الحكومة تقر بفشل سياسية استيراد أضاحي العيد    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    الوزير جازولي يدعو المستثمرين الألمان إلى اغتنام الفرص التي يتيحها المغرب    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    الاتحاد الجزائري يعلن شرطه الوحيد لمواجهة نهضة بركان!    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    المغرب: كنرفضو إقتحام المسجد الاقصى وقيام دولة فلسطينية هو اللي غادي يساهم فإحلال السلام    "اتصالات المغرب".. عدد الزبناء ديالها فات 77 مليون بزيادة وصلات ل2,7 فالمية    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    واش هادشي غايأثر على شراكة اسبانيا والمغرب والبرتغال فمونديال 2030.. الحكومة فالصبليون دارت الوصاية على الاتحاد الإسباني بسبب الفساد وخايفين من خرق لقوانين الفيفا    البحرية الملكية تنقذ مرشحين للهجرة السرية    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    المغرب يستنكر اقتحام باحات المسجد الأقصى    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزبير بوشتى: العمل والحب اهم نشاطين في حياة الانسان
اثرى الحياة في المغرب ثقافيا واجتماعيا وسياسيا
نشر في مغارب كم يوم 03 - 11 - 2012

الزبير بن بوشتى من الأسماء التي لا تبخل في ساحة الإبداع والحضور المسرحيين بالمغرب. فهو قد أثرى المشهد المسرحي بشتى العطاءات التي تحفر بعمق وقلق في صخور الحياة الإبداعية العصية والمستفزة: ثقافيا واجتماعيا وحتى سياسيا... لتنوشم إجابات وبدائل دالة وهادفة ومسؤولة... نترك للقارئ فرصة الاكتشاف والمتعة من خلال هذا الحوار.
' إذا طلب من الزبير بن بوشتى أن يقدم نبذة مقتضبة عن مسيرته الفنية والإبداعية، فماذا عساه أن يقول؟ ومتى كانت البدايات الأولى؟
' منذ صغري وأنا مولع بالفن والموسيقى والمسرح. فقد شهدت بداية الثمانينيات من القرن الماضي انضمامي إلى العديد من فرق مسرح الهواة بطنجة مما أدى بي إلى الاهتمام إلى جانب التمثيل بالمتابعات النقدية، وهكذا أصبحت من أهم الأقلام المتابعة للحركة المسرحية المغربية في الجرائد الوطنية، مما أدى بي فيما بعد لكتابة أول نصوصي المسرحية 'الحقيبة' بعد محاولات فاشلة طبعا. كما انخرطت إلى جانب المسرح في العمل السينمائي منذ عام 1985 كمساعد مخرج إلى جانب المغربي مومن السميحي في فيلمه 'قفطان الحب منقط بالهوى' والذي تلته فيلموغرافيا غنية من الأفلام الوطنية والأجنبية التي اشتغلت على تصويرها في شمال وجنوب المغرب إلى أن قررت في 1998 التفرغ كلية للمسرح والاقتصار على كتابة الحوارات السينمائية. طبعا كانت السينما مصدر رزقي تضمن لي مدخولا محترما يسمح لي بالتفرغ للكتابة إذ كنت أكتب بين فيلم وفيلم نصا مسرحيا.
