التجمع الوطني للأحرار يصادق على تصوره لمقترح الحكم الذاتي استعداداً لرفعه إلى الملك    ولد الرشيد: تقييم التنمية أضحى اليوم ركيزة استراتيجية لترشيد القرار العمومي    الرباط .. افتتاح الدورة الأولى للمنتدى الإفريقي لبرلمان الطفل    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينظم دورات تكوينية للقاضيات الراغبات في تولي مناصب المسؤولية    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    أمل موكادور لكرة القدم الشاطئية بطلا للمغرب لسنة 2025    مونديال أقل من 17 سنة.. في مواجهة حاسمة المنتخب المغربي يلاقي البرازيل اليوم الجمعة وعينه على حجز مقعد في نصف النهائي    قرعة الملحق الأوروبي لمونديال 2026.. مواجهات نارية في طريق آخر أربعة مقاعد    "الشباب": حمد الله غير مقيد قانونيا    وفاة رضيع وُلد في طرامواي الرباط تُشعل جدل الإهمال الطبي وتُحرّك التحقيقات    توقع فتح بحث قضائي بعد نشر المهداوي فيديو مسرب من مداولات لجنة التأديب بالمجلس الوطني للصحافة    تراجع أسعار الذهب    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة    لفتيت: إصلاحات المنظومة الانتخابية تهدف إلى "تجنب الشبهات" وتحسين صورة البرلمان    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797        المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    المغرب يرأس المجلس الدولي للزيتون لعام 2026    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    30 دولة تعارض مسودة اتفاق "كوب30"    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    بوعياش: تبادل إطلاق النار بحي بوسلامة ينتهي بتوقيف أحد المشتبه فيهم    مراكش: استئناف هدم مساكن العسكريين وقدماء المحاربين... وتعويضات تشمل بقعاً أرضية ومساعدات للبناء    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    مهرجان الذاكرة المشتركة بالناظور يتوج أفلاما من المغرب وبولندا وأوروبا الغربية    توقيف "مولينكس" ونقله إلى طنجة للتحقيق في ملف مرتبط بمحتوى رقمي مثير للجدل    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    أشبال الأطلس ضد البرازيل: معركة حاسمة نحو نصف النهائي    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة سوسيوثقافية لثمان نسوة في الثامن من مارس
نشر في أون مغاربية يوم 27 - 03 - 2014

"المناصفة" هي من ضمن جملة القضايا والمشاكل التي تثار عادة عندما تناقش قضايا المرأة. ولا أحد يجادل في أن مقاربة هذه القضايا لها مداخل متعددة، وينبغي أن تكون هذه المداخل، توخيا لمقاربة شمولية ونسقية. فهناك المدخل القانوني الذي يعنى بالإطار القانوني وبالمواد والبنود التي تحمي وتصون الحقوق، ولا أحد ينكر أهمية هذا المدخل . وهناك المدخل السياسي الذي يعكس الإرادة السياسية للمجتمع بمختلف أطيافه من أجل السعي لتطوير وتحسين وضعية المرأة.
المدخلان معا لهما أهمية لا أحد يجادل في قيمتها، لكن هناك في اعتقادي مدخل يؤطر المدخلين معا ويقضي بنجاح، أو فشل مآلهما وهو المدخل السوسيو ثقافي بمختلف تعقيداته وتشعباته، ولعلنا اليوم في حاجة إلى الاشتغال على هذا المدخل، لأنه هو الكفيل بتغيير العقليات وبتغيير المواقف حتى تنسجم وطموح المجهود السياسي والمجهود المبذول من قبل القانوني.
في إطار هذا المدخل السوسيو ثقافي ارتأيت أن أعرض أفكاري، لكن بطريقة اجتهدت في أن أجعلها خارجة عن المألوف، حيث سأعرض جملة من القضايا بطريقة غير مباشرة وفي قالب سردي أرمي من ورائه تحقيق الاستمتاع بالسرد وتوضيح الحالة الشبهية بالفصام (شيكيزفريني) والتي تسم نظرتنا الثقافية المجتمعية للمرأة وقضاياها.و هنا سأعرض ثماني حالات مختلفة لنسوة مفترضات تختلف حالتهم في الظاهر لكنها تتقاطع في كثير من الأمور تاركة لذكاء المستمع فرصة استخلاصها.
