ليست كل الأضاحي من لحم، فبعضها من قلبٍ نجا من عاداته. ليست الشاة هي ما ينتظره الله من عباده في عيد الأضحى. وليست السكين هي الوسيلة الوحيدة للتقرب. ففي كل عيدٍ يُذبح فيه الكبش ولا تُذبح فيه الأنا، يكون الطقس قائمًا، والعبادة غائبة. نحن لا نخدع الله حين نمارس الطقوس بحرفية، لكننا نخدع أنفسنا حين نظن أن الله يرضى بالظاهر وحده. من قال إن الذبح هو الغاية؟ ومن قال إن اللحم هو البرهان؟ قال تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾ [البقرة: 110] فأين هو الخير؟ أفي رقبة الكبش؟ أم في رقبة الكبرياء حين نقطعها ونسجد؟ كل عيدٍ نأتيه وفي قلوبنا حسدٌ، غلٌّ، خصامٌ، هو عيد ناقص، لأن ما لم يُذبح بعد هو ما يمنع النور من الوصول. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، فهل نحمل هذا الإيمان حقًّا، ونحن نملأ ثلاجاتنا بينما جيراننا يبحثون عن كسرة معنى أو ظلّ فرح؟ السكين التي أمرنا الله أن نرفعها، هي التي تقطع الغفلة لا فقط الرقاب، هي التي تُنهي اعتياد التدين، هي التي تفصلنا عن طقوسنا الجوفاء، وتُدخلنا في دينٍ حيٍّ، يتنفس صدقًا، لا استعراضًا. ما لم يُذبح بعد هو صوت التظاهر الذي يعلو على صوت الرحمة. هو هوس الجماعة، الذي يجعلنا نخشى أن نختلف، ولو في الخير. ما لم يُذبح بعد هو نحن، نحن الذين نقدّم الأضاحي خوفًا من العيون، لا رغبة في القُرب، نحن الذين نضع الفرح في كيس لحم، وننسى أن الفرح، في جوهره، صفاء قلب. كنت طفلًا حين سألت جدتي: لماذا نذبح؟ فقالت: لنُعلّم القلب أن يُطيع، لا أن يُؤذي... واليوم أفهم كم كانت على حق. فيا من لم يذبح هذا العام، لا تحزن... ربما يُكتب لك عيدٌ لم يُدنسه التكلّف، ولم يُلطّخه التفاخر، عيدٌ أقرب إلى الله لأنك اقتربت، لا لأنك ذبحت. ومن قرر الذبح لا تنسَ أن تذبح مع الكبش شيئًا من نفسك: غرورك، غفلتك، تعاليك، حساباتك الصغيرة. وإلا، فستغادر العيد، ويبقى ما لم يُذبح... فيك. فإذا ذبحت ولم تتغير، فاعلم أن الذي لم يُذبح هو أنت. وهنا لا نقصد الأضحية التي تُذبح في الظاهر، بل الذات التي يجب أن تتطهّر في الباطن. فالذي لم يُذبح هو الكبرياء، الغفلة، الرياء، وكل ما يجعل من الطقس شكلاً لا معنى له. من ذبح ولم يرحم، ولم يزكِّ، ولم يتواضع، فقد ذبح الشاة وترك نفسه حيّة على معصيتها. فلتكن أضحيتك هذا العام: نفسك. وليتغيّر فيك شيء، ليكون العيد عيدًا.