' كثيرا ما يتردد هذا التوصيف على أننا نعيش 'زمن الرواية' على مستوى الإبداع الأدبي في مقابل 'زمن الشعر' الذي ينظر إليه على أنه ولى ولم يعد يستجيب للحاجيات والأسئلة الراهنة. فهل ينطبق ذلك على الإبداع المسرحي؟ وما حظ المسرح من تلك الأوصاف؟
' على مستوى المنتوج المقروء يمكن أن أوافقك الرأي على أن العصر الذي نعيشه هو عصر الرواية بامتياز. فقد أصبحت الرواية ديوان الأدب لما تحققه من إمتاع أولا، وبالتالي باعتبار أن الروائي يمكن أن يعالج أي موضوع معيش أو تاريخي أو علمي أو اجتماعي في قالب روائي سردي بمنأى عن اللغة التقريرية والجافة للأبحاث والدراسات. لذلك أصبحت الرواية معبرا هاما للسوسيولجيا والأنطرو'ولوجيا وغيرها من العلوم. بالنسبة للمسرح الأمر يختلف قليلا فهو على صهوة حصان بين المقروء والملعوب... بمعنى أن المسرح يمكن تلقيه كنص مقروء أو كعرض على الركح... وهو بذلك يعيش أزمة مضاعفة. فهو شأنه شأن الشعر والقصة القصيرة يتوارى خلف الاكتساح الباهر للرواية، كما يعرف انحصارا على مستوى العرض بحيث يعيش منافسة شرسة يعلنها عليه بالدرجة الأولى المنتوج السمعي البصري بكل أنواعه وأشكاله. وما يزيد في تعميق أزمته الاهمال الذي يعاني منه في بلد كالمغرب الذي يعرف نسبة من الأمية مرتفعة جدا وما يجاورها من مشاكل على مستوى التعليم والتربية. وعليه فإن البلد الأكثر احتياجا للمسرح هو المغرب لما يتيحه المسرح من إمكانيات لبث الوعي وتأطير المجتمع على أكثر من مستوى.
' عن 'دار ومضة' صدر لكم عملا مسرحيا تحت عنوان 'طنجيتانوس'. فماذا عن دلالات هذه التسمية؟ وماذا عن دواعي ودوافع أسباب نزول هذا العمل؟
' لن أجد أدق من التعبير الذي أجابت به أريان موشكين عن الدواعي التي دفعتها لإخراج نص شكس'ير 'حلم ليلة صيف' والتي تعتبر أن نشاطين هامين يقتسمان حياة الإنسان: العمل والحب. والأهمية تكمن في التفوق في كليهما. ولعل مسرحية 'المطبخ' التي أخرجتها هي تستجيب لرغبة العمل، بقدر ما تستجيب 'حلم ليلة صيف' لنداء الحب، الحب بكل أشكاله. الحب المجنون، الحب المبحوث عنه، الحب الرومانسي، الرغبة في أوج عنفها. ولعل 'طنجيتانوس' هي استجابة لنداء القلب لرغبة ظلت دفينة لدي منذ مدة في إنجاز نص تراجيدي مستمد من الأسطورة. ومع الأحداث التي تعاقبت على العالم منذ 11 شتنبر 2001 إلى اليوم، وجد المشروع نضجَه واكتماله في هذا النص الذي أعادني إلى الكتابة بالعربية الفصحى بعد أن كتبت العديد من النصوص بالدارجة 'ياموجة غني'، 'للاجْميلة'، 'النار الحمرا'، 'زنقة شكسبير' و 'أقدام بيضاء'. ولعل 'طنجيتانوس' جاء كذلك ليستجيب لرغبة دفينة أخرى وهي الانتماء للأدب ولشجرة أنسابه الأزلية. ولعل المسرح المغربي اليوم في حاجة ماسة لنصوص ذات مرجعيات أدبية كبرى لإغناء خزانته و إشباع ذاكرته بمتون مسرحية فذة.
' ما نظرتكم لثنائية: الشعر والمسرح؟
' ليست لي نظرة ثنائية، عن المسرح والشعر. فهما بالنسبة لي ذات واحدة تتوحد في المسرح. المسرح أصله شعر. ولست في حاجة لأن أذكرك بكبار شعراء المسرح كهوميروس وأسخيلوس إلى يوروبيدس فشكس'ير طبعا. إدراكي المتوقد بالمسرح وماهيته رسخت لدي إيمان عميق بتوحد الشعر بالمسرح. فالمسرح بدون شعر في ملتي واعتقادي محض إفتراء على المسرح.
