صادق مجلس النواب كما هو معلوم على مشروع قانون مالية 2015 ب 174 صوتا، مقابل 87 صوتا معارضا لهذا المشروع، ولم يمتنع أي برلماني عن التصويت، وتزعم رواية الحكومة أن هذا المشروع يستهدف تحقيق معدل نمو نسبته 4.4 بالمائة، وعجز مالي يعادل 4.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. مصادقة، تعكس في واقع الأمر طابع الاستمرارية الذي اختارته الحكومة فيما يتعلق بالسير على نفس النهج التقشفي، رغم مزاعم الأغلبية حول نجاحها في "إقناع" الحكومة بالزيادة في النفقات الموجهة للقطاعات الاجتماعية كالتشغيل والصحة والتعليم، وهو ما تفنده المعطيات الرقمية والمعدلات والحسابات المالية المخصصة لهذه القطاعات موازاة مع قطاعات أخرى داخل هذا القانون المالي الجديد. فالبنسبة للفريق الدستوري، لم يكن أمامه سوى التصويت ضد مشروع قانون مالية 2015 ، انطلاقا من قناعته التامة المبنية على تشخيص دقيق للوضعية الاقتصادية والمالية الراهنة التي تعيشها البلاد، في ظل سياسة حكومية تفتقر إلى الإرادة والجرأة والنجاعة والقدرة على الإبداع ولا تمتلك رؤية استشرافية، مما كرس واقع الأزمة وجعل بلادنا ترتهن إلى المؤسسات المالية الدولية.حيث مكن من كشف حقيقة ومضمون هذا القانون المالي الجديد، الذي يبقى "فقيرا" من حيث الاختيارات والحلول والبدائل الممكنة ومحبطا للجميع، من حيث الآفاق المتاحة للخروج من شرنقة الأزمة الاقتصادية والمالية والاحتقان الاجتماعي. فلا غرابة إذن بعد قراءة مستفيضة ونقاش معمق داخل الفريق ومع بقية فرق المعارضة وخبراء الاقتصاد والمالية أن يتم الخلوص إلى نتيجة صادمة ومحبطة، مفادها أن المشروع لا يعكس في شيء انتظارات المغاربة المشروعة إلى العيش الكريم والحياة الاقتصادية الآمنة والاستقرار الاجتماعي الدائم، بل كان في عمقه "باهتا ومحايدا" و" لا يستشعر حجم الرهانات والتطلعات المشروعة للمواطنين الذين عانوا، في السنوات الأخيرة من استهداف مقصود لجيوبهم، ولقدراتهم الشرائية، وهم يكتوون بلهيب الأسعار، وبفواتير الماء والكهرباء، التي أضحت بدورها عبئا آخر، يضيف جملة من الأعباء الأخرى على الأسر المغربية، إلى جانب معضلة البطالة التي تنتشر بين بناتهم وأبنائهم والتي ارتفعت مؤخرا لتصل نسبة 10.2 بالمائة على الصعيد الوطني". إن القانون المالي الجديد وبحسابات بسيطة، لا يتجاوز الشكل النمطي المألوف الذي عودتنا عليه هذه الحكومة منذ مجيئها، حيث لا ينفع نشر أرقام منفوخ فيها مثلما هو الحال مع إشكالية الاستثمار العمومي، الذي زعمت الحكومة أن القانون المالي الجديد خصص له حوالي 189 مليار درهم بما يوازي (21.3 مليار دولار)، خصص لنفقات دعم المواد الأساسية في إطار صندوق المقاصة بقيمة 23 مليار درهم أي ما يوازي (2.6 مليار دولار). وهي أرقام تبقى موضع تساؤلات مشروعة إن لم نقل شكوكا في مصداقيتها وموضوعيتها، بما أن الحكومة عودتنا على النفخ في الأرقام من باب المزايدة السياسية كلما ووجهت بانتقادات المعارضة، علما أن ظل الواقع خير شاهد على مدى صدق الحكومة من عدمه، في وقت أصبح هناك شبه إجماع بين مكونات المجتمع المغربي على تحميلها المسؤولية الكاملة في ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من ركود وتدهور واحتقان. فجاء القانون المالي الجديد غير متفاعل مع هذه الأوضاع، وينخرط فعلا في سياسة غير معلنة للتقويم الهيكلي، شعارها"التقشف"، و"يندرج في سياق الاستمراريةبدون هوامش حقيقية للمناورة أو التحرك، بالنظر إلى ارتفاع كتلة المديونية التي ستلتهم وحدها 68 مليار درهم". فإذا كانت الحكومة قد أفلحت في " استبدال ضغط نفقات الاستهلاك، بضغط آخر يتمثل في المديونية، حيث أدخلت الاقتراض في صلب هذا القانون، رغم أنه محفوف بالمخاطر وبأرقام تتجاوز كثيرا ما كان تستدينه الحكومات السابقة في مدة عشر سنوات، ومع أنه قد يكون مدخلا إلى التضخم وإلى تصدير آثارها الوخيمة إلى الحكومات المقبلة، بل وإلى تقويض تنافسية المستقبل"، فإنها قد فشلت فشلا ذريعا في وضع قانون مالي يجعل من التنمية غايته ووسيلته ورهانه المستقبلي، إذ أن مجرد الإحالة على تقليص دعم المواد الأساسية والزيادة في الأسعار والضرائب، والرهان على مزيد من الاقتراض لسد عجز الميزانية داخل هذا القانون، يكون كافيا لاستخلاص أننا أمام قانون لا يملك مفاتيح حقيقية للتنمية والنمو والإقلاع، ولا يرتكز على الأوراش الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، ولا يحفز على الطلب الداخلي عوض الطلب الخارجي، ولا يعمل على الحد من التآكل الممنهج للقدرة الشرائية الداخلية، ولا يركز على اقتحام أسواق بديلة بسياسة تصديرية ناجعة، ولا يشجععلى الاستثماربتسهيلات أو امتيازات ضريبية لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة واستيعاب القطاع غير المهيكل، وهو ما يجعل الهدف الاستراتيجي لوضع بلادنا على سكة الإقلاع الاقتصادي الحقيقي، ودخولها إلى عالم الدول الصاعدة أمرا مستبعدا في الوقت الحالي في ظل غياب مقاربة، تستدعي آلية التدبير الماكرو اقتصادي، وتحدد أدوارا جديدة للميزانية، ولمكتب الصرف ولبنك المغرب للوصول إلأى نموذج تدبيري جديد وجريء، يتأسس على المقاربة الاقتصادية للسياسة المتبعة في البلدان المتقدمة.