لفتيت: إصلاحات المنظومة الانتخابية تهدف إلى "تجنب الشبهات" وتحسين صورة البرلمان    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    المغرب يرأس المجلس الدولي للزيتون لعام 2026    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تراجع أسعار الذهب    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    بوعياش: تبادل إطلاق النار بحي بوسلامة ينتهي بتوقيف أحد المشتبه فيهم    مراكش: استئناف هدم مساكن العسكريين وقدماء المحاربين... وتعويضات تشمل بقعاً أرضية ومساعدات للبناء    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    "مندوبية التخطيط": تسجيل تضخم محدود خلال شهر أكتوبر في المغرب    مأساة "رضيع الترامواي" تكشف عن إهمال طبي وخصاص حاد في أطباء النساء والتوليد بسلا    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    مهرجان الذاكرة المشتركة بالناظور يتوج أفلاما من المغرب وبولندا وأوروبا الغربية    سفير عمان يثمن تمسك المغرب بالسلم    توقيف "مولينكس" ونقله إلى طنجة للتحقيق في ملف مرتبط بمحتوى رقمي مثير للجدل    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    حوالي 756 ألف مستفيد من دعم مربي الماشية توصلوا بأزيد من 3 ملايير درهم    بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي.. إشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية    بوريطة يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية تنزانيا المتحدة    نبيل باها: "اللاعبون مستعدون لمواجهة البرازيل والفوز بالمباراة"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطقوس المخزنية بين الولاء والبلاء
نشر في لكم يوم 13 - 10 - 2013

كتب الكواكبي عن الاستبداد والمستبدين قائلا :"المستبد يود أن تكون رعيته كالغنم برا وطاعة، وكالكلاب تذللا وتملقا. "اليس هذا كلاما يطابق كثيرا واقعنا وينطبق عليه , اليس الاستبداد هو المولد لكل الامراض السياسية والاجتماعية و الاقتصادية ؟".
كثيرة هي طبقات الشعب التي يعول عليها كمدخل وطاقة للتغيير تراها تبدي تعاطفا كبيرا مع النظام المخزني بعلم او بغير علم وهو إشكال الوعي الثقافي بامتياز يمكن تجاوزه على صعوبته ,وهي تعتقد بحتمية الوجود لهذا النظام دون غيره بل هو هبة وإرادة سماوية .وهو ما يعد دفاعا مجانيا عن الخطأ ,وترى هذه الطبقات الشعبية في ذات الحين تشكو أمرها من ممارسة ما رسخه النظام ذاته من سياسة تجويع وتفقير وبؤس وحرمان وهي حالمة بغذ مشرق لا يأتي طبعا إلا بتكريس الاستبداد نفسه و صناعة الطغاة الذين يأملون ويدافعون على استمرارية هاته الثقافة السائدة بكل الإمكانيات والآليات من إعلام وأحزاب ومنظمات ومدارس ...متقاعسين في البحث عن البدائل المضادة لثقافة التجهيل ,لا هم قعدوا لأصل الداء ولا هم بحثوا عن الحلول خشية فقدان الحالة الطبيعية التي هم يحيونها سالمين باردة النظام ذاته ,والأزمة بداية الحل كما كان الحال مع التعاقد الاجتماعي الذي انبنى على حالة الفوضى والبحث عن إمكانية تجاوزه من اجل الاستقرار ,إلا أن الفرق البسيط يكمن في الطبقات الذهنية بين التي تخشى القطيعة مع الماضي في لبوس الاستبداد وبين الذهنية التي تسعى إلى القطائع مهما حاول الاستبداد الانغراس فيها ,وهي صورتان لنظاميين سياسيين يختلفان من حيث التكوين والأساس واليات اشتغال كل واحد منهما .
حيث يبقى الإشكال الكبير هنا هو الولاء الذي عملت الأنظمة الاستبدادية على تكريسه في عقول الصغار والكبار وهو ما يمكن وصفه "بنظرية القرود " على مستوى الممارسة ,فالنظام الاستبدادي يشتغل وفق أهداف محددة تكون له مدخلات يوظف فيه كل آلياته عندما يتعلق الأمر بمطالب اجتماعية وسياسية للخروج بمخرجات وهي مسألة بديهية في التعاطي مع الأحداث والوقائع , كالنظام المخزني المغربي الذي احتوى العديد من المدخلات دون مخرجات و منها الاحتجاجات الاجتماعية حيث غالبا ما تكون المخرجات قرارات كبح حريات التعبير والشطط في استعمال السلطة ,فالنظام السياسي المخزني في المغرب لا يجابه المطالب الاجتماعية إلا بمخرجات العنف ,نظرا للتأويلات التي تنطلق من بنية أللاستقرار والخوف من الاحتقان الاجتماعي ,حيث كل حركية اجتماعية إلا ووراءها أهداف غير الأهداف المعلنة .