"حالة إيطو"
إيطو عجوز في عقدها السادس، تستيقظ كدأبها باكرا وتذهب رأسا إلى الخباز، توقده بالقليل من الحطب الموجود إلى جانبه، أعدت ما ألفت إعداده من الوجبات البئيسة كحياتها، قبل أن تأخذ سطلا وجرة، وتنحدر عبر منعرجات حادة إلى قدم الجبل، حيث عين الماء الوحيدة والشحيحة. وبعد لأي، تملأ السطل والجرة بالماء الذي تغير لونه، تضع السطل على رأسها وتتأبط الجرة، وتتسلق الجبل قافلة كالسحلية، لا تكثرت للصخور الزلقة، ولا للاتواءات، وكأن بقدميها مجسات شديدة الحساسية، تضبط بالمليمتر موطأ القدم.
إيطو لا تعرف تاريخ هذا اليوم، بل لا تعرف تاريخ ميلادها، ولم يقع في روعها يوما أن هناك يوما تحتفل به النسوة – ما عدا يوم عاشوراء – ولا تعرف عدد الأيام ولا السنين، فكل الأيام تتشابه لديها، وكل السنوات. ولا تعرف من الشهور إلا رمضان وشعبان، ومن الأعياد العيدين : الصغير والكبير، ماعدا ذلك، فكل أيام الله واحدة، وحتى يوم السوق الأسبوعي فهو من اختصاص الزوج. إيطو، بعد العودة إلى المنزل، تسرح عنزاتها الهزيلات، وتأخذ الحبل متجهة نحو الأحراش، ولن تعود إلا وظهرها ينوء بثقل ما تحمل.
"حالة نعيمة"
نعيمة طفلة في ربيعها الحادي عشر، في هذا اليوم نهضت من فراشها مبكرا، وهو عبارة عن قطعة من الإسفنج البالية، التي كانت تفترشها في زاوية من زوايا المطبخ، نهضت كعادتها يختلج في صدرها مزيج غريب من الرعب والهلع مخافة أن يستيقظ قبلها أحد من ساكنة البيت، خاصة صاحبة البيت، فنعيمة ينبغي أن تكون آخر من ينام وأول من يستيقظ، هذا ما سنته صاحبة البيت.
طوت بسرعة قطعة الاسفنج والبطانية الرقيقة المتقادمة، وبدأت تعد وجبة الإفطار وهي تمشي على أطراف أصابعها حتى لا توقظ النيام. بعد ساعة ونصف تقريبا، دلفت صاحبة البيت إلى المطبخ مزمجرة بدون سبب واضح، مؤنبة : " استغرقت في النوم مرة أخرى، واستهوتك لذة الأحلام". لم تجبها نعيمة، فهي لا تجرؤ على ذلك، قصارى ما تفعله تطأطأ رأسها وتستمتع تجنبا لما لا تحمد عقباه.
انتهت ربة البيت والزوج والأولاد من وجبة الإفطار، ولبت نعيمة لكل واحد منهم حاجاته، فهذا يريدها أن تحضر له رزقه، وذاك تساعده في أن يلبس ثيابه، والآخر أن تلمع حذاءه، وتلك في أن تبحث لها عن المشط الذي تسرح به شعرها، غيرها من الطلبات التي لا تكاد تنتهي ... حينها أمرت ربة البيت نعيمة بأن تتناول إفطارها مما فضل، وأن تغسل الأواني قبل أن ترافق منال الابنة التي تكبر نعيمة بسنتين إلى المدرسة، وتحمل لها المحفظة، فالأم ممتعضة من ثقل المحفظة في زماننا، وتخشى على فلذة كبدها أن يتقوس عمودها الفقري، ولذلك فهي توصي نعيمة بالمحفظة خيرا. وبما أن المناسبة شرط، قررت ربة البيت أن تبعث قنينة عطر ووردة لأستاذة منال، فهي تدرك جيدا أهمية هذه الذكرى .
أعطت الوردة لمنال، وسلمت قنينة العطر ملفوفة بإحكام إلى نعيمة، وحذرها أن تسقط من يدها، لأن ذلك إن حدث سيخصم ثمن القنينة من أجرها لشهرين، فالأجر الشهري الواحد لنعيمة يقل بكثير عن ثمن القنينة، وأوصتها أن تسرع الخطى في طريق العودة لأن هناك عملا كثيرا ينتظرها.
"حالة فاطنة"
حال فاطنة كحال أخريات كثيرات، فالثامن من مارس يوم كباقي الأيام، يوم آخر من التعب والإرهاق، فهي عاملة في مزرعة مستثمر إسباني، تخرج باكرا من الدوار، والصبح لم يبتسم بعد، لتقف منظرة على الرصيف شاحنة تشحنها إلى جانب نسوة من مختلف الأعمار كما تشحن الخراف أو الأبقار صوب المزرعة.
