بدعم من اليونسكو ومن أجل نشر المواد الصحفية المتنوعة : المعهد العالي للإعلام والاتصال يطلق منصة بيداغوجية ومهنية لفائدة الطلبة    ‬المغرب ‬يشرع ‬في ‬إرساء ‬أسس ‬صناعته ‬الدفاعية ‬المتطورة: ‬    هل ‬بدأت ‬الخطوة ‬الأولى ‬على ‬طريق ‬إنهاء ‬الحرب ‬في ‬قطاع ‬غزة ‬الفلسطيني ‬؟    بعد خسارته التاريخية.. حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يطمح لتشكيل ائتلاف حكومي    من هم مساعدو مدرب برشلونة الجديد؟    زلزال قوي بلغت شدته 6 درجات يضرب هذه الدولة    تعرض صحراويين للقتل من طرف الجيش الجزائري.. إعدام خارج القانون    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أفلام وحكام مهرجان "الرباط كوميدي" الخامس: مسابقة الأفلام الكوميدية القصيرة.    الرجاء البيضاوي يعتلي الصدارة في انتظار خطوة واحدة بوجدة    الجامعة الملكية المغربية للملاكمة بطولة المغرب التأهيلية للملاكمة كبار للموسم الرياضي 2024/2023    هذه خلاصة اجتماع مجلس الحكومة    الدراج العثماني يحل ثانيا في "غاروا"    مداهمة مقاهي للشيشة وسط طنجة وتوقيف أشخاص مبحوث عنهم    الرجاء يطيح بالوداد في ديربي البيضاء ويخطف صدارة الدوري من الجيش    موسيقى جهجوكة.. نغمات صوفية من جبال المغرب إلى أبرز مسارح العالم    المؤتمر الوطني الإفريقي يخسر غالبيته المطلقة في برلمان جنوب إفريقيا ويبحث عن ائتلاف    طقس الإثنين.. أجواء حارة وزخات رعدية بهذه المناطق    مخدرات وأسلحة نارية تطيحان بفرنسي في باب سبتة    جائزة الحسن الثاني للفروسية التقليدية تسدل الستار بتتويج "سربة برشيد"    كلية بني ملال تؤجل امتحانات الطب    مع تزايد عدد الضحايا.. كيف يتم اختراق الحسابات البنكية لزبناء البنوك في المغرب والحلول الممكنة للحماية؟    أحمدي نجاد يقدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية الإيرانية    القبض على سيدة وأبنائها بتهمة قتل وإخفاء جثة الزوج في حائط المنزل    جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين    اعتداء بالسلاح الأبيض وقنينة غاز كريموجين في طنجة    تحالف "أوبك+" يتفق على تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط    ليبيريا تجدد الدعم لمغربية الصحراء    تتويج الفنان والعازف السعودي عبادي الجوهر بجائزة زرياب للمهارات بمهرجان تطوان الدولي للعود    الدرهم ينخفض بنسبة 0,51 % مقابل الأورو    تقارير: كيليان مبابي انضم رسميا إلى ريال مدريد    الهند.. وفاة 33 موظفا في مراكز الاقتراع بسبب الحرارة المفرطة    هذا ما قاله براهيم دياز بعد تتويجه بلقب دوري أبطال أوروبا    أمن البيضاء يُحبط محاولة تهريب أطنان من المخدرات    انتخابات برلمان أوروبا .. توقعات بصعود اليمين المتطرف والأحزاب القومية    حفل استثنائي لبوريل يختتم مهرجان فاس    جلالة الملك يهنئ الرئيس الإيطالي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    