' ما القيمة المضافة التي اضطلع بها ولايزال الدرس النقدي بخصوص الإنتاج المسرحي؟
' إذا استثنينا بعض التجارب لأسماء محسوبة على أصابع اليد الواحدة، يمكن اعتبار أن النقد المسرحي في المغرب يكاد ينعدم. ذلك أن النقد المتابع الحثيث للإنتاج المسرحي المسترسل لم يعد يقوم بدوره في الصحافة الثقافية المكتوبة أو المسموعة أو السمعية البصرية. في حين نجد أن النقد الأكاديمي والذي لازال يتربع عرشه إلى اليوم أستاذ الأجيال د. حسن المنيعي قد استشرف آفاقا جديدة تمتح من التجارب العالمية وتمظهراتها عالميا، ومن باب الإنصاف يحسن بي أن أشير إلى تجربة الصديق خالد أمين في المركز الدولي لدراسات الفرجة والإمكانيات التي تتيحها لتجربة النقد المسرحي الأكاديمي من انفتاح واحتكاك بتجارب دولية رائدة. دون أن نغفل الدرس المسرحي في الكليات المغربية والذي يؤطره نخبة من النقاد والباحثين الأكادميين. غير أن الحاجة لازالت قائمة لإحداث شعب متخصصة في المسرح بجل جامعات المغرب. لكن هذه الأطاريح الجامعية وأبحاث الماستير والدكتوراه لا تهتم في الغالب إلا بالنص المسرحي أو المادة الأدبية الخالصة على حساب العرض المسرحي ومكوناتها الأخرى. لذلك يجدر بالجامعات المغربية أن تفكر جديا في إحداث شعب متخصصة في الفنون الدرامية وآلياتها الفرجوية بكل مكوناتها وتخصصاتها.
' سبق أن صرحتم في أحد الحوارات: 'في المغرب لدينا مسرح بلا جمهور، وجمهور بلا مسرح... وما بينهما حلقة تتعمد الدولة أن تظل مفقودة'. فما المقصود الذي ترومونه؟ وهل من توضيح أكثر؟
' أقصد من هذا الكلام، أن هناك العديد من العوامل التي تساهم في كبح جماح المسرح المغربي منها:
أولا: انعدام ميكانيزم فعال للإنتاج المسرحي لا في القطاع العمومي ولا في القطاع الخاص باستثناء صندوق الدعم المسرحي الذي تخصصه وزارة الثقافة للإنتاجات المسرحية وليس للفرق.
ثانيا: انعدام شبكة لترويج العروض المسرحية التي تنتج أغلبها في إطار الدعم المسرحي،لا داخليا ولا خارجيا، الأمر الذي يساهم بشكل جلي في تعميق الهوة وتوسيعها بين المسرح المغربي وجمهوره.
ثالثا: تأرجح الممارسة المسرحية في المغرب بين الهواية والاحتراف، وكذا تأرجح المسرح المدعوم بين إنتاج المقاولة المسرحية (كمؤسسة متابعة من طرف المؤسسة الجبائية وغيرها)، والنشاط الجمعوي الذي يمنعه القانون من المساهمة في نشاط يسعى للكسب المادي. فأين هي الممارسة المسرحية من هذا؟
رابعا: تخلي العديد من النقاد المسرحيين المغاربة عن دورهم في نقد ومتابعات العروض المسرحية المنتجة بمحاسبة رديئها وتزكية جيدها، مما أفقد الممارسة المسرحية إشعاعها الثقافي وساهم في عزلها عن باقي الممارسات التي تستأثر باهتمام العامة والخاصة من الجمهور الواسع أو النخبوي. فلم يعد المتتبع يستقي أخبار مسرحه المغربي من جريدة أو مجلة أو كتاب بل من أحاديث المقاهي و الجلسات الخاصة
خامسا: انعدام مسارح لها برامج موسمية قارة تفتح أبوابها بانتظام للجمهور مما يفقد الممارسة المسرحية جدواها في مجتمع مهووس بالبارابول والأفلام المقرصنة.
