وفد قضائي وطني رفيع يزور جماعة الطاح بطرفاية تخليداً للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء واستحضاراً للموقع التاريخي للملك الراحل الحسن الثاني    مؤسسة طنجة الكبرى: معرض الطوابع البريدية يؤرخ لملحمة المسيرة الخضراء    هنا المغرب    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة إلى النهائي بعد تجاوز المنتخب السعودي في نصف النهاية    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكشف عن مذكرات وأسرار مؤلمة كتبها عبد الحليم بخط يده
نشر في محمدية بريس يوم 02 - 04 - 2012

في منتصف العام 1973، وقبل رحيل الفنان الكبير عبد الحليم حافظ بأربع سنوات، نشرت مجلة "صباح الخير" المصرية مذكرات الفنان الراحل، ورغم أنها تحمل كل أسرار العندليب إلا أن أحدا لم يلتفت إليها، حتى بعد رحيله رغم أنها تحمل الكثير من الحقائق التي تنسف ما نسجه الإعلام على مدى ثلاثة عقود ونصف من رحيل الفنان من حكايات وأسرار لا علاقة لها بالحقيقة.

عندما فكرت في كتابة مذكراتي، أحسست أني أريد أن أصرخ بكل ما حدث في عمري مرة واحدة .. حب ، وفاء ، مرض، خيانة ، صداقة ، ألم ، سعادة ، رحلات إلى معظم بلاد الدنيا .. باختصار الحياة رحلة رائعة رغم كل ما فيها من آلام .. والآن أحاول بهدوء أن أحكي للأوراق حكايتي".


كانت تلك هى الكلمات الأولى التى قدم بها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ مذكراته للجمهور، وهي المذكرات التي كتبها بقلمه وإحساسه، ورفض أن يشاركه أحد فى كتابتها أو تحريرها ونشرت منتصف عام 1973، لتعود صحيفة "الأهرام" المصرية وتنشر أجزاءً بعد أن حصلت عليها في ذكرى وفاة الفنان الكبير.

*الحبيبة المجهولة تنسف قصة حبه لسعاد حسني!

كانت حياة العنديب كما يقول فى مذكراته رحلة ممزوجة بالغناء والعناء، بالشقاء والألم، بالفرح والأمل واليأس والحزن والحب والخيانة والانكسار والهزيمة وكان القاسم المشترك فى جميع ما رواه في مذكراته هو الحرمان من الحنان، وهو الحنان الذي ظل يبحث عنه سنوات طويلة حتى وجده فى حبه الوحيد ديدى أو ليلى وهى الفرحة التى لم تكتمل وغنى متأثرا بفقدانها " يا فرحة كانت ماليا الدينا عليا واستكترتها الدنيا عليا" .. تعالوا نرى عبر سطور هذه المذكرات وبخط العنديب : من هى صاحبة قصة الحب الحقيقية وربما الوحيدة التى عاشها العندليب فى حياته وكيف سارح جمهوره بالكشف عن لغز المرأة ذات العيون الزرقاء التى أحبها حليم وظل يغنى لها طيلة حياته بل وظل مخلصا لها بعد وفاتها فلم يتزوج حزنا عليها .. كيف وصف هذا الحب، وما هى العلاقة الحقيقية التى ربطته بالفنانة سعاد حسنى ولماذا ظل حليم دون زواج حتى رحيله وكيف كان يصف نفسه فى لحظات المرض.. تعالوا نقرأ ما كتبه بقلمه ..