The Village Next to Paradise فيلم من الصومال تتغنى به المواقع السينمائية حول العالم    الرباط: معرض نموذجي بصندوق الإيداع والتدبير لخريجي المدرسة العليا للفنون الجميلة بالبيضاء    صلاحي السويدي رئيس منتدى الصحراء للحوار والثقافات يجتمع بالمديرة العامة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات    بعد منع أسماء لزرق من الغناء بتونس.. فنانون مغاربة يطالبون ب"تطبيق المعاملة بالمثل"    مباحثات بين بوريطة ونظيره الكوري تهدف إلى ضخ دينامية جديدة في علاقات التعاون بين البلدين    انطلاق أعمال القمة الدولية لريادة الأعمال ونهائي برنامج الإيسيسكو لتدريب الشباب بمجال التكنولوجيا    مسؤول: نأمل أن يتم تسريع وثيرة دراسات مشروع تّحلية مياه البحر لإنقاذ سقي 10 آلاف هكتار بتارودانت (فيديو)    رغم الجفاف.. ارتفاع صادرات المغرب من الماء    صحيفة اسبانية: المغرب يستورد مزيدا من الأغنام الإسبانية وأسعارها تتراوح ما بين 2200 و4400 درهم حسب العينات (فيديو)    من هو طارق حمان المدير العام الجديد للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب؟    منظمتان تهتمان بتعزيز الحكامة الرقمية    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطلقات يمارسن مهنا هامشية بحثا عن لقمة العيش
نشر في محمدية بريس يوم 29 - 04 - 2010

تعيش العديد من النساء المطلقات، ظروفا صعبة بعد أن تخلى عنهن أزواجهن في أصعب الأوقات، فمنهن من لم تجد مكانا تلجأ إليه بعد حصولها على ورقة الطلاق، إما بسبب وفاة والديها، أونظرا لعدم
تقبل فكرة طلاقها من طرف الأسرة لتلجأ إلى طرق أبواب الاسترزاق من أجل العيش.
عائشة شابة مفعمة بالحيوية والنشاط، لا تكاد الابتسامة تفارق محياها،
كانت فرحة بزواجها من ابن عمها، الذي كان يعاملها معاملة حسنة. عاشت الشهور الأولى من زواجها في سعادة وهناء، تلبي جميع متطلباته دون تردد لأنها كانت تحبه منذ صغرها وتحلم باليوم الذي ستصبح فيه وليفته في القفص الذهبي.
خمسة أشهر بعد زواجهما كانت كافية، لتبدأ الخلافات في النشوب بينهما، حاولت جاهدة في البداية أن تتفادى هذه المشاكل، لكن زوجها كان يبحث عن أبسط الأشياء كي يتشاجر معها. عائشة لم تتمالك أعصابها، انفجرت مقلتاها بالدموع وكست وجهها حمرة داكنة وبكت بكاء الطفل المكلوم من فراق والدته، وهي تتذكر تفاصيل تلك الليلة المشؤومة، بعد أن عاد زوجها إلى المنزل في منتصف الليل «جا سكران وبدا كيغوت بالجهد، وكيكول لي شتي انتي لقيتك مرا ماشي بنت، انتي ماشي بنت داركم»0
لزمت الصمت لبضع دقائق لتسترجع أنفاسها، وهي تمسح دموعها، لم تستطع أن تدافع عن هذه الاتهامات الموجهة إليها، لأنه انهال عليها بالضرب والركل في كل أنحاء جسدها، كشخص «متوحش» ليس بقلبه رحمة ولا شفقة ليطلب منها مغادرة المنزل في ساعة متأخرة من الليل، وأوجزت هذا التصرف القاسي في جملة واحدة «والله ما عقل عليا».
