سنقول للأجيال القادمة: ربما قد تعتبرون أننا انهزمنا، لكننا إن صح ذلك، فقد كان بشرف! سنعترف أو سأعترف شخصيا، وفاء لما التزمت به عمراً كاملاً، بأن مشروعاً نضالياً جميلاً، حلماً بالإنسان متحررا من ربقة الاستغلال، وبالوطن حرا من التخلف والتبعية والاستعمار، وبالأفق الأممي الإنساني، والعربي والإفريقي والمغاربي، يجمعنا، وبكوكبنا الأزرق، مصونا من التلوث وخطر الدمار، وبسيدة الأرض مستقلة، لكنه حلم ومشروع، قد يكون ربما قد انهزم، وانهزمنا معه، وحتى لا أستحق تهمة بالركوب على موجةٍ ما، أتكلم عن نفسي، انهزمتُ معه، لكن بشرف، من فضلك أيتها الأجيال القادمة، اعترفي لنا بهذا الشرف اللاذعِ القاسي. سنعترف أن "التحليل الملموس" لواقع ما يجري أمامنا ولنا، رِجْسٌ من التحجر الدغمائي، لا يريد أن ينسى أن الحياة صراعٌ بين المصالح والطبقات، وأن رأسمالية الريع والفساد لا تدين إلا للاستبداد ومصالح القوى الامبريالية الكبرى، وأن كل "المكاسب" من "وقف إطلاق النار في غزة" حتى "قرار مجلس الأمن" الأخير حول صحرائنا، هي بند أول في الفاتورة التي سندفعها من ضرائبنا وسيادتنا وطموحاتنا الوطنية، وحقنا في جغرافية قد لا تعجب "البيت الأبيض" ولا "الكنيست" ولا عواصم الغرب "المتحضر". لقد هتفنا معجبين ومعجبات بالمقررة الأممية "فرانشيسكا ألبانيز" التي أعطيناها وبإجماع حبنا وامتناننا جائزة "نوبل" للسلام، ولكننا تجنبنا أن نتبين ونمحص في نصيب بلادنا من المشاركة في الإبادة، إبادة أهلنا هناك في غزة وكل فلسطين! ثم لأننا، قطعنا مع "العدمية اليسراوية الطفولية النزقة"، واستعدنا ضميرنا الوطني، اصطففنا مع شعبنا بكل أطيافه ، من المعلق والوزير والجمعيات المهنية والمناضلات والمناضلين في أحزاب اليمين الإداري الاشتراكي الاجتماعي الشيوعي سابقاً والليبرالي المزيف حالياً، وأضواء أم الوزارات وأعوان السلطة والرياضيات والفنانين وجهابذة الفولكلور، للهتاف بانتصارنا العظيم في قضيتنا الأولى، واهتبلناها، بكل جرأة، مناسبة لاستدرار عطف السماء علينا، نرجو أن تمطر ملكية برلمانية وإطلاق سراحٍ المعتقلين ورفع العزلةِ والموازنة بين السرعتين والمغربين، و"الحوار الوطني الرزين والحقيقي الشامل" والتقارير القادمة للجلسات المقبلة والمناظرات والضيافة في برامج التلفزيون. ها نحن عشنا، مجدداً، انتصار مؤامرة "إيكوفيون" على " جيش التحرير وأعدنا استرجاع أقاليمنا الصحراوية العزيزة كما استرجعنا سيدي إيفني وطرفاية، وفرضنا على الأوضاع العالمية الصعبة، مكسب قرار مجلس الأمن، الغفور الرحيم، حين قرِّر "ترامب" ذلك. وبعد كل عقود التضحيات، سيعترف "التاريخ" أن المسيرة المظفرة كانت في الحقيقة الحقيقية التي لا لبس فيها، فصلاً من "الحرب الشعبية الوطنية الطويلة الأمد" حتى جلاء "الجزر الجعفرية"، والانتخابات المقبلة. سنعترف، أو سأعترف: لكل هذا، لا تحرمينا أيتها الأجيال القادمة من الاعتراف لجيلنا ب"الشرف". لا تظلمينا بما يقترفه بعض من كان منا، وتخصص الآن، في الكلام البذيء ضد "المتمركسين العدلاويين العروبيين القومجيين الحمساويين" أصحاب وصاحبات الأجندات المتنوعة بين "زيد" و"عمر" ونيويورك و "الفرنكفونية" وهواة قناة "الجزيرة…. سنعترف، أننا كنا نفرح خلسة بانتصارات عدائينا وأدبائنا، وانتفضنا الآن، نحتفي، علانية، مع شعبنا الهادر بانتصارات الفريق الوطني من كل الفئات وملاعبنا العالمية