الحبيبة المتزوجة

حليم بدأ مذكراته بالحديث عن بداية حياته وانتقاله إلى القاهرة ثم فجأة قفز عبر الأحداث ليدون اعترافاته حول حبيبته فقال " إنها ذات العيون الزرقاء التى اكتشفت من خلال حبى لها أن للحياة معنى وأن الشمس من حقها أن تشرق كل صباح وأن الغروب من حقه أن يأتى وأن الإنسان من حقه أن يتنفس .. كانت جميلة للغاية وأشتاق إليها الآن وعاشت قصة حبى لها خمس سنوات.. أقسم بالله العظيم يمينا أسأل عنه يوم القيامة أننى لم لكن أحب واحدة من النساء مثلما أحببتها وليكن اسمها ليلى، وليلى ليس اسمها لأن الاسم يجب أن يظل سرا .. هى الآن ذكرى.. لا أعرف كيف تتحول الضحكة واللمسة والأمل والحلم إلى ذكرى .. إننى ما رأيت فى حياتى عيونا فى مثل جمال عينيها.. عيونها زرقاء رمادية بنفسجية لا أدرى لكنى كنت أعرف أن عيونها ملونة بالبهجة والأسى فى آن واحد .. أقسم بالله العظيم أننى كنت أرى الغروب فجرا وأرى الفجر نورا وأرى كل لحظة من اليوم لحظة فى الحب كانت ليلى هى السبب فى كل ذلك كأننى ولدت يتيما حتى أولد فى عينيها لتصبح أمي.


وكانت بصحبة إحدى صديقاتها وتسمرت قدم عبد الحليم عندما رآها ثم انصرفت وعلى شاطىء ميامى كانت الصدفة حيث رآها للمرة الثانية ولم يصدق عيناه ودار بينهما حديث عابر ليكتشف أنها متزوجة من رجل أعمال ولديها ولدان لكنها لم تكن سعيدة وكانت منفصلة عنه ومفاوضات الطلاق دائرة بينهم.. ويروى عبد الحليم فى مذكراته جانبا من حديثه معها:

ديدى: أنا عارفة يا حليم إن عمرى قصير .. حاسة بكده.

حليم : قالت بصوت منزعج كأنها تقول لى الحقيقة لكنى أرفضها قلت بانزعاج .. أنا باكره الكلمة دى جدا ومش عارف أعيش إزاى من غيرك.

ديدى: أحيانا أقعد أفكر وأقول أختار إيه من السماء أقوم أقول لنفسى لازم أحبك أكتر من كده.

*الخيار الصعب

ويذكر حليم أنه عندما بدأت تقترب منه أكثر ودانت فرص الارتباط بعد أن ساءت علاقتها بزوجها بدأ يبحث عن شقة ووجد الشقة التى عاش بها طيلة حياته ويقول" بدأنا نؤثثها معا .. بدأت هى تختار الستائر والسجاد واللوحات والمكتب وحجرة الموسيقى وحجرة النوم .. ذوقها بسيط ورائع كعينيها .. وكانت محاولات الطلاق تجرى كانت المشكلة أن ولديها قد بلغ الصغير فيهما التاسعة والكبير عمره عشرة أعوام ومعنى ذلك أن الزوج يستطيع أن يطلب حضانتهما هذا من حقه الشرعى ولم نكن نتخيل أن نعيش بعيدا عن أبنائها وكنت ممزقا إننى أعرف معنى الحياة بدون أم وأعرف أن أى حنان غير الأم هو حنان مغشوش وأنهكنى النزيف أكثر من مرة وكانت معدتى قد تعودت أن تحتج على قلقى وكأننى لم أكن أريد الحياة إلا بدونها .. كثرت الدموع فى عيونها وتجمدت العيون فى عيونى وكنت أغنى أيامها أغنية لها "بتلوموني ليه".

ويعترف العندليب أنه وقع فى اختيار صعب ويروى قائلا : لكن أحيانا يجب أن يكون الإنسان جرئيا ويذبح نفسه بهدوء فقلت لها خلاص " مادام مش قادرة تسيبى الأولاد يبقى تروحى بيتك كانت عيونها تحت جفونى كلما أغمضت عيونى رأيتها .. وأخذها الزوج وسافر .. كنت أحس أن نزيف معدتى هو نزيف غير دائم يهون أمره دائما أمام نزيف شوقى إليها.

كيف رحلت ديدى ولماذا طلبت منه الزواج من سعاد حسني؟

ثم يروى عبد الحليم أن حبيبته أصبحت حرة وطلقها زوجها وعادت إلى القاهرة وبدأت فى تأثيث عش الزوجية معه وفجأة سقطت على الأرض وهى بصحبته : فوجئت بأنها لا ترى .. ساقاها غير قادرتين على حملها ووقعت على الأرض وقال الأطباء أن فيروسا خطيرا تسلل إلى المخ.

