أثار حفظ الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لعدد كبير من الشكايات ردود فعل متباينة، بعد أن اختارت الانتصار لحرية التعبير والتنوع الثقافي في مواجهة موجة من الانتقادات. فصلت الهيئة الهاكا في حوالي 200 شكاية، وجهت ضد القناة الثانية "دوزيم