ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    المغربي الزلزولي يصدم برشلونة    بنموسي يراهن على القراءة لمواجهة تدني التعلمات    الجيش الإسباني يدرب الحرس المدني على "الدرونات" قرب الناظور    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    بطولة العرب لكرة اليد.. الجزائر تنسحب أمام المغرب بسبب خريطة المملكة    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    منتخب الهوند الجزائري ما جاش لدونور يلعب مع المغرب بسبب خريطة المملكة وخوفو من الكابرانات    خريطة المغرب تزعج الجزائر بالبيضاء    أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي يكثف هجماته في مختلف أنحاء القطاع    الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن "تمجيد الإرهاب" إثر بيان حول حماس    الانتخابات الجزئية بفاس... "البيجيدي" يشتكي من "ممارسات فاسدة" و"طغيان المال الحرام"    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير فلسطيني : المغرب تحت قيادة جلالة الملك من الدول العربية والإسلامية الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. المدرب الإسباني أوناي إيمري يجدد عقده مع أستون فيلا حتى 2027    وزير : تقنيات الجينوم الجديدة أداة رئيسية للتكيف مع التغيرات المناخية    آيت الطالب: الحوار الاجتماعي في القطاع الصحي حقق العديد من مطالب النقابات    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وهبي لوزيرة العدل ديال الساو تومي فاجتماع دولي: تكلمي السيدة الوزيرة أنت كإمراة عندك الحق تتكلمي عشرين مرة    وزير خارجية سيراليون : العلاقات مع المغرب بلغت "مستوى غير مسبوق"    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    التعليم رجع كيغلي فوق صفيح ساخن. ملف الأساتذة الموقفين غادي بالقطاع لأزمة جديدة وسط رفض نقابي لتوقيع عقوبات ضدهم    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    الأقمصة الرياضية التي أرعبت السلطات الجزائرية!    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)    سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يومياتي عندما كنت خادمة
نشر في هسبريس يوم 21 - 03 - 2007

أن أتحول من صحافية إلى خادمة، أنقل أحاسيسها ومعاناتها وحتى أقوم بنفس أعمالها مغامرة صحافية كنت أعتبرها دائما خطوة على طريق صحافة حقيقية، صحافة ترفض الجلوس على المكاتب وتحرير مقالات عبر الهاتف.
قررت أن أندس تحت جلد خادمة في مغامرة صحافية جديدة لكنني صدمت بوجود أشخاص يتباهون باستعباد أناس آخرين أضعف منهم، إنهم يستحقون فعلا أن أن نشك في إنسانيتهم... ألا آكل غير بقايا المائدة وأن أطعم طفلة في حين أحشائي تتقطع من الجوع.. أن أنحني على قدم ولد أطول مني لأعقد له خيط الحذاء وأن أسمح لأصغرهم بشدي من شعري وعضي وشتمي في أحسن الحالات... أن أكون أول من يستفيق وآخر من ينام.. أن تقرضني "لا لاّ" لصديقتها كي أغسل صحون الجيران.. ألا يكون لدي الحق في الفوط الصحية.. أن تحرمني من الموسيقى.. كلها أشياء عشتها خلال مغامرتي الصحفية وخلّفت ندوبا إنسانية عميقة لدي. فأن تكتب عن أشياء تعتبرها مخجلة، جارحة وغاية في الإهانة هو بالتأكيد مخالف لذاك الإحساس الذي يستولي عليك وأنت تتلقى صفعة على خدك لمجرد كسر فنجان أو طبق، أن لا ترى في النظرات المصوبة إليك غير الاحتقار والاستصغار وألا تكون إنسانا هو بالتأكيد شيء يصعب نقله بالكلمات. فطوال الأسبوع الذي قضيته لدى تلك العائلة استحضرتُ علاقتي السابقة بخادمات كنت ألتقيهن عند العائلة والأصدقاء وبعضهن ممن عملن بمنزل أسرتي..