وفى تلك الأثناء من عام 1964 كانت الصحف تتناقل أحاديث وشائعات حول علاقة عبد الحليم بالفنانة سعاد حسنى لكن العندليب فى هذه المذكرات ينفى تماما وجود أى صلات عاطفية بينه وبين سعاد ويؤكد أنها كانت إشاعة وأنه فى هذا الوقت كان العندليب غارقا فى حب ليلى أو ديدى التى انكسرت أمام المرض .

ويروى عبد الحليم فى مذكراته أن ليلى طلبت منه أن يتزوج من سعاد حسنى بعدما أدركت أن موتها بات مؤكدا وقريبا وقالت له : أنا سامعه إنك اخترت سعاد حسنى علشان تشتغل فى فيلم من أفلامك والله بنت أمورة جدا ممكن تسعدك، فقال العندليب : فغضبت بشدة وكتمت غضبى وقلت لا توجد إمرأة غيرك قادرة على إسعادى .. سعاد صديقتى وبس ليس فى علاقتى بسعاد إلا الصداقة والزمالة والاحترام ..استمر المرض يتسلل إلى حبيبتى يفترسها قالوا العلاج فى لندن سافرت ليلى إلى لندن .. قلبى منهك أتمنى أن يحفظها الله لأولادها ولى لا يهم لا لايجب أن يموت أحد يحتاج إليه أحد آخر .. الموت تعود الاعتداء على الحب الموت أدمن الاعتداء على الحب الحزن يقتلنى أحاول أن أبتسم كأن جرحا تعلق بابتساماتى لا أريد شيئا من السماء سوى أن تحفظها لأبنائها ولى .. أمسك القرآن وأقرأ لها بعض الآيات، أشعلت لها شموعا فى سانت ترزيا ذبحت الذبائح ووزعتها على الفقراء ماذا يمكن أن أفعل لأنقذها إنها

ويروى حليم كيف ماتت حبيبته قائلا: أحيانا أغمض عيونى فأجدها تضحك أحيانا أغمض عيونى فاتذكر لمسة يدها أحيانا أراها بعيون مفتوحة وهى تقول لى" خللى بالك من صحتك الذكريات والأحلام والعذاب ولابد من ابتسامة على الوجه والابتسامة جرح .. جاء الموت .. لماذا تموت حبيبتى سؤل لا إجابة له أنا أمام الموت أصدق حكمة السماء الخالدة .. ندخل الدنيا بلا اختيار نموت بلا اختيار بين الميلاد والموت نختار نجحت فى اختيار طريقى كمغن لم أنجح فى اختيار شريكة عمرى لأن الموت تدخل.. تطاردنى دائما كلماتها "أنا حاموت صغيرة".. كثيرا ما سألت السماء هذا السؤال: هل من العدل أن تموت حبيبتى دون أن نحقق حلمنا.

*ذكريات مع مرض البلهارسيا

ويعود عبد الحليم للحديث عن سعاد حسنى دفاعا عن حبه من ليلى ويقول: سعاد أمامها المستقبل وأنا قلبى مجروح ب ليلى التى تفارقنى بلا سبب لم أكن أستطيع أن أصدر قرارا لقلبى بأن أحول صداقتى لسعاد لقصة حب وبدأت سعاد تستقل بنفسها وكنت سعيدا بذلك ومكثت ثمانية أعوام دون أن أراها .

وينتقل عبد الحليم فى مذكراته للحديث عن دوره فى الثورة وكيف غنى لها وكيف كانت علاقته بعبد الناصر والسادات وكيث غنى للاشتراكية والنصر والهزيمة وهى حقائق ليست جديدة ومعروفة تماما عن عبد الحليم .

