لقاء بنيويورك يعزز التعاون اللامركزي بين جماعتي الداخلة وغريت نيك الأمريكي    الجزائر المتآمرة تشعل حرباً رقمية ضد المغرب وتستدعي "جنودها الافتراضيين"...    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تراسل رئيس الحكومة مطالبةً بتحرك فوري لإنقاذ "سامير"    إطلاق أشغال بناء مصنع ضخم لصناعة العجلات بإقليم الدريوش    القيادات النقابية العربية تجتمع في إسطنبول لتعزيز العدالة الاجتماعية بالمنطقة    علامة الأزياء العالمية «GUESS» تحتفل بالذكرى الخامسة والأربعين بمؤتمر «عالم واحد، علامة واحدة» في مراكش    والد جندي إسرائيلي: "حماس" سمحت لابني بالصلاة 3 مرات يوميا وكانت تعطيه كتاب "سيدور" للصلاة منه    وهبي: سنلعب أمام فرنسا بأسلوبنا وقوتنا المعتادة    استئنافية أكادير توزع 162 سنة سجنا على المتورطين في أعمال شغب وتخريب    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء بالمغرب    استنفار أمني بالفنيدق تحسبا لمحاولة اقتحام جماعي    "ذاكرة السلام" شعار الدورة 14 لمهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور    ترامب يتوعد بمراجعة برنامج مباريات المونديال    سمكة "صول" تُفجر نزاعا بين كاتب الدولة بن ابراهيم وطباخ فرنسي.. وشبهة تشغيل غير قانوني للأجانب    المنتخب المغربي... رمز للوحدة الوطنية لا ساحة لتصفية الحسابات    ليكيب الفرنسية تكتب: ياسين جيسّيم.. جوهرة دنكيرك التي تبهر العالم بقميص المغرب في مونديال الشباب    28 منتخبا حجز مقعدا له في نهائيات كأس العالم 2026 لحد الآن مع تواجد سبعة منتخبات عربية    بعد 12 سنة من الجريمة التي هزت تونس.. أحكام بالإعدام والمؤبد في قضية اغتيال شكري بلعيد    قال ‬إن ‬موسكو ‬مستعدة ‬لدعم ‬مخطط ‬الحكم ‬الذاتي ‬باعتباره ‬أحد ‬أشكال ‬تقرير ‬المصير:‬    المجتمع المدني والديمقراطية    المغرب يستقبل 15 مليون سائح خلال 9 أشهر    بركة: الموسم الفلاحي المنصرم سجل تحسنا نسبيا    أسعار الذهب ترتفع قرب مستوى قياسي جديد    نزهة بدوان: "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" ترسيخ للمحلمة الوطنية    وصول ثاني أكسيد الكربون في الجو إلى مستوى قياسي في 2024    ماذا يحدث في المغرب؟    التغيرات المناخية والوعي البيئي في عصر الأنثروبوسين، مقاربة ايكولوجية    دراسة: تحولات كيميائية في الحشيش المغربي المخزن طويلا تخلق فرصا جديدة للاستخدام الدوائي ضمن منظومة التقنين    بركة: المغرب يواجه احتمال سنة جفاف ثامنة على التوالي    في ‬مفاهيم ‬الخطاب ‬الملكي:‬ من ‬تأطير ‬المواطنين ‬إلى ‬ترسيخ ‬ثقافة ‬النتائج    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    وليد الركراكي: التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026..المنتخب المغربي يواصل استخلاص الدروس والتحسن استعدادا لكأس أمم أفريقيا    الملك يترأس مجلسا وزاريا للتداول في توجهات قانون مالية 2026    إسرائيل تستعد لإعادة فتح معبر رفح للسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة    أزيد من 36 ألف شاب دون 40 سنة استفادوا من برنامج دعم السكن منهم 44.5 في المائة من النساء الشابات    أمني إسرائيلي يعلن التوصل بجثة رهينة "خاطئة"    "طنجة: الأمن يتفاعل مع مقاطع فيديو تُظهر مروجين للصخب الليلي ومدمنين على المخدرات    برلماني يسائل تدبير مؤسسة في وجدة    واشنطن.. صندوق النقد الدولي ومحافظو بنوك مركزية إفريقية يجددون تأكيد التزامهم بالتنمية المستدامة في إفريقيا    تتويج جمعية دكالة ضمن