استعدتُ شريط معاملتي لهن وكم أحسست بالغبن لأنني كنت أتعامل معهم من قبل ككثيرين غيري من منطلق أنهن مرادفات لآلة لا تتوقف، مُهمتهنّ القيام بالأعمال التي لا نستسيغها ومُهمتهنّ أيضا ترديد كلمة "واخّة" من دون أن يكون لهن الحق في الاستماع للموسيقى ومشاهدة التلفزيون وإشباع الجوع والذهاب إلى الحمام وتنظيف الأسنان واستعمال الفوط الصحية... بل حتى لائحة الاتهامات التي تلصق بهن دائما جاهزة: سارقات، مخادعات، كاذبات تخطفن الأزواج، تسحرن بل وتتسببن في انهيار العائلات.... إن الألم والصدمة والندوب الداخلية التي خلفتها هذه المغامرة ستدفعني بالتأكيد إلى التفكير أكثر من مرة قبل أن أنادي إحداهن "خدامة" في المستقبل. ""
البداية طبعا عند السمسار!
- "آشنو سميتك؟"
*فدوى
-"شحال فعمرك؟"
*21 عام -"منين نتي؟"
*الرحامنة جهة وزان.
-"عمرك خدمتي عند شي عائلة؟"
*آه، واحدة نصرانية خدمت عندها 5 سنين.
-"شحال كانت كتخلصك؟"
*900 درهم كان يأخذها والدي.
-"واخا احنا كنعطيوا غير 400 درهم للشهر ارجعي من بعد سيمانة".
بعد أسبوع رجعت عند السمسار بائع المواد الغذائية بحي البويبات يعقوب المنصور بالرباط. أخبرني بأن هناك ثلاث عائلات تبحث عن خادمة صغيرة وبأنني كنت أكبر من أن يقبلوا بتشغيلي رجوته وأخبرته بأنني شبه مشردة وبأن الناس الذين يؤوونني هم أقاربي وأنهم لم يعودوا يقبلون ببقائي لديهم في المنزل. أخبرني بوجود عائلة تبحث عن خادمة "نقية" بحالي ولكنها مسافرة الآن وطلب مني العودة بعد ثلاثة أيام. في اليوم المحدد زرته وكان بدكانه وأول ما رآني نهض من خلف الكرسي ونهرني بأنني "صدعته" ثم توجه إلى الهاتف العمومي وطلب مني درهمين ليكلم العائلة التي تبحث عن خادمة. بعد برهة عاد وأخبرني بأنه علي أن أبقى معه حتى تحضر صاحبة البيت لتأخذني.
جلستُ من الحادية عشرة على كرسي بباب الدكان حتى الواحدة والنصف. حضرت سيدة أنيقة تلبس جلبابا أسود وتضع نظارات سوداء. تقود سيارتها "الباليو" بهدوء كبير. مدّت 50 درهما لصاحب الدكان وشكرته ثم وضعتني وكيس ملابسي على المقعد الخلفي وساقت سيارتها عبر شوارع الرباط. كانت تحترم إشارات المرور قبل أن تتوقف بموقف للسيارات يتفرع عن شارع المغرب العربي وتطلب مني النزول. طلبتْ مني السيدة أن أتبعها إلى عمارة بلون شاحب، لم أنتبه في البداية للوحة المثبتة نهاية الزقاق التي كانت تحمل عبارة "شارع نيجيريا" بسبب ارتباكي وخوفي. فتحتْ السيدة باب شقة أرضية وطلبت مني الدخول أولا. أحنيت رأسي ولم أتطلع إلى أفراد أسرتها الذين كانوا متحلقين أمام التلفزيون في قاعة الجلوس ولكني سمعت فتاة تسأل أخاها : هذه هي الخدامة الجديدة؟ لم أسمع الجواب لأن السيدة طلبت مني أن أتبعها إلى داخل الحمام. في بيت لالاّ! أول ما أقفلت الباب خلفها قرّبت رأسي من وجهها وبدأت تعبث بخصلات شعري. كانت تفتش برأسي عن قمل أو صئبان وعندما لم تجد أثرهما سألتني:
* مافيكش القمل؟
- لا خالتي. أجبت بارتباك.