ثم يعود فى ختام المذكرات ليتذكر ديدى مرة أخرى وكأنها كانت مسيطرة عليه فلم ينسى بل أنه اعترف أنه أهدى جميع أغنياته الحزينة لها وفى لحظات المرض فى سنوات العمر المتبقية يقول عبد الحليم : كنت أتمنى أن تملك ليلى حبيبتى تلك الإرادة .. إن لندن تذكرنى بها هناك احساس فى قلبى بأنها كانت تعيسة فى رحلة العمر.. استسلمت للمرض لأنها منهكة فى رحلة العذاب طول العمر.. استمر المرض يتسلل إليها ببطء يغتال العيون الزرقاء الرقراقة الصافية يقطف الورود فى هذه البشرة المليئة بالنور

الكشف عن مذكرات وأسرار مؤلمة كتبها حليم بخط يده
القاهرة

في منتصف العام 1973، وقبل رحيل الفنان الكبير عبد الحليم حافظ بأربع سنوات، نشرت مجلة "صباح الخير" المصرية مذكرات الفنان الراحل، ورغم أنها تحمل كل أسرار العندليب إلا أن أحدا لم يلتفت إليها، حتى بعد رحيله رغم أنها تحمل الكثير من الحقائق التي تنسف ما نسجه الإعلام على مدى ثلاثة عقود ونصف من رحيل الفنان من حكايات وأسرار لا علاقة لها بالحقيقة.


"عندما فكرت في كتابة مذكراتي، أحسست أني أريد أن أصرخ بكل ما حدث في عمري مرة واحدة .. حب ، وفاء ، مرض، خيانة ، صداقة ، ألم ، سعادة ، رحلات إلى معظم بلاد الدنيا .. باختصار الحياة رحلة رائعة رغم كل ما فيها من آلام .. والآن أحاول بهدوء أن أحكي للأوراق حكايتي".

كانت تلك هى الكلمات الأولى التى قدم بها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ مذكراته للجمهور، وهي المذكرات التي كتبها بقلمه وإحساسه، ورفض أن يشاركه أحد فى كتابتها أو تحريرها ونشرت منتصف عام 1973، لتعود صحيفة "الأهرام" المصرية وتنشر أجزاءً بعد أن حصلت عليها في ذكرى وفاة الفنان الكبير.


ذكريات عبد الحليم بخط يده

*الحبيبة المجهولة تنسف قصة حبه لسعاد حسني!

كانت حياة العنديب كما يقول فى مذكراته رحلة ممزوجة بالغناء والعناء، بالشقاء والألم، بالفرح والأمل واليأس والحزن والحب والخيانة والانكسار والهزيمة وكان القاسم المشترك فى جميع ما رواه في مذكراته هو الحرمان من الحنان، وهو الحنان الذي ظل يبحث عنه سنوات طويلة حتى وجده فى حبه الوحيد ديدى أو ليلى وهى الفرحة التى لم تكتمل وغنى متأثرا بفقدانها " يا فرحة كانت ماليا الدينا عليا واستكترتها الدنيا عليا" .. تعالوا نرى عبر سطور هذه المذكرات وبخط العنديب : من هى صاحبة قصة الحب الحقيقية وربما الوحيدة التى عاشها العندليب فى حياته وكيف سارح جمهوره بالكشف عن لغز المرأة ذات العيون الزرقاء التى أحبها حليم وظل يغنى لها طيلة حياته بل وظل مخلصا لها بعد وفاتها فلم يتزوج حزنا عليها .. كيف وصف هذا الحب، وما هى العلاقة الحقيقية التى ربطته بالفنانة سعاد حسنى ولماذا ظل حليم دون زواج حتى رحيله وكيف كان يصف نفسه فى لحظات المرض.. تعالوا نقرأ ما كتبه بقلمه ..

*الحبيبة المتزوجة

حليم بدأ مذكراته بالحديث عن بداية حياته وانتقاله إلى القاهرة ثم فجأة قفز عبر الأحداث ليدون اعترافاته حول حبيبته فقال " إنها ذات العيون الزرقاء التى اكتشفت من خلال حبى لها أن للحياة معنى وأن الشمس من حقها أن تشرق كل صباح وأن الغروب من حقه أن يأتى وأن الإنسان من حقه أن يتنفس .. كانت جميلة للغاية وأشتاق إليها الآن وعاشت قصة حبى لها خمس سنوات.. أقسم بالله العظيم يمينا أسأل عنه يوم القيامة أننى لم لكن أحب واحدة من النساء مثلما أحببتها وليكن اسمها ليلى، وليلى ليس اسمها لأن الاسم يجب أن يظل سرا .. هى الآن ذكرى.. لا أعرف كيف تتحول الضحكة واللمسة والأمل والحلم إلى ذكرى .. إننى ما رأيت فى حياتى عيونا فى مثل جمال عينيها.. عيونها زرقاء رمادية بنفسجية لا أدرى لكنى كنت أعرف أن عيونها ملونة بالبهجة والأسى فى آن واحد .. أقسم بالله العظيم أننى كنت أرى الغروب فجرا وأرى الفجر نورا وأرى كل لحظة من اليوم لحظة فى الحب كانت ليلى هى السبب فى كل ذلك كأننى ولدت يتيما حتى أولد فى عينيها لتصبح أمي.

