مجلس حقوق الإنسان: المغرب يدعو إلى تعزيز التعاون التقني خدمة للآليات الوطنية لحقوق الإنسان    المغرب والإكوادور يدشّنان مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بافتتاح سفارة كيتو في الرباط وتوقيع اتفاقيات شراكة شاملة    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الرأس الأخضر بمناسبة العيد الوطني لبلاده    حقوقيون يستنكرون تصاعد التضييق على حرية الرأي والتعبير والاستهداف الممنهج للحق في التنظيم    الأزمي: مشروع قانون إعادة تنظيم مجلس الصحافة "فضيحة ديمقراطية"    روما: إعادة انتخاب المغرب عضوا في مجلس الفاو    مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة.. حصيلة "مذهلة" خلال السنوات الثلاث الماضية (أزولاي)    العدوان على إيران يرتد على الدول المعتدية ويشكل ضربة قاضية لمشروع التوسع الصهيوني    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات.. موتسيبي: "المغرب ما فتئ يساهم في تطوير كرة القدم النسوية الإفريقية"    "الوفاء".. ليفربول يقرر دفع راتب جوتا لعائلته حتى نهاية عقده    المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: ميدلت تخلد اليوم العالمي للتعاونيات تحت شعار التواصل    ساكنة تماسينت تلتمس من عامل الاقليم التدخل لإنقاذها من مشكل الصرف الصحي    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    هولندا.. دراسة تؤكد أن حظر الهواتف الذكية في المدارس يحسن من التركيز    إصابات في احتراق طائرة ل"رايان إير"    "الدالاي لاما" يخطط للعيش أكثر من 130 سنة    مهرجان الحمامات يرحب بالجزائري الشاب مامي    المثمر يواكب "منتجي الكبّار" بحلول علمية من أجل دعم الزراعة المستدامة    مونديال الأندية.. تشيلسي يهزم بالميراس ويلاقي فلومينينسي في النصف نهائي    "كان" السيدات: المنتخب المغربي يواجه زامبيا بحثا عن الانتصار في أولى مبارياته    كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب 2024): ستة ملاعب تحتضن أبرز نجوم الكرة الإفريقية النسوية    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ل57 ألفا و268    فرحات مهني يطلق عريضة دولية لإدانة قمع حرية الرأي واعتقال النشطاء السياسيين في منطقة القبائل    كروزنشتيرن.. أسطورة السفن الروسية تحط الرحال في ميناء الدار البيضاء باستقبال دبلوماسي    كيوسك السبت | أكثر من 143 ألف حادثة و4 آلاف و24 قتيلا خلال سنة 2024        ارتفاع في احتياطيات المملكة من العملة الصعبة وتحسن في وضعية الدرهم    طقس حار في توقعات اليوم السبت بالمغرب    طقس حار مع "الشركي" وهبات رياح مع عواصف رملية السبت والأحد بعدد من مناطق المغرب    مونديال الأندية.. تشلسي يحجز مقعدا في نصف النهائي بتغلبه على بالميراس        طنجة.. مصرع شاب في حادث سير داخل الممر تحت أرضي ببني مكادة    في عيد استقلال الولايات المتحدة، الرئيس ترامب يوقع قانون الميزانية الضخم    "معرض الكبّار" ينطلق بآسفي .. صدارة عالمية وتكيّف مع التغيرات المناخية    مصادر أمريكية: صعود نجل قديروف يثير القلق والسخرية في الشيشان    "السومة" يكلّف الوداد 30 مليون سنتيم    الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة يكشف مستجدات الدورة السادسة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي    مونديال الأندية .. الهلال يسقط بعد معجزة السيتي    نقابة الأبناك تدق ناقوس الخطر بشأن اقتطاعات ضريبية خاطئة من معاشات المتقاعدين    جمهورية الإكوادور تفتتح سفارتها في الرباط    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية :أبوالقاسم الزياني، كاتب الدولتين ومؤرخ الحضرتين.    مسرح رياض السلطان يكشف برنامجه لشهر يوليوز أمسيات فنية مفعمة بالجمال والإبداع    قائمة الفائزين في "تصور مدينتك"    افتتاح خط جوي جديد يربط الصويرة ببرشلونة        الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    بعد تألقها في موازين.. المغربية فريال زياري تستعد لتصوير عمل فني جديد    الجديدة : ديوان شعري نسائي جديد "لآلئ على بريق التجلي"    طوطو وصناعة المعنى على منصة موازين    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    أمسية تحتفي بالموسيقى في البيضاء    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكلمة والإيقاع في حياة الشعوب القديمة 2/2
نشر في بريس تطوان يوم 20 - 07 - 2016


في حياة الشعوب القديمة 2/2
غير أن الغناء لم يكن مقتصرا في كل الأحيان على التراتيل الدينية. فقد وجد المنقبون أناشيد خاصة بالرعاة، بالإضافة إلى أغاني الحب والوله التي كان يتودد بها العشاق إلى معشوقاتهم. وتظهر هذه الأناشيد قدرا عاليا من التراكيب الشاعرية التي تعبر عن المشاعر المترفة في مجتمع حضاري متقدم. كما ظهر في أغاني السومريين عنصر التشكيل الفني المتنوع الذي يجمع بين غناء الجوقة والوصلة الفردية معا. وهذا يجسد بطريقة ما بروز دور الفرد في الإطار الاجتماعي المنظم. هذا بالإضافة إلى تقدم آلات العزف المصاحبة للغناء. ويعتقد العالم "كالبين" ان السومريين هم الذين اكتشفوا النوطة الموسيقية وليس الإغريق كما كان يعتقد. ويبدو أن السومريين كانوا يعتقدون أن لكل أغنية أثرا روحيا معينا يوفر لهم نوعا من الاتصال الغيبي بالمعبود.