فالمخزن يتعاطى دائما بنظرة سلبية مع الأمور لان طبيعة مهامه تفرض عليه ان يكون كذلك ,وهو شيء يدل على طبيعة السلطة التي تأسست على الولاءات والقبائل والأنساب والبركات ,فقط من اجل استمرار العروش وتجنيد الشعب من أجل الحفاظ عليها ,وأكثر من هذا صناعة الوهم والملاحم, ففي المغرب كانت أسطورة شعبية تقول برؤية محمد الخامس في القمر وهو ما يتناسب كثيرا مع إيمان العجائز في تصديق الرواية ,لا لشيء إلا خشية البدائل ,فالصورة الإعلامية تظهر مثلا على أن البيعة التي تتم هي بيعة الرضوان ذاتها ,بيعة تتحول فيها الشجرة بقدرة قادر إلى مظلة ,ويتحول فيه الأسياد إلى عبيد والملوك إلى الآلهة ! وهي بيعة لا تكرس إلا العبودية ولا تورث إلا المذلة في حقيقة أمرها وهي من الطقوس المخزنية التي تعتمد على الولاء الأعمى وقس على ذلك تقبيل اليد وغيرها من الطقوس اذ نكتفي بطقس البيعة في مشاهد يعجز انسان القرن الواحد والعشرين عن وصفها .
بالطبع هنا لن يجد السيميائيون صورة مشابهة في المعنى والمبنى لهاته إلا في المجتمعات السلطوية..مجتمعات العبيد والاقنان مجتمعات الاقطاع زمن القرون الوسطى التي كان فيها الاقنان يعملون لدى أسيادهم في الحقول قياما بأعمال السخرة.والزراعة .وهي أعمال شبيهة إلى حد ما بالممارسات المخزنية وطقوسها البالية التي لا تحترم مشاعر الجماهير وضمائرها ,وتمرغ كرامتهم رغم أنوفهم ببقاء كلمة الحاكم هي العليا وكلمة الشعب هي السفلى ,ملامح ترسم بوضوح معالم اشتغال الدولة المخزنية ,والتي تعمد على أساس الأساطير وبناء الأوهام ,أوهام المسلسلات الديمقراطية الواهية وحكومات التناوب والتوافقات والإجماع والمبادرات المتعددة الألوان التي لا ترقى إلى الرؤية التنموية الشاملة ولا ترقى حتى إلى مسمياتها التي تملأ عقول البسطاء شعارا أجوف ذلك قبل أن تملأ أفواه الجياع رغدا .كلا ثم كلا ..
في الحقيقة هي صورة لا تشرف "مغربنا"ولو كنا مدافعين عن الخطأ ولو كنا ننظر جميعا إلى الأمور بنفس الرؤية,ما ينبغي نشذان الحرية في ظل العبودية ولو قامت قائمة إذا لم نكن متوافقين على أساس بناء هذه الحرية ,لن نكون صائبين في الرؤية التي يمكنها ان تقود إلى المدخل الحقيقي للإصلاح خارج ما هو قائم ,إلا حين نكون منطلقين من الدعامات الأساسية لبناء وعي جماهير يكون أساس القاعدة فيه إعادة بناء مفهوم الدولة في الثمثلاث الذهنية ,ونسبية الحقائق السياسية ,وتعدد الرؤى..والاختلاف السياسي والإيديولوجي . ,بدون ذلك لن يكون لنا أيها السادة إلا دولة الشعارات الجوفاء , ولو بلغ وزن الأعلام ذهبا , إن لم يكن حب الوطن صادقا في الأعماق بلا خطب تمل منها الأذان,بلا ترانيم ولا ركوع فذاك حب خواء لا فائدة ترجى منه انما يحول دون القطيعة الأبدية مع التخلف على المستوى السياسي والاجتماعي بشكل مؤثر وفاضح.
هو ذا نظام الحكم المخزني الذي يحكم الأرض فسادا و رقاب الناس تحكما وظلما , ويجعل من استمرار الطقوس هدفا وتكريسا لسياسة الطاعة العمياء و يوم البيعة يوما مشؤوم في تاريخ المغرب ووصمة عار على جبين كل المغاربة ,متسما بالدوس على الكرامة جهارا. وهو الحدث الذي, يغنينا اذا أصلنا لبيعة الرضوان , بالتناول كمسألة دينية محضة لا علاقة لها بطقوس العبادة ولا لحكم البشر ,وهو ما يحاول المخزن تمريره في كل مناسبة على ان حفل الولاء هو بيعة على الحكم واستمرار الحاكم ,إلا أن الأمر يختلف ولو تم تقليص المسافات والبيئات فبيعة الرضوان تنطلق من أحداث ووقائع مختلفة تماما عما يروجه المخزن.
