"صمت الحكومة وتملص وزارة الصحة" يدفعان الشيغلة الصحية للتظاهر أمام البرلمان    الزيادة في "البوطا" تُنعش خزينة حكومة أخنوش    الاعتراف المتجدد بدولة فلسطين    "الأسد الإفريقي 2024".. تمرين لمكافحة أسلحة الدمار الشامل بميناء أكادير العسكري    بايتاس: الدعم الاجتماعي يصون كرامة الفقراء.. و60 بالمائة من الأسر مستفيدة    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالانخفاض    معطيات رسمية: عدد طلبات دعم السكن يفوق 2900 ملف في جهة طنجة    مرسوم يعزز السياحة الثقافية بالمملكة    الجزائر تسلم سلطات المغرب 15 معتقلا    "أشبال شيبا" يشاركون في دوري بإنجلترا    هذه تفاصيل أولى جلسات محاكمة رئيس مجلس جهة الشرق    شاهد مباشرة.. انهيار عمارة سكنية من خمسة طوابق في الدار البيضاء    من قلب فرنسا..فصل جديد من صراع الجزائر والمغرب    مصرع عامل بناء بعد سقوطه من أعلى فندق قيد الإنشاء بطنجة (صور)    باريس سان جيرمان يغري حكيمي بحلم مبابي    الملك يوصي الحجاج المغاربة بالاستقامة ويحثهم على تجسيد حضارة المغرب العريقة    الفوج الأول من الحجاج المغاربة يتوجه إلى الديار المقدسة    الفوج الأول من الحجاج المغاربة يتوجه إلى الديار المقدسة    زوبعة إثر تبرئة المتهمين بتبديد أموال البرنامج الاستعجالي    برنامج "Go سياحة".. إقبال كبير للفاعلين مع تلقي 430 طلبا للتمويل والدعم التقني    هذه هي الأسماء التي تم تعيينها في مناصب عليا    علاج جديد مبتكر قد يعالج الشلل الناتج عن كسر في الرقبة    الدورة الأولى لجائزة بيت الصحافة للثقافة والإعلام    خطوط جوية جديدة ترفع عدد مستعملي مطار تطوان ل 70 ألف مسافر خلال 4 اشهر    اختلاسات مالية تُطيح بنائب جديد لرئيس جماعة تطوان    مدريد.. الطالبي العلمي يشارك في اجتماع مكتب الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط    بسبب هذه اللقطة.. توقيف المصارع الريفي جمال بن صديق لمدة 6 أشهر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    أساتذة بتطوان يطلبون "إسقاط التطبيع"    حكمة العدل الدولية تعتزم إصدار قرارها بشأن وقف إطلاق النار في غزة الجمعة    دراسة: حقنة الظهر تقلل خطر حدوث مضاعفات أثناء الولادة    التغذية الصحية .. هكذا يمكن الحد من خطر الإصابة بألزهايمر    سفارة المغرب بموسكو تنفي صحة بلاغ حول الجالية الطلابية بمدينة ساراتوف    النجمة كيت بلانشيت: للنازحين صوتًا ولديهم قصة علينا التركيز عليها    الشاعر والإعلامي المغربي محمد بشكار يطلق ديوانه السادس "امرأة بتوقيت الأبد"    تيزنيت : جمعية النخبة للمبادرات المغرب تعطي انطلاقة تنفيذ مشروعها "الفضاء الرقمي للمواطن"    تراجع أسعار النفط للجلسة الرابعة على التوالي.. هل سيستفيد المواطن من الانخفاض    رفع ستار الكعبة المشرفة استعدادا لموسم الحج    الملك يوجه "ضيوف الرحمن" بضرورة تمثيل بأفضل صورة خلال موسم الحج        نادي وست هام يتعاقد مع المدرب الإسباني لوبيتيغي    البنوك المغربية رائدة النمو المالي والاقتصادي في إفريقيا.. موجودة في أكثر من 30 بلدا أفريقيا    جمعية طبية تكشف أسباب حُرقة المعدة وسبل الوقاية والعلاج    بركة يؤكد من بالي أن المغرب مصمم على تعزيز قدرته على التكيف مع التغيرات المناخية    المهرجان الدولي للفيلم "الرباط- كوميدي" في نسخته الخامسة    تدشين مخيم توبقال ويركان البيئي