قد يكون الرقص الذي يبدو لنا للطير لجريح شبيها للصورة التي نحن عليها بتنظيم مهرجان الرقص والغناء ، مهرجان موازين ،خاصة لما يكون الزمن هو زمن الإبادة الجماعية لإخواننا الفلسطينيين، وبالرغم من كل الانتقادات البناءة لهذا المهرجان من قبل العديد مكونات المجتمع المغربي ،من أجل أن يصير فعلا يمثل مغرب الثقافات الوطنية يكتسح العالم، ويبرز هوياتنا وطموحاتنا الفكرية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، لم يستقم بعد بالرغم من مرور 20 سنة على إقامته كل عام ، وكانه قدر مقدر علينا ليطل علينا في ظروف ونحن نكابد فيها الغلاء والبطالة بل ونعيش زمن الإبادة الجماعية لإخوتنا بفلسطين من قبل عدو لاإنسانية ولا خوف لديه ولا اعتبار للقانون الدولي والمحكمة الجنائية الدولية ولا لكل الاحتجاجات للشعوب المحبة للسلام، والمنددة بالتقتيل اليومي على مدى قرابة سنتين لشعب كل ما يريد هو أن يعيش بسلام في إطار دولة مستقلة ذات سيادة – ها هو قد عاد هذا المهرجان من جديد ، وكانه يزيد في تثبيت وتعميق الجراح ونشر الحزن والألم الدفينين في قلوب الشعوب العربية وكل العالم المحب للسلام والأمن ، عاد هذه المرة أيضا بالرغم من كل ما يجري من أحداث تستوجب التوقف إزاءها واتخاذ قرار يلائم الإحساس بالتضامن الذي ما فتئ الشعب المغربي يعبر عنه يوميا من خلال التظاهر والتنديد بالهجمة الشرسة للعدوان الصهيوني على شعب أعزل . والغريب أن هذا المهرجان يريد أن يكون" صوتا للتسامح ونشر الثقافة العالمية والسلام" لكن، في الوقت الذي تدمرنا الآلة الحربية الصهيونية وداعميها، بكل أنواع الأسلحة والدمار دون أي إحساس بالإنسان العربي والفلسطيني الذي يداس ويقبر تحت الأنقاض دون تحريك للضمير الدولي. ومعهم بعض من يتاجرون في القضية فضلوا الصمت مع التطبيع، أما الشعب فلم يبخل من جهوده لإبراز ذاك الواجب التضامني، رغم المحاكمات هنا وهناك لإسكات الضمير المغربي وإطفاء شغلة التضامن مع الشعب الفلسطيني، إلا أن بعض الأطراف غير متواجدة بالساحة الأصلية المغربية المتضامنة مع القضية الفلسطينية التي لا تنفصل علن قضية الصحراء المغربية، مثل منظمي مهرجان موازين وبعض الأقلام المأجورة التي جعلت من التطبيع شرطا أساسيا ولازما لكسب الاعتراف بمغربية الصحراء، ومن يفكر هكذا لن يحصد إلا الفراغ …. وليعلم أن تحرير الأرض من تحرير الإنسان، والقضية الوطنية لن تحل إلا بوضعها بيد الشعب المغربي عوض الانتقال بها بين صالونات أجنبية، ومع ما يستلزم ذلك من هدر للمالية العمومية. فالمغرب في أرضه ولن تزيده الاعترافات شيئا، بل قد تنزع عنا شرعية الانتماء للوطن العربي وعزلنا عن هويتنا المتجذرة الأصول، ونصير لقمة في فم الغول الاستعماري الجديد الصهيوني. إلا أن المؤكد بعض العناصر من الممارسة السياسة المغربية لا تسير في اتجاه يعكس مواقف الشعب المغربي وكأنها تسير ضدا على إرادته، وهذا الأمر له عواقب مستقبلية وجب التنبيه لها، ومهما كانت المبررات لن تصمد أمام إرادة الأغلبية الساحقة من هذا الشعب الذي من المفروض أن تأخذه النخب الحاكمة بعين الاعتبار في أي قضية مهما كانت وبالأخص في القضايا المصيرية كقضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية والقضايا التي تهم مستقبل أبناء الوطن وضمان طل السبل لحياة أفضل، وعليه فالحق بين والباطل بين، فلا منزلة بين المنزلتين، الأمر محسوم، إما أنت معي أو ضدي؟ إن عقارب الساعة السياسية المغربية تبدو أنها تدور عكس دوران الكرة الأرضية، وبالتالي تسير عكس المسار التطوري للديموقراطية وعكس كل القوانين الوضعية وغيرها، فالضمير الرسمي يبدو انه يساير التيارات الدخيلة ليظهر بمظهر يتجاوب مع الموجة العالمية التي خلقت بنية تفصل بين عالمين او تيارين: تيار الواقعية التي جعلت من القوة والهيمنة العملة السائدة مع مجيء " ترامب " لحل كل القضايا السياسية والاقتصادية والجيوسياسية، وتيار المبادئ، كالحرية والتحرير والعدالة والديموقراطية التي ما زال يتشبث بها كل من مازال محاصرا في ركن ضيق لا يرى الحرية ولا ينعم بالكرامة والعيش الكريم. إن الفعل الثقافي الذي لا يعبر عن هويتنا ومعاناتنا، ولا يرفع من قيمتنا الفكرية والروحية، عبث أكيد ولهو يغطي الشمس بالغربال ويجعلنا لا نساهم في تغيير واقع صنعته السياسة من أجل ان نظل تابعين ومصفقين لخطبهم الجوفاء، فصانعي القرار الثقافي في الشكل والمضمون الذي جاء به مهرجان موازين لن يفيدنا للخروج من الجهل المطبق ومن تبعية واستلاب فكري لا يقصد سوى الإبقاء علينا في مؤخرة كوكبة التطور، نتفرج على تخلفنا ونضيف اليه أشياء متعسفة في التخلف والانحدار البشري التنموي. فأي منهج هذا الذي ينهجه منظمو "موازين " زمن عدم توازن الموازين؟ هناك في غزة أطفال ونساء وشيوخ يقتلون بنفس باردة وكأنهم "حشرات ضارة " تباد، وهنا نرقص ونغني، أي منطق ينسجم مع هذا الوضع؟ أي فكر متزن؟ وأي ثقافة تلك التي تسمح لأنفسها بالفرح و"النشاط" وسط بركة من الدماء ؟ فالثقافة لإن لم تكن مسؤولية وتضامنا ،فهي وفي أدنى الحدود صمت وامتناع عن الكلام ….أما الغناء والرقص ضمن مهرجان يريد أن يصير عالميا في الوقت الذي تطحن فيه الألة العسكرية الجهنمية الرضع والنساء ويقبرون تحت أطنان من أنقاض منازلهم وهم نائمون .ألا يستحق هؤلاء أن نشاركهم ولو بتحسيسهم باننا معهم في نكبتهم التي تتكرر ومازالت بعدة أسباب ومنها سكوتنا ورقصنا على جراحهم، هكذا يفسر العدو إقامة المهرجانات مثل مهرجان "موازين " الذي أخل بكل الموازين الإنسانية في ظرف عصيب كهذا الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط في غزة ولبنان واليمن ،وغدا ستكون جهات أخرى في هذا المخطط الذي لن ينتهي إلا بالهيمنة على كل المنطقة عسكريا واقتصاديا وثقافيا. ضمن هذا الفزع والحزن والقلق الذي يخيم على الشعب العربي والإسلامي وعلى كل محبي السلام، ألا يمكن أن نفعل شيئا ولو بسيطا للتخفيف من عمق هذه المأساة؟ اليس من الواجب على منظمي المهرجان عوض إقامته هذا العام، تخصيص تلك الميزانية الضخمة التي كانت سنة 2018 أكثر من 15 مليارا من الدراهيم، لأطفال غزة المرضى والمعاقين؟ أم اننا نقترح المستحيل؟ خاصة وان الواقعية السياسية التي ركبها بعض الساسة ببلادنا، بترت كل تفكير لهم يسير في هذا الاتجاه. لأن الزوايا التي ينظرون منها ويقررون لا تتيح لهم رؤية الأنهار من الدماء التي تنهمر يوميا على الأرض الفلسطينية المغتصبة. فما هو دور المكونات المجتمعية من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني إذا لم تنخرط كلها، في هذا المطلب، أم أنهم هم أيضا من نفس الطينة وبالتالي نطلب المستحيل من مكونات سياسية وحزبية وبعض جمعيات