الملك محمد السادس يعزي في وفاة الفنان التشكيلي عفيف بناني    بنك المغرب.. الودائع البنكية تبلغ 1275 مليار درهم في 2024    مسابح بالمغرب تمنع النساء من الدخول بالبوركيني.. تظلم رسمي يرفع لمجلس حقوق الإنسان    إيقاف ميسي وألبا لعدم مشاركتهما في مباراة كل النجوم (رابطة الدوري الأميركي)    تركيا.. حرائق الغابات تهدد المدينة الأثرية "بيرغي" جنوب البلاد    أخنوش: تعميم تغطية التراب الوطني بشبكات المواصلات حاجة ملحة لا تقبل التأجيل أو الانتظار    عصيد: النخبة المثقفة تركت الساحة فارغة أمام "المؤثرين وصناع المحتوى"    الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش على مزاعم بيع النقط وتسجيلات مسلك الماستر    التجمع الوطني للأحرار يشيد بالحكومة ويجدد دعمه للوحدة الترابية ويدين العدوان على غزة    سجلماسة: مدينة وسيطية بتافيلالت تكشف عن 10 قرون من التاريخ    أخنوش: تعميم التغطية بشبكات المواصلات حاجة ملحة ولا تقبل التأجيل أو الانتظار    فاتح شهر صفر 1447 هجرية غدا السبت    أمل تيزنيت ضمن الأندية التي لم تسوّ وضعيتها المالية لدى عصبة كرة القدم    بمناسبة عيد العرش 2025 .. انطلاقة 39 منشأة صحية جديدة بجهة فاس مكناس    الملك يعزي أسرة الفنان الراحل عفيف بناني    غانا تخطف برونزية كأس إفريقيا للسيدات    حزب العدالة والتنمية يشيد بموقف فرنسا من الدولة الفلسطينية ويطالب بتطبيقه "فورا"    الحرس المدني الإسباني بميناء الجزيرة الخضراء يضبط كمية من الذهب في أحذية مسافرين إلى طنجة    للجمعة ال86… المغاربة يهبون لمساندة غزة ضد سياسة التجويع والإبادة    ترامب يدعي: "حماس" لا تريد اتفاقا "تريد أن تموت"    أي دور لجمعيات المتقاعدين؟!    غزة تموت جوعا.. وفاة 9 فلسطينيين بسوء التغذية خلال 24 ساعة    ولد الرشيد يلتقي رئيس الجمعية الفيتنامية    توقيف أشخاص بطنجة يشتبه في ترويجهم لخطابات متطرفة وتمجد الفكر التكفيري    المادة الجنائية أمام تسونامي الذكاء الاصطناعي    سوء الأحوال الجوية يغلق ميناء الحسيمة ويحول رحلات بحرية إلى الناظور    تقرير رسمي يفضح أرباح شركات المحروقات في المغرب    المغرب يدخل عصر "الجيل الخامس (5G)" باستثمارات تصل 80 مليار درهم    العقوبات البديلة بالمغرب .. إرادة واعية تنشد عدالة إصلاحية    تنقيبات سجلماسة تكشف عن أقدم مسجد مؤرخ وكنوز أثرية في المغرب    بعوض النمر ينتشر في مليلية ومخاوف من تسلله إلى الناظور    بورصة الدار البيضاء تعزز أرباحها عند الإغلاق        زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جنوب المحيط الهادئ    2298 شكاية من زبناء مؤسسات الائتمان خلال سنة 2024        بلال ولد الشيخ: اللعب في بلدي كان حلما.. وسعيد بالانضمام لعائلة الرجاء    إعادة تعيين السفير محمد بلعيش ممثلا خاصا لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    انعقاد الجمعية العامة للغرفة الفلاحية لجهة طنجة    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة تجري أولى عملياتها الجراحية الباطنية بمساعدة روبوت بنجاح    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    "باكاسو بانكا" يلتحق بمكونات الوداد    المغاربة وسؤال التقدم.. حين تركض البنية التحتية ويترنّح الوعي الجماعي    تنظيم طواف الصحراء الدولي النسوي    قمر اصطناعي إيراني للاتصال يصل إلى الفضاء    مهرجان الراي يضيء سماء وجدة بعد غياب أربع سنوات    "كان" السيدات: تحكيم ناميبي للمباراة النهائية بين المغرب ونيجيريا    تقرير: شركات المحروقات حققت في الربع الأول من 2025 هوامش متوسطة للربح بلغت مستويات تصاعدية بين يناير وفبراير    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    هذا المساء في برنامج "مدارات":جلسة أدبية مع الشاعر الزجال مراد القادري    المشي 7000 خطوة يوميا مفيد جدا صحيا بحسب دراسة    ما المعروف بخصوص "إبهام الهاتف الجوال"؟    هذه عوامل تسبب زيادة خطر الإصابة بالخرف        الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكومة الجديدة وبؤس السياسة
نشر في لكم يوم 13 - 10 - 2013

في أقوى مشاهد الخيال السياسي، ما حدث بالأمس. بعد أن صَام المفاوضون شهريين متابعين، تكفيرا عن زلة عظمى داخل الحكومة، باع بنكيران كْرمَة واشترى مِطحنة ! ثم نشرت وسائلا الإعلام غسيلا من الأسماء المستوزرة لا هي منتخبة، ولا هي أغلبية سياسية، لم تكن لينتظرها المتتبعون للشأن العام حتى في أقصى حالات الاستثناء.