«طلاق ما جاب ليا غير الذل»
لم تجد عائشة حلا أمام هذا الوضع المزري سوى اللجوء إلى بيت الأهل، الذين لم يتقبلوا بالمرة فكرة رجوع ابنتهم إلى المنزل مطلقة، وهي التي لم يمر على زواجها سوى بضعة شهور، والأكثر من هذا أنها متهمة في شرفها. بعد مرور أسبوعين على طلاقها بدأ بعض أفراد العائلة يتدخلون «باش يصالحوهم»، محاولين إقناع الزوج بوجود وثائق طبية تؤكد أن عائشة كانت عذراء، وأن اتهاماته لا أساس لها من الصحة، لكنه رفض الأمر بشدة لأن قراره كان واضحا ولن يتراجع عنه. هذا الموقف جعل والدها ينزل عليها بالضرب والشتم، لأنه بدأ يصدق كلام ابن أخيه وصهره0
تبدو شاردة الذهن شاحبة الملامح وهي تحكي بكلمات مختصرة عن معاناتها بعد حصولها على ورقة الطلاق «دارنا ولاو كيشوفو فيا شوفا ناقصة.. واش بغاوني نمشي نطلبو يرجعني باش هما يرتاحو»0 هذه الكلمات تحمل في طياتها ألما كبيرا لا تستطيع عائشة التخلص منه ولا محو آثاره من ذاكرة أفراد عائلتها، لأنها تحس بأنها ارتكبت خطأ حين قررت أن تتزوج بابن عمها، رغم أن هناك عدة جمعيات حقوقية ونسائية تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة، لكن المجتمع المغربي ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة دونية، كما لو أنها ارتكبت جريمة، عكس الرجل الذي «طلق» فالناس يرون أنه رجل بكل معنى الكلمة لأنه اتخذ قرارا شجاعا «وقدر يطلق مراتو».
لم تجد عائشة مكانا يحتضنها سوى بيت خالتها التي تقطن بأحد الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، التي اشترطت عليها البحث عن عمل، من أجل مساعدتها على مصروف البيت. وبما أنها لا تملك شهادة أو دبلوما يخول لها الحصول على عمل بإحدى المؤسسات، قررت أن تشتغل بإحدى المقاهي الموجودة وسط المدينة، تجلس بالمرحاض يوما بكامله، تنظف وتمد زبناء المقهى بالصابون مقابل الحصول على بعض الدراهم، كان من الصعب على عائشة أن تتقبل الوضع في البداية لكن الظروف كانت أقوى من ذلك «وليت عايشا في طواليط كنشم لخنز.. هاد الطلاق جاب ليا غير الذل».
«لاحني بعد عشرة ثلاثين عام»
بجسم نحيف، ووجه شاحب أخفت التجاعيد ملامحه، وبثياب متسخة تصعد «فاطنة» كل يوم على الساعة التاسعة صباحا، إلى الحافلات التي تمر بشارع محمد الخامس، تردد عبارات «كذوب الحجر»، من أجل كسب عطف الركاب، الذين غالبا ما يتعاطفون معها عند سماع قصتها، لتعود في المساء إلى بيتها الصفيحي بكريان «باشكو» مرهقة، وفي يدها بعض الدراهم، لقد بات التسول هو الحل الوحيد لتوفير لقمة العيش بالنسبة إلى عمرها الذي تجاوز الستين سنة.
لم تستطع «فاطنة» أن تخفي حزنها الذي كان واضحا على ملامح وجهها وعلى نبرة صوتها، بسبب حصولها على ورقة الطلاق، لأنها لم تكن تنتظر بعد «عشرة ثلاثين عاما» أن تطلق وترمى مثل «الكلاب» على حد تعبيرها، والأكثر من هذا أن تحرم من رؤية أبنائها الخمسة بأمر من زوجها، الذي هددهم بأن يحرمهم من إنفاقه عليهم إذا علم بأن أحدا منهم ذهب لرؤية والدته0 فهي لم تستوعب بعد فكرة طلاقها وحرمانها من فلذات كبدها، والذي زاد الأمر سوء هو وفاة والديها منذ سنوات.