' هل يمكن الحديث عن سياسة وفلسفة للحركة المسرحية في المغرب؟
' في معزل عن تيارات فكرية كبرى لا يمكن لحركة فنية أو مسرحية أن تجد لها نسقا فلسفيا أو فكريا ينبع من فراغ. وفي خضم ما تعيشه 'الحركة' المسرحية المغربية من ترد على مستويات عدة كما أسلفنا، فإن المسرح في بلادنا يعيش أزمة فكرية وفلسفية عميقة مردها لغياب رؤية واضحة فكريا للمشتغلين فيه. لذلك فالغالبية العظمى من المسرحيين المغاربة لا يهتمون إلا بالجانب الفرجوي والاستعراضي للمسرح ويهملون عن قصد أو غير قصد، الجانب الفكري كآلية لتعميق النقاش حول العديد من الظواهر السوسيوثقافية والسوسيوسياسية والتي تطبع المجتمع. ولعل غياب هذه الرؤية هي ما تسبب في تعميق أزمة هذا المسرح الذي لا تنقصه الإبداعية بقدرما يفتقر لمرجعية فكرية واضحة. فباستثناء تيارات التأصيل للمسرح العربي التي هبت في أواسط السبعينيات والثمانينيات والتي أفرزت العديد من الجماعات المسرحية كان أبرزها المسرح الاحتفالي، فإن اليوم هناك انسحاب تام للمسرحي المغربي من مجال السجالات الفكرية وتقوقعه في خندق صناعة الفرجة المجردة من كل هوية فكرية وفلسفية تعضدها. لقد ولى يا صديقي عصر الأفكار الكبرى مع سقوط جدار برلين ولم يعد يتحكم في العقول إلا منطق السوق والعولمة التي تريد تجريد الإنسان من عقله وتحويله إلى قطعة غيار في آلة الإنتاج الهادرة.
' في مناسبة فائتة أثرتم ما أسميتموه 'بالمسرح ما بعد الدراما' الذي تواشجت معه أشكال تعبيرية شتى، كالرقص والفن التشكيلي والرا' وشعر السلام.. الخ فإلى أي حد كان هذا التلاقح والقران موفقا وصائبا؟
' كم تغريني تلك الخلاصة التي توصل إليها ميلان كونديرا مستنتجا أن نهاية المسرح قد أعلنت عن نفسها مع ظهور مسرح صامويل بكيت الذي يعتبر قرينا للرسام فرانسيس بايكون الذي جاءت معه نهاية الفن التشكيلي.
لذلك ُأنا أعتقد ودون الخروج عن هذا السياق، أن المسرح يعيش نفس الانعطافة التي يعيشها الفن التشكيلي الحديث في العالم. ولعل فكرة الاشتغال على عمل فني متلاش 'ph'm're هي فكرة مستمدة من المسرح. ما يسمى بالتركيب أو لانسطالاسيون التي تطور نحوها الفن التشيكيلي من تأثيث اللوحة إلى تأثيث الفضاء هي عملية إخراج وسينوغرافيا مسرحيين بامتياز. ماذا نريد من المسرح أكثر من هذا؟ الفن التشكيلي يسير بخطى ثابتة نحو التمسرح وبالتالي إلى العمل الفني المتلاشي 'ph'm're ؟
ماذا يمكن أن نطلب من المسرح كي يقترب أكثر من مرحلة ما بعد الدراما التي ساهم في خلقها وبلورتها، والتي تسابقت فنون مجاورة أخرى لالتقاط ثمارها الناضجة. هل أستطيع أن أقول إن المسرح يعيش مرحلة ما بعد الدراما من خلال الرقص، والفن التشكيلي وموسيقى الرا' وشعر سلام وغيرها من التعابير التي تقترب في جوهرها من المسرح بتمظهراته الفرجوية؟ وهل يعيش المسرح المغربي هاجس المسرح المابعد درامي على غرار ما يعيشه المسرح الغربي والأسيوي بحدة فكرية وفنية صارخة؟ أعتقد أن الجواب نعم، رغم أن ال'نعم' هذه تظل خجولة ومبعدة شيئا ما عن الواقع الفني للبلاد. ذلك أن الفكر التجريبي في شتى الميادين مقصى عن الاهتمامات العامة للمجتمع ، فما بالك إذا كان في إطار فرق ومجموعات مسرحية لا تبارح تجاربها الأوراش وبرامج المهرجانات المسرحية اليتيمة الجمهور. الكتابة المسرحية المغربية (نصيا وركحيا) لا أعتقد أنها بعيدة عن هذا المخاض، غير أن الوعاء العام فكريا وثقافيا لم ينضج بعد لاحتواء هذه التجارب الفتية بنضجها والجريئة في آن.