رغم أني لم أتفاجئ بما وصلت إليه الرداءة السياسية بالبلد، لأن هذا العبث كان منتظرا منذ منذ تعيين لجنة المانوني إلى اللحظة التي ارتمى فيها المصباح في أحضان الحمامة الزرقاء كحليف سياسي، و لأن المفاوضات كانت من أنسب فترات الفراغ لتمرير عدد من الإجراءات استعدادا لحقبة سوداء، كان أخرها حتى الآن موجة اعتقالات راح ضحيتها طلبة وصحفيون، ثم وهم نظام المقايسة...إلخ. إلا أنني سأكون ''شعبويا'' بما فيه الكفاية في مقالتي هذه حتى أنزل بمستوى النقاش إلى حضيض الحكومة.
ما جد لدينا حتى الآن، أن هذه المفاوضات التاريخية كانت جعجعة بدون طحين، وقلبت المشهد رأسا على عقب، من محاربة الفساد و الاستبداد إلى الارتماء في أحضانه وحمايته، بل أصبح خلالها عدو الأمس صديقا سياسيا، وأضحى التمساح و العفريت ملاكا وديعا من أجل تحصين ''الكراسي الإسلامية'' و أصبح الصحفي إرهابيا والمناضل ''تاجر حشيش''، فلا معنى للمنطق ولا معنى للسياسة والبرامج و التحالفات ولا معنى للمؤسسات في بلد متخلف كالمغرب .
معلوم لدى كل متتبع للشأن العام، أن النقاش لم يتعدى مستوى الشكل في فترة المفاوضات، ولم يتطرق إلى عمق مسببات الأزمة الحكومية السابقة كجزء من أزمة عامة داخل النظام السياسي المغربي، فحين وجب على هؤلاء خلال فترة ''الفراغ'' أن يطرحوا عدة أسئلة جوهرية تمس مضمون الأشياء والموقع السياسي للحكومة في تدبير الشأن داخل التحالف المسيطر بالبلاد تحصينا لدستورهم الممنوح، انزوى بنكيران إلى ما قد نسميه ''زواجا تاريخيا'' لإنقاذ ما تبقى من منصبه كرئيس للحكومة دون دور سياسي يذكر، تاركا التدبير و التنفيذ الحقيقي لدوائر أخرى عميقة.
مستوى النقاش يجب أن يتجاوز ما يجري الآن داخل الحكومة، إلى خلل عام في شكل النظام السياسي المغربي ورداءة العمل السياسي وبؤس السياسة بالمغرب. فمن الأشياء التي يجب أن تعالج بتفصيل : هي ما هو بالضبط شكل النظام الذي يحكمنا حقيقة بالمغرب؟ من هم الماسكون بالقرار؟ ورغم أن الأجوبة لا تحتاج إلى تفصيل، إلا أن أسئلة مقلقة متعلقة بمصير الانتقال الديمقراطي والدستور الممنوح، وانتخابات 25 نونبر 2011 والبرنامج الحكومي، ومصير الكتلة الناخبة التي صوتت على برنامج بنكيران ضد مزوار؟ تجد سندا لها في البحث عن أجوبة حول طبيعة النظام بالمغرب. طبعا انتهى ما يسمى ب''النضال المؤسساتي'' وأصبحنا في مرحلة استثناء غير معلنة، لا برلمان فيها ولا حكومة، و عاد بنا الزمن إلى فترات حالكة، كانت الشعارات و لا تزال فيها دخانا في هواء مملكة الريع.