أمام هذه الظروف القاسية تقول بصوت مخنوق من كثرة البكاء، «والله ما نسمح ليه، تعذبت أوتمحنت معاه أوفي الأخير لاحني بحال شي كلبة». هذه العبارة في حد ذاتها دليل لكل من استمع إلى قصتها، على أنها تحمل جرحا عميقا لا يمكن للسنين أن تمحوه من ذاكرتها.
«خرجت الطريق باش نعيش»
قصة «نزهة» لا تختلف كثيرا عن حكايات المطلقات، اللواتي وجدن أنفسهن بعد حصولهن على ورقة الطلاق، لا يملكن مكانا يلجأن إليه، لأنهن لم يفكرن أو بالأحرى لم يخطر على بالهن في يوم من الأيام أنهن سيغادرن بيت الزوجية باسم أبغض الحلال.
نزهة التي تبلغ من العمر ثلاثين سنة، أم لطفلين حاولت التغلب على الشجارات اليومية التي غالبا ما تكون بينها وبين والدة زوجها «عدوزتها» لأنها تقطن معها بنفس المنزل «حرات علي لعيشة، كندير ليها لخاطر حتا كنعيا ولكن ما كنصور منها والو»! بعد تكرار هذه المشاكل يوميا، لم يجد الزوج من طريقة لحل هذا المشكل سوى «لفراق»، نزهة تتذكر جيدا الكلمة التي قالها لها زوجها ذاك اليوم «شوفي أبنت الناس أنا وياك ممفاهمينش أو من الأحسن كل واحد يمشي بحالو». لأن هذا الحل سيرضي أمه التي تريد أن تتحكم في كل شيء.
غادرت نزهة بيت زوجها رفقة أطفالها الصغار، بعد أن أصدرت المحكمة قرار الطلاق، وهي تحمل على كتفها مسؤولية تربية الأبناء. ونظرا لكون بيت الوالدين لا يسع الجميع وبالإضافة إلى كون والدها عاطل عن العمل، اضطرت إلى كراء غرفة بحي مولاي رشيد، وصارت تبحث عن عمل يوفر لها لقمة العيش، من «الميناج» بالمؤسسات إلى خدمة البيوت، لتستقر في الأخير بالحانات الليلية تلبي جميع طلبات ورغبات الزبائن الجنسية من أجل الحصول على لقمة العيش لأبنائها الصغار، ولا تمل من ترديد عبارة «كندير هاد الشي باش نعيش ولادي».
« الرجال ما فيهم خير»
«الرجال ما فيهم خير وخا معرت آش ديري ليهم»! بهذه العبارة تنطق «كنزة» البالغة من العمر أربعين سنة، تبدو أكبر من سنها بكثير، نظرا للأشغال التي تقوم بها طول النهار داخل البيوت، «كنصبن أوكنخمل باش نجيب لفلوس، كنخدم عند اللي يسوا واللي ما يسواش».
«كنزة» تحمل بداخلها جرحا عميقا لا تريد التحدث عنه أو بالأحرى لاتريد تذكره، فهي تقوم بهذه المهنة مجبرة وليس بمحض إرادتها، من أجل توفير لقمة العيش لأبنائها.
هذه الأم بعد حصولها على ورقة الطلاق، لأسباب لم ترغب في التحدث عنها، قررت الخروج للبحث عن عمل من أجل توفير لقمة العيش لأبنائها الثلاثة، وبما أنها لا تعرف القيام بأي شيء غير الأشغال المنزلية، قررت الاشتغال داخل البيوت من أجل مساعدة الزوجات العاملات والموظفات على تنظيف منازلهن، وتربية أبنائهن أثناء غيابهن0 فبالرغم من عدم قدرتها على القيام بهذه الأشغال المتعبة وذات الدخل الهزيل نظرا لإصابتها بداء السكري، فهي تقاوم من أجل توفير كل ما يحتاج إليه أبناؤها على حساب صحتها وكرامتها، لأنها امرأة مطلقة «بلا حنين ولا رحيم»
الكاتب كوثر زاكي الاحداث المغربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.