أفضل جمعيات المجتمع المدني بالمغرب في اليوم الوطني لمحاربة الأمية    كرة القدم: 16 فوزا متتاليا.. رقم قياسي عالمي جديد من توقيع أسود الأطلس    اتحاد الجمعيات الثقافية والفنية بالصحراء تثمن مضامين الخطاب الملكي بالبرلمان    الرباط تحتضن نقاشا إفريقيا حول "حق التتبع" للفنانين التشكيليين والبصريين    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    منير محقق يصدر «تحليل بنيات الحكاية الشعبية المغربية»    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الموسيقى والأغنية والفنون الاستعراضية والكوريغرافية    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    مهرجان بن جرير يكرم رشيد الوالي ويحتفي بذكرى محمد الشوبي    قادة أربع دول يوقعون وثيقة شاملة بشأن اتفاق إنهاء الحرب في غزة    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة: تحولات كيميائية في الحشيش المغربي المخزن طويلا تخلق فرصا جديدة للاستخدام الدوائي ضمن منظومة التقنين
نشر في لكم يوم 15 - 10 - 2025

في خطوة علمية غير مسبوقة على مستوى الأبحاث المرتبطة بمادة القنب الهندي (الكيف) في المغرب، كشفت دراسة منشورة حديثا في مجلة "ساينتيفيك ريبورتس" التابعة لمجموعة "نيتشر" عن معطيات دقيقة تتعلق بتغير التركيبة الكيميائية لراتنج القنب (الحشيش) المغربي خلال فترات تخزين طويلة تمتد إلى ثماني سنوات، وهي أول دراسة من نوعها تستند إلى بيانات ميدانية واقعية من عينات صودرت في إطار تدخلات مصالح الدرك الملكي.
أشرف فريق علمي مغربي على هذه الدراسة المنشورة في شتنبر الماضي، والتي جاءت نتيجة تعاون بين المعهد العلمي للطب الشرعي بالدرك الملكي في الرباط ومختبر الكيمياء العضوية التطبيقية بكلية العلوم والتقنيات بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وهو ما يمنح البحث مصداقية أكاديمية ومؤسساتية، بالنظر إلى حساسية موضوعه وارتباطه المباشر بأحد أكثر الملفات نقاشا في المغرب؛ تقنين الكيف وضبط سلاسل إنتاجه وتداوله.

وتكتسي هذه النتائج أهمية خاصة في السياق المغربي، حيث تعيش البلاد منذ يونيو 2021 على وقع تحول تشريعي حاسم بعد المصادقة على القانون 13-21 الذي سمح باستخدام القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، وهو تحول يوازيه نقاش اجتماعي واقتصادي وقانوني واسع حول مصير آلاف المزارعين في مناطق الريف، وقدرة الدولة على الانتقال من اقتصاد غير مهيكل قائم على التهريب والتخزين التقليدي، إلى منظومة إنتاج علمية مضبوطة قائمة على المعرفة المخبرية والجودة.
في هذا السياق بالذات، تقدم الدراسة واحدة من أهم الإشارات العلمية التي تُظهر أن طريقة التخزين ومدة الاحتفاظ بالراتنج ليست مجرد تفصيل تقني، بل عنصر حاسم يعيد تشكيل التركيب الكيميائي للنبتة، ويغير قيمتها الدوائية والنفسية ويخلق نمطا مختلفا من التأثير، وهو ما يعني أن الدولة والمشرّع والمختبرات الطبية وشركات التصنيع سيكون عليها إعادة النظر في ما تعتبره "منتجا ثابت الخصائص".
التحولات الكيميائية وأثر التخزين
وبالاعتماد على 150 عينة من الحشيش المغربي صودرت بين عام 2015 وما بعده من مناطق مختلفة من جبال الريف، تقوم الدراسة بتحليل التحولات الكيميائية وفق منهج علمي صارم يجمع بين القياس المخبري الدقيق باستخدام جهاز الكروماتوغرافيا الغازية المزودة بكاشف التأين اللهبي (GC/FID) والتحليل الإحصائي المتقدم باستعمال تقنيات التحليل بالمكونات الرئيسية (PCA) ونماذج الانحدار المتعدد لتوقع نسب المواد الفعالة مع مرور الوقت.