فاطنة لا زالت في بداية عقدها الثالث، أرملة، توفى زوجها الهاشمي إثر حادث، وتركها قبل أن يرزق منها بأي ولد. عندما هلك الهاشمي ترك قطعة أرضية كانا يعيشان منها. لكن ربما أن فاطنة لم تنجب، كان حظها الربع مما ترك، والكثير من المشاكل مع الورثة، رغم أن الأرض لم يرثها الهاشمي، بل اشتراها من كده وصبر زوجته وحرمانها وحسن تدبيرها، ومع ذلك فوضت أمرها لله، وشمرت على الساعد متحملة – على مضض – ضنك العيش، وتحرش العمال، وقساوة العمل، بلا أمل يلوح في الأفق...
"حالة أمينة"
أمينة، امرأة مطلقة، تزوجت قبل عشر سنوات بشاب لم تكن تعرفه من قبل، جريا على العادة، اتفق الأهل فيما بينهم وزفوها إليه، في ليلة من ليالي غشت الحارة، كانت شابة جميلة ممشوقة القذ والقوام، لم تنل حظها من التعليم، إذ توقفت أو تم إجبارها على التوقف وهي في المرحلة الابتدائية. وكان الزوج موظفا في جماعة، حاد المزاج، مدمن قمار وخمر، عنيفا سلوكا وتصرفات خاصة مع أمينة، احتملت أمينة أربع سنوات قبل أن يطلقها، بعد أن أنجبت بنتا هي الآن في سنتها الثامنة.
بعد الطلاق طافت كثيرا في ردهات المحاكم وأروقتها قبل أن يفرج لها عن دريهمات قليلة نفقة لها ولابنتها. طبعا لم تكن تلك الدريهمات كافية لتلبية الحد الأدنى للمعيشة. قررت أمينة أن تخرج للبحث عن عمل شريف، لكنها صدمت عندما اكتشفت أن نظرات الناس إلى المطلقة لا تخرج عن حدين : فهي إما زانية بالفعل أو زانية بالقوة. فمهما حاولت أن تتفادى هذه النظرة المسكوكة في الأذهان لم تفلح، وهما حاولت أن تقنع نفسها لا تعرف بأن الحرة تجوع ولا تأكل بثديها لم توفق.
بدورها أمينة لا تعرف أن اليوم هو الثامن من مارس، ولا يعنيها هذا اليوم في شيء، فهي لا تستيقظ إلا بعد الزوال، وعندما تستيقظ متثاقلة من فرط السهر والخمر، تحاول أن تكون متزنة أمام ابنتها وأن تلبي لها بعض الحاجات الضرورية قبل أن تتجمل وتتزين وتضع على وجهها غير قليل من المساحيق استعدادا لسهرة قادمة وزبائن جدد لا تعرفهم، ولا يهمها ذلك لأن الأهم هو أن تدبر بعض المال قبل أن يذبل ما تبقى عندها من جمال.
"حالة سعيدة"
سعيدة المعلمة، تشتغل في فرعية من فرعيات مغربنا العميق، سعيدة، لكن ليس بينها وبين السعادة إلا الخير والإحسان، وكثير من السنوات الضوئية، متزوجة، وزوجها أيضا معلم يشتغل بدوره في فرعية تبعد عن سعيدة بأزيد من ثلاثمائة كيلومتر، وكان دائما يقول لها مازحا : نحن كالخطين المتوازيين لا يلتقيان إلا بإذن الله. فبعد سنوات من البطالة والنضال والاعتصام وتلقي ما تيسر من الركل والرفس، وجد أنفسيهما في مركز لتكوين المعلمين، فرحا كثيرا، توجا هذا الفرح بزواج، لكن الفرحة لم تكتمل، فالتعيين أبعدهما وجعل العطل المدرسية هي نقطة الضوء الوحيدة والرحيمة بهما والتي تمكنهما من اللقاء.
سعيدة في هذا اليوم الثامن من مارس لها حصة صباحية، استقبلت تلميذات وتلاميذ القرية داخل القسم المشترك، ذلك القسم الذي خصت جانبا منه لأمتعتها وفراش نومها، مهد صغيرتها التي لم تتجاوز السنتين، حملتها صغيرتها بعد أن أحكمت ربطها بقماط، ومرة ومرة، تستعيد بعض الذكريات خصوصا عندما كانت تلميذة، ويتم الاحتفال بهذه المناسبة، وكم من الندوات وكم من برامج إذاعية وتلفزيونية، وكم وكم... قبل أن يقطع صراخ طفلتها الصغيرة شريط هذه الذكريات وضجيج التلميذات والتلاميذ، ورائحة حريق وجبة الغذاء التي كانت تعدها في زواية من زوايا القسم ...
