في مفارقة جديدة تُذكّر بتاريخ طويل من الجدل حول "السلام على الطريقة الغربية"، منحت لجنة نوبل النرويجية جائزة السلام لعام 2025 للسياسية الفنزويلية اليمينية ماريا كورينا ماتشادو، باعتبارها "رمزًا للنضال من أجل الانتقال السلمي إلى الديمقراطية". لكن خلف هذا الخطاب المثالي، تبرز سيرة سياسية مثيرة للجدل لامرأة دعمت العقوبات، وباركت الانقلابات، واصطفت علنًا إلى جانب إسرائيل في حرب إبادة على غزة.
من المعارضة إلى التحالف مع اليمين الصهيوني ولدت ماتشادو في كراكاس عام 1967، مهندسة وابنة رجل أعمال ثري، صعد نجمها بعد انقلاب 2002 الفاشل ضد الرئيس هوغو تشافيز، حين وقّعت على مرسوم ألغى الدستور وحلّ مؤسسات الدولة. منذ ذلك الحين، تحوّلت إلى واحدة من أبرز وجوه المعارضة المدعومة من واشنطن، ومن الداعيات إلى "تدخل دولي" في فنزويلا، بل إنها طالبت صراحةً بمساعدة إسرائيل في "تحرير فنزويلا بالقنابل"، وفق ما كشفه الناشط الأمريكي من أصل فنزويلي ميشيل إلنر. في عام 2020، وقّعت ماتشادو اتفاقية تعاون مع حزب الليكود الإسرائيلي، يقودها بنيامين نتنياهو، تحت شعار "تعزيز القيم المشتركة للحرية والديمقراطية". الاتفاق لم يكن رمزيًا فقط، بل مثّل تأسيسًا لتحالف سياسي وأيديولوجي بين المعارضة الفنزويلية واليمين الإسرائيلي، في مواجهة محور كراكاس–طهران. ومنذ ذلك الحين، لم تخفِ ماتشادو نيتها نقل سفارة فنزويلا إلى القدس إذا وصلت إلى السلطة، معتبرة دعم إسرائيل "خيارًا استراتيجيًا". تتباهى لجنة نوبل بأنها تكافئ "المدافعين عن الحرية في وجه الاستبداد"، لكن ماتشادو لم تكن يومًا من دعاة السلام. فقد ساندت العقوبات الأمريكية التي حاصرت الشعب الفنزويلي وأودت بآلاف الأرواح جراء نقص الدواء والغذاء، ودعت إلى خصخصة المؤسسات العامة، ووقفت ضد أي محاولة للمصالحة الداخلية. في الوقت الذي كانت فيه غزة تُقصف وتُحاصر، خرجت لتعلن تضامنها مع إسرائيل، قائلة إن "نضال فنزويلا هو نضال إسرائيل". الجائزة التي فقدت معناها منذ أن مُنحت الجائزة لهنري كيسنجر، لم تكفّ لجنة نوبل عن مفاجأة العالم بخياراتها الملتبسة. واليوم، يأتي فوز ماتشادو ليؤكد أن الجائزة لم تعد تُكرّم صانعي السلام، بل من يحوّلون الحروب الاقتصادية والعقوبات إلى أدوات "تحرير". كما كتب ميشيل إلنر في مقاله "معنى السلام عندما يفوز اليمينيون بجائزة نوبل": "إنها الوجه الباسم لآلة تغيير الأنظمة في واشنطن، المتحدثة الأنيقة باسم العقوبات والخصخصة والتدخل الأجنبي المتخفي بثوب الديمقراطية."، حسب ميشيل إلنر . لا يُقاس السلام بعدد الجوائز، بل بما تتركه الحروب من كرامة مهدورة، وحين تُمنح جائزة نوبل لامرأة تبرر قصف المستشفيات في غزة وتدعو لتدخل عسكري في بلدها، فذلك يعني أن السلام أصبح امتيازًا لمن يرضخ للهيمنة الإسرائيلية. سلام على جائزة السلام، لأن سلام نوبل لم يعد سلام الشعوب، بل سلام العلاقات العامة الصهيونية.