وقد تم توزيع العينات إلى خمس فئات وفق مدة التخزين: عينات جديدة لم تخزن، وأخرى خُزنت لمدة عامين، ثم أربع سنوات، ست سنوات، وثماني سنوات، ما أتاح بناء منحنى زمني واضح يبين كيف تذوب بعض المركبات وتتشكل أخرى كنتيجة طبيعية لعمليات الأكسدة والتحلل الكيميائي.
وهنا تسجل الدراسة انخفاضا حادا في نسبة مادة THC ذات التأثير النفسي الأقوى، مقابل ارتفاع لافت لمركبي CBD وCBN المعروفين بتأثيراتهما العلاجية والمسكنة والمضادة للالتهابات، وهو ما يعيد ترتيب سلم الأهمية الطبية والقانونية للمادة المخزنة، ويمنح فرصا جديدة لاستخدام الحشيش المخزن طويلا في الصناعات الدوائية.
وللمرة الأولى، يتم عرض معادلات رياضية أصيلة، طورها الباحثون المغاربة، قادرة على توقع نسبة كل من THC وCBD وCBN انطلاقا من عدد سنوات التخزين، بل وتجاوز الأمر ذلك إلى إمكانية توقع مدة التخزين نفسها اعتمادا على النسب الحالية للمركبات، وهو ما يفتح الباب أمام استخدام المحكمة أو الشرطة القضائية لهذا النموذج في تقييم مدى "حداثة أو قِدم" المادة المصادرة، ما يسمح بتقدير سياق شبكات التداول والتهريب وتحديد ما إذا كنا أمام إنتاج حديث أم بضاعة قديمة أعيد تدويرها.
ويكتسب هذا المعطى أهمية بالغة، بالنظر إلى أن الكيف المغربي كان يستخدم، ولسنوات طويلة، ضمن منظومة تهريب تعتمد التخزين طويل الأمد في ظروف غير مراقبة، ما يجعل من هذه الدراسة مرجعا علميا يمكن أن يعيد صياغة منهجية الضبط القضائي ويمنح خبراء الشرطة العلمية بالمغرب أداة دقيقة غير متوفرة سابقا.
وتظهر الدراسة أن العينة غير المخزنة سجلت نسبة مستخلصة بلغت 37.9 بالمائة من الراتنج، مع معدل THC تجاوز 35 بالمائة، وهو مستوى يعكس "حداثة" المادة وقدرتها على إحداث التأثير المعروف بين المستهلكين غير الطبيين. لكن بعد عامين فقط من التخزين، تنخفض نسبة THC بشكل حاد إلى 2.7 بالمائة فقط، فيما تندفع نسبة CBN إلى أكثر من 6.9 بالمائة، وهي قفزة تشير إلى أن الراتنج يبدأ سريعا في تغيير طبيعته الكيميائية بمجرد دخوله مرحلة التخزين.
ويكتسب هذا التحول بعدا إضافيا عندما نضيف إلى المعادلة المعطيات السوسيو-اقتصادية المرتبطة بتخزين الكيف بطرق بدائية في ضواحي كتامة والمناطق الجبلية المحيطة، ما يجعل من الدراسة وثيقة تفسيرية لسلوك الأسواق أيضا وليس مجرد تحليل مخبري. فمزارعو الكيف في المغرب يعتمدون على تخزين الراتنج داخل أكياس بلاستيكية أو علب كرتونية في أماكن غالبا ما تكون حارة أو متقلبة الرطوبة، وهي ظروف تزيد من سرعة التحلل الكيميائي، ما يعني أن المنتوج الذي يصل إلى الأسواق الأوروبية أو الداخلية لا يعكس بالضرورة الصورة الذهنية التي يتخيلها المستهلكون أو حتى السلطات.
