لسنا ضد الفرح الجماعي ولا نريد أن ننغص على الناس أفراحهم ، ولكن مع بعض من الرصانة والعقلانية وبعض من التربية التضامنية نفسح لكل فعل رد فعل ، فالوضع الكارثي الذي تعيشه غزة لن يستقيم معه أي فرح ولا ما يحيط بالفرح ، فالدماء التي تسفك يوميا ولأكثر من ثمانية أشهر ليست ماءا بل دماء تروي الأرض الفلسطينية التي اغتصبت من قبل الشتات اليهودي بالقوة وليتها كانت قوتهم وحدها بل كل العالم الغربي والأمريكي ضد تحرير هذا الشعب الذي عانى من أبشع استعمار في العصر الحديث ، كما أنه ليس من طباعنا ولا من عاداتنا ولا من هويتنا ، ان يقع هذا الحدث المخل بكل قيمنا ،في الوقت الذي تتساقط أرواح الأطفال في غزة كالجمرات على أجسادنا نحن البعيدون ، والقريبون منهم في اللغة والاعتقاد الديني والأرض وامتدادها تاريخيا وجغرافيا وحضاريا ،وبهذه البرودة أن نرفع عقيرتنا لإقامة مهرجان موازين وآذاننا مازالت تحتفظ رغما عنها بضجيج "الزنانات" فوق سماء غزة العزة، وإخواننا الفلسطينيين يموتون بالقنابل والصواريخ وبكل أنواع الأسلحة المتطورة من صنع أمريكا والغرب الأوروبي ، و في هذه المرحلة الحرجة التي كانت أن تكون لتعبئة كل طاقاتنا لمواجهة العدو أو على الأقل التأثير في الرأي العام الداخلي والخارجي لفضح هذا الكيان الذي لا يقيم وزنا لكل العالم ولا لقرارات الأممالمتحدة ولا لمجلس الأمن ولا لمحكمة العدل الدولية ، فهذا الكيان الذي تجاوز كل الحدود للاعتبارات الإنسانية و للمواثيق الدولية ولمشاعر المجتمع الدولي، كيف سيتصرف لما يعلم وسيعلم بكل تأكيد ، لأنه يراقب كل تحركاتنا ، لكن للآسف سيرانا نستعد لنرقص في مهرجان موازين على ايقاعات القنابل والمدافع التي تقتل وتدمر وتقصف شعب فلسطين الأبي، لا لشيء سوى لأنه يطالب بحقه في الوجود كدولة مستقلة كما باقي الدول في العالم ،طبعا سيستمر في طغيانه ويوسع رقعة عدوانه لباقي الأراض العربية ، لأننا نرقص تحت ايقاعات مدافعه ونغني مع فلول أصحاب الأغاني الماجنة والتي لا تحمل هموم المعذبين في فلسطين وفي كل مكان ، إن غزة وسكان غزة لم يعد فيها إلا الدمار ، الشيوخ والنساء والشباب والأطفال أغلبهم تحت الأنقاض ، البنايات حطام وركام لا حياة في غزة ، الجوع ،الأمراض بسبب انعدام بنيات توزيع المياه والصرف الصحي ولا الكهرباء ولا مستشفيات لعلاج الجرحى والمرضى ، الجوع يصيح في واضحة النهار عند الساكنة، ولا المساعدات تصل والقليل منها الذي تجاوز الحدود تعترض له جماعات بإيعاز من حكومة الصهاينة وجيوشها ، وتفسدها أمام مرأى ومسمع العالم ، ونحن جزء من هذا العالم ،هنا نستعد ونعد العدة للرقص وسماع الموسيقى ونشتت الأموال العامة والخاصة فيما لا ينفعنا ، وهل لنا أن نتساءل كل مرة ، والسؤال على كل حال يوقظ العقل ويهز المشاعر والأحاسيس ، وطرح السؤال والتساؤل لوحده لا يكفي ، لأن الجواب لا يهم ، فمهما يكون لن يفي بالغرض الذي انتظرناه دوما وسنظل ننتظره الى أن نصل للهدف المنشود ألا وهو أننا نصير الشعب الذي كنا ولا نتنكر لهويتنا التضامنية مع البعيد والقريب في مثل هذه الكوارث التي ليست طبيعية بل من صنع الطغيان والهيمنة التي تنكرت لكل القيم والمبدئ الإنسانية ولكل القوانين التي سنتها البشرية وسارت على منوالها في أيام الحرب والسلم. كيف لنا أن نرقص على وقع القنابل وهي تتساقط على أهلنا في غزة؟ كيف لنا ان نرهف الأذن لسماع لحن يطربنا؟ ونحن كم رقصنا كالطير الجريح المقطوع الجناح من شدة الألم الذي احدثته سياسة الهيمنة والتكالب على الإنسان الفلسطيني منذ1948 والنكبات تلو النكبات تتوالى على هذا الشعب الذي لم يكن سوى مطالبا بحقه في الحياة وبسلام ، كيف نسمح لأنفسنا أن نفعل ذلك وأكثر من ثمانية شهور وأكثر ،لم ير الغزاويون لحظة سكون ولا غمضة عين ولم يأكلوا وجبة كاملة بل صاموا رمضان وكل الشهور الموالية ليس تعبدا ولا نسكا ،بل بسبب الحرب التي فرضت على الشعب الذي أراد أن يتحرر من أبشع استعمار في تاريخ البشرية، احتلال عنصري ،بغيض، يفيض حقدا وكراهية للأخرين غير اليهود . هل لهذا الحد وصل بنا الأمر أن نفرح ونرقص بلا موازين أخلاقية وإيقاعات مبدئية؟ أليست لنا تقاليد مجتمعية تحزن مع الجار السابع لو حصل له مكروه؟ أليست لنا تعاليم إسلامية تحث على التضامن كالجسد الواحد إن أصابته الحمة تداعى له كل الأعضاء؟ أما الحسابات السياسية أعمت كل الناس وخاصة المسؤولين على مثل هذه الحفلات التي لا تحمل في عمقها سوى التفاهات ولا التزامات ولا ثقافة فنية يمكن الاستدلال بها على أنها برامج تربوية أو تثقيفية او تجمع بين الترفيه والتثقيف ، والحال ان هذا المهرجان منذ قيام فكرته كانت بالأساس للتلهية والتمويه لإخفاء شيئا ما لكي يمرر بسلاسة وبدون ضجيج . هل سقطنا في الهاوية بهذا السلوك ؟، لأننا لم نعد نشعر ولا نحس بما يجري حولنا ، كأننا في جزيرة معزولة والحال أن عالم اليوم يتميز بكثافة الاتصالات المباشرة والأنية ، تكفي نقرة أصبع لتعرف ما يجري بالصوت والصورة ولو في جزيرة الوقواق ،لكننا يبدو أن الصمم والعمى أغرق بصيرتنا في ظلمات الأنانية والتيه الأبدي في متاهات لن نخرج منا إلا مكسوري الأجنحة وبدون مكانة في عالم بدأ يتفكك ويتساقط كالقصور الرملية ، لأنه عالم ليس فيه مكان إلا للقوي ، وأن العدالة الدولية تراجعت ، بل أننا دخلنا مرحلة استعمارية جديدة لم يسبق للعالم أن شهدها وبخصائص فريدة وهي تنامي القوة واستعمال السلاح بكل أنواعه وبشكل لا يراعي أي حدود مادية معنوية .وهكذا إن سايرنا هذا التيار الجارف والذي يعتمد القوة المادية واستعمل الذكاء الاصطناعي لتدمير كل ما هو حيوي بشكل وبنوعية راديكالية لا تبقي ولا تذر ، والفظيع في كل هذا هو استهداف العنصر الأساسي في هذه الأرض وهو الإنسان وفصله وتصفيته من خلال تبني سياسة عنصرية مقيتة وسياسة إبادة بشرية ،لأغراض استراتيجية عسكرية بحتة ،لا أفق لها سوى الهيمنة والسيطرة على موارد الثروات واحتلال مناطق مرور وانسياب تلك الثروة الطاقية والمعدنية وفتح الأسواق لصناعات الدول الكبرى بمساعدة الكيان الصهيوني الذي يتوفر على مؤهلات عسكرية وعقلية عنصرية ويشكل في الشرق الأوسط ثكنة عسكرية ومركز استخباراتي دائم على المنطقة كلها بما فيها شمال إفريقيا . ويأتي مهرجان موازين ليكرس ذلك الخنوع والصمت المميت في الوقت الذي تتساقط أطنان من القنابل والصواريخ على أطفال ونساء وشيوخ فلسطين دون توقف ، ولم يشهد التاريخ الحديث مجازر تقتيل وإبادة جماعية كما يقع بفلسطين ، ولا أحد يستنكر ولا أحد يعارض بل القوى العظمى التي ترفع الولاياتالمتحدةالأمريكية لواءها، أصبحت بحكم الفعل والعمل اليومي مشاركة مباشرة في هذا العدوان ، وما استعمالها للفيتو واقامة جسور المساعدات العسكرية إلا شواهد تثبت ذلك لمن أراد دليلا .. وها نحن ذا نقيم الحفلات وترقص على ايقاعات مرة بموازين مختلة أخلاقيا ومرة بموسيقى بلا روح إن هي زهدت في محراب العشق الإلاهي وتناست المقربين الأولى للحياة والعيش الكريم ، ذاك الشعب الفلسطيني الذي سيمحى من على وجه البسيطة إن نحن بقينا على هذا الحال ، لا نحن هنا ولا نحن هناك ، لا نحن هنا نكتب من جديد تاريخ المقاومة للاستعمار والاستغلال ولا نحن هناك نساند وندعم ولو بأبسط الأمور كالدعم الإعلامي لمواجهة الدعاية الغربية وازدواجية خطاباتها والكيل بعدة مكاييل. هل وصلنا لها الحد حتى نرقص على جراح إخواننا الفلسطينيين؟ أم أن الإنسان فينا ما عاد إنسانا؟ أنكون وصلنا لهذا المستوى من الانحطاط الأخلاقي؟ اليس رصيدنا نحن المغاربة ومخزوننا الثقافي والفكري والعقائدي هو الذي أعطى لهذا البلد المناعة كي يستمر قائما بشموخ أمام كل الهجمات من أي جهة كانت؟ اما عدنا كما كنا؟ ما الذي تغير فينا؟ هل لهذا الحد اتسعت الشقة بين أشقائنا وخاصة الفلسطينيين منهم؟ أبهذه السهولة نغض الطرف عما يجري في فلسطين؟ هل انقلبت الموازين التي كانت لصالح الحق والتحرر الى موازين "الهز يا وز" ، يا لسخرية الوضع الذي صرنا فيه ، نتبع التيار التافه ونختفي من خريطة الناس الذين يكتبون الملاحم ويسطرون البطولات التاريخية ، أهذه بداية الانحطاط ؟ أم الانحطاط ذاته؟ ..