عقد المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام، يوم أمس الإثنين اجتماعا خصص لمناقشة التداعيات القانونية والسياسية التي قد تترتب عن مصادقة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب على مشروع قانون المسطرة الجنائية، خاصة فيما يتعلق بالمادتين 3 و7 اللتين أثارتا جدلا واسعا. واعتبر المكتب أن التعديلات المقترحة تشكل تهديدا صريحا لجهود مكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام وتجرد المجتمع المدني والأفراد من حقهم الدستوري في التبليغ عن الجرائم ذات الصلة، كما تضعف من سلطة النيابة العامة باعتبارها الجهة القضائية المستقلة المختصة بتحريك المتابعات. وتوقف أعضاء المكتب عند ما وصفوه بالتصاعد المقلق لظواهر الفساد في عدد من المؤسسات العمومية، مستشهدين بقضية ما يعرف بشبكة الفساد بجامعة ابن زهر بأكادير، حيث تحوم شبهات حول التلاعب في الشواهد الجامعية وتزويرها، بما مكن أشخاصا من الاستفادة من مناصب ووظائف عمومية، بينهم منتخبون ورجال أعمال وحذرت الجمعية من خطورة هذه القضية على مصداقية الجامعة ومكانتها الأكاديمية، معتبرة أن هذا النوع من السلوك يمس بجوهر مؤسسات التعليم العالي ويقوض دورها كرافعة للتنمية والمعرفة والتنوير. وفي تحليلها لمضمون المادتين 3 و7 من مشروع المسطرة الجنائية، اعتبرت الجمعية أن النص المقترح يسعى إلى تحصين المسؤولين العموميين من الملاحقة القانونية، في تعارض صارخ مع مبدأ المساواة أمام القانون، ومع الالتزامات الدولية للمغرب، لا سيما اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها. ووصفت الجمعية هذا التوجه بأنه تراجع خطير عن الإصلاحات الدستورية التي نصت على تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتبرت أن التشريع لفائدة فئة معينة من المسؤولين يمثل انحرافاً في استعمال السلطة واستغلالا للمؤسسة التشريعية لخدمة مصالح ضيقة وريعية. وأبدت الجمعية استياءها من موقف الأغلبية الحكومية التي أبدت حماسا كبيرا لتمرير هذه المواد، في وقت تتجاهل فيه مبادرات جوهرية لتعزيز حكم القانون، من قبيل تجريم الإثراء غير المشروع وتنظيم تضارب المصالح وتعديل منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات. واعتبرت أن هذا التوجه لا يخدم ورش تخليق الحياة العامة، بل يفتح المجال أمام الإفلات من العقاب ويكرس مظاهر الفساد المؤسسي. وفي مواجهة ما اعتبرته تراجعا تشريعياً خطيرا، أعلنت الجمعية المغربية لحماية المال العام عن برنامج نضالي يروم فضح هذه الممارسات ومقاومتها من خلال سلسلة من المبادرات الميدانية والتواصلية. ويتضمن هذا البرنامج عقد لقاءات مع مختلف الأحزاب السياسية، سواء من الأغلبية أو المعارضة، لتوضيح موقف الجمعية من مشروع قانون المسطرة الجنائية، وفتح قنوات الحوار مع مؤسسات الحكامة مثل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومؤسسة الوسيط، ومجلس المنافسة. كما تعتزم الجمعية تنظيم ندوة صحفية في تاريخ ومكان سيتم الإعلان عنهما لاحقا، إلى جانب وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان يوم السبت 14 يونيو المقبل ابتداء من الساعة الرابعة مساء. وأكدت الجمعية في ختام اجتماعها أن معركة التصدي للفساد ونهب المال العام ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي ورش مجتمعي يتطلب انخراطا واعيا ومسؤولا من مختلف الفاعلين من أجل بناء مغرب يسوده القانون والعدالة وتصان فيه الأموال العمومية والمصلحة العامة.