مشهد لو وقف عليه سيميائيو القرن الواحد والعشرين لهالهم الأمر واستهوتهم الأحزان واستعصى عليهم حل الواضح والمرموز في لوحة يجلس فيها الجالس على العرش على صهوة فرس أسود داكن تؤدى فيه الصلاة المخزنية بشكل دقيق ركوعا وخشوعا وسجودا تسبقها الإقامة تجسيدا لهالة النخوة والعظمة , خمس صلوات هي, وترانيم تحسسك وأنت ترى الذين هم عن صلاة البيعة محافظون وعن اللغو معرضون بالذل والمهانة ؟
فمن هذا الذي له الحجة اليوم للحديث عن دولة المؤسسات حينما تسير الدولة بالبركات المخزنية المنزلة من السماء ؟,من هذا الذي سيحدثنا عن فصل السلطات إذا كان المخزن هو الدولة والحاكم هو الإله المسيطر؟,من هذا الذي يدلنا على تعاقد اجتماعي حقيقي غير الذي يوهمنا به عبيد المخزن , أليس كافيا أن نفهم بان لا مسلسل ولا ديمقراطية بل لا أرضية للتوافق مع المخزن الذي يبقى في برجه العاجي ينزل علينا بركاته من السماء ,عن أي تنمية يتحدث هؤلاء وعن أي مخططات واستراتجيات ؟ ماذا هم فاعلون بتنمية عرجاء انتظرها الشعب لسنوات , ,لم تزد الشعب إلا آلاما وجوعا .
فماذا تبقى إذن من شعارات دولة الحق والقانون ,وماذا بقي من العهود منذ نشوة الفرح التي سموها ظلما وبهتانا بالاستقلال ؟ او ليست البيعة تجسيدا لبنية الاستبداد التي تحفظ توازن مكونات الدولة بغية الاستمرارية ؟ أليست البيعة وبئس البيعة تلك التي تداس فيها كرامة الانسان من اجل السلطة وضمان استمرارية الحكم المخزني الذي دأب على الدوس مما تبقى من الإنسانية مأساة الانسان ذاتها .
ان كان حقا التعاقد الديمقراطي الحقيقي عقيدة يؤمن بها المخزن لما صنع لنا الدساتير المهومة والممنوحة في البلاطات, والعاقل اللبيب يدرك أن التعاقد الديمقراطي بين الحاكم والمحكوم ينبني على أسس غير الاسس المخزنية وعلى الافراز الموضوعي لاي اختيار تتجه اليه عموم الجماهير ,وهو ما لا يتوفر في البيعة الموهومة وفي اختيارات النظام السياسي المغربي القائم ,و السياسات الفاشلة المتبعة في تسيير دواليب الدولة منذ عهود أدخلت النظام في سياسة الانتظار والتسويفات ,وفي نفق مظلم ينذر بأزمة قد تعصف بالبنيان المخزني الى غير ميعاد, فالبيعة والديمقراطية شيئان لا يتلازمان أبدا ,فالاولى تحمل طيات الجبن واستمرار الاستبداد على العباد , وهي اكبر أكذوبة تنطلي فيها الحقائق وتمرغ فيها الكرامة ولا تجلب الا البلاء على الوطن ,اما الديمقراطية التي تتعدد مفاهيمها اذا اخدناها على مقياس مخزني فهي دولة الشعارات والولاءات ليس إلا , ديمقراطية المخزن التي أضحت ملهاة للشعب في حكومات لا تمثل الا جزءا من لعبة المخزن التي يشركهم فيها من أجل مارب أخرى .
أكيد أن مسألة الحكم بالمغرب ليست مسلمة من المسلمات كما يعتقدون ولا تابثا من توابثهم المقدسة التي يتبجحون بها أمام الملأ من الشعب وهم يزايدون على الوطن والوطنية , وحب الشعب الذي باسمه ارتكبت جرائم التجويع والتفقير و التجهيل الممنهج ,فلا مدخل لأي إصلاح لبناء نظام ديمقراطي بلا ثقافة ديمقراطية تصان فيها كرامة الإنسان أولا وأخيرا ,وثقافة المواطنة الحقة التي يتمتع بها الفرد المنتمي إلى الاجتماع المدني في استمرارية تجعل من كل مس لها خرقا لمبادئ وقيم إنسانية جبل عليها الإنسان وهو الذي ولد حرا وعليه أن يكون كذلك إلى الأبد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.