محمد إنفي في مقالي الأخير بعنوان "على هامش التحضير للمؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (نشر ب"العمق المغربي" بتاريخ 2 أكتوبر 2025 وبجريدة "الاتحاد الاشتراكي" بتاريخ السبت/الأحد 4-5 أكتوبر 2025 وبمواقع أخرى، منها "الجديدة اليوم" و"العرائش أنفو")، ختمت المقالة بالخلاصة التالية: "حملة التشويش…على المحطات التنظيمية والسياسية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ليست طارئة عليه؛ بل هي ملازمة له. ويمكن القول بأنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من تاريخه". وقد أكدت في نفس الخلاصة بأن كل القيادات الوطنية عانت من المشاكل الداخلية، وواعدت القارئ، بنفس المناسبة، بأن أخصص مقالا (أو أكثر) لهذا الموضوع. وها أنا ذا أفي بوعدي وأنطلق فيه من الولادة الثانية للاتحاد (الولادة الأولى كانت سنة 1959 تحت اسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) المتمثلة في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يناير 1975) الذي شكل نقطة تحول كبيرة في تاريخ الحزب؛ إذ اعتمد هذا المؤتمر خيار النضال الديمقراطي بدل الخيار الثوري والعمل السري. وقد اختار المؤتمر الاستثنائي القائد الاشتراكي الكبير، الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، كاتبا أول للحزب. وسوف يستمر في هذا المنصب إلى أن وافته المنية بتاريخ 8 يناير 1992؛ وهذا يعني أن المؤتمرات التي أعقبت المؤتمر الاستثنائي (أي الثالث والرابع والخامس) قد زكَّته وكرَّست قيادته للاتحاد دون منازع. وبعد رحيل هذا القائد الكبير، سيتعاقب على الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي كل من المجاهد عبد الرحمن اليوسفي من سنة 1992إلى سنة 2003؛ مع الإشارة إلى أنه استقال من الكتابة الأولى سنة 1993 احتجاجا على ما وقع من تلاعب في الانتخابات التشريعية لنفس السنة؛ لكنه عاد لتحمل مسؤولية الكتابة الأولى في الحزب سنة 1995؛ وذلك بضغط من إخوانه في المكتب السياسي. وفي سنة 2003، أعلن اعتزاله للعمل السياسي بصفة قطعية. ويبدو أن "الخروج عن المنهجية الديمقراطية " سنة 2002، والتلاعب في الانتخابات الجماعية بالدار البيضاء سنة 2003، قد عجل باستقالة اليوسفي واعتزاله السياسة. وبعد هذه الأزمة، اختار المكتب السياسي بالإجماع الأستاذ محمد اليازغي كاتبا أول. وخلال المؤتمر الوطني السابع (يونيو 2005) تمت تزكيته في نفس المنصب. وما لم تخني الذاكرة، فإنه لم يكمل ولايته لأسباب داخلية، خصوصا بعد الهزيمة التي مني بها الحزب في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 حيث احتل فيها الاتحاد المرتبة الخامسة، بعد أن كان يحتل في برلماني 1997 و2002 المرتبة الأولى. وقد اضطر إلى تقديم استقالته من الكتابة الأولى. وفي سنة 2008، انعقد المؤتمر الوطني الثامن في ظروف جعلته يلتئم في شوطين؛ الشوط الأول عرف أحداثا دفعت رئيس المؤتمر إلى إعلان تعليق جلساته إلى وقت لاحق تسمح فيه الظروف باستئناف أشغال المؤتمر. وخلال الشوط الثاني، تم انتخاب الأستاذ عبد الواحد الراضي كاتبا أول للحزب. وإذا ما وقفنا عند كل مرحلة من هذه المراحل الأربعة على حدة، ولو