بعد 12 يومًا من العدوان الذي بدأ بالخداع، والذي استُخدمت فيه كل أساليب الخسة من قبل الموساد، والتخريب، وحرب الظل التي شنتها الجواسيس المتسللة لإسقاط النظام الإيراني، لم يسقط النظام فحسب، بل تعزز أكثر بدعم شعبي غير مسبوق. وكانت إيران هي من وجهت الضربة الأخيرة بعدة صواريخ فرط صوتية مدمرة أصابت تل أبيب وبئر السبع، قبل دقائق فقط من بدء وقف إطلاق النار الذي طالبت به بشدة حكومة نتنياهو. (1) وكانت ذريعة العدوان هي تدمير المنشآت النووية ذات الاستخدام المدني، الخاضعة لرقابة دائمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، (2) والتي استهدفتها قاذفات B2 الأمريكية، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية. ويجب التذكير بأن إيران، على عكس إسرائيل، قد وقعت على معاهدة عدم الانتشار النووي، في حين يُعتقد أن إسرائيل تمتلك مئات الرؤوس النووية دون أي رقابة دولية. لم ينتهِ العدوان على إيران كما كان يخطط له ترامب ونتنياهو وأصدقاؤهما من المحافظين الجدد والعرب، أي بإعادة تنصيب الشاه في طهران. فلأول مرة في تاريخها، تلقت إسرائيل "صفعة" على قدر من الغطرسة التي تمارسها. فقد أصابت الصواريخ الإيرانية بدقة أحياء التكنولوجيا المتقدمة، ومعهد وايزمان، والقواعد العسكرية مثل قاعدة نيفاتيم، والمطارات بما في ذلك مطار بن غوريون، ووزارة الحرب، ومقر الموساد، وقواعد الاستخبارات 8200 وميرون، ومرافق التكرير والكهرباء في حيفا، وأبراجًا في تل أبيب، وغيرها. وعندما كانت تل أبيب وحيفا وبئر السبع تحت نيران الصواريخ الإيرانية ليلًا ونهارًا، وكان الملايين من الإسرائيليين محصورين في الملاجئ، اعترفت القوات الإسرائيلية أخيرًا بأنها قللت من شأن القدرات العسكرية الإيرانية. وقد فشلت منظومة الدفاع الصاروخي الثلاثية الإسرائيلية أمام التكنولوجيا الباليستية الإيرانية والهجمات المشتركة باستخدام صواريخ باليستية وفرط صوتية مع موجات من الطائرات المسيرة الشبحية. (3) ونشرت صحيفة هآرتس تحليلاً سريًا أعدته أميرة أورون وعوفر وينتر، وهما باحثان في معهد دراسات الأمن القومي، تناول الطموحات الصهيونية تحت عنوان: «بعد الحرب مع إيران، تخطط إسرائيل لشرق أوسط جديد». ينطلق التحليل من فرضية أن ميزان القوى بات لصالح إسرائيل بعد المواجهة الأخيرة مع إيران (وهي فرضية لا تستند إلى أي دليل) وبالتالي، فإن على جميع دول المنطقة، بدءًا من مصر والأردن، أن تخضع لمطالب إسرائيل إذا كانت ترغب في الاستفادة من "الأمن". أما القضية الفلسطينية، فقد اختفت من جدول أعمال السياسية ولم تُذكر إلا كقضية لاجئين يتوجب على مصر والأردن التعامل معها. ولا يزال التهجير هدفًا قائمًا. يتماشى هذا التحليل مع رؤية المحافظين الجدد المحيطين بترامب والحكومة الإسرائيلية. وهكذا، فإن "السلام الأمريكي" يطلب من الدول العربية أن تفرّط في استقلالها وحريتها مقابل الولاء والخضوع لإسرائيل، في نموذج يشبه نظام الحماية. هذا هو "الشرق الأوسط الجديد" الذي يتحدث عنه نتنياهو! أما المغرب، الذي أدخل نفسه في هذا المسار في عام 2020، فقد أصبح بمثابة مختبر لتطبيق هذا النموذج من الحماية. لكن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن ترامب ونتنياهو. ان العدوان الأخير على دولة ذات سيادة في المنطقة الى جانب مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي تتضح معالمه شيئا فشيئا، يفتح الباب امام تكتل عربي إيراني من اجل الدفاع المشترك ودعم استقلال فلسطين والحفاظ على المسجد الأقصى. فأثر العدوان الفاشل على إيران، والتورط الإسرائيلي المتزايد في غزة، حيث تواصل المقاومة تنفيذ عمليات ناجحة، كل ذلك يضعف مصداقية الجيش الذي يشكل العمود الفقري للمشروع الصهيوني. ومع تدهور صورة إسرائيل في استطلاعات الرأي الدولية، ونتائج العزلة الدولية، وهروب المستوطنين ورؤوس الأموال، دخلت إسرائيل في دوامة خطيرة. من الصعب تصور كيف يمكن لدولة محتلة، خارجة عن القانون الدولي، منهكة بعد 12 يومًا فقط من المواجهة مع إيران، ومتراجعة على المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية والمؤسساتية والأخلاقية، أن تدّعي قيادة مشروع هيمنة على المنطقة الممتدة من المغرب إلى إيران، حتى لو دعمتها الولاياتالمتحدة بكل قوتها وإذا كان السيد ترامب يعتقد أنه قادر على تحقيق ذلك بالقوة، فإنه سيفجر حربًا عالمية ثالثة، ولا أحد يستطيع التنبؤ بعواقب كارثية كهذه. ملاحظات: (1) تم وقف إطلاق النار في 25 يونيو، بطلب صريح من نتنياهو إلى ترامب، وفقًا لستيف بانون، المستشار السابق لترامب. (2) الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. وقد أثبتت وثائق سرية وقعت بأيدي الإيرانيين مؤخرًا أن رافائيل غروسي، رئيس الوكالة، كان ينقل معلومات سرية مباشرة إلى الإسرائيليين حول المنشآت النووية الإيرانية التي يزورها مفتشو الوكالة بانتظام. (3) تستخدم هذه التقنية رؤوسًا حربية ذكية لتجاوز صواريخ الدفاع الإسرائيلي، بل وأحيانًا تستخدم خدعًا تعيد توجيه صواريخ الدفاع الإسرائيلي نحو الأرض.