أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، اليوم الأربعاء بمراكش، أن الخبرة القضائية تعد إحدى الركائز الأساسية التي تساهم في تجويد العمل القضائي، لما تضطلع به من دور محوري في مساعدة القاضي على استجلاء الحقيقة، وضمان إصدار أحكام عادلة ومرتكزة على المعطيات الموضوعية الدقيقة. وشدد وهبي، خلال افتتاح أشغال الدورة الأولى للمؤتمر المغربي الفرنسي حول الخبرة القضائية، على ضرورة "تأهيل الخبرة القضائية بشكل دائم ومستمر، بما يواكب التطورات التكنولوجية والعلمية المتسارعة، مبرزا أن "الارتقاء بكفاءة الخبراء القضائيين، سواء من خلال التكوين أو من خلال تحديث الإطار التنظيمي لمهامهم، يشكل أولوية لضمان الجودة في ممارسة هذه المهنة الدقيقة".
وذكر الوزير، في كلمة تليت بالنيابة عنه، بأن المملكة المغربية أولت أهمية خاصة لتنظيم مهنة الخبرة القضائية، وهو ما تجسد في ترسانة قانونية تؤطر هذا المجال، لاسيما القانون 45.00، الذي يحدد بدقة شروط مزاولة هذه المهمة. وأشار في هذا السياق، إلى أن "عدد الخبراء القضائيين المسجلين بالمملكة حاليا يبلغ حوالي 4350 خبيرا، موزعين على مختلف التخصصات، وهو ما يعكس حجم الرهان الذي نعول عليه في إنجاح هذه الآلية داخل منظومة العدالة". وأكد السيد وهبي أنه "في ظل بروز أنواع جديدة من الجرائم، من قبيل الجرائم السيبرانية أو المعاملات الرقمية أو القضايا ذات البعد البيئي أو الصحي، بات من الضروري أن يصبح الخبير القضائي فاعلا مركزيا في دعم القاضي وتمكين العدالة من مواكبة هذه التحديات، استجلاء للحقائق وتحديدا للمسؤوليات". بدورها، أبرزت مديرة الشؤون المدنية والختم بوزارة العدل الفرنسية، فاليري دلنود، أهمية الخبرة القضائية باعتبارها عنصرا أساسيا لضمان عدالة نزيهة وفعالة، مؤكدة أن التعاون بين البلدين في هذا المجال يكتسي أهمية خاصة، لا سيما في ظل تزايد القضايا المعروضة على المحاكم وتنوع المجالات التي تتطلب تدخل خبراء متخصصين. وتابعت دلنود أن العالم يشهد تحولات تقنية متسارعة، في مقدمتها بروز الذكاء الاصطناعي، "ما يفرض على المؤسسات القضائية الفرنسية والمغربية، إعادة النظر في أطر التكوين، والمعايير الأخلاقية والمهنية التي تحكم عمل الخبراء، خاصة عندما تصبح التكنولوجيا جزءا من أدوات عملهم اليومية". من جانبه، أوضح مدير الشؤون المدنية والمهن القانونية والقضائية بوزارة العدل المغربية، رشيد وظيفي، أن التطور المتسارع الذي تشهده مهام الخبير القضائي داخل منظومة العدالة، خاصة في ظل التحولات التكنولوجية، تعيد تشكيل طبيعة الخبرة وتفرض تحديات جديدة على مستوى التأهيل والجودة. وأشار من جهة أخرى، إلى أن تنظيم هذا المؤتمر المشترك يجسد عمق التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا، ويعكس الرغبة المشتركة في تطوير آليات العدالة القائمة على الكفاءة والتخصص، مشددا على أهمية تأهيل حقل الخبرة القضائية وفق مقاربة ترتكز على المهنية والشفافية. من جهته، استعرض العميد الشرفي بمحكمة النقض الفرنسية، باتريك ماتيت، أوجه التعاون القضائي والقانوني بين محكمة النقض الفرنسية ونظيرتها المغربية، لاسيما في مجال الخبرة القضائية، الذي يشكل محورا هاما لتطوير الكفاءات وتحديث العمل القضائي، خصوصا من خلال تبادل التجارب في كيفية تفسير وتطبيق القانون، وتوحيد الاجتهادات، وتحقيق الأمن القانوني والقضائي. وفي تصريح للصحافة، أبرز رئيس هيئة الخبراء المقبولين لدى محكمة النقض بفرنسا، ديدييه كيلينغ، أن "محاور المنتدى ليست مجرد قضايا تقنية، بل تمثل تحديات مجتمعية تتطلب تقاطع الرؤى القانونية والعلمية"، مؤكدا أن تبادل الخبرات وتوحيد المفاهيم المهنية بين الخبراء والقضاة يشكل حجر الأساس لتعزيز فعالية الخبرة القضائية، وضمان الأمن القانوني للمتقاضين. ويهدف المؤتمر المغربي الفرنسي حول الخبرة القضائية، الذي تنظمه وزارة العدل بشراكة مع هيئة الخبراء المقبولين لدى محكمة النقض بفرنسا، على مدى يومين، إلى جمع نخبة من الفاعلين في مجالي القانون والعلوم من كلا البلدين، لتبادل الرؤى والتجارب حول التحديات الراهنة، واستكشاف السبل الكفيلة بتطوير خبرة قضائية موثوقة ومواكبة لمتطلبات العصر. وينتظر أن يختتم المؤتمر، المنعقد تحت شعار "الخبرة القضائية بين المتطلبات القانونية والمستجدات العلمية"، أشغاله بصياغة مجموعة من التوصيات تهدف إلى تطوير منظومة الخبرة القضائية، وتعزيز كفاءات الخبراء في مواجهة التحديات التقنية والقانونية الجديدة، بما يسهم في تجويد العدالة وتقوية ثقة المتقاضين فيها.