، وبدا جليا أن الحركة، بالشكل الذي هي عليه، حققت بنضالها أقصى ما يمكن أن تحققه في ظل الظروف الذاتية التي فرضها البعض وفي ظل السقف الذي حدد لها..." ويفهم من هذا الكلام أن جماعة العدل والإحسان لا تعترض على الحركة من حيث المبدأ، وإنما تعترض على الشكل الذي أصبحت عليه الحركة، سواء على مستوى الوعي بهويتها كحركة اجتماعية شعبية ذات أهداف سياسية، أو على مستوى تشخيص الخصوم السياسيين ورسم المطالب والمشاريع المجتمعية. ومن ايجابيات الحركة حسب الأستاذ، تمكن جميع الشركاء من تغييب اللافتات الخاصة حرصا على المصلحة العامة ، وابتعادا عن كل ما من شأنه أن يجر الحركة إلى صراعات وهمية . ويخلص الأستاذ في تحليله إلى أن " حركة 20 فبراير كانت فرصة مهمة ليعرف الشركاء في هذا الوطن بعضهم عن قرب من أجل الاستمرار في حراك شعبي ينضج يوما عن يوم ويتوج بالنصر البادي في الأفق على الفساد والاستبداد". نحن هنا أمام نتيجة منطقية مترتبة بالضرورة عن المقدمات السابقة. أي أن الشركاء الذين تعارفوا و تعايشوا ميدانيا طيلة عشرة أشهر من عمر الحراك المغربي، سيعرفون كيف يطورون فعلهم الاجتماعي المشترك من اجل تجاوز العوائق التنظيمية والإيديولوجية ، والاستمرار في حراك شعبي ينضج يوما عن يوم ويتوج بالنصر البادي في الأفق على الفساد والاستبداد ،على حد قول الأستاذ فتح الله أرسلان. وارتباطا بما سبق يمكن القول إن من المظاهر الجديدة للدينامية الاجتماعية التي خلقتها حركة 20 فبراير، الدعوة إلى مسيرة وطنية بالدار البيضاء يوم الأحد 27 ماي2012 تحت شعار"الكرامة أولا". المبادرة إلى هذا الشكل الاحتجاجي الذي يستلهم روح انتفاضة الشعوب بمنطقتنا، أطلقتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و انضمت إليها، في إطار التنسيق النقابي، الفيدرالية الديمقراطية للشغل و بعض النقابات القطاعية المنتمية للاتحاد المغربي للشعل(الفلاحة،التعليم والموظفون). كما أن مسيرة الكرامة هذه ، تجاوبت معها ايجابيا مجموعة من الهيآت السياسية والجمعوية والشبابية والحركات الاحتجاجية وبعض فصائل الحركة الطلابية، يأتي على رأسها تجمع اليسار الديمقراطي(المؤتمر الوطني الاتحادي، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الحزب الاشتراكي الموحد والنهج الديمقراطي) والمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير ، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبعض تنسيقيات 20 فبراير مثل طنجة و البيضاء والرباط ، بالإضافة إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وبإمكان هذا التنسيق الذي تقوده القوى النقابية المنتفضة في إطار معركة ""الكرامة أولا"، أن يلهم مختلف مكونات حركة 20 فبراير بما فيها المنسحبة، بأفكار وتصورات من أجل الانخراط في نقاش فكري صريح يقوم على النقد والنقد الذاتي لمسار الحراك المغربي وآفاق تطويره والسير به قدما نحو الهدف المنشود المتمثل في إرساء أسس الديمقراطية الحق كمدخل ضروري لتنمية اجتماعية شمولية تقوم على الكرامة و الحرية والعدالة الاجتماعية. هذه بعض الأفكار التي أوحت بها قراءتنا لوجهة نظر تيار سياسي إسلامي ساهم في الحراك المغربي وما يزال، إلى جانب تيارات سياسية يسارية و فعاليات مستقلة. والغاية من بسط هذه الأفكار ليس نقد مكون دون آخر، بل المراد أساسا التعبير عن حاجة الحركة إلى نقد ذاتي مستمر، يقيم العمل الميداني المشترك ويشخص مواطن القوة ومكامن الضعف، حتى تتمكن الحركة من مواصلة كفاحها حتى إسقاط الاستبداد والفساد.