' ماذا تشكل هذه الرزمانة من المفاهيم والمصطلحات بالنسبة للزبير بن بوشتى: التجريب، الاحتفالية، مسرح الهواة، مسرح ما بعد الدراما؟
' التجريب: هو فكر قبل أن يصير شكلا. التجريب هو البحث عن آفاق جديدة انطلاقا من مرجعية فكرية لتحقيق إبداع خارج القوالب الجاهزة. الاحتفالية: المسرح احتفال منذ أن كان. احتفال تختلف طقوسه من زمن إلى زمن ومن حضارة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، فلم لا نسمي الأشياء بمسمياتها وكفى المسرح الاحتفاليين شر النزال؟ مسرح الهواة: نهر حب خالد يجدد مياهه بعشق الصبا الذي لا يشيخ. المسرح ما بعد الدراما: مسرح يعلن موته بحياة جديدة.
' كثيرا ما كان المسرحي الراحل محمد تيمد يردد هذه القولة: 'الفرق بين الحياة والموت، المسرح' ما قراءتكم لها؟
' لأن الراحل محمد تيمد كأي مبدع كبير كان يدرك أن الإبداع هو أن تحيا موتك في ما تبدعه. لذلك فهو يريد أن يعيش حياة موته في المسرح. وهذه قمة الصوفية.
' مما لا شك فيه أن الزبير بن بوشتى عاشق للترحال والسفر، فهل من إضافات قوية لتجربتكم الشخصية؟ أو بصيغة أخرى، ماذا يشكل لكم السفر في جغرافيات الفضاءات والأمكنة التي قمتم بزيارتها؟
' السفر هو الجانب الثري من حياة أي مبدع. شخصيا لا أتصور مبدعا يطور تجربته في معزل عن السفر واكتشاف حياة الشعوب والمجتمعات الأخرى... لا أستطيع أن أعد لك مدى الإضافات التي قدمتها لي الأسفار خاصة على مستوى الاكتشاف الذاتي. التقرب من النفس واكتشاف خباياها. تصور كم هي غريبة نفسياتنا نحتاج لكي نسافر حتى نتقرب من ذواتنا... كلما سافرت إلا اقتربت أكثر مني ومن جغرافيتي التي أعيش فيها، أكتشفها لأكتب عنها بطريقة أعمق.
' ما نظرتكم لهذه الأسماء: محمد شكري، حسن المنيعي، الحسين المريني، عبد الصمد الكنفاوي؟
محمد شكري طفل فاته أن يكون ملاكا.
حسن المنيعي أستاذ أكثر من جيل يعرف كيف يعيش تواضع العلماء بدون أدنى ادعاء.
الحسين المريني: لو كان للمغرب استراتيجية في التكوين المسرحي لأصبح لحسين المريني وأمثاله في المغرب مدارس خاصة بهم على غرار مدرسة جاك لوكوك في فرنسا.
عبد الصمد الكنفاوي: أحد أعمدة بدايات المسرح المغربي الذي ما أحوج المسرح المغربي اليوم لأمثاله.