حليم في صغره

ويحكى عبد الحليم فى مذكرات أن أول مرة رآها فيها كانت فى لندن بينما كان يتسوق فى هارولدز وكانت بصحبة إحدى صديقاتها وتسمرت قدم عبد الحليم عندما رآها ثم انصرفت وعلى شاطىء ميامى كانت الصدفة حيث رآها للمرة الثانية ولم يصدق عيناه ودار بينهما حديث عابر ليكتشف أنها متزوجة من رجل أعمال ولديها ولدان لكنها لم تكن سعيدة وكانت منفصلة عنه ومفاوضات الطلاق دائرة بينهم.. ويروى عبد الحليم فى مذكراته جانبا من حديثه معها:

ديدى: أنا عارفة يا حليم إن عمرى قصير .. حاسة بكده.

حليم : قالت بصوت منزعج كأنها تقول لى الحقيقة لكنى أرفضها قلت بانزعاج .. أنا باكره الكلمة دى جدا ومش عارف أعيش إزاى من غيرك.

ديدى: أحيانا أقعد أفكر وأقول أختار إيه من السماء أقوم أقول لنفسى لازم أحبك أكتر من كده.

*الخيار الصعب

ويذكر حليم أنه عندما بدأت تقترب منه أكثر ودانت فرص الارتباط بعد أن ساءت علاقتها بزوجها بدأ يبحث عن شقة ووجد الشقة التى عاش بها طيلة حياته ويقول" بدأنا نؤثثها معا .. بدأت هى تختار الستائر والسجاد واللوحات والمكتب وحجرة الموسيقى وحجرة النوم .. ذوقها بسيط ورائع كعينيها .. وكانت محاولات الطلاق تجرى كانت المشكلة أن ولديها قد بلغ الصغير فيهما التاسعة والكبير عمره عشرة أعوام ومعنى ذلك أن الزوج يستطيع أن يطلب حضانتهما هذا من حقه الشرعى ولم نكن نتخيل أن نعيش بعيدا عن أبنائها وكنت ممزقا إننى أعرف معنى الحياة بدون أم وأعرف أن أى حنان غير الأم هو حنان مغشوش وأنهكنى النزيف أكثر من مرة وكانت معدتى قد تعودت أن تحتج على قلقى وكأننى لم أكن أريد الحياة إلا بدونها .. كثرت الدموع فى عيونها وتجمدت العيون فى عيونى وكنت أغنى أيامها أغنية لها "بتلوموني ليه".

ويعترف العندليب أنه وقع فى اختيار صعب ويروى قائلا : لكن أحيانا يجب أن يكون الإنسان جرئيا ويذبح نفسه بهدوء فقلت لها خلاص " مادام مش قادرة تسيبى الأولاد يبقى تروحى بيتك كانت عيونها تحت جفونى كلما أغمضت عيونى رأيتها .. وأخذها الزوج وسافر .. كنت أحس أن نزيف معدتى هو نزيف غير دائم يهون أمره دائما أمام نزيف شوقى إليها.


حليم مع جيهان العلايلي



*كيف رحلت ديدى ولماذا طلبت منه الزواج من سعاد حسني؟

ثم يروى عبد الحليم أن حبيبته أصبحت حرة وطلقها زوجها وعادت إلى القاهرة وبدأت فى تأثيث عش الزوجية معه وفجأة سقطت على الأرض وهى بصحبته : فوجئت بأنها لا ترى .. ساقاها غير قادرتين على حملها ووقعت على الأرض وقال الأطباء أن فيروسا خطيرا تسلل إلى المخ.

