في ليلة كروية استثنائية، خطف المنتخب المغربي الأضواء من نظيره الأرجنتيني بعد فوز مثير (2-0) في نهائي كأس العالم لكرة القدم تحت عشرين سنة، لكن خلف هذا الانتصار الكبير برز صراع آخر لا يقل إثارة، هو صراع الحارسين داخل المستطيل الأخضر. فقد قدّم إبراهيم غوميز أداء مبهرا وموقفا بطوليا حاسما حين دخل إلى اللقاء محافظا على نظافة شباكه في لحظات من الضغط المتواصل، مُظهرا شجاعة وثباتا يليقان بملحمة التتويج. ومع ذلك، كانت جائزة "اليد الذهبية" لأفضل حارس في البطولة من نصيب الأرجنتيني سانتينو باربي، لتفتح النتيجة بابا واسعا للتساؤل حول معايير التتويج بين بطل اللحظة وبطل المسار. لم يكن فوز المغرب وليد لحظة، بل نتيجة يقظة دفاعية عالية قادها الحارس المغربي بثبات كبير وثقة بدت واضحة في طريقة تمركزه وتعامله مع الضغط الهجومي للأرجنتين، التي اعتمدت على التسديد من خارج المنطقة ومحاولة خلق الثغرات عبر الكرات الجانبية. في المقابل، بدا الحارس الأرجنتيني متوترا في أكثر من لقطة، وظهر ذلك في تردده في الخروج من مرماه عند الكرات العالية.
تشير الأرقام إلى أن الحارس المغربي تصدّى لعدد أكبر من التسديدات بدقة أعلى، فقد نجح في إمساك الكرة في اللحظة المناسبة، ورفض الاكتفاء بإبعادها، ما منحه نقطة تفوق تكتيكية واضحة. كما ساهم بنسبة معتبرة في بناء اللعب من الخلف بتمريرات قصيرة نحو المدافعين. في الجهة المقابلة، استمر الحارس الأرجنتيني في اللعب تحت الضغط المغربي، خصوصا بعد الهدف الأول، حيث انخفض تركيزه وتراجع تواصله الدفاعي، وظهر ذلك في التمركز الخاطئ داخل منطقة العمليات، وهو ما سمح للمغرب باستغلال المساحات خلف الخط الخلفي للأرجنتين. التوازن بين اللحظة والمسار نال الحارس الأرجنتيني سانتينو باربي جائزة "اليد الذهبية" استنادا إلى أداء متواصل؛ فقد حافظ على شباكه نظيفة في أربع مباريات من أصل سبع خاضها خلال البطولة، وحقق نسبة تصديات مرتفعة جعلته أحد أبرز عناصر القوة في مسيرة منتخب بلاده نحو النهائي. وتميز باربي أيضا باستمراريته في جميع مراحل البطولة، ما أتاح للجنة التقييم قاعدة إحصائية متكاملة لقياس أدائه بدقة عبر أسابيع المنافسة. وبذلك جاء اختياره منسجما مع معايير الجائزة التي تُكافئ الحراس الأكثر ثباتا وفاعلية على امتداد مشوار البطولة. قبل انطلاق النهائي، تعرض الحارس الأساسي للمغرب، يانيس بن شاوش، لإصابة قوية في الفخذ خلال أحداث نصف النهائي ضد فرنسا، واضطر المدرب محمد وهبي إلى إشراك غوميز كحارس أساسي في الشوط الثاني من المباراة ضد فرنسا. وعلى الرغم من قلة خبرته الدولية، قدم لاعب أولمبيك مارسيليا أداء متميزا، حيث تصدى لعدة محاولات هجومية خطيرة من المنتخب الفرنسي، مما ساهم بشكل كبير في تأهل المغرب إلى النهائي في مباراة مثيرة انتهت بفوز المغرب بركلات الترجيح 5-4 بعد تعادل الفريقين 1-1 في الوقتين الأصلي والإضافي في هذه البطولة، لعب بن شاوش خمس مباريات من أصل سبع محتملة، محققا شباكا نظيفة واحدة، ومتوسط تصديات يبلغ 2.8 تصدي لكل مباراة، بينما تلقى متوسط 0.8 هدف لكل مباراة. بينما برز غوميز في ثلاث مباريات، وحقق متوسط تصدّي يبلغ 2 تصديات لكل مباراة، مع شباك نظيفة واحدة ومتوسط 0.33 هدف مستقبَل لكل مباراة. أما الحارس الأرجنتيني فقد سجل، خلال جميع مباريات منتخبه، متوسط 1.86 تصدي لكل مباراة مع متوسط 0.57 هدف مستقبَل لكل مباراة. عند النظر إلى الجوائز الفردية، يتضح أن التقدير لا يقتصر على اللحظات البطولية فحسب، بل يشمل الأداء المستمر والالتزام الاحترافي على مدار البطولة. فهذا التوازن بين اللحظة والمسار هو ما يجعل كرة القدم ساحرة ومعقدة في الوقت نفسه، ويؤكد أن الإنجازات تُقاس بأكثر من مجرد هدف أو تصدي، بل بمزيج من الشجاعة والانضباط ، والتأثير النفسي والتقني في كل دقيقة على أرض الملعب.