""التوحيد والإصلاح" تستنكر قرار ضم الضفة الغربية وغور الأردن وتعتبره جريمة سياسية وأخلاقية    لقجع: تحديد ملاعب مونديال 2030 يخضع للتفاوض بين "الفيفا" والدول الثلاث    تخصيص 150 مليون درهم لإنشاء أكبر محطة طرقية للحافلات جنوب المغرب    الأخوان الشبلي يرفضان زيارة ممثلين عن مجلس حقوق الإنسان بالسجن ويتهمانه بالتواطؤ    المنطقة الشرقية والريف بين أمطار متفرقة وحرارة مرتفعة السبت    استوديو إباحي داخل شقة بالمغرب... والمقاطع تُباع لمواقع عالمية    صحة: اكتشاف "نظام عصبي" يربط الصحة النفسية بميكروبات الأمعاء لدى الإنسان    إيقاف ميسي وألبا لعدم مشاركتهما في مباراة كل النجوم (رابطة الدوري الأميركي)    الملك محمد السادس يعزي في وفاة الفنان التشكيلي عفيف بناني    تركيا.. حرائق الغابات تهدد المدينة الأثرية "بيرغي" جنوب البلاد    بنك المغرب.. الودائع البنكية تبلغ 1275 مليار درهم في 2024    أخنوش: تعميم تغطية التراب الوطني بشبكات المواصلات حاجة ملحة لا تقبل التأجيل أو الانتظار    عصيد: النخبة المثقفة تركت الساحة فارغة أمام "المؤثرين وصناع المحتوى"    الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش على مزاعم بيع النقط وتسجيلات مسلك الماستر    سجلماسة: مدينة وسيطية بتافيلالت تكشف عن 10 قرون من التاريخ    التجمع الوطني للأحرار يشيد بالحكومة ويجدد دعمه للوحدة الترابية ويدين العدوان على غزة    أخنوش: تعميم التغطية بشبكات المواصلات حاجة ملحة ولا تقبل التأجيل أو الانتظار    أمل تيزنيت ضمن الأندية التي لم تسوّ وضعيتها المالية لدى عصبة كرة القدم    بمناسبة عيد العرش 2025 .. انطلاقة 39 منشأة صحية جديدة بجهة فاس مكناس    فاتح شهر صفر 1447 هجرية غدا السبت    الملك يعزي أسرة الفنان الراحل عفيف بناني    غانا تخطف برونزية كأس إفريقيا للسيدات    حزب العدالة والتنمية يشيد بموقف فرنسا من الدولة الفلسطينية ويطالب بتطبيقه "فورا"    أي دور لجمعيات المتقاعدين؟!    غزة تموت جوعا.. وفاة 9 فلسطينيين بسوء التغذية خلال 24 ساعة    للجمعة ال86… المغاربة يهبون لمساندة غزة ضد سياسة التجويع والإبادة    ولد الرشيد يلتقي رئيس الجمعية الفيتنامية    المادة الجنائية أمام تسونامي الذكاء الاصطناعي    العقوبات البديلة بالمغرب .. إرادة واعية تنشد عدالة إصلاحية    تقرير رسمي يفضح أرباح شركات المحروقات في المغرب    تنقيبات سجلماسة تكشف عن أقدم مسجد مؤرخ وكنوز أثرية في المغرب    المغرب يدخل عصر "الجيل الخامس (5G)" باستثمارات تصل 80 مليار درهم    بعوض النمر ينتشر في مليلية ومخاوف من تسلله إلى الناظور    ترامب يطلق تصريحا خطيرا بشأن حماس.. انتهى الأمر سنقضي عليهم    بورصة الدار البيضاء تعزز أرباحها عند الإغلاق    زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جنوب المحيط الهادئ    بلال ولد الشيخ: اللعب في بلدي كان حلما.. وسعيد بالانضمام لعائلة الرجاء            2298 شكاية من زبناء مؤسسات الائتمان خلال سنة 2024    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    انعقاد الجمعية العامة للغرفة الفلاحية لجهة طنجة    إعادة تعيين السفير محمد بلعيش ممثلا خاصا لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    "باكاسو بانكا" يلتحق بمكونات الوداد    المغاربة وسؤال التقدم.. حين تركض البنية التحتية ويترنّح الوعي الجماعي    قمر اصطناعي إيراني للاتصال يصل إلى الفضاء    "كان" السيدات: تحكيم ناميبي للمباراة النهائية بين المغرب ونيجيريا    تقرير: شركات المحروقات حققت في الربع الأول من 2025 هوامش متوسطة للربح بلغت مستويات تصاعدية بين يناير وفبراير    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مهرجان الراي يضيء سماء وجدة بعد غياب أربع سنوات    هذا المساء في برنامج "مدارات":جلسة أدبية مع الشاعر الزجال مراد القادري    المشي 7000 خطوة يوميا مفيد جدا صحيا بحسب دراسة    ما المعروف بخصوص "إبهام الهاتف الجوال"؟        الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله ناصر العتيبي "الحياة": الأحزاب الإسلامية من النظرية إلى التطبيق!