* أنا ماشي خالتك قولي لي لالاّ.
ثم طلبت مني أن أنزع ملابسي. فتشت بجسدي عن آثار أمراض جلدية أو علامات معينة وعندما لم تجد شيئا سألتني إن كنت عذراء وإن سبق لي أن تعرفت على شخص ما.. قلّبت أصابعي ولما لم تجد أظافر قالت "نقية بعدة" ثم رفعت سبابتها في وجهي وحذرتني من سرقة عطورها أو ذهبها أو الأكل من الثلاجة من دون إذنها قبل أن تخبرني بأنها ستكون طيبة معي طالما أنا مطيعة وأعمل بجد ثم قادتني إلى المطبخ وأخبرتني بأنني سأبيت هناك ودلتني على الشرفة التي تتفرع عن المطبخ حيث يوجد الفراش (قطعة من الإسفنج) وغطاء رث وأخبرتني بأنني سأستعملهما ليلا وعلي الاحتفاظ بهما بالشرفة نهارا ثم قادتني في جولة بالبيت. كيف يجب علي أن أرتب وأنظف كل غرفة على حدة وعند نهاية حديثها استدارت نحوي وقالت: "تبدين نبيهة وتفهمين بسرعة، ليس لدي فيلا أو قصر وليس هناك شغل كثير ولكن خذي بالك من الأطفال فهم كل شيء هنا".
الإثنين: التنازل عن وجبة الإفطار!
استيقظتُ عند السادسة صباحا. طويتُ المفرش في المطبخ حيث قضيت ليلتي ووضعته مع الغطاء في الشرفة. بدأتُ في إعداد وجبة الفطور.
أوصتني لالاّ بأن أبدأ أولا بتحضير القهوة والحليب ووضعهما على النار و تصفيف الأكواب والصحون بطريقة معينة. وضعتُ الصينية في غرفة الجلوس وعدت إلى المطبخ لتنظيفه وتجفيفه وقبل السابعة نزلت من العمارة وتوجهتُ إلى صاحب "المحلبة" المجاورة للعمارة. اشتريت ثلاث كوميرات "خبز باريسي" وخبزة شعير للالاّ التي تتبع ريجيما يمنعها من أكل الخبز العادي، 50 غراما زبدة، قطعة جبن للطفلة الصغيرة ثم عدتُ إلى البيت، وجدت لالاّ في غرفة الجلوس عنفتني لأن الصينية غير موضوعة بشكل لائق وطلبت مني الإسراع في جلب الخبز والزبدة والذهاب إلى "مها" الطفلة الصغيرة. دخلتُ غرفة الطفلتين غزلان 12 سنة تدرس بمستوى السابعة أساسي ومها 3 سنوات مازالت تذهب إلى الحضانة. حاولتُ أن أوقظهما معا رغم أن لالاّ حذرتني من أن مها هي الأصعب دائما عند الاستيقاظ لأنها ترفض ترك الفراش إلا باكية. حاولتُ تهدئتها وأخذتها إلى الحمام وكلما صببت الماء على شعرها صرخت. حضرت لالاّ إلى الحمام وصرخت في وجهي "مالكي مع بنتي؟" رددت بصوت مرتجف: "حتى شي ألالاّ ما بغاتش تغسل" وعنفتني "هكذا نغسل للأطفال الصغار؟ آه يديك كيالبانس بشوية عليها". تركت لالاّ الحمام بعد أن هددت ابنتها بالصفع إن لم تتوقف عن البكاء. أنهيت حمام مها وعدت لأوقظ غزلان. ساعدتها على "حك" أسنانها وغسل وجهها وارتداء ملابسها. مشطت شعرها قبل أن تذهب إلى قاعة الجلوس للإفطار. ناداني خالد 18 سنة من غرفته كي أبحث له عن جواربه، أخبرته بأنها في درج خزانة ملابسه فطلب مني أن أحضر بنفسي للبحث عنها وكذلك فعلتْ. ساعدتُ يونس 14 سنة على ربط شريط حذائه الرياضي قبل أن يلتحقا كذلك بقلعة الجلوس للإفطار. صادفتُ "عزيزي" صاحب البيت وهو ذاهب للقاعة غمغمت صباح الخير وقصدتُ غرفة مها وغزلان وبدأت في تنظيفها قبل أن تناديني لالاّ لأجلب لها كأسا لتبرّد فيه الحليب أو ملعقة أخرى لتحرّك القهوة لزوجها بقيت أتنقل بين المطبخ والقاعة حتى أكملوا جميعا وجبة الفطور... الثامنة إلا عشرين دقيقة غادر خالد ويونس وغزلان. خالد إلى الثانوية لاجتياز امتحانات البكالوريا فهذه سنته الأخيرة بعدما كرّر سنتين في السنة الرابعة إعدادي، يونس يذهب إلى مدرسة خاصة لدراسة اللغة الإنجليزية وغزلان إلى مدرستها الخاصة للمراجعة فهي على أبواب امتحانات السنة سابعة أساسي أما مها فتأخذها لالاّ إلى روض قريب و"عزيزي" يتوجه إلى العمل بسيارة الباليو. قبل مغادرة لالاّ نادتني إلى المطبخ وأعطتني تعليمات بخصوص السلطة التي يجب أن أحضرها للغذاء والخضراوات التي يجب أن أقشرها وطلبت مني أن أفطر فصبت لي القليل من زيت الزيتون في صحن صغير وقالت "أنت جبلية معتادة على تناول الزيت". بعد مغادرتها قصدت غرفة الجلوس لأفطر. نظرتُ إلى ُكأس القهوة السوداء من دون حليب البارد وصحن زيت الزيتون مطوّلا قبل أن أقرر التنازل عن وجبة الفطور لأنني لا أشرب القهوة السوداء. بدأت مباشرة في عملية التنظيف فأنا أريد أصحاب البيت أن يرضوا عني لإكمال مهمتي. رتبت غرفة خالد ويونس وجمعت الملابس المتسخة والمرمية على الأرض، وضعتها في سلة الحمام.. قصدت غرفة لالاّ وعزيزي ورتبت السرير وجمعتُ الفوطة المبللة التي تم استعمالها ليلا! ثم رتبتُ غرفة الجلوس وبعدها المطبخ أحسست بحبات العرق الباردة تتسلل عبر ظهري قبل الانتهاء من غسل الأواني واستغربتُ كيف تسمح سيدة البيت لأطفالها بمغادرة غرفهم دون ترتيب حتى السرير الذي ناموا فيه واستغربت أكثر كيف تركت الفوطة التي استعملتها في علاقتها الحميمية مع زوجها على الأرض متوقعة مني أن أجمعها وراءها!!!!.
الثلاثاء: حتى لا أدفع فاتورة الكهرباء!