' ما تقويمكم لواقع المسرح المغربي راهنا؟
' لا يمكن أن نجرد راهن المسرح المغربي عن تجربة الدعم المسرحي التي جاءت نتيجة توقف بعض الممارسات التي كانت تتم في الخفاء وتستفيد منها أسماء محسوبة على رؤوس أصابع اليد. مما عطل الإنطلاقة الحقيقية لحياة مسرحية متوازنة. صحيح أن سياسة الدعم أفرزت ممارسات وأخلاقيات لا تمت لسلوكات الفنان وأخلاقياته بصلة. وصحيح كذلك أن سياسة الدعم المتبعة حتى الموسم الفارط أساءت للمسرح المغربي. لكن هذا لا يعني أن الدعم هو المسؤول الأول والأخير عن تعثر المسرح المغربي. أعتقد أن الفنان الحقيقي يبدع بدعم أو بدونه. إن هناك إبداعا خلاقا سيفرض نفسه سواء تلقى دعما ماديا أم لا. كما أن الدعم المسرحي لا يمكن أن يحسم في المخيلة والإبداع. ليس من مهمة الدعم المسرحي أن يخلق تجارب كبرى. هذه مسألة مرتبطة بالمبدع المسرحي وبعمقه وبخياله وبنفسه. أما الدعم فهو مجرد آلية من آليات تنظيم الإشتغال والتحفيز على الإنتاج. فلا يعقل أن ننتظر من الدعم أن يصنع لنا مبدعين وكتابا ومخرجين. أنا أتفق معك على أن الدعم المسرحي لم يساهم في نضج الممارسة المسرحية. وذلك مرده لعوامل متعددة ومتداخلة. أهمها: هزالة الغلاف المخصص لكل إنتاج والذي لم يكن يتجاوز سقفه 180 ألف درهم للمشروع مما يفسح المجال لبعض المتهافتين (أو محترفي الدعم) الذين وجدوا في الدعم حلا مؤقتا لمشاكلهم المادية المتراكمة. أما أخطر الأسباب هو هذ الخلط الحاصل بين الإحتراف والهواية. ثم أن طريقة صرف هذا الدعم كانت تشكل عائقا للإنتاج. كما أن الصيغة التي يمنح بها الدعم لا تساهم في تقوية الفرق، ذلك أن المسرحيين من سينوغرافيين وممثلين ومخرجين وتقنيين أصبحوا متجولين من فرقة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى. من ناحية هي مسألة إيجابية بالنسبة للفنان. لأن العدو اللدود للفنان هو الإنغلاق والتقوقع في تجربة منعزلة. لكن من ناحية أخرى هي مسألة ليست صحية بالنسبة للفرقة المسرحية، بل هي عامل حاسم في إضعاف بنيتها الإنتاجية. تجول الفنانين من فرقة إلى أخرى ومن تجربة إلى أخرى قد يكون ظاهرة صحية في إطار حركة مسرحية تستمد قوتها من تقاليد مؤسساتية عتيدة ومتجذرة وتستند إلى تقليد مسرحي متوارث ضارب بجذوره في عمق المجتمع كما هو الشأن بالنسبة لمصر مثلا أو فرنسا.
ويجب أن نستبشر خيرا بالوعود التي قطعها على نفسه السيد وزير الثقافة الحالي(يقصد بنسالم حميش) بإدخال تعديلات على الأسلوب المتبع في منح هذا الدعم وكذا الرفع من غلافه المالي.
' كفاعل ومنخرط في الساحة المسرحية وما تطرحه من قضايا وإشكالات، وكذا ما تعانقه من هموم وجراح، ما تعليقكم لما بات يُعرف بالربيع العربي؟
' الربيع العربي هو معطى طبيعي لسيرورة تاريخية لشعوب ملت القبضة الحديدية التي كانت تقبض بها الأنظمة العربية على المجتمعات العربية. ولعل التعبير الجماهيري العريض الذي تعرفه ولا زالت الشوارع العربية من الخليج إلى المحيط لخير دليل على أن الشباب العربي أصبح يعي دوره في إحداث التغيير النوعي أو الكمي في عقليات الأنظمة الحاكمة. وما يهمني و يهم شريحة عريضة اليوم من دارسي وممتهني الفرجة هي الطرق الاستعراضية والفرجوية التي ابتكرتها جماهير المحتجين في ساحات التغيير العربية والتي أصبحت اليوم موضوع أبحاث وقد استلهمها العديد من المسرحيين لبناء فرجاتهم الحديثة اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.