نشر في مغارب كم يوم 31 - 10 - 2011

طوال عقود كان الحكام العرب يستخدمون الإسلاميين الحركيين فزّاعات تطرد عصافير (الضغوط الغربية)، وقطع جبن تستدرج فئران (المصالح الدولية).
كان الغرب الخائف من وقوع السلطة في منطقة الشرق الأوسط في يد من يظنهم أعداءً لكل ما هو غربي وحداثي، يغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النخب العربية الحاكمة التي تشاركه خصومة الجماعات الإسلامية، ويعمل على إشباع حاجة هذه النخب اقتصادياً، ولو في شكل جزئي، كي يضمن بناء سدود متينة في وجه أي تغيّر محتمل قد يشعل المنطقة ويهدد المصالح الغربية الاقتصادية والسياسية على حد سواء.
لم يجرب الغرب حكومات عربية من هذا النوع كي يحكم بصلاحيتها أو عدم صلاحيتها له، لكنه كان واقعاً تحت تأثير عاملين رئيسين أثّرا في سلوك سياساته تجاه الشرق الأوسط طوال العقود الماضية، الأول ارتباطه رسمياً بالحكومات العربية القائمة وغير المنتخبة شعبياً، وانفصاله عن الحركات الإسلامية السلمية، ما أدى إلى تشكيل رؤية عامة بناء على ما هو متاح من قنوات وخطوط تواصل، والثاني مظاهر العداء الواضح والخصومة البيّنة التي تعتمدها بعض الجماعات الإسلامية، خصوصاً تلك التي تعتمد العنف وتغذيه، تجاه كل ما هو غير إسلامي عموماً والغرب على وجه الخصوص.
كان هذا في الأمس، أما اليوم فقد انفتحت قنوات تواصل جديدة بين الدول العربية والعالم. وجاء دور القطاع العريض من الناس في الحديث بعد أن كان حق الكلام محصوراً بنخبة معينة، وصار لزاماً على الغرب أن يستمع.
تحدث الناس في تونس أولاً، وما زال المصريون والليبيون يشكلون أصواتهم، أما أصوات اليمنيين والسوريين فهي تتخلق الآن في الغيب.
حديث التونسيين كان حاملاً رؤيةً طالما سمع الغرب عكسها، ولطالما تعامل مع ما تقتضيه مصلحته حيالها. تحدث التونسيون بصوت عال وأظهروا موقفاً جديداً مقروناً بنتائج انتخابات المجلس التأسيسي التونسي والممثلة في فوز حزب حركة النهضة بنسبة 41 في المئة من إجمالي الأصوات.
بالنسبة إلي وربما بالنسبة إلى الغرب أيضاً فإن هذه النتيجة لا يمكن إدراجها تحت قائمة غير المتوقع حدوثه، بل يمكنني المغالاة في الرأي والقول إن فوز أية أيديولوجية أخرى بالانتخابات، باعتبار أن الاستقطاب الأيديولوجي والفرز بناء عليه هو الذي يتلو في العادة الحقبات الديكتاتورية، هو أمر غير متوقع لأسباب عدة منها:
أولاً- رغبة الناس الجامحة في التغيير من النقيض إلى النقيض، والتحول إلى الطرف البعيد المقابل للعهد القديم نكاية فيه وبحثاً عن تموضعات جديدة تختلف كلياً عمّا عايشوه في السنوات العجاف، وليس هنالك ما هو أشد خصومة للعهد القديم وأوضح موقفاً منه إلا حركة النهضة الإسلامية.
ثانياً- تعايشت الشعوب العربية لسنوات طويلة مع نخب حاكمة تحارب اصطباغ الحياة العامة بصبغة الدين، وتدعو إلى إقصاء وتهميش كل ما يعلق قلوب الناس بكلمة الله خوفاً من تنامي جماهيرية الخصوم الإسلاميين. آمنت شرائح واسعة من الشعب بهذا الموقف من التدين لكن ذلك لم يكن لينعكس على أمنها ورغد معيشتها، بل ظلت عربة الحال العامة تسير من سيئ إلى أسوأ.