انتهيت من تنظيف أواني وجبة الفطور، شغلت المذياع واستمتعتُ بالنصائح الصباحية التي تلقيها سعيدة وسناء أو خديجة عبر إذاعة ميدي1 وتحولت أصواتهن إلى تسليتي الوحيدة داخل بيت لالاّ طوال الأيام التي اشتغلتها هناك... أخرجتُ الخس من الثلاجة وباقي الخضر التي أوصتني لالاّ بتنظيفها. حضّرتُ السلطة ثم رتبت الأواني في أماكنها. الحادية عشرة والنصف تقريبا دخلت لالاّ إلى البيت، سارعت إلى إطفاء جهاز المذياع وصرخت بوجهي "واش حماقيتي؟ علاش شاعلة السجالة واش كتخلصي معايا الفاكتورة ديال الضو وشنو كاع غادي تديري بالاخبار ألالاّ؟" أحنيت رأسي بصمت ولم أعرف بماذا أرد. طلبت مني أن أحضر مها من الروض. نفذت طلبها بسرعة وأحضرتُ مها إلى البيت وأدخلتها إلى غرفتها. غيرتُ ملابسها وتركتُها تلعب بقاعة الجلوس. دخلتُ المطبخ مع لالاّ، كانت تطلب مني أن أمد لها الملاعق والسكاكين والبهارات ... فهي لا تتحرك من مكانها، تطلب مني أن أمد كل شيء حتى لو كان موضوعا أمامها. وضعت اللحم والخضر داخل الطنجرة ثم وضعتها على النار وطلبت مني أن أطفئ النار بعد 40 دقيقة ثم أعطتني بعض التعليمات الخاصة بالطبخ، وعندما اكتشفت بأنني لا أجيد الطبخ انفعلت وسبتني "وماذا كنت تفعلين في الجبل؟". ذهبت إلى قاعة الجلوس لتتفرج على مسلسل مكسيكي بالقناة الثانية وطلبت مني أن أعطي كأس حليب لمها. ذهبت عند مها ووجدتها قد بعثرت المكان ورفعت الغطاء عن الطاولة ومزقت الورود البلاستيكية التي كانت موضوعة هناك. عاودتُ ترتيب المكان بسرعة وأحضرت دميتها الشقراء المفضلة التي تسميها "نانا"، أعطيتها كأس الحليب لكنها رفضته وسكبت نصفه على ثيابها. عنفتني لالاّ وضربتني برجلها من الخلف وطلبت مني أن أغير لمها ملابسها. عقدت المفاجأة لساني بقيت مسمرة مكاني قبل أن تنهرني من جديد. فعلت كما طلبت مني وعُدت إلى المطبخ لأراقب مستوى الماء في الطنجرة وأطفئ النار. عند الواحدة اجتمعت الأسرة أمام التلفاز، وضعت المائدة وبدأتُ التنقل بين المطبخ وغرفة الطعام أكثر من مرة: أحضرت منشفة لأن يونس أسقط كأس مشروبه الغازي وأحضرت سكينا لتقطع لالاّ اللحم الساخن و كل شيء خطر على بالهم جميعا. في وسط الوجبة نادتني لالاّ وطلبت مني أن أطعم مها لأنها لا تأكل جيدا. استسلمت للأوامر وكان صوت أمعائي الفارغة يطن بأذني وأنا أرجوا مها أن تقبل مني قطعة اللحم أو البطاطا التي أحاول إطعامها إياها. انتهت الوجبة وجمعت الطاولة. نادتني لالاّ إلى المطبخ وطلبت مني تناول وجبة غذائي: صحب به بقايا المرق وقطعة صغيرة من اللحم وطلبت مني أن أنقع حبات الحمص في الماء حتى تكون صالحة للطهي غدا. أعطتني المزيد من التعليمات وقبل أن تغادر المكان حاولت نطق كلماتي بحياء كبير وطلبت منها: "لالا عافاكي بغيت نشري أولويز". استدارت نحوي وعلامات المفاجأة بادية على محياها، نظرت إلى بعينين محملقتين لدقيقة قبل أن تقول "أولويز خايبة ما مزياناش" تغادر المطبخ وتعود حاملة بيديها قميصا باهتا ملطخا بماء جافيل، طلبت مني أن أقسمه إلى قطع صغيرة وأستعمله بدل الفوط الصحية!.
الأربعاء: علي أن أدفع الثمن!