جزئيا، فسوف نجد أنفسنا أمام أصناف من الأزمات الداخلية التي تتباين فيما بينها من حيث الخطورة ومن حيث العمق والتأثير التنظيمي والسياسي. وأخطر الأزمات هي تلك التي انتهت بالانشقاق وتأسيس أحزاب جديدة منَّتْ النفس بأن تكون بديلا عن الحزب الأم. وقد خرج من رحم هذا الحزب بضعة أحز اب، لكنها ظلت صغيرة حتى لا أقول مجهرية؛ ومنها من اختفى إما باندماجه في حزب آخر أو بالعودة إلى البيت الاتحادي (الحزب العمالي على سبيل المثال). وهناك ثلاثة أحزاب، الطليعة الديمقراطي الاشتراكي المنشق عن الاتحاد الاشتراكي سنة 1985خلال مرحلة عبد الرحيم بوعبيد، والمؤتمر الوطني الاتحادي المنشق من نفس الحزب سنة 2001 خلال مرحلة عبد الرحمن اليوسفي؛ بالإضافة إلى الاشتراكي الموحد الذي انضمت إليه بعض المجموعات من شبيبة الاتحاد الاشتراكي خلال مرحلة عبد الرحمن اليوسفي وحتى خلال مرحلة محمد اليازغي. وبعد حوار دام بضع سنوات، اتفقت الأحزاب الثلاثة على تشكيل ما أسمته فدرالية اليسار الديمقراطي؛ ومع ذلك، فإن هذا الاندماج لم يسعفها في فرض نفسها كقوة سياسية لها بال، خاصة داخل المؤسسات التمثيلية. أما مرحلة الأستاذ عبد الواحد الراضي، فقد عرفت، هي أيضا، توترات وصراعات داخلية حادة، جعلت الكاتب الأول يطلق صرخة مدوية خلال اجتماع المجلس الوطني للحزب. وهي تنبيه وإنذار لهذه المؤسسة الحزبية التي لها حق التقرير والقرار طبقا للوائح الداخلية للحزب حتى تنتبه لما يتهدده من مخاطر وما يعتمل داخله وخارجه من نوازع فردية وجماعية قد تجعله يسير نحو الانتحار الجماعي كما عبر عن ذلك صراحة عبد الواحد الراضي(انظر "الاتحاد الاشتراكي من النزوع نحو الانتحار الجماعي إلى 'التكتل المنفعي ' أو الاتحاديون ونزعة التدمير الذاتي باسم التغيير وحرية التعبير"، محمد إنفي، "وجدة ستي" بتاريخ 17 أبريل 2017). القاسم المشترك بين القادة الأربعة المذكورين أعلاه هو توفرهم على شرعية تاريخية اكتسبوها، إما من المساهمة الفعالة في الحركة الوطنية (عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي)، وإما من لعب دور أساسي في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959(اليازغي والراضي)، وإما منهما معا، كما هو الأمر بالنسبة للقائدين عبد الرحيم وعبد الرحمن. خلاصة القول، الشرعية التاريخية كان لها دور حاسم في الشرعية الديمقراطية التي اكتسبها القادة الأربعة من المؤتمرات الوطنية للحزب. ورغم الأزمات الحقيقية أو المفتعلة التي عاشها الاتحاد الاشتراكي، فإنه ظل صامدا ضد النزعات الفردية والجماعية وخرج منها منتصرا بالرغم من الهزات الداخلية القوية، كالتي كان وراءها محمد نوبير الأموي سنة2001. وكان بودي أن أدرج المرحلة الحالية للاتحاد الاشتراكي التي يقودها الأستاذ إدريس لشكر منذ المؤتمر الوطني التاسع (2012) بلا كلل ولا مملل إلى اليوم الذي يستعد فيه الحزب لعقد مؤتمره الوطني الثاني عشر أيام 17، 18، 19 أكتوبر الحالي. لكن خوفي من أن يتمطط المقال أكثر من اللازم، فقد فضلت أن أخصص لها مقالا خاصا كما ورد في نهاية الفقرة الأولى من هذا المقال من كون الموضوع (موضوع الأزمات الداخلية) قد يحتاج إلى مقال أو أكثر. مكناس قي 13 أكتوبر 2025