ثالثاً- تظن الغالبية من أواسط الناس، تعليماً وثقافةً واقتصاداً، أن من يتحدث باسم الرب هو بالضرورة واجب الاتباع ومتوجب الطاعة حتى وإن لم يقدم إثباتات محسوسة لعمليات الإصلاح التي يدعو إليها والتي تعتمد على قدرته البشرية الشخصية وليست مشيئة الله. في المسائل الروحانية وتلك المرتبطة بالغيبيات، يكفي أن تكون نظرياً لتعلق آمال الناس فيك وتستولي على موجبات خضوعهم وتبعيتهم، لذلك فإن أي تقاطع للدين المسيّس أو السياسة المتديّنة مع ما سواهما من أيديولوجيات واقعية دنيوية، في زمن البناء النظري، يصب بالضرورة في مصلحة من يلبس لبوس الدين.
رابعاً- حركة النهضة الإسلامية هي الوحيدة بين الأحزاب التونسية المتقدمة للانتخابات التي تمتلك تاريخاً حافلاً من العمل السياسي السري، إضافة إلى قدرتها الكبيرة على المناورة واللعب في المساحات الضيقة اعتماداً على خبرة المواجهات الطويلة مع النظام اللاليبرالي واللاعلماني واللاإسلامي الذي كان يحكم تونس، الأمر الذي ساعدها على تجييش المناصرين والمؤيدين بسهولة كبيرة والوصول إلى الناخبين الذين لا تعني لهم صناديق الاقتراع الشيء الكثير.
خامساً- حزب حركة النهضة الإسلامية احتكر المرجعية الدينية للحياة السياسية والاجتماعية في تونس، وإن من جهة المعارضة، لسنوات طويلة، في الوقت الذي كانت الرموز الليبرالية والعلمانية تعتبر الدين خصماً للتحضر والمدنية، وهذا ساهم في تدافع الناس، الذين لا يمكن فصل واقعهم الحياتي عن فطرتهم الدينية، إلى التصويت لمصلحة النهضة.
سادساً- عدم نضج الأحزاب الليبرالية والعلمانية في تونس بما يكفي لتفوز بأصوات الناخبين في الملاعب المكشوفة البعيدة من تأثير الأطراف الداخلية والخارجية، فلا التاريخ يشفع لها، ولا واقعها على الأرض يستطيع أن يقنع الناخب البسيط بمقدرتها على تغيير ظروفه الاقتصادية، ولا مستقبلها غير المنظور ومرجعيتها غير الواضحة قادرتان على طمأنته على سلامة حرياته المدنية والدينية.
سابعاً- حزب حركة النهضة الإسلامية، حاله كحال التنظيمات الإسلامية العربية الأخرى، لم يكن له اتصال (منافعي) مع أميركا أو الدول الغربية، وهذا ما ساعده، وهو غير العميل، على أن يتموضع في شكل تلقائي في مكان خصم اتهم إبان الثورة بالعمالة للغرب.
أسباب فوز الإسلاميين بالانتخابات في تونس واضحة جداً ولا يمكن توقع غير ذلك، وأظن أن هذا الفوز سيشجع الناخبين في دول الربيع العربي الأخرى على إدخال العامل الديني عند المقارنة بين الراغبين في دخول دائرة العمل العام، لكن السؤال المهم يبقى: هل ستستطيع الأحزاب الدينية أن تقنع الناس في الدورات المقبلة من الانتخابات أن يعيدوا انتخابها؟! هل ستتمكن من النجاح عندما تنتقل من النظرية إلى التطبيق.
ليس عندي شك أبداً في أن طالب الحكم، وأكرر طالب الحكم أياً كان، يسعى للوصول إلى مبتغاه بالوسائل كافة، سواء كانت هذه الوسائل مدغدغة لبطون الناس أو عقولهم أو حاجاتهم الدينية، لكن العمل على الأرض وفي دائرة الواقع يستلزم النزاهة والشفافية والإخلاص والبعد عن تخدير الناس باستخدام الدين أو واقع التركيبة السكانية، وهذا قد يكون متحققاً في السياسات المقبلة لحزب النهضة وقد لا يكون، وقد يكون متحققاً في سياسات خصومها الذين سيتحولون إلى جانب المعارضة وقد لا يكون.
في الدورة المقبلة من الانتخابات في تونس سيكون الناس قد تمرسوا بالديموقراطية وخبروا ظاهرها وتعرفوا إلى أسرار باطنها، وحينذاك قد يفوز حزب النهضة وقد يفوز خصومه، لكن ذلك كله سيتم تحت مظلة حقوق الناس وحرياتهو، وليس مرجعيات الأحزاب الفائزة ونوعية عقائدها التي تقوم عليها.
أما الغرب في الجهة الأخرى من العالم، فسيظل يتعامل معنا بالطريقة نفسها، فكلنا في الهم عرب، سواء كنا إسلامويين أو ليبراليين أو علمانيين أو حتى بلا تصنيف بيّن!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.