وفى تلك الأثناء من عام 1964 كانت الصحف تتناقل أحاديث وشائعات حول علاقة عبد الحليم بالفنانة سعاد حسنى لكن العندليب فى هذه المذكرات ينفى تماما وجود أى صلات عاطفية بينه وبين سعاد ويؤكد أنها كانت إشاعة وأنه فى هذا الوقت كان العندليب غارقا فى حب ليلى أو ديدى التى انكسرت أمام المرض .

ويروى عبد الحليم فى مذكراته أن ليلى طلبت منه أن يتزوج من سعاد حسنى بعدما أدركت أن موتها بات مؤكدا وقريبا وقالت له : أنا سامعه إنك اخترت سعاد حسنى علشان تشتغل فى فيلم من أفلامك والله بنت أمورة جدا ممكن تسعدك، فقال العندليب : فغضبت بشدة وكتمت غضبى وقلت لا توجد إمرأة غيرك قادرة على إسعادى .. سعاد صديقتى وبس ليس فى علاقتى بسعاد إلا الصداقة والزمالة والاحترام ..استمر المرض يتسلل إلى حبيبتى يفترسها قالوا العلاج فى لندن سافرت ليلى إلى لندن .. قلبى منهك أتمنى أن يحفظها الله لأولادها ولى لا يهم لا لايجب أن يموت أحد يحتاج إليه أحد آخر .. الموت تعود الاعتداء على الحب الموت أدمن الاعتداء على الحب الحزن يقتلنى أحاول أن أبتسم كأن جرحا تعلق بابتساماتى لا أريد شيئا من السماء سوى أن تحفظها لأبنائها ولى .. أمسك القرآن وأقرأ لها بعض الآيات، أشعلت لها شموعا فى سانت ترزيا ذبحت الذبائح ووزعتها على الفقراء ماذا يمكن أن أفعل لأنقذها إنها ليست فى حاجة إلى المال .. كثيرا ما نمت على دموعى تختلط بدعواتى..

ويروى حليم كيف ماتت حبيبته قائلا: أحيانا أغمض عيونى فأجدها تضحك أحيانا أغمض عيونى فاتذكر لمسة يدها أحيانا أراها بعيون مفتوحة وهى تقول لى" خللى بالك من صحتك الذكريات والأحلام والعذاب ولابد من ابتسامة على الوجه والابتسامة جرح .. جاء الموت .. لماذا تموت حبيبتى سؤل لا إجابة له أنا أمام الموت أصدق حكمة السماء الخالدة .. ندخل الدنيا بلا اختيار نموت بلا اختيار بين الميلاد والموت نختار نجحت فى اختيار طريقى كمغن لم أنجح فى اختيار شريكة عمرى لأن الموت تدخل.. تطاردنى دائما كلماتها "أنا حاموت صغيرة".. كثيرا ما سألت السماء هذا السؤال: هل من العدل أن تموت حبيبتى دون أن نحقق حلمنا.

في أيامه الأخيرة على سرير المرض

*ذكريات مع مرض البلهارسيا

ويعود عبد الحليم للحديث عن سعاد حسنى دفاعا عن حبه من ليلى ويقول: سعاد أمامها المستقبل وأنا قلبى مجروح ب ليلى التى تفارقنى بلا سبب لم أكن أستطيع أن أصدر قرارا لقلبى بأن أحول صداقتى لسعاد لقصة حب وبدأت سعاد تستقل بنفسها وكنت سعيدا بذلك ومكثت ثمانية أعوام دون أن أراها .

وينتقل عبد الحليم فى مذكراته للحديث عن دوره فى الثورة وكيف غنى لها وكيف كانت علاقته بعبد الناصر والسادات وكيث غنى للاشتراكية والنصر والهزيمة وهى حقائق ليست جديدة ومعروفة تماما عن عبد الحليم .

