قال محمد بنعليلو رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، اليوم الثلاثاء، إن الصحة تمثل مطلبا وانشغالا رئيسيين لنسبة معتبرة من المغاربة، لكن هذه المطالب تصطدم في كثير من الأحيان بعوائق الرشوة، وضعف الجودة، وتداخل المصالح، والتمييز الخفي في الولوج للعلاج. ونبه بنعليلو في كلمة خلال ورشة العمل حول "مخاطر الفساد في قطاع الصحة، سلسلة القيمة الخاصة بالمنتجات الطبية والقطاع الطبي الخاص" إلى أن مخاطر التلاعب والتزوير والمحسوبية والفساد، فيما يتعلق بالأدوية والمنتجات الطبية، قائمة رغم كل المجهودات المبذولة.
كما أن القطاع الصحي الخاص، ورغم تطوره المهم، يعاني من بعض الثغرات التنظيمية ومحدودية آليات المراقبة، وهو ما خلق بيئة مواتية أحيانا لنشوء بعض الممارسات غير النزيهة مثل الفوترة الوهمية، والتدخلات غير الضرورية، يؤكد بنعليلو. وتوقف المتحدث على أن المواطن المغربي يطالب بالحق في الولوج العادل والمنصف إلى خدمات الصحة والتطبيب، بعيدا عن كل مظاهر الفساد والانحراف والتمييز. وأشار رئيس هيئة النزاهة إلى ما أظهرته الدراسات والتقارير ذات الصلة، حول تمثل المغاربة لأثر الفساد أمام ولوجهم إلى خدمات صحية جيدة، ما يعكس وضعا غير مرض وغير مقبول، خاصة حينما نأخذ بعين الاعتبار أن واحدا من كل خمسة مواطنين مستجوبين في الدراسة التي أنجزتها الهيئة، يعتبر الصحة أولوية قصوى، وأن نسبة ممن تواصلوا مع المنظومة الصحية ربما اضطروا بشكل من الأشكال إلى دفع رشاوي أو طُلب منهم ذلك. واعتبر بنعليلو أن الفساد الصحي ليس دائمًا نتيجة فردية لسوء السلوك، بل هو أيضًا انعكاس لما تسميه منظمة الصحة العالمية "هشاشة النظم"، بتجلياتها المعروفة المتمثلة في ضعف الحوكمة، وغياب الشفافية في تدبير المشتريات، وضعف آليات المراقبة، وأحيانا تضارب المصالح في التنظيم الصحي. وشدد على ضرورة إعادة قراءة الواقع الصحي في البلاد، ورصد ما ترسخ من ممارسات ماسة بشروط النزاهة، وتحديد مواطنها، وما تقتضيه المعايير الدولية من تدخل لتداركها. وقال بنعليلو بالمناسبة "إننا اليوم من خلال هذا الورش لا نؤسس فقط لمرحلة تشخيص الأعطاب، بل لمرحلة أكثر عمقا والتزاما، نستطيع من خلالها صياغة التزامات ومسارات عملية واضحة للتغيير، لأننا على يقين أن مشروع إعداد خارطة لمخاطر الفساد في قطاع الصحة، سيشكل لبنة معرفية ومنهجية أساسية لرصد مواطن الفساد، وتحديد أسبابه، وتقدير تواتره وشدته، وتقديم مبادئ توجيهية وحلول ملموسة للحد منه". وأوضح أن الهدف من هذه الخريطة ليس فقط علميًا أو تقنيًا، بقدر ما هو مشروع للدفاع عن الأمن الصحي للمواطن المغربي، وعن ثقته في مؤسسات بلده، فبناء خريطة لمخاطر الفساد، هو سعي لبناء مناعة مؤسساتية طويلة المدى، فكما أن الجسد يواجه الفيروسات بمناعة بيولوجية، فإن النظام الصحي يواجه الفساد بمناعة سياسية، مؤسساتية، تشاركية. ولفت رئيس هيئة النزاهة إلى أن الفساد في النظم الصحية لا يُضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة فحسب، بل يقوّض القدرة الجماعية على تحقيق التغطية الصحية الشاملة (UHC) ويُهدد الأمن الصحي الوطني. و الحديث عن الفساد في قطاع الصحة ليس حديثًا عن خلل جزئي أو عن مظاهر معزولة، بل هو نقاش عميق يتعلق بكيفية إدارة حياة الإنسان نفسها، كحق أساسي غير قابل للمساومة، فهو تجمع بين شروط ولادة صحية، وتنشئة سليمة تراعي حاجة الانسان للدواء والرعاية الطبية، وحقه في العلاج بكرامة.