"حالة محجوبة"
صادفت زيارة محجوبة لابنها البكر أحمد الثامن م مارس،بعد أن انقضت سنة تقريبا على زواجه من موظفة زميلة له العمل استيقظت محجوبة صباح ذلك اليوم على إثر حركات منبعثة من المطبخ، وقعقعات لبعض الأواني، سرها ذلك كثيرا، قالت في قرارة نفسها : لإنها الزوجة التي تليق بابنها، الزوجة التي تستيقظ باكرا وتذهب إلى المطبخ قبل أن يستيقظ الزوج، حتى تعد له طعام الإفطار، بل وتهيء وجبة الغذاء، خصوصا أنها امرأة موظفة، لقد أخلفت ظنها، فهي كانت تنظر دائما إلى الموظفات نظرة شزراء. فالموظفات في نظرها خاملات لا يفقهن أي شيء سوى العناية بمظهرهن، بل كانت المحجوبة تريد لابنها زوجة غير موظفة، حتى تسهر على راحته وتربية أبناءه المحتملين، لكنها لم تستطع شيئا أمام عناد الابن وإصراره على الزواج بموظفة.
علت قعقعات الأواني في المطبخ، ورأت محجوبة أن تذهب إلى المطبخ وتنبه الزوجة لا تؤدي تحركاته إلى إيقاظ انها أحمد، خاصة أن اليوم هو يوم عطلة أسبوعية "يوم السبت". ترددت بعض الشيء، لكنها قررت أن تتدخل فهي صاحبة خبرة وتجربة، وتهمها راحة ابنها.
دخلت المطبخ لتفاجأ بوجود أحمد، الذي كان منهمكا في إعداد وجبة الفطور، منهمكا في التأنق في إخراج هذه الوجبة. فهو يريد أن يحتفل بالزوجة في عيدها الأممي. لكن محجوبة أذهلها المر، وبقيت متسمرة في مكانها، لا تستطيع تفسير ما ترى. ابتسم أحمد في وجهها قبل أن يلحظ ارتباكها ودهشتها، وقبل أن تنبس ببنت شفة قال أخمد : " ها أنا قد أنهيت إعداد وجبة الإفطار وسأذهب لإيقاظ سعاد، حتى نتناول الإفطار جميعا. هرع نحو غرفة زوجته متحاشيا نظرات والته، وفق في إيقاظها مهنئا إياها بعيد المرأة، فرحت الزوجة وأسعدها ما أعد والتهنئة.
بعد أن جلس الجميع إلى طاولة الإفطار، وإمعانا في الاحتفال بهذا اليوم، أخبر زوجته أنه يدعوها وأمه لتناول وجبة الغذاء في أحد مطاعم المدينة. وقتها امتقع لون محجوبة وغمغمت بكلمات لم يفهم منها أحمد شيئا سوى أنها قد نوت الصيام هدا اليوم. وبدأ يدور في خلدها أن ابنها تعرض ولاشك لعمل سحري أنساه دوره ورجولته، وربما ناولته الزوجة "لسان الحمار" أو "مخ الضبع" ...
"قصة المناصفة بين عائشة عاملة النظافة ونجلاء الفاعلة الجمعوية"
عائشة عاملة نظافة في عقذها الرابع، عاملة نظافة، أم لأربعة أبناء، ثلاث بنات وولد، زوجها عاطل عن العمل بعد أن أغلق المعمل الذي كان يشتغل فيه أبوبه لأسباب غير معروفة، وأيضا البنتان الكبيرتان عاطلتان عن العمل بعد أن نالتا حظا من التعليم، كافحت الأم والأم لما كان أجيرا من أجل تعليمها ... لا يزال الابن الصغير والبنت الصغرى يواصلان دراستهما بالتعليم الإعدادي ... وعائشة هي المعيلة الوحيدة لهذه الأسرة. مع ذلك تعتبر نفسها محظوظة... محظوظة لأن الاسم الذي كان ينعت به عامل النظافة إلى وقت قريب كان هو "الزبال" فلو استمر هذا الاسم لناداها الناس "الزبالة" وهذا لبس دلالي مقزز، جنبتها الألطاف الإلهية منه. ومحظوظة أيضا لأنها اهتبلت الفرصة المتاحة للعمل ضمن عمال النظافة، وانتهزت الفرصة بعد أن رفض الرجال العمل بالأجر الهزيل الذي حددته الجماعة، واستغلت الفرصة هي وغيرها من النساء بجديتهم وصبرهن وقناعتهن...