ورث البابليون حضارة السومريين حوالي عام 1830 ق.م. ويختلف البابليون عن السومريين انهم من الأقوام السامية. وقد انتقل مركز الحضارة في زمنهم من أور إلى بابل ثم من بابل إلى نينوى. وإذا كانت فترة السومريين تعتبر فترة إعداد حضاري هائل، فإن حضارة البابليين تمثل فترة متقدمة من الاستقرار الاجتماعي والترف الحضاري. وقد ظهر ذلك في صورة التنظيمات الاجتماعية والقانونية المتطورة التي وضع أسسها الملك البابلي الشهير "حمورابي" الذي دام حكمه بين عام 1792 ق.م وعام 1750 ق.م. وقد تمخض ذلك عن حالة من الاستقرار والازدهار الاقتصادي والعمراني. وبالإضافة إلى الزراعة التي عرفها السومريون من قبل، اتجه البابليون إلى التجارة والأعمال الحرة الأخرى. وقد سجلت حضارتهم تقدما هائلا في مجال الفنون وأصول العبادات وكذلك في علوم الحساب والهندسة والتنجيم. وقد انعكست هذه التشكيلات الاجتماعية المتطورة على الغناء الذي اتخذ أشكالا أكثر تعقيدا وتطورا وشاعرية.
* نأتي على ذكر بعض قوانين لحمورابي:
* الحكم بالموت على سيّد البيت إن قام بإيواء أحد الهاربين ( ذكرا أو أنثى ) ولم يقم بإظهاره أمام المحكمة.
* يخلع سنّ الرجل إذا تسبّب بخلع سنّ رجل آخر يكون مساويا له. ( أي حرّ لحر)
* تقطع يد الولد إن ضرب والده.
* يكسر عظم الرجل إن تسبّب بكسر عظم رجل آخر.
* تفقع عين الرجل إن تسبّب في فقع عين رجل آخر أثناء ضربه.
ورغم أن الدين ظل عنصرا بعين الأهمية في حياة البابليين الاجتماعية وبالتالي في الغناء الديني فإن الحياة المدنية الشعبية بدأت تحتل مكانا بارزا في أناشيدهم وأغانيهم بحيث صارت الأغنية اهتماما شعبيا متصلا بالحياة. وحتى في المعابد الدينية تطورت الاحتفالات الغنائية الطقسية، فبدلا من أن يقتصر الاحتفال الديني على أغنية واحدة كما كان عليه الحال عند السومريين صار يضم عددا كبيرا من الأغاني يتراوح بين خمس أغنيات وسبع وعشرين أغنية تتخللها فواصل موسيقية على الآلات المختلفة. ويبدو أن مثل هذه الاحتفالات الغنائية التي كانت تؤدى في المعابد أخذت صورة شبيهة بالأوبريت الذي نعرفه هذه الأيام حيث تشير اللوائح التاريخية التي عثر عليها إلى أن هذه الاحتفالات كانت تتضمن رقصات استعراضية إيقاعية لصاحب الغناء أو تتخلله من حين إلى آخر. وقد أضيفت المغنيات لأول مرة إلى المغنين من الرجال وكانت الجوقات الغنائية من الرجال والنساء تتبادل الآداء الغنائي على نحو تشكيلي منظم... وقد يتوقف الغناء الجماعي لكي يتيح لأحد المنشدين أن يقدم وصلة من الغناء الفردي. وظهر في الألحان عنصر التنويع الموسيقي فكان لكل أغنية نغمة خاصة تنسجم مع محتوى كلمات الأغنية من حماس إلى هدوء إلى داء عاطفي رقيق.