إن التعديل الحكومي الأخير يعتبر بمثابة تجديد دماء ''السيطرة المخزنية'' على الحياة السياسية والاقتصادية، والأمر واضح جدا في لائحة الأسماء المستوزرة بدون أن نخوض نقاشات لا معنى لها لتوضيح ذلك. لم يكن التعديل الحكومي، مجرد ملء فراغ كراسي شاغرة كما يبدو، بل بداية العودة إلى سنوات العبث السياسي والتحكم و السلطة في حلته الجديدة ونهاية أدوار البطولة في ما يسمى بمسلسل الإصلاحات داخل البنية، وحتى إن كان هذا الإجراء مجرد "تعويض وزراء بآخرين"، فمن هم هؤلاء الوزراء ومن أين أتوا؟ و أي طبقة إجتماعية يمثلون؟ وكيف سيدبرون الملفات العالقة في ظرف وجيز يمتد إلى نهاية ولاية بنكيران الوشيكة ؟ وحتى إذا حاولنا مقاربة الوضع بمنطق ''التعويض'' فإن الحكومة الجديدة لا يمكن أن تتجاوز أزمتها الداخلية جراء استمرار نفس الأسباب التي ''أرغمت'' شباط على تطليق بنكيران بالشقاق، و ''بمنطق التجديد'' أي عندما يكون الأمر متعلقا بحكومة جديدة بكل ما يحمله هذا المفهوم دستوريا، فالأمر كارثة سياسية، حكومة جديدة غير منتخبة وغير سياسية ضدا على الدستور الممنوح و الانتخابات ! لا جديد، فكل شيء منذ البداية تم دون العودة إلى الدستور و إلى الانتخابات التي كانت مجرد إجراءات تكتيكية للخروج بسلام من قوة عاصفة الربيع وليس للانتقال بوضع المغرب إلى مرحلة متقدمة.
إن أكثر من شهرين من المفاوضات من أجل تشكيل حكومة كلها منتدبة، لن تنتهي هنا، سيعاد طرح البرنامج الحكومي للنقاش مجددا لأن عدد الوزارات تضاعف بل لأننا أمام مزيج خطين لا يلتقيان في عالم السياسية، وهذه المهمة ستستغرق وقتا طويلا، خاصة وأن مشروعي الأحرار و الحركة الشعبية (G8) يتناقض ومشروع المصباح في أدق تفاصيله الصغيرة، اعتبارا إلى أن حزب الحمامة، خلال المرحلة الانتخابية أسس مشروعه ضد حزب المصباح، بل كانت ''الديكة الانتخابية'' ما قبل 25 نونبر تبرر نجاح مشروعها المجتمعي على أنقاض فشل المشاريع الانتخابية الأخرى، حين فاز بنكيران ضد غريمه مزوار، صوت مزوار ضد البرنامج الحكومي في المعارضة وهنا التناقض. أين هو الآن هذا البرنامج الحكومي المنتخب؟ و الذي لم تطبق فيه سوى الزيادات في الأسعار، ومزيدا من فشل التعليم وخنق الحريات العامة؟ طبعا لا مجال للمزايدة السياسية في هذا الجانب لأن العدالة و التنمية حزب منتخب ! وله شرعية شعبية ودستورية تخول له الضحك على الذقون. و الآن وبعد مضي نصف الولاية أصبحنا أمام حكومة أقترحها بنكيران وعينها الملك و التي سيصبح فيها بنكيران أقلية في مواجهة التحالف الثماني. هذه أسئلة غير مقلقة للذين يؤمنون أن دستور وحكومة 2011 كانتا بمثابة الورقتين التاريخيتين لتجاوز أزمة ربيع الشعوب، وهنا نحن نعود في لحظة إلى ما قبل 20 فبراير، أمام حكومة لا تمت بصلة لا للشرعية الدستورية ولا للشرعية الانتخابية التي يطبل لها السيد رئيس الحكومة!
لكن بؤس السياسة بالمغرب يفتح لنا مجالا واسعا للخيال، فلا وجود لشيء اسمه المنطق بالمغرب وقد تتفاجئ في الدقائق الأخيرة من عمر مباراة بدأت، يقودها 39 وزيرا كلهم منتدبين لدى حكومة الظل والتي تعتبر اللاعب رقم 40 في ''حكومة الأربعون حرامي''.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.