ثم يعود فى ختام المذكرات ليتذكر ديدى مرة أخرى وكأنها كانت مسيطرة عليه فلم ينسى بل أنه اعترف أنه أهدى جميع أغنياته الحزينة لها وفى لحظات المرض فى سنوات العمر المتبقية يقول عبد الحليم : كنت أتمنى أن تملك ليلى حبيبتى تلك الإرادة .. إن لندن تذكرنى بها هناك احساس فى قلبى بأنها كانت تعيسة فى رحلة العمر.. استسلمت للمرض لأنها منهكة فى رحلة العذاب طول العمر.. استمر المرض يتسلل إليها ببطء يغتال العيون الزرقاء الرقراقة الصافية يقطف الورود فى هذه البشرة المليئة بالنور ..

اشتقت إليها كثيرا اشتقت إليها طوال أيام الحب لم أصدق يوم أن ماتت أنها ماتت أذكر صوتها وهى تقول خلاص الطلاق تم ما قدرتش أعيش أكتر من كده أنا عمرى قصير لازم أعيش .. لو كان بإيدى كنت أفضل جنبك وأجيب لعمرى ألف عمر وأحبك .. هناك إمراة فى حياة الرجل مهما أصابها العجز أو التشويه أو أى شىء تظل هذه المرأة جميلة إلى الأبد .. كثيرا ما بللت دموعى وجهى وأنا خارج من عندها وهى على سرير المرض بعد أن أجعلها تضحك كنت أحس أن ابتسامتها هى غروب الابتسام أخاف أن تلمس يدى يدها فتفضح أمرى .. إن أيدينا كثيرة الكلمات كل يد تحكى للأخرى ما حدث وكل ما يمكن أن يحدث .. لم يكن فى يدها احساس باليأس كان هناك احساس بأهمية الحياة لماذا إذن ماتت لا إجابة.


لماذا لم يتزوج؟

ثم يجيب عبد الحليم عن السؤال الذى واجهه طيلة حياته وهو لماذا لم يتزوج فيكشف أن ديدى ماتت وتركته وحيدا فلم يتحمل أى إمرأة بعدها فيقول :

يسألوننى كثير لماذا لا تتزوج.. لا أحد يعلم أن الزواج ليس مسألة حسابية إنه يحتاج إلى الإحساس بأن الحياة لا يمكن أن تستمر بدون هذه المرأة إننى أخبىء الآن فى قلبى شمعة الحب أحاول أن أجعلها مشتعلة لا أحكى عنها لأحد حتى تظل هذه الشمعة مشتعلة هل ستستمر هذه الشمعة مشتعلة أحلم بذلك..

وفى ختام المذكرات يقول حليم : من المؤكد أننى صرحت بمعظم ما حدث فى عمرى من حب .. وفاء، مرض، خيانة، صداقة، ألم .. سعادة

رحلات إلى معظم بلاد الدنيا الآن أستطيع أن أقول أن الحياة رحلة رائعة رغم كل ما فيها من آلام.. وفى عالم يبحث عن الحب لا يجده إلا نادراً..

ولخص العندليب تجربته فى الحياة بقوله : لا أريد لأحد أن يتألم لأننى تألمت فى طفولتى وعندما فهمت الحياة والموت لم أعد أكره أحدا إننى أبحث دائما عن الظروف التى تجعل الإنسان يشعر بالتعاسة ولهذا فأنا أحب أن أقدم بسمة الأمل لكل الناس، هل كان أحد يعرف أننى سأقابل هذا المرض فى حياتى يوم أن وقفت على محطة القطار فى الزقازيق لأحضر إلى القاهرة يوما لم أكن أعرف أن هناك مرضا فى حياتى كنت أعرف فقط أننى أصبت ببلهارسيا وعولجت منها .. كان الوقت فجرا وخيوطا من النور تتسلل من السحاب والمخاوف تلعب بقلبى.. كانت تلك بداية الخطأ الصغير المسمى بلهارسيا .. العذاب الكبير الذى استمر معى 19 عاما إنه ابن أخطاء صغيرة لم يلتفت إليها الإنسان.

ولم يفصح العندليب عن اسم حبيبة قلبه وترك الاسم للتخمينات فهناك من قال أن الاسم الحقيقى لحبيبته هو جيهان العلايلى سليلة عائلة العلايلى باشا وهناك من يؤكد أن اسمها الحقيقى هو مفيدة الألفى .. لكن الحقيقة تظل فى النهاية ملكا لصاحبها فقط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.