للصمود    ابتداء من اليوم.. السعودية تمنع دخول مكة المكرمة أو البقاء فيها    سفيان المسرار مرشح لجائزة أفضل لاعب لكرة القدم داخل القاعة في العالم    وزارة الحج والعمرة… إيقاف تصاريح العمرة ومنع دخول مكة لحاملي تأشيرات الزيارة    نجوم دوليون يخطفون الأنظار بدعمهم لفلسطين في مهرجان كان السينمائي    الوزير الأسبق محمد بنعيسى ضمن أعضاء مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية الذين استقبلهم السيسي    حريق بسوق الخميس في مراكش يخلف خسائر مادية جسيمة    دوري أبطال أوروبا: بودابست تستضيف نهائي 2026    قمع الطلبة الداعمين لغزة يتسبب في إقالة رئيس شرطة جامعة كاليفورنيا    المملكة المتحدة تتوجه لانتخابات عامة مبكرة في يوليو المقبل.. فماذا نعرف عنها؟    مستجدات انتقال المغربي عطية الله إلى الأهلي المصري    هل استقر حمدالله على وجهته المقبلة بعيدا عن السعودية؟    دراسة: المبالغة في تناول الملح تزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة بنسبة 41%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة الاستبداد
نشر في لكم يوم 26 - 10 - 2012

الدولة في نظام الاستبداد كائن أسطوري يثير رعبَ الآمنين. وقوة خارقة لا حدود لصلاحياتها ولا رادَّ لقولها. هي غولٌ لا قِبل للناس به، إلهٌ يُركع له ويُسجد، أو ذاتٌ علوية فوق القانون والمحاسبة. الدولة المستبدة هي ذلك كله، إلا أن تكون مؤسسات شرعية أنشأها الشعب لتنظيم شؤونه. وليس غريبا في نظام الاستبداد أن يختزل الحاكم الدولةَ في شخصه. فيصير تاريخ الدولة هو تاريخه، وجغرافيا الوطن مزرعة أو حظيرة. وقد تصير إنجازات الدولة إنجازَه، ولا يكون للدولة طموح وآمال غير طموح الحاكم بأمره وآماله. قد يصير قدَرُ الدولة أن تُحبّ ما أحب المستبد، وتكره ما يكره. وقد تُكرَه على الرقص على نغم لا تعشقه، وتطرب لما يطرب الأمير ولو كان ضربا على صفائح السَّنابك. على الدولة أن تبكي حين يبكي، وتضحك حين يضحك. عليها أن تعتاد ترسُّمَ خطى الحاكم والسعي إلى مرضاته، واتقاء غضباته. فلا تعجبْ حينها إذا صارت أولويات الدولة أولويات شخص!
وللحاكم خُدّام أوفياء أتقنوا لعبة النفاق والزّور، يهمسون في أذنه: لولاك ما كنا، أنت الدولة. إما أن تكون بك الدولة أو لا تكون.
أعوذ بالله من الشرك!
أتُرانا نملك شيئا من الجرأة لننصت لأحد أحرار الفكر والنظر؟
في مدرسة سبينوزا
غاية الدولة عند سبينوزا الحرية. ولئن كانت مهمة الدولة تنمية المجتمع فإن شرط التنمية هو الحرية. ولأن سبينوزا ينبذ فوضى السلوك لكونه يؤدي إلى انهيار الدولة فإنه يدعو إلى التزام القانون ولو كانت الدولة متسلطة، شرط ألا تحرم الناس حريةَ الكلام والرأي، والاحتجاج السلمي. وذلك وحده كفيل بتغيير الوضع والقضاء على دولة الاستبداد. ومهما تبذل الدولة من جهود للقضاء على الرأي الحر فإنها تبوء حتما بالفشل الذريع. بل إن الدولة التي تسعى إلى وأد الرأي المخالف تستعجل فَناءها، إذ لا حياة للدولة إلا بالنقد والتقويم حين الاعوجاج. "والعلوم والفنون لا تتقدم تقدما ملموسا إلا على أيدي أناس تخلصوا تماما من المخاوف وامتلكوا حرية الحكم". والفِطر السوية مجبولة على مجابهة الظلم، والتعبيرِ عن الرأي مهما كلّف ذلك من ثمن. هؤلاء هم الممجدون للحرية العاشقون لها. أما أهل الطمع والشره من رجال المال والفساد فلا يُرجى منهم إلا الخنوع وتمجيد العبودية.
