في ليلة حزينة خيّم عليها الأسى، رحل أحمد الزفزافي، والد قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، بعد سنوات من الصبر والمكابدة، تاركاً خلفه مساراً إنسانياً استثنائياً وصورة أبٍ شامخ وقف في قلب العاصفة، فيما لا يزال ابنه ورفاقه يقضون سنوات عمرهم وراء القضبان. منذ تلك الوقفة التاريخية بساحة الشهداء بالحسيمة عقب اعتقال ابنه، خطف "عيزي أحمد" الأنظار للمرة الأولى بوجهه الحزين وصوته المتهدج الذي غلبت عليه دموع القهر. لم يكن يوماً من نشطاء الحراك، لكنه وجد نفسه فجأة في قلب الأحداث، مدفوعاً بواجب الأبوة ورغبة عارمة في الدفاع عن فلذة كبده وبقية الشباب المعتقلين.
كان ظهوره العلني الثاني بعد حادث الاعتداء الخطير الذي استهدف ناصر الزفزافي بالناظور، حين واجه مع أسرته هول المطاردة والهجوم بالأسلحة البيضاء. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد أحمد الزفزافي مجرد والد معتقل، بل أصبح رمزاً للأمل والثبات، وصوتاً عقلانياً في مرحلة حرجة من تاريخ الريف. بثباته وصراحته، استطاع أن يكسب احترام المتعاطفين والحقوقيين في الداخل والخارج. ظل وفياً للملف المطلبي الذي سطره الحراك، لم ينجر وراء التصعيد ولم يقبل بخفض السقف، بل تمسك بخط الوسط، محافظاً على وحدة عائلات المعتقلين ومتمسكاً بروح الحراك وأهدافه. واجه "عيزي أحمد" حملات تشويه ومحاولات تهميش، لكنه قاومها بصلابة نادرة. كان صوته مسموعاً في المحافل الحقوقية والإعلامية، ووجهه عنواناً لمعاناة عائلات المعتقلين. عاش حياة بسيطة، بعيدة عن الأضواء والمكاسب، عرف فيها بنزاهته ونظافة يده على مدى أكثر من أربعة عقود في عمله، ولم يملك خصومه سوى اختلاق الأكاذيب لمحاولة النيل من رمزيته. برحيله، فقد الريف والمغرب قامة أخلاقية قلّ نظيرها، ويفتح غيابه الباب أمام أسئلة موجعة عن مصير معتقلي الحراك، وفي مقدمتهم ابنه ناصر. لكن إرثه الإنساني سيظل شاهداً على أن صوت العدالة لا يموت، وأن محكمة التاريخ ستظل مفتوحة للحكم على من ظلموا شباباً طالبوا بالكرامة والحرية. برحيل أحمد الزفزافي، يخسر الريف أباً صبوراً حمل القضية بصلابة نادرة، رحل الرجل الذي مثّل صمام أمان في لحظة تاريخية فارقة، تاركاً "أيتامه": * ناصر الزفزافي، القائد الذي هزّ بخطبه الريف والمغرب، محكوم ب20 سنة. * نبيل أحمجيق، "دينامو" الحراك، محكوم ب20 سنة. * محمد جلول، المعلم والمناضل، محكوم ب10 سنوات بعد أن راكم أكثر من 12 سنة سجناً. * سمير إغيد، محكوم ب20 سنة. * محمد حاكي وزكرياء أظهشور، محكومان ب15 سنة لكل منهما. ليلة الحزن في الحسيمة ليست فقط وداعاً لأب صلب شجاع، بل تجديداً لصرخة الحرية التي رافقها "عيزي أحمد" حتى آخر لحظة من حياته، تاركاً الحكم لمحكمة التاريخ.