وحقنا في تقرير مصير فرحنا واستعدادنا للمواعيد القارية والدولية القادمة! ألسنا، كلما مات شاب بالرصاص، واعتقلت شابة، في مدينة أو دوار هامشي، نتقدم لتعميم فائدة الانتخاب حصرا على الشباب، ونقيهم من كل شرور التشكيك في النزاهة العميمة والخير والنماء والقضاء على آفة التحزب والأفكار المستوردة. وكل هذا الوقت، ومنذ وقف إطلاق النار، تستمر آلة الإبادة في إبادتها، والدول العربية الشقيقة في مؤامراتها والسلطة في اعتقالاتها والغرب في مشاركة الجريمة والأطفال والصحفيات وسيارات الإسعاف في الموت بحثاً عن الجثث الإسرائيلية، والأسرى الفلسطينيون والدكتور أبو صفية ومروان البرغوتي في الحرمان والتنكيل والإهانات والموت السريع والبطيئ والموعود وتستمر سنوات السجن تنزل مدرارة على معتقلي تظاهرات "زيد" والمارة والطابعين، ويستمر التضامن الأممي. ونستمر نحن في "الانهزام بكل شرف" وذلك "أضعف الإيمان". وسنعود للتاريخ، لنسجل بمداد من الفخر، أننا كما انتصرنا على "الاتفاقية الثلاثية" في منتصف السبعينيات، وعلى الاستفتاء وسجن القائد الوطني الراحل "عبد الرحيم بوعبيد" وعودتنا انتصارا على إقصاء المغرب للمغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، لمكاننا في الاتحاد الإفريقي، ننتزع اليوم مكسبا تاريخيا لقضيتنا، ونتذكر معاركنا ضد "العدمية" لأننا "لسنا، ولن نكون، شعباً عاقراً" ولن نؤمن بغير النضال مع القوى الوطنية الديمقراطية والولاية الرابعة والعاشرة،" ضد "الانعزالية". ولن نسامح قيد أنملة عن إبداعنا للشعار التاريخي "دمقرطة الدولة للمجتمع ودمقرطة المجتمع للدونية والتهميش ومضادات المواطنة"، وسنواجه بكل حزم وإصرار، كل ما يضعف إصرارنا على الانكفاء على كل ما ينبض في عروق شبابنا وشعبنا، من حيوية وذكاء ومقاومة، وسنقضي على كل خصومنا الافتراضيين ونبدأ من الرفيقات والرفاق، رافعين شعارنا القديم، لكل معركة صغيرة صداها القوي في اجتماعاتنا وهيئاتنا ومنظماتنا الموازية والفروع. سنلتفت إلى اهتماماتنا التقدمية بالكوفية، وسنستفيق من هذيان كاتب هذه السطور ونصرخ: "لا، لا ثم لا، لم ننهزم، صامدات وصامدون في معاركنا الصغيرة" و"لجان الدعم والجبهات، والإبادة مستمرة والأحكام بسنوات السجن الطوال تنهمر والأرباح توزع بكل عدل على الأغنياء، والخسائر، بكل عدل، تعمم على الفقراء. ورغم أننا انهزمنا بشرف، سنذكر أننا، وبكل نزق الشباب وقلة تجربته ورويته، حاولنا أن نقرن قضية الصحراء بأفق أوسع للوطن، أكبر من الشوفينية والتعصب، أقرب للعروبة والأممية والكادحين المستضعفين، لأنهم الوطن قبل وبعد الحاكمين والنخب، لأن الذي بنا البلاد ليسوا سلالات الحاكمين، بل أجداد المقاومين الثائرين في الجبال والصحراء، هم "الهيبة" و"عبد الكريم الخطابي" وشهداء جيش التحرير وكل الوطنيات والوطنيين. سنذكر أننا، لم نكتشف الوطنية ومغربية الصحراء في منتصف السبعينيات، لكن في كل مقررات ووثائق الحركة الوطنية والأحزاب المناضلة في الخمسينيات والستينيات وبداية السبعينيات، وفي كلام "عبد السلام الموذن" و"علال الأزهر" و"عبد العالي بنشقرون" في محاكمة البيضاء الشهيرة والأبواق الرجعية والمتياسرة، تتهمهم بالانفصال، وفي صيحة "عبد الرحيم بوعبيد" بأن الصحراء المغربية شأن الشعب المغربي. سنذكر وسنشهد أن هذا التاريخ أصبح نسياً منسياً، ربما، ذلك أننا انهزمنا، ربما، ولكن بشرف.