يقف سبينوزا عند فكرة في غاية الأهمية. إن الناس عموما يسعون ليكونوا أحرارا، أما نظام الحكم فعَرَضٌ ليس له من أهمية إلا ما للوسائل من قيمة. إذ لا يكون النظام السياسي غاية في ذاته، وإنما هو اختيار من بين ممكنات شتى لتنظيم شؤون المجتمع. ولذلك لا يهتم الناس بنوع الحكومة التي تتولى أمورهم. وسواء أكان النظام ديموقراطيا أو أرستقراطيا أو ملكيا أو جمهوريا فإنه يظل وسيلة لتحقيق العدل وضمان حرية الناس ورعاية مصالحهم. فلا هو مقدس ولا هو غاية في ذاته، إذ العبرة بحالة المجتمع لا بطبيعة النظام.
صلاحيات الحاكم
يُفصِح سبينوزا في فصل من فصول كتابه ذائع الصيت "رسالة في اللاهوت والسياسة" عن سبب تفضيله النظام الديقراطي، إنه نظام تنجلي فيه أهمية الحرية. وحتى حينما يقرُّ سبينوزا بقيام النظام الديموقراطي على أساس التفويض فإنه لم يقع في خَلَده أن يصير التفويض سيفا مسلطا على رقاب الناس. "إذ لا يستطيع أي فرد أن يتخلى عن حقه لفرد آخر إلى الحد الذي يلغي فيه وجوده". ومهما امتلكت السلطة العليا من حق في تفسير القانون فإنها لا تستطيع منع الأفراد من إبداء آرائهم. وإذا أصرت على عدِّ كل مخالف عدوّا فقدَتْ شرعيتها وعارضت العقل السليم. القاعدة إذاً أن الحاكم يتصرف بموجب التفويض، ولا أضرَّ على الديموقراطية من وضع السلط كلها في يد رجل واحد. ولا يُلغِي التفويضُ في الأحوال كلها مبدأَ المحاسبة. أما من يظن أن تسليم السلطة كلها للحاكم يؤدي إلى السلام والأمن فإنه يدافع عن العبودية من حيث يدري أو لا يدري. وإذا كانت العبودية تسمّى سلاما فليس أتعس للناس من هذا السلام.
على سبيل الختم
غالبا ما تبرِّرُ دولةُ الاستبداد عنفَها واستبدادها بكون الشعب ليس أهلاً للديموقراطية دون أن يكلف المستبد نفسه عناء البحث فيما إن كان أهلا للحكم. وقد يقايض الناسَ بالأمن، وكأن الأمن والحرية ضدان لا يجتمعان. فإما أمنٌ مع استبداد، وإما حرية وفوضى. لكن الأمر أيسر مما يظن من ابتلوا بتعقيد الأمور لحاجة في أنفسهم. وعند العقلاء يكون الإنسان حرا آمنا. يقرر سبينوزا في حزم أن مهمة الدولة ليست فقط ضمان أمن المواطنين، ففي السجن أيضا قد يكون الإنسان آمنا. لكن الدولة مطالبة بالحرص على حرية الناس. وما أنبل تلك القاعدة التي سطرها فيلسوف الحرية: "لو جعلنا الأفعال وحدها أساس المقاضاة وتدخل القانون، وأطلقنا حرية الكلام والنقد لكنا قد جردنا الثورة من مسوغاتها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.