اجتمعت الأسرة على طاولة العشاء. الوجبة كانت عبارة عن شوربة الخضر وقطع من الخبز المحمص بسبب الريجيم. دق جرس الباب وطلبت مني لالاّ أن أفتحه. كانت سعاد زميلة لالاّ في العمل جاءت للزيارة بعدما شعرت بالوحدة فزوجها لم يعد بعد من العمل. استقبلتها لالاّ بالأحضان ثم لحقت بي إلى المطبخ. كانت متذمرة لأن جارتها حضرت في وقت العشاء واعتبرت لالاّ أن الوجبة كانت مخزية لأن الشوربة غير كافية فطلبت مني أن أخرج بعض شرائح اللحم من جهاز التبريد وأن أضع المقلاة على النار. طلبت مني أن أقلي شرائح اللحم بسرعة وذهبتْ إلى قاعة الجلوس. قليت اللحم بسرعة وأول ما وضعتُ الصحن على الطاولة نهرتني لالاّ بعنف "علاش تعطلتي باللحم من الصباح واحنا كانساينو"! فهمتُ بأنها كانت تريد إفهام صديقتها بأن وجبة العشاء كانت تشمل قطع اللحم أيضا. بعد العشاء طلبت مني أن أقطّع البطيخ وأحمله إلى القاعة ثم حضرتْ إلى المطبخ وأعطتني وجبة عشائي: بقايا شربة الخضر. نظرتْ إلي معتذرة وقالت بسرعة "مابقاش اللحم خذي شوية ديال الخبز والزبدة إيلا كان فيك بزاف ديال الجوع"!
الخميس: الأيدي أفضل من الغسالة!
الساعة العاشرة ليلا. حضرت لالاّ إلى المطبخ وطلبت مني أن أفرغ سلّة الغسيل الموجودة في الحمام، أنتقل وإياها إلى الحمام وطلبت مني أن أهيء أواني الغسيل كي أغسل الملابس المتسخة. طلبتُ منها استعمال الغسالة الكهربائية لكنها رفضت بحجة أن الغسالة مخصصة فقط للملابس الداخلية والجوارب. أعطتني قطع الصابون والفرّاكة وعندما طلبت منها استعمال مسحوق الصابون قالت إنه لا يقضي على البقع وأن كل الإعلانات التي تملأ التلفزة مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة. انهمكتُ في غسل الملابس وسرحت أفكاري بعيدا حتى أرغمني صوت الصراخ المنبعث من مدخل البيت إلى العودة إلى الواقع. عاد خالد إلى البيت عند الحادية عشرة ليلا فوبختُه والدته لكنه ثار غاضبا وبدأ في الصياح بصوت عال بأنه لم يعد طفلا. تدخل "عزيزي" لفض النزاع وطلب من الجميع الصمت لأن الوقت كان متأخرا. نادتني لالاّ لأضع مها في السرير وأفك ضفائر شعر غزلان. تركتهما في السرير وعدتُ إلى الحمام لإتمام الغسيل. نادني "عزيزي" لأجلب له كأس ماء قبل أن أعود مرة أخرى لإتمام الغسيل. أطفأت لالاّ أنوار البيت وذهبت إلى النوم. نادني "عزيزي" مجددا وطلب مني إفراغ منفضة السجائر أجبت طلبه وعدتُ من جديد إلى الغسيل. حاولتُ الانتهاء بسرعة وبدأتُ في تعليق الملابس على الحبال في الشرفة التي أطل منها فلا أرى غير "عيشة" خادمة بالعمارة المجاورة لدى أسرة محام وموظفة تقوم بالشيء نفسه. أشرتُ إليها وتبادلنا الابتسامات قبل أن أدخل إلى المطبخ لأفترش قطعة الإسفنج وأمدّد جسدي المنهك بعدما تجاوزت الساعة الواحدة ليلا.
الجمعة: حنان الجدة يخفّف طعم العلقم!