يضمها المجتمع المدني يرون مكانهم وطريقهم يوجد في خريطة الطريق التي رسمت لهم هناك في مراكز القرار الذي تمتلكه القوى العظمى ، وبالتالي لا يمكن لمنظمي المهرجان أن يطلب منهم التراجع عن إقامته وهي فرصة لهم للتأكيد لتلك الجهات أنهم ينفذون كل قراراتهم بل ويضيفون عليها من عندهم . ، ولو افترضنا ان المهرجان تم التراجع عن إقامته سيكون ذلك موقفا مهما للمساهمة في ارسال رسالة للعدو بأننا هنا مع الشعب الفلسطيني وأن وسيكون خطوة ذلك لإثارة الانتباه لبلدنا ويمكن أن يحد من امتداد واستمرار هجومات العدو ولو بوسيلة أقل إيمانا. هذا من جهة ومن جهة أخرى ما هي الإضافة التي ستعطي للمشهد الثقافي والسياسي لهذا البلد باستقبال فنانين من كل حدب وصوب، ولم تغلق ابواب المهرجان في وجه الأغنية الفلسطينية؟ التي تنشد الحرية والتحرير وتحث على التشبث بالأرض وكرامة الإنسان، خاصة وأن كثيرا في هذا الوطن من يتغافل أو يجهل أهمية الوطن، وقيمة الوطن يشعر بها من فقده، لذا ألا يكون من الأجدى والمفيد أن نبحث عن شحنات من حب الوطن، ونقف في الصفوف الأمامية مدافعين عن كل من يتربص به بكل الطرق والأساليب. السنا في حاجة لسماع أغاني التحرير، تحرير الإنسان والأرض، تحرير الإنسان من الجهل وتحرير الأرض من الاحتلال بكل أشكاله. فها هو الاحتلال يحول المنطقة بأكملها الى ساحة حرب مباشرة وغير مباشرة، ونحن هنا نغني ونرقص بالتسامح ويقصد به أساسا التطبيع مع هؤلاء مجرمي الحرب، والمحكمة الجنائية الدولية قالت كلمتها، لكن قوى الشر لا تعترف بالقانون الدولي ولا الإنساني، خاصة لما يكون الضحية عربيا أو مسلما، والحال انه إنسان ككل الناس. ماذا نريد أن نبعث كرسالة للأعداء بإقامة مثل هذا المهرجان وفي هذا الوقت بالذات الذي يذبح ويقتل ويجوع ويعطش فيه إخواننا في فلسطين؟ أليس ذلك إعلانا صريحا بالتخلي عن القضية التي طالما ربطها الرسميون عندنا بالقضية الوطنية؟ كيف نجرؤ على استقبال مغنين من بلدان تدعم الاحتلال وتمده بالعتاد الحربي والدعم الدبلوماسي بل هناك من يشارك مباشرة في هذه الإبادة الجماعية، هل هؤلاء المستقدمين للغناء في المهرجان لهم مواقف تدعوا للسلام وتحرير فلسطين؟ كيف لي أن أختم هذا المقال والحال يبدو أنه مخطط استراتيجي، وما المهرجان موازين إلا نقطة في بحر من التدابير التي تقوم بها القوى العدائية لتهيئ الأرضية الفكرية والمادية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسة، حتى يصبح المشهد عاديا وغير ملفت للنظر ولا يثير أي اعتراض، هل هذا هو المبتغى؟ لا لن يمروا إلا على أجسادنا، ولو أقاموا الدنيا سنظل هنا شوكة في حناجرهم … فالجرثومة الصهيونية لن تتوقف هنا بل ستتغلغل في كينونة فكرنا وثقافتنا وهوياتنا واقتصادنا و مجتمعاتنا لتخلط كل أوراق التاريخ الذي صنعناه بكل حمولته ، من إرث يميزنا عن باقي الأمم ويمنح لهذا العالم إضافات متنوعة ، تساهم في نشر السلام والمودة ، لتجعله هذه القوى المتسلطة ، مسخا لا يعبر عن أي شيء فقط تفاهات وألوان باهتة وحركات لا تلوي على شيء بل تكرس فراغ من يعمر هذا الوطن ولا غد له على هذه الأرض التي سينهب باطنها وبحرها وشعبها من قبل كيانات جوهر وجودها هو زعزعة الاستقرار العالمي والنفوذ لأعماق الشعوب لتفتيت كل ما يجمعها على خدمة الإنسانية ، وكي تغرق في بحر من الأنانية والجهل.