أرجأ مجلس الأمن الدولي التصويت على مشروع القرار الأميركي المتعلق بملف الصحراء، الذي كان مقررا الخميس، إلى يوم الجمعة، في مسعى لإتاحة مزيد من الوقت لإجراء مشاورات إضافية بين الأعضاء الدائمين وتفادي أي لجوء إلى حق النقض (الفيتو) من جانب إحدى القوى الكبرى، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية متطابقة. وحسب نفس المصادر فإن القرار جاء بعد اجتماع مغلق عقد مساء الثلاثاء بطلب من أحد الأعضاء، خصص لبحث الملاحظات الأخيرة حول الصيغة النهائية للمشروع الذي صاغته الولاياتالمتحدة، بصفتها "حاملة القلم" في هذا الملف.
وطبقا للمصادر ذاتها، فإن واشنطن كانت قد وزعت مساء الاثنين نسختها النهائية من مشروع القرار "باللون الأزرق"، وهي المرحلة الأخيرة قبل التصويت الرسمي، مشيرين إلى أن النقاشات لا تزال مستمرة حول بعض العبارات المتعلقة بالمسار السياسي وولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء (مينورسو) التي ينتهي تفويضها في 31 أكتوبر الجاري. ووفقًا لنص المسودة، الذي سبق لموقع "لكم" أن نشر مضمونه، يؤكد مشروع القرار أن المقترح المغربي "جاد وموثوق وواقعي"، ويعد "الأساس الأكثر مصداقية" للتوصل إلى حل عادل ودائم للنزاع، في حين يشدد على دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي ستيفان دي ميستورا لإطلاق مفاوضات جديدة بين الأطراف المعنية. وتدعو المسودة إلى استئناف المفاوضات "من دون شروط مسبقة"، بهدف التوصل إلى اتفاق سياسي قبل نهاية ولاية البعثة الأممية في 31 يناير 2026، كما تطلب من الأمين العام تقديم إحاطات دورية حول سير العملية وتوصيات بشأن مستقبل البعثة. غير أن إحدى فقرات المسودة أثارت تساؤلات المراقبين بسبب صياغتها التي تجمع بين تأكيد "الحكم الذاتي داخل الدولة المغربية" و"ضمان حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية". فالنص يدعو الطرفين إلى "المشاركة في المناقشات دون تأخير أو شروط مسبقة، على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل قبل انتهاء ولاية البعثة إلى حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين، يضمن حكمًا ذاتيًا حقيقيًا داخل الدولة المغربية، مع ضمان حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية". ويرى مراقبون أن هذه الصياغة كانت تحاول الموازنة بين المقاربة المغربية التي تعتبر الحكم الذاتي إطارًا نهائيًا للحل، والمرجعية الأممية التي تضع مبدأ تقرير المصير في صلب تسوية النزاع. لكنّ الغموض اللغوي هو الذي ترك الباب مفتوحًا لتفسيرات متباينة خلال المداولات الجارية حاليا. يذكر أن الجزائر، العضو غير الدائم بمجلس الأمن، ورغم أنها تدعي بأن لا علاقة لها بملف الصحراء، أعربت عن رفضها لمشروع القرار الأمركي، وأجرت عدة تحركات مكثفة خاصة مع روسيا والصين لإقناعهما بموقفها، كما دفعت بجبهة "بوليساريو" الموالية لها بالتهديد بمقاطعة المفاوضات المباشرة التي يقترحها مشروع القرار، في حال المصادقة عليه كما هو. وليست هذه المرة الأولى التي يرجئ فيها مجلس الأمن البت في إحدى قراراته بخصوص قضية الصحراء، كما أنها ليست المرة الأولى التي يشهد فيها تجاذبات بين كبار أعضائه حول مشروع قرار يخص نفس القضية، فقد سبق أن شهد نفس النقاش عام 2013 عندما تقدمت أمريكا آنذاك بمشروع قرار يدعو إلى توسيع صلاحيات "مينورسو" لتشمل حقوق الإنسان، وهو القرار الذي عارضه المغرب بشدة ونجحت الدبلوماسية المغربية في عرقلة مروره. وبحسب ذات المصادر فإن التأجيل في البت في القرار اليوم يهدف إلى تجنب أي انقسام داخل مجلس الأمن وإتاحة المجال لمزيد من التوافق بين الأعضاء الدائمين، خصوصاً في ظل تحفظات أبدتها بعض الدول حول صياغة المشروع، دون أن تمس بجوهره.