يوم الجمعة موعد مهم جدا عند الأسرة فهو يوم الذهاب إلى منزل الجدة بحي الفتح لتناول وجبة الكسكس. الأطفال سعداء بزيارة الجدة. ركبنا جميعا السيارة وتوجهنا إلى حي الفتح. والدة لالاّ إنسانة طيبة، كانت في عقدها السادس أو أكثر. بياض ملابسها البسيطة أضفى عليها هالة من الوقار والابتسامة الخجولة التي استقبلتنا بها كانت دليل طيبة معتقة. عانقت الجدة الأطفال وبدأت تسألني عن أصلي وأهلي قبل أن تقطعها لالاّ وتطلب مني التوجه إلى المطبخ. تفقدتُ طنجرة الخضر وراقبت مستوى البخار في الكسكاس حتى نضج الكسكس. جلس الجميع في الصالون قبل أن يلتحق شقيق لالاّ وزوجته وخادمتهما فوزية. سلّمت علي هذه الأخيرة وسألتني عن أحوالي، كانت إجاباتي مقتضبة ومختصرة وكنت طوال الوقت صامتة بينما كانت هي سعيدة تنادي زوجة شقيق لالاّ بأختي وتفخر بأنها تحظى بعناية الزوجين لأنهما لم يرزقا بأطفال. تطلب منا الجدة تقديم وجبة الكسكس. حضرتْ لالاّ كي تعطيني طبقا مستقلا مع فوزية في المطبخ لكن الجدة رفضت وكذلك شقيق لالاّ وزوجته. طلبوا منا الجلوس معهم إلى المائدة نفسها وتناول الكسكس رفقتهم. لم ترض لالاّ في البداية لكنها استسلمت في النهاية ثم طلبت مني أن أضع مها في حضني وأطعمها بنفسي لأن الكسكس كان ساخنا.
السبت: ثمن قهوة عْزيزي!
أحسستُ بحركة في المطبخ فأفقت مذعورة، كانت الشمس في بداية شروقها والمطبخ شبه معتم والمنزل هادئ ولا حركة في الجوار. فوجئت بأنفاس عْزيزي قرب وجهي، فزعتُ وتملّكني الرعب إلا أنه طمأنني وقال إنه استيقظ مبكرا ليتابع مباراة في كرة القدم على شاشة التلفزة وأنه جاء فقط كي يطلب مني تحضير فنجان من القهوة. نهضتُ بسرعة وأحسست بأن قدماي لا يقويان على حملي لشدة ارتباكي وخوفي وأخبرته بأنني سأفعل فغادر المطبخ. انتبهتُ إلى الساعة بعد هنيهة من تحضير القهوة وكانت السادسة والنصف. طويت الفراش ووضعت القهوة في الفنجان وحملتُها إليه بقاعة الجلوس. طلب مني عْزيزي أن أجلس إلى جانبه وأتفرج على الكرة لكنني أخبرته بأنني أكره كرة القدم ولا أفهم قوانينها فقال "اللي بغيتي". بعدها بقليل حضرت لالاّ وهي ماتزال بملابس النوم، جرّتني إلى داخل المطبخ وسألتني عما كنت أفعله مع عْزيزي، أخبرتها لا شيء وقالت إنها سمعتني أتحدث معه. أقسمتُ مرارا بأنني لم أقل له أي شيء. جرّتني من شعري وقالت: "خذي بالك فأنت معجبة براسك بلا قياس لكن انتبهي راكي ما شي فالجبل وعرفي مع من راكي خدامة". ثم غادرتْ المطبخ غاضبة. لم أذهب إلى قاعة الجلوس وبقيت في المطبخ أحاول أن أقوم بأي عمل لتبديد الرعب الذي تملّكني ولشدة ارتباكي كسرت فنجان قهوة وصحنه كانا موضوعين على طاولة المطبخ مما أحدث ضجيجا أحسست به مدويا في صدري. عادتْ لالاّ إلى المطبخ ونظرتْ إلى بقايا الفنجان والصحن التي كنت أحاول جمعها من على الأرض، فجرّتني من شعري حتى انتصبت واقفة وصفعتني على خدي صفعة مدوية بقيتُ مصدومة لأثرها ثم استدارت قائلة سأقطع ثمنهما من أجرتك أيتها السلكوطة. قفزتِ الدموع إلى عيني وكبّلت الصدمة يدي وبقيت واقفة لبرهة قبل أن أتدارك نفسي وأتابع جمع بقايا الفنجان والصحن من على الأرض وأنا أحاول كبت دموعي وآهاتي.