ولم يكن الغناء في المعابد يقتصر على تمجيد الآلهة فقد كان من المعتقد أن الغناء بحد ذاته هو تعبير عن الإيقاعات الروحية المكنونة في أعماق الإنسان حتى لو كان يدور حول المشاعر الشخصية والعاطفية. وفي عصر البابليين دخل الغناء إلى قصور الملوك والأغنياء في الحفلات والمناسبات الخاصة بعد أن كان محصورا بين جدران المعابد. كل هذه الصفات المميزة للغناء عند البابليين تكشف عن طبيعة التركيب الاجتماعي المتقدم الذي عرفته تلك الحضارة العريقة وبخاصة من ظاهرة الإنتاج الجماعي المركب في ظل الاستقرار المادي. ومن الأغاني الشاعرية الرقيقة التي وصلت إلينا من ذلك العهد نجتزئ هذه المقطوعة:
وجه محبوبي شمس
غير أنها لا تحرق
صوت محبوبي أجمل من خرير النهر
فلا يكدره الحزن ولا الغضب
وشعر محبوبي يتموج في الريح
مثل حقول العشب في الربيع
وعندما أرى محبوبي
تتدفق في قلبي ينابيع الحب والعطاء...
في المراحل الأخيرة من حكم البابليين والمراحل الأولى من حكم الآشوريين ازدهر الغناء الشعبي الديني ازدهارا كبيرا وصار الغناء أكثر اتصالا بحياة الناس العاديين ومشاعرهم العاطفية والإنسانية وأصبح الغناء المصاحب للعمل ظاهرة اجتماعية واضحة والوظيفة العملية للغناء في حالات العمل هو تشجيع العامل واستثارة نشاطه المتواصل لتبديد الملل بحيث تتوافق إيقاعات الأغنية مع حركات العمل نفسه. وما زالت هذه الظاهرة مشهودة في وقتنا الحاضر عند الحصادين وصيادي الأسماك بصورة خاصة. ورغم ازدهار الأغنية الشعبية في تلك الحقبة من الزمن فإن التاريخ لم يحفظ منها سوى القليل بالمقارنة مع الأغاني والتراتيل الدينية الكبيرة التي عثر عليها المنقبون. ولعل ذلك يرجع إلى أن الغناء الديني كان متصلا بالدولة وبالتالي فقد اكتسب عند الأمم القديمة صبغة رسمية خاصة جعلت الاهتمام بتدوينه أكثر من الاهتمام بتدوين غيره من أبواب الغناء.
على أن أنماط الغناء الديني والشعبي ازدادت أهمية في عصر الأشوريين الذين امتدت حضارتهم بين عام 1270 ق.م وعام 606 ق.م. وكان ذلك أمرا طبيعيا بالنسبة إلى المجتمع الأشوري. فقد تميز المجتمع الأشوري بطغيان الحياة المادية والتنظيمية وكان الشعب الأشوري بالدرجة الأولى شعبا عسكريا محاربا. إذ امتدت إمبراطوريته الأشورية نحو جميع الأقطار المجاورة فشملت ما بين النهرين وأرمينيا وبلاد الشام وفينيقيا ومصر. وانعكست هذه المظاهر المادية على طبيعة الغناء عندهم. فمن ناحية تراجعت التأثيرات الدينية إلى حد كبير عن أغانيهم. ولم يعد من الضروري أن تؤدى الأغاني في المعابد أو ترتبط بالطقوس الدينية.
ومن ناحية أخرى أصبح الغناء موظفا للحياة الدينية والشعبية الأمر الذي ينسجم مع الطبيعة العملية للمجتمع الأشوري. وكانت الحفلات الغنائية تعقد في جو من الاحترام والاهتمام في مآدب الأسرة المالكة ووجوه المجتمع من الأثرياء والقادة العسكريين. ولم يقتصر الغناء على هذه الطبقة من المجتمع الأشوري فقد أصبح جزءا من الاحتفالات العامة للشعب نفسه، حيث كانت الساحات العامة تمتلئ بالمغنين والراقصين يشترك معهم أفراد الشعب من غير المحترفين. وكانت هذه الحفلات الشعبية الغنائية تقام في المناسبات الوطنية، وبخاصة في المناسبات الحربية عند الإعداد للحرب أو بعد النصر. بل استخدم الغناء لاستثارة الحمية الوطنية ودفع الحماس في الجنود المحاربين حيث كانت تصاحبهم الفرق الغنائية التي تنشد لهم أغاني الحماس وتمجد على أسماعهم قصص البطولات الخارقة. وقد نتج عن الطبيعة العسكرية للمجتمع الأشوري تراجع الأغنية العاطفية المترفة التي عرفها البابليون من قبل واستبدالها بالأغنية الملحمية التي تفيض بالقوة والحماس.
انتهى
*..-..*..-..*
والله الموفق
2016-07-20
محمد الشودري
Mohamed CHAUDRI


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.