كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    نشرة إنذارية: طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح يومي الخميس والجمعة بعدد من مناطق المملكة    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    وسيط المملكة: مؤسسات الوساطة تواجه تحديات التحول الرقمي وتأمين المساواة في ولوج المرافق العمومية    ضد علال الفاسي... ضد عبد الرحيم بوعبيد    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    مجموعة "فيسين" تطلق طرحا عاما أوليا في بورصة الدار البيضاء    بنعلي وقيوح يبحثان التعاون العملي    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    "مجزرة جديدة"… إسرائيل تقتل 40 فلسطينيا بينهم 16 من منتظري المساعدات    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    جوفنتوس يكتسح العين الإماراتي بخماسية    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    حرائق الواحات بالمغرب… تهديد للبيئة وخسائر اقتصادية    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    لقجع: المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    رحيمي وحركاس وبنعبيد ضمن قائمة أغلى اللاعبين العرب في مونديال الأندية    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    اجتماع تنسيقي لأغلبية مجلس النواب يثمن "الانتصارات" الدبلوماسية ويؤكد "أولوية" الحق في الصحة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    كيوسك الخميس | إسبانيا تشيد ب"التنسيق النموذجي" مع المغرب في إطار عملية مرحبا    عمال أوزون يحتجون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر صرف الأجور ومنحة العيد    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    اصابة دركي اصابات بلغية في عملية لاحباط عملية للتهجير السري وتوقيف 30 حراكا    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد رياضة    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستاذ الدكتور فريد الأنصاري في ذمة الله

انتقل إلى رحمة ربه تعالى أخونا الحبيب الدكتور فريد الأنصاري
ليلة الجمعة 18 ذي القعدة 1430 الموافق 5 نوفمبر 2009 بتركيا حيث كان في رحلة علاجية من مرض عضال أصيب به . وسيتم نقل جثمان المرحوم إلى المغرب يوم السبت 7 نوفمبر 2009 وأقيمت صلاة الجنازة بمسجد الروى بمكناس ظهر يوم الأحد 8 نوفمبر 2009 قبل أن يوارى الثرى في مقبرة الزيتون بمدينة مكناس .
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتغمده برحمته، وأن يسكنه فسيح جناته.
والاستاذ الدكتور عالم ديني مغربي وكاتب وشاعر وخطيب ، رائد مشروع (مجالس القرآن) .
ولد في قرية الجُرف بإقليم سلجلماسة جنوب شرق المغرب سنة 1960 م .
دكتوراه الدولة في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه.
عمل رئيسا لشعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المولى إسماعيل بمكناس/ المغرب.
وأستاذاً لأصول الفقه ومقاصد الشريعة بالجامعة نفسها.
ورئيس لوحدة (الفتوى والمجتمع ومقاصد الشريعة) في قسم الدراسات العليا بالجامعة نفسها.
وعضو مؤسس لمعهد الدراسات المصطلحية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السلطان محمد بن عبد الله. وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
وخطيب وواعظ تابع للمجلس العلمي لمدينة مكناس / المغرب.
وأستاذ لكرسي التفسير بالجامع الأعظم لمدينة مكناس.
حدثني الأستاذ إحسان قاسم الصالحي – مدير مركز بحوث رسائل النور باسطنبول - :
بقيت مع الأستاذ الأنصاري في مؤتمر عالمي عقدتها ندوة العلماء لولاية ساراواك الماليزية في مدينة كوجينك ( عاصمتها) خمس عشرة يوماً فما رأيت أنه ترك يوماً التهجد والأوراد. وله قراءة حزينة للقرآن.
أنجز من الدراسات العلمية:
1- التوحيد والوساطة في التربية الدعوية "الجزء الأول والثاني" نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، صدر ضمن سلسلة كتاب الأمة القطرية بالعددين 47 و 48 السنة : 1416 ه / 1995 م.
2- أبجديات البحث في العلوم الشرعية : محاولة في التأصيل المنهجي.
3- قناديل الصلاة "كتاب في المقاصد الجمالية للصلاة".
4- الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب: دراسة في التدافع الاجتماعي.
5- المصطلح الأصولي عند الشاطبي (أطروحة الدكتوراه).
6- جمالية التدين: كتاب في المقاصد الجمالية للدين.
7- بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق.
8- سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة.
9- البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي :يعالج الكتاب الإشكال الحاصل في الميدان الدعوي: (علاقة السياسي بالدعوي)، في مشروع التجديد الإسلامي، أو بتعبير أدق: موقع (المسألة السياسية) من مشروع التجديد الإسلامي.
10- مجالس القرآن: (مَدْخَلٌ إلى مَنْهَجِ تَدَارُسِ القرآن العظيم وتَدَبُّرِه من التَّلَقِّي إلى التَّزْكِيَة )
11- مفاتح النور : ( مدخل لشرح المصطلحات في رسائل النور).
12- التوحيد والوساطة في التربية الدعوية : يقول الاستاذ الأنصاري عن كتابه هذا : لعله لن يخالفني الكثير إن قلت : إن مجموعة كبيرة من أمراض العمل الإسلامي ترجع إلى اختلال المسألة التربوية فيه من حيث التصور ، أو الممارسة أو هما معا . ذلك أن التربية هي الإطار الأساس الذي يتم داخله تصنيع القيادات والجنود على حد سواء ، فهي صمام الأمان الذي يضبط المسيرة الدعوية داخل الصف ؛ اصطفاء واستيعابا ثم ترقية وتزكية ثم تخريجا وتأهيلا .
واتجهت مؤلفاته العلمية الأخيرة إلى ترسيخ الدعوة لتأصيل العلم الشرعي وإشاعة "مجالس القرآن" وتدبر "بلاغات الرسالة القرآنية" والانطلاق من القرآن إلى العمران، كما بشر فيها بعودة البعث الإسلامي من الحركة الإسلامية إلى حركة الإسلام.
ومن أعماله الأدبية :
1- ديوان القصائد ( الدار البيضاء 1992).
2- الوعد ( فاس 1997 ).
3- جداول الروح ( بالاشتراك مع الشاعر المغربي عبدالناصر لقاح ) مكناس 1997 .
4- ديوان الاشارات ( الدار البيضاء 1999).
5- كشف المحجوب (رواية) فاس 1999 .
6-مشاهدات بديع الزمان النورسي ( ديوان شعر) فاس 2004.
منهجه في الدعوة الى الله :
اعتمد الدكتور فريد الانصاري "المنهاج الفطري" في الدين والدعوة جميعاً. قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[الروم: 30].
و"المنهاج الفطري" أو "الفِطْرِيَّةُ" (كما يسميه ): منهاج دعوي يقوم على تلقي حقائق الإيمان من القرآن وبياناته النبوية، وعلى الإسهام في تجديد الدين في النفس والمجتمع على ذلك الوِزَانِ.
وهو لذلك سعى - بالتعاون مع العلماء الربانيين، والشباب المتفاعلين - إلى الأهداف التالية:
- أولا: الدعوة إلى إعادة الاعتبار لمركزية القرآن الكريم في الدعوة والتربية والتكوين، وفي تلقي حقائق الإيمان، واستنباط أصول العمل الدعوي وقواعده. قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[الإسراء: 9].
- ثانيا: الدعوة إلى اعتماد منهجية القرآن في التربية والدعوة، بالدخول في تطبيق وظائف النبوة الثلاث: تلاوة الآيات، وتزكية الأنفس، والتعلم والتعليم للكتاب والحكمة. قال سبحانه: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾[آل عمران: 164].
- ثالثا: الدعوة إلى تأسيس "مجالس القرآن" بشروطها الربانية، وضوابطها المنهجية؛ قصد مدارسة كتاب الله – جل جلاله – وتدبر آياته، وتلقي رسالاته الإيمانية، واكتشاف الْهُدَى المنهاجي الكامن فيها، ثم تَبَيُّنِ مسلك التخلق بأخلاقه الربانية، وتشجيع تأسيس تلك المجالس ونشرها في كل منطقة وقطاع، والتعاون على تأطيرها، ومساعدتها علميا ومنهجيا. قال جل جلاله: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾[آل عمران: 79]. وقال سبحانه: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد: 24]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ! وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ!)(جزء حديث أخرجه مسلم )
- رابعاً: الاجتهاد في التعريف برسالات "الْهُدَى الْمِنْهَاجِي" للقرآن الكريم، عِلْماً مستقلا من علوم القرآن، وأصلاً من أصول فقه الدعوة. وأما المعنى العام لمفهوم "الْهُدَى الْمِنْهَاجِي" فهو: ما تَحَصَّلَ للقلب بالتدبر للآيات، من رسالات إيمانية، وقواعد منهاجية، تُوَضِّحُ خطوات السير القلبي إلى الله ديناً ودعوةً، وتَعَرُّفاً إليه تعالى وتعريفاً، وتبين مسلك التخلق بأخلاق القرآن، وبيان كيفيته العملية؛ من أجل بناء الشخصية الإسلامية، في كل ما يلزمها من معانٍ تعبدية وعمرانية، مما جاء هذا القرآن لبنائه في الإنسان فرداً وجماعةً، في طريق إخراج الأمة المسلمة. ولذلك فإن "الهدى المنهاجي" دائر - على العموم - حول معاني الرسالات الإيمانية والتربوية والدعوية، المكنونة في آيات القرآن الكريم.
- خامساً: التعاون على تطوير فقه دعوي أصيل، مستنبط من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؛ وذلك بالتعاون على ما يلي:
أ- محاولة تشخيص أمراضنا وعللنا الإيمانية.
ب- محاولة تشخيص خَلَلِنَا المنهاجي في الدين والدعوة، فهماً وتطبيقاً.
ج- محاولة تلمس وصفات العلاج بمنهج التدارس للقرآن الكريم، والتلقي لحقائقه الإيمانية وهداه المنهاجي.
أما مفهوم "الفطرية" فهو راجع إلى اعتماد "المنهاج الفطري" في الدين والدعوة. وبيان ذلك هو كما يلي:
الفطرية: منهاج في الدين والدعوة
الفِطْرَةُ هي: ذلك السر الكامن في قلب الروح، إنها الجوهر المكنون للخلق الإنساني، والسر المصون للوجود البشري، فهي أم اللطائف، ومرجع الأسرار في المعنى الوجودي لحقيقة "الإنسان". بكمالها يكمل مفهوم الإنسان، وبنقصها ينقص معناه، وبانخرامها الكلي يخرج عن طبعه وحده إلى دَرَكِ المعنى البَهَمِيِّ لجنس الحيوان!
فأي مس لها وأي خدش يؤدي حتما إلى اضطراب – على قدر ذلك المس وذلك الخدش - في المعنى الوجودي للإنسان، وإلى تخبط نفساني واجتماعي؛ بما يفيض منها على وجوده الروحاني والجسماني من معاني الحياة! ذلك أنَّ لِجُرُوحِ الفطرة درجاتٍ، تماما كما لجروح الجسد، فخدش الجلد ليس كشق اللحم، ولا هذا ككسر العظم، ولا هو كبقر البطن أو طعن الصدر! فعلى قدر التغيير لطبيعتها يكون حجم الفساد في الأرض! إذ هي من أخص خصائص الصنع الإلهي، والتكوين الرباني للخَلْق البشري.
ولذلك كانت الفِطْرَةُ – بما هي "اسم هيأة" كما يقول النحاة - هي الصورة النفسانية الأولى التي خلق الله عليها الإنسان، بما سوَّاها عليه من توازن وكمال. أي قبل تدخل اليد البشرية العابثة فيها بالخرم والخدش.
ومن هنا كان تدخل الإنسان فيها بالتغيير والتبديل مغامرة خاسرة قطعا؛ لأنه تدخل فيما لا علم له به من أمر خلقه وماهية وجوده! ولذلك كان ممنوعا من مد يده الطائشة إلى صندوقها قصد محاولة العبث بسرها! إذ فساد شيء من حقيقتها لا يمكن تلافيه بأي إصلاح جهول من عنده، أو أي استدراك بليد من علمه! بل لا بد فيه من تدخل ثان لخالقها العظيم، الذي لا تعجزه الإعادة كما لم يعجزه البدء! ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)(يس:79). فهو وحده - سبحانه - العليم بأسرارها، الخبير بطبيعة تركيبها. (ألاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟)(الملك: 14).
ذلك هو مقتضى البيان النبوي العميق من قوله صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟)(متفق عليه، من رواية أبي هريرة مرفوعا. ) وفي رواية مسلم زيادة مهمة، نصها: (كَمَا تَنْتِجُونَ الْإِبِلَ فَهَلْ تَجِدُونَ فِيهَا جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا!) فتدبر! ما أعجبَ هذا الكلام النبوي العميق!
فلا يكون التدخل في هذا المعنى اللطيف الممنوع إذن، إلا هوى وضلالاً! ولذلك جعل الله الدين أساس الصيانة لهذا السر العجيب في معنى الوجود الإنساني. وهو مقتضَى هذا النص القرآني العظيم: ((بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَن اَضَلَّ اللهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ. فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ. وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.))(الروم:29-31).
ففطرة الله التي فطر الناس عليها، هي صورة الروح المؤمنة، المجبولة على صفاء الإخلاص لله، بما هو رب العالمين، الخالق وحده لكل شيء، المستحق وحده للعبادة من دون كل شيء. من هنا يبدأ تصور معنى الفطرة فيتفرع بعد ذلك إلى كل أعمال الدين، سواء في ذلك ما كان من الروحانيات أو من الجسمانيات. لأن الدين هو المؤهل وحده على تحديد معنى الفطرة، وهو المؤهل وحده على صيانتها ورعايتها.
وأما مصطلح "الفِطْرِيَّةِ" فهو مصدر صناعي مأخوذ من الفطرة؛ للدلالة على معنى "المنهاج الفطري" في التزام الدين والدعوة.
وأما حَدُّهَا فهو:
إِقَامَةُ الوَجْهِ للِدِّينِ حَنِيفاً، خَالِصاً للهِ؛ وذلك بِمُكَابَدَةِ القُرْآنِ ومُجَاهَدَةِ النَّفْسِ بِهِ تَلَقِّيّاً وبَلاَغاً؛ قَصْدَ إِخْرَاجِهَا مِنْ تَشَوُّهَاتِ الْهَوَى إلَى هُدَى الدِّينِ الْقَيِّمِ؛ ومِنْ ظُلُمَاتِ الضَّلاَلِ إلَى نُورِ الْعِلْمِ بِاللهِ.
فبناء على هذا التعريف؛ تكون "الفِطْرِيَّةُ" بمثابة عملية إصلاحية وجدانية، تقوم أساسا على تصحيح ما فسد من فطرة الإنسان، المجبول أصلا على إخلاص التوحيد، وإصلاح ما أصابها من تشوهات تصورية وسلوكية، في شتى امتداداتها العمرانية.
ذلك مقتضى الآيات - عِبَارةً وإشارةً وسياقاً – مما ورد في سورة الروم، في مفهوم "فطرة الله".
ومن ثم فالفطريةُ دائرة من حيث المنهج على تلقي رسالات القرآن، من خلال تلقي آياته كلمةً كلمةً، ومكابدة حقائقه الإيمانية مَنْزِلَةً مَنْزِلَةً، إذ لا تَخَلُّقَ للنفس إلا بمعاناة! ولا تخلص لها من أهوائها إلا بمجاهدة! فالقرآن هو خطاب الفطرة، من حيث هي راجعة إلى "إقامة الوجه للدين"، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا). وقد كان ذلك - منذ كان - بتلقي آيات القرآن، وما تجدد قط في التاريخ إلا بتجديد التلقي لها، بناءً وتربيةً وتثبيتاً، على مُكْثٍ من الزمان.
ذلك هو المنهج الدعوي الأصيل الذي يصرح به القرآن: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً)(الفرقان: 32). (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً)(الإسراء: 106). وتلك هي الحكمة الأولى من تنجيم القرآن على مدى ثلاث وعشرين سنة!
ومن هنا كان مدار التربية الفِطْرِيَّةِ ومحورها الأساس، إنما هو كتاب الله جل علاه، إذْ هو كتاب الفطرة الذي عليه استقامت يوم قامت، وعليه يجب أن تستقيم كلما انحرف بها المسار. ولا يكون ذلك إلا بأن تستأنف تلقي حقائقه الإيمانية مرة أخرى، وتتغذَّى من روحه العظيم، تخلقا وتحققا، ثم تشتغل ببلاغ ما تلقته بالمنهج نفسه – أي تخلقاً وتحققا ً- أي بتلقين ذلك للآخرين عبر مجالس القرآن، التي هي المحاضن التربوية للفطرية، وأحد أهم مسالكها الإصلاحية.
إن حجم التشوهات الحاصلة في إنسان هذا العصر البئيس، وما عليه من انحرافات تمتد من العقائد والتصورات والمفاهيم، إلى الممارسات والتصرفات والأخلاق، وسائر ضروب الأذواق؛ لتنبئ عن عمق التشوه الذي أصابه في فطرته التي فطره الله عليها، بما هو إنسان!
إن خطورة التشوهات المعاصرة أنها قد عمت بها البلوى؛ بصورة توهم الأجيال أنها هي الوضع الطبيعي للإنسان! وأن الشذوذ والانحراف إنما هو في عكسها!
إن طبيعة المرض اليوم في الحياة الإسلامية العامة والخاصة، أعمق من أن تعالجه يد بشرية قاصرة، لا خبرة لها ولا اختصاص! إن اختلال سر الفطرة في الإنسان اليوم في حاجة ماسة إلى تدخل الرحمة الإلهية، بما تملك من معاني الربوبية وشؤونها العظمى، المحيطة بأسرار الملك والملكوت! فلا يستطيع إصلاح الفطرة البشرية اليوم، وإعادة تسويتها على أصل خلقتها، إلا الذي فطرها أول مرة! الرب العليم بطبيعة تكوينها، وخصائص تركيبها؛ بما خلق فيها من لطائف وأسرار! فهو وحده الخالق، وهو وحده من يملك حق الصيانة والرعاية. (اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(الزمر: 62).
ومن هنا كان خطاب الوحي – بما هو خطاب الفطرة حقاً - هو وحده المؤهل لإصلاح العطب الحاصل في محركات العمل الإسلامي المعاصر، والقادر على ترشيد السير وتصويب الاتجاه، وضبط بوصلة المقاصد والغايات، وإعادة ترتيب سلم الأولويات. كما أنه هو وحده المؤهَّل لإعادة تسوية ملامح الصورة الفطرية في النفس الإنسانية على العموم.
إن اشتغال العمل الإصلاحي بإعادة بناء العمران الروحي للفطرة الإنسانية، مؤد بالضرورة إلى إعادة تجديد العمران الاجتماعي والمادي للحياة الإنسانية برمتها! سياسةً واقتصاداً واجتماعاً. إذ ذلك هو المنهاج القرآني الذي سلكه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طيلة مدة بعثته الشاملة، بما استقرت عليه من كل وظائف النبوةِ، تلاوةً وتزكيةً وتعليماً.
فإذا صح للعمل الإسلامي هذا وجب أن يضبط الوسيلة الأساس، ألا وهي اعتماد خطاب الوحي لا غير، القرآن الكريم وبياناته النبوية. فالقرآن بما هو كلام رب العالمين، المنزل لهذه الوظيفة أساسا، هو المؤهل وحده لإعادة بناء هذا النوع من الهدم والردم، الحاصل في الحياة البشرية اليوم، كما وصفنا وشخصنا. ولك أن تتدبر قوله تعالى في بيان طبيعة القرآن: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً)(الفرقان:6). وقال في خصوص وظيفته: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً.)(الفرقان: 32-33).
فإذا صح الأمران معا – الهدف والوسيلة تشخيصا وعلاجا – ثم شرع أبناء الدعوة الإسلامية فعلا في تطبيق "المنهاج القرآني الفطري"، كانوا هم أول من يخضع لعملياته الجراحية، من حيث يشعرون أولا يشعرون؛ لأن الوحي لا يصل إلى الناس إلا بعد أن تشتعل بحرارته قلوبُ الدعاة إليه، وتلتهب هي ذاتها بحقائقه، وتتوهج بخطابه! فلا نور ولا اشتعال إلا باحتراق! ولك أن تتدبر معاناة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، ومكابدته للقرآن العظيم كيف كانت! وليس عبثا أن يُرْسِلَ – صلى الله عليه وسلم - هذا الشعورَ العميقَ نفَساً لاهباً بين يدي أصحابه الكرام، قائلا لهم: (شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا!)(رواه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع. )
فشعور الداعية بأنه هو عينه قد صار موضوعاً للإصلاح، لا آلة له فحسب، وبأن نفسه ذاتها قد صارت حديقة لمقص القرآن، يشتغل فيها بالتهذيب والتشذيب، وتربة لمائه الصافي الرقراق تتلقاه بشغف وشوق، ومصباحا لزيته الوهاج تحترق به مواجيدها توهجا واشتعالاً، كل ذلك علامة على أنه قد دخل في أول خطوات العمل الإسلامي السليم، وانخرط في مسلك السير الفعلي إلى الله، عبدا لله أولا، ثم داعيا إليه بصدقٍ، جل علاه. ذلك هو الحق إن شاء الله، وإلاًّ (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ؟)(يونس:32).
فقضية الفطرة إذن، هي قضية الدين في هذا العصر، وهي قضية الإنسان. ومن هنا كانت الفِطْرِيَّةُ مشروعاً دعوياً قائماً على هذا المعنى، يحمل رسالته التربوية هدفاً ووسيلةً.
رحم الله شيخنا رائد مشروع (مجالس القرآن) وأجزل مثوبته، ونفعنا بتجربته وأفادنا من علمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.