الأحد: طفح الكيل!
الكل نائم، عْزيزي لم يستفق مبكرا ليتفرج على مباريات كرة القدم، سمعته بالأمس يتشاجر مع زوجته ليلا بعدما عاد متأخرا ومخمورا. منحتني لالاّ نصف يوم وحين طلبتُ منها الذهاب إلى الحمّام العمومي أخبرتني بأنه من حقي الذهاب مرة واحدة كل عشرة أيام وبأنني لم أكمل عندها أسبوعا واحدا. في المساء نادتني وطلبت مني أن ألبس الوزرة البيضاء وغطاء الرأس وطلبت مني حمل القفة لأننا سنذهب إلى السوق. أحسستُ بأنها كانت تريد أن تستعرضني في الشارع حتى يعلم الجميع بأن لديها خادمة. طلبتْ مني بإصرار حمل القفة وأن أتبعها وكلما عرض عليها أحد حمل المشتريات في السوق تخبره بحدة "وهذه ماذا ستعمل وعلاش جبتها معايا؟". أصبحت القفة أثقل من أن أحملها لوحدي فاشتكيت وتذمرت لكن لالاّ نهرتني وقالت إننا قد شارفنا على الانتهاء من التسوق، سخرتْ مني لأن عودي ليس قويا واستغربتْ كيف أكون جبلية لأن الجبليات بالنسبة لها قادرات على تكسير الصخر ثم نظرتْ إلي وقالت بامتعاض: "ما تنفعي وما تضري مثل حليب الحمارة"!!
الإثنين: حان وقت المغادرة!
خلال اليوم الأخير حضرت لالاّ مبكرة عن العادة ووجدتني أتفرج على التلفاز ولم أعد بعد وجبة الغذاء، نهرتني وبدأت تصرخ في وجهي فصرختُ أيضا وأخبرتها بأنني مُتعبة ولا أستطيع القيام بأي عمل آخر بسبب نومي المتأخر وكثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقي... تقدمتْ نحوي غير مصدقة ما أقول وقالت بلهجة حادة: "إذا كنت باغية تاكلين طرف ديال الخبز خاصك تحني راسك وتدمري بزاف". أجبتها بأنني لم أعد أستطيع العمل لديها وبأنني أرغب في المغادرة فهدّدتني بأنها لن تمنحني ولو درهما واحدا عن الأسبوع الذي قضيته خادمة لديها فأجبتها بأنني لا أريد سنتيما منها وكل ما أريد هي ملابسي التي أحضرتُ معي. ما حصل بعد ذلك تفاصيل مؤلمة للصراخ والإهانات التي تلقيتهما لأنني رفضتُ الاستمرار كآلة تقوم بأي شيء ويستكثرون عليها أن تكون إنسانة من لحم ودم... تركتُ العمل عند تلك العائلة وأنا أتساءل عن مصير الخادمات في هذه البلاد اللائي يُطلب منهن أن يكن مربيات، خادمات، طباخات، كاتمات أسرار، حبيبات، حمّالات، مرسلات غرام وغسالات... مقابل 400 درهم شهريا!! ودّعتُ الحي ومعه عيشة وخديجة وزبيدة وحتى الحسين الطفل الصغير الذي استقدموه من جبال الأطلس ليعمل خادما لدى أسرة فاسية وأنا أتحسّر على كل هؤلاء الذين يأكلون كسرة خبز جاف مبللة بالكثير من العرق والإهانات!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.