ومن المثير أن الدراسة لا تكتفي بوصف التحولات بل تقدم تحليلا دقيقا للعوامل المؤثرة، مبرزة أن متغير "زمن التخزين" وحده كان له تأثير ذو دلالة إحصائية عالية على نسب المركبات الثلاثة، بينما لم يكن لزمن الاستخلاص أي أثر يذكر، وهو ما يعزز الفرضية القائلة بأن الضبط الزمني أهم من التقنية في تحديد نوعية الراتنج. هذا الاستنتاج يدفع نحو إعادة التفكير في سياسات التخزين المستقبلية، خصوصا وأن المغرب اليوم يسعى إلى تأسيس سلسلة إنتاج صناعي للقنب الهندي الطبي، حيث يفترض أن تمر المادة عبر مراحل معالجة وتخزين مضبوطة تحت مراقبة مخبرية.
أبعاد اقتصادية وطبية جديدة
ولا تقف نتائج البحث عند حدود الصحة أو القضاء، بل تمتد إلى الجانب الاقتصادي أيضا. فإذا كانت النسب العالية من CBD وCBN تظهر بعد سنتين من التخزين، فإن ذلك يعني أن هناك قيمة مضافة كامنة في "المادة القديمة" إذا ما أُعيد توظيفها ضمن صناعة دوائية موجهة نحو التهدئة والعلاج من الالتهابات والأرق، خصوصا وأن شركات الأدوية في أوروبا وأمريكا تتجه نحو تطوير منتجات غنية بCBD وتبتعد تدريجيا عن THC بسبب القيود التنظيمية.
هذا التحول العالمي يقابله واقع محلي في المغرب حيث يُنظر إلى الكيف المخزن على أنه "بضاعة تالفة" دون إدراك لإمكاناته الطبية. وهنا يبرز دور الجامعة المغربية والمخابر الأمنية كمؤسسات قادرة على إعادة تعريف القيمة الاقتصادية للراتنج في إطار سوق منظم، وهو ما يعزز فكرة أن الانتقال من التهريب إلى الاقتصاد القانوني يتطلب معرفة علمية دقيقة وليس فقط نصوصا قانونية.
ويبرز الجانب العلمي المتقدم للدراسة من خلال دمج التحليل الكيميائي بالتوقعات الإحصائية المتقدمة مثل نماذج الانحدار التكعيبي التي أثبتت دقة تراوحت بين 0.98 و0.999 في توقع نسب المواد، وهي درجة عالية نادرا ما يتم تحقيقها في أبحاث تطبيقية من هذا النوع. ويؤكد هذا التفوق المنهجي أن الباحثين المغاربة لم يكتفوا بتحليل المعطيات بل سعوا إلى إنتاج خوارزميات قابلة للاستخدام في المختبرات الجنائية وربما في المستقبل ضمن منصات رقمية تسمح بتقدير "عمر" أي عينة قنب هندسي بمجرد إدخال ثلاث قيم فقط.
ويعود الفضل في دقة هذه النتائج إلى تعاون مؤسساتي لافت بين جامعة عمومية في فاس وجهاز أمني متخصص في المختبرات الجنائية، وهو ما يشير إلى تحول أعمق في علاقة الدولة المغربية بالبحث العلمي، حيث لم يعد الباحث مجرد مراقب، بل أصبح شريكا في إنتاج أدوات الدولة التقنية. فالمعهد العلمي للدرك الملكي في الرباط يوفر عينات ومعدات وتحاليل لا تتوفر حتى في بعض المختبرات الجامعية، ما سمح لهذه الدراسة بأن تتجاوز الطابع النظري إلى التطبيق الميداني الدقيق.
تحذيرات علمية وآفاق بحثية
وبقدر ما تكشف الدراسة عن إمكانات جديدة لتثمين المادة المخزنة وتحويل "المنتجات القديمة" إلى مشتقات دوائية عالية القيمة، فإنها تقدم تحذيرا واضحا من أن التخزين غير المضبوط يؤدي إلى ضياع جزء مهم من المركبات المتطايرة وإلى ظهور مركبات ثانوية غير مدرجة في جداول القياس التقليدية. وقد أظهرت الكروماتوغرامات التي نشرتها الدراسة ظهور قمم جديدة في العينات المخزنة لمدة طويلة، وهي إشارات لوجود مركبات كيميائية أخرى لم تُعرف بعد، وقد تحتاج إلى تحليلات أكثر عمقا باستخدام GC-MS بدل GC-FID لمعرفة طبيعتها وتأثيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.