عائشة، عاملة النظافة، خرجت هذا اليوم الثامن من مارس تحت جنح الظلام، لتنظيف شوارع المدينة مما راكمه الناس من أزبال، رغم أنها لم تنم باكرا، لأن ابنتها البكر العاطلة، لم تكف الليلة عن الحديث عن الوضع المزري الذي تعيشه، وتعيشه العائلة، وتعيشه المرأة على وجه الخصوص، وتحدثت كثيرا عن المضايقات والتعنيف الذي تتعرض له داخل جمعية المعطلين والمعطلات، صاحبات وأصحاب الشواهد، تحدتث عن أشياء كثيرة باحتجاج وسخط شديدين. وهي منشغلة بكنس الشارع المقابل لقصر البلدية، كانت تفكر في ما كانت تقوله ابنتها، ولسبب غير مفهوم علق في ذهنها لفظ المناصفة، ولم تتبين معناه جيدا، تناسلت لديها جملة أسئلة : هل المناصفة هي اقتسام الثورة ؟ فلا ثورة لديها، وثروة زوجها هي الفقر المدقع وحزمة أمراض مزمنة ... هل هي المناصفة في النهوض بأعمال البيت، فهي التي تدبر كل شيء، وهل هي المناصفة في العمل خارج البيت، فهي تعمل من الغسق إلى مغرب الشمس في الأفق ...
لعل المناصفة هي اقتسام ثروة البلد، واقتسام الخيرات، واقتسام فرص الشغل، وفي الاقتسام العادل للبنيات وظروف الحياة الملائمة وفي ... وفي ...
وبينما هي على هذه الحال، نبهها منبه شاحنة عامل النظافة المكلف بالإشراف على العاملات أن تسرع في التنظيف، لعله أدرك شرودها.
أما نجلاء، الناشطة الجمعوية، فلها أكثر من قبعة واحدة، عضو في كثير من جمعيات المجتمع المدني، من حماية القطط إلى الدفاع عن حقوق الناس، مرورا بالبيئة وغيرها من الجمعيات. لا يتسرب إليها الملل، قلما تلوم البيت رغم أنها متزوجة وأم لطفلين. والنسوة يغبطنها على ذلك، فهي تتواجد في كل الأنشطة، وفي كل الأمكنة.
امرأة في عقدها الرابع، ثامن مارس بالنسبة إليها يوم خاص فهناك أنشطة كثيرة وبرنامج عمل كثيف، من بين هذه الأنشطة ندوة ستعقد حول موضوع المناصفة. انشغلت بهذا الموضوع وهي أمام المرآة في هذا الصباح تضبط هيئتها وهندامها، وتستغرق غير قليل من الوقت في ذلك، راودتها فكرة وهي تضع أحمر الشفاه : لماذا لا يعتني الزوج بالدرجة نفسها بهيئته ؟ ويقضي ذات الوقت أمام المرآة؟ لماذا لا يتجمل ويظهر بمظهر حسن ؟ أليس من حق النسوة على أزواجهن ذلك ؟ ثم تساءلت : لما يخرج إلى الشارع ويظهر بمظهر المتأنق أمام الناس، ويراه الرجال والنسوة والفتيات، توقفت لحظة عن التفكير ... ربما قد يقودها هذا الحبل إلى ما لا ترغب فيه، فقطعته، واستبعدت الفكرة تماما من ذهنها. تناولت بسرعة وجبة الإقطار، وتركت لعاملة البيت – هكذا تحبذ تسميتها – نكاية في أولئك الذين يسمونها خادمة – جملة من التعليمات. استقلت سيارتها وهي تفكر في المناصفة، مناصفة الكراسي، كم كرسي ستحصل عليه النسوة في المجتمع، لو تحققت المناصفة ؟ مائة، مائتان، أربع مائة على أكبر تقدير، ماذا يحصل بعد ذلك، وما آثار ذلك على المجتمع ؟ أهما أفضل للجميع، المناصفة في اقتسام الثروة، أو المناصفة في اقتسام الكراسي؟ أو هما معا ؟
وإلى الثامن من مارس القادم، وحكايات أخرى، وكل ثامن من مارس والنسوة بألف خير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.