شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام وشهر نزول القرآن، أعظم دستور سماوي أخرج البشرية من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهدى، يقول الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، وهو شهر الطهر والرحمات والخير والبركات فرض الله على أمة الإسلام صيام نهاره وسن قيام ليله تقربا وابتغاء لوجهه تعالى، وتحقيقا لقيم الورع والتقوى، إذ يقول عز من قائل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات). إلا أن مجتمع هذا العصر أبى إلا أن يقوض مفهوم هذا الشهر الفضيل الذي هو شهر العمل والجد والاجتهاد والإنتاج والإبداع، ليحولوه إلى شهر للكسل والخمول والعطلة معتقدين أن غاية رمضان هي التوبة من الذنوب وابتغاء رضوان الله بكثرة التعبد والتهجد، وهكذا تجد الناس يهرعون إلى المساجد لإحياء طقوسهم الدينية للتنافس مع إخوانهم المسلمين للظفر بالجنة، وعلهم يصادفون ليلة القدر التي تبلغ درجة أهميتها أفضل من ألف شهر. ففي المساجد يفيض الإيمان عن حده ويعود إلى درجة الصفر بعد أول عتبة خارج أسوار بيوت الله، وذلك لكون الصبر عند البعض حدود، أما الإمساك عن شهوتي البطن والفرج فيوازيه بالمقابل إفراط في النرفزة والمشاجرات. فكثير من عباد الله الذين لم تسمح لهم الظروف لسبب أو لآخر ليجرب قدراته العضلية أو البلاغية وخاصة القاموس العامي الذي ينتمي إلى فصيلة "تحت الحزام" وما جاوره، يستغل هذا الشهر الكريم ويعتبره فرصة سانحة ليبرز إمكانياته الحقيقية في هذا المجال. وهذه السلوكات التي أصبحت معتادة بشكل يومي في الأماكن العامة وكأنها فرض كفاية، تجعل قطاع الصحة في يقظة من أمره لأن العاملين بالمستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية يجدون أنفسهم مجبرين لتقديم الإسعافات والعلاجات الممكنة لضحايا "اللهم إني صائم". وإن كان هذا الشهر العظيم بالأحداث المؤلمة نتيجة هبوط حاد لمادتي السكر والنيكوتين في الدم يوصف بشهر الراحة والكسل، فإن قطاعات كثيرة يزداد نشاطها بنسبة عالية كالصحة والأمن والوقاية المدنية خلال هذه الفترة، بينما الإدارات والمؤسسات الأخرى تعرف تراجعا ملحوظا في أدائها، وإن فتحت أبوابها في وجه المواطنين إلا أن هؤلاء عندما يودون مقابلة أحد المسؤولين بها فغالبا ما يأتيهم الجواب في صيغتين لا ثالث لهما: "امشى إصلي" أو "باقي ما جا". إن العطلة للجميع هي سمة هذا الشهر المبارك، وباعتبار الشعب المغربي حريص على الحفاظ على تقاليد وعادات السلف الصالح، فإن الأجيال اللاحقة عليها مسؤولية استمرار المشاجرات وإسقاط الضحايا وإعلان رمضان شهرا للكسل والخمول. فلا عمل يعلو فوق ابتغاء وجه الله في هذه المناسبة الدينية العظيمة، وهذا ما نتج عنه إفراغ لمكاتب الإدارات العمومية وتدافع في بيوت الله أثناء كل صلاة. إن التحولات الاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي وانفتاحه على ثقافات الأمم الأخرى، وما شهده من ظلم وتعد على حقوقه نتيجة السياسات التي رهنت مستقبله في الفقر الأبدي، جعل الحكمة من الصيام وأبعاده الروحية غير قابلة للتحقق في ظل مجتمع جائع وصائم أبد الدهر، لهذا تجده ينخرط في ثقافة "الموت في عشرة نزاهة"، وينفجر في وجه الآخرين عندما يصل غضبه درجة لا تطاق ليخرج الشياطين التي سكنت نفسيته وتربت فيها بسبب القهر والمعاناة التي تعرض لها. ومن الصدف أن شهر رمضان الأبرك تزامن مع الإعلان عن بدء تجربة محاكاة الانفجار العظيم لمعرفة سر وجود المادة وبداية نشوء الكون، هذا الحدث الأول من نوعه عرف مشاركة أزيد من 8000 عالم ينتمون إلى 120 مركز علمي في العالم، التجمع من هذا الحجم عندنا لا نجد له أثر إلا في المهرجانات الغنائية أو في الملاعب الرياضية. فشهر رمضان ينعم على غيرنا بمزيد من التقدم والتنوير لاستكشاف الجوانب الغامضة في سر وجود هذا الكون العظيم، في حين أننا نستغل هذا الشهر لتعطيل العقل البشري، حيث يبدأ فيه بعض الفقهاء والوعاظ بالحديث عن المغفرة والتوبة وطريقة الاغتسال من الذنوب خلال هذا الشهر، وهذا ما جعل غالبية المسلمين بمجرد انقضاء الصيام يعودون إلى سابق عهدهم ولا يخشون لومة لائم في ارتكاب المعاصي، لأن صكوك رمضان تنتظرهم ليغفر الله لهم ما تقدم من ذنبهم. إن المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى إعادة النظر في فهمها للدين وجعل مساحة العقل كبيرة للاحتكام في ما ورد في النصوص الشرعية وإلا صرنا عبيدا للعالم المتقدم معتقدين أننا أسيادا ومن ثم يحق لنا القول أن الغرب أخذ العلم من العرب حيث أنه نقل فكرة الانفجار العظيم من الذين يفجرون أنفسهم بالأحزمة الناسفة. فإذا كان الصيام يعني الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإن غالبية المسلمين زادوا على ذلك بالإمساك عن العمل وتعطيل العقل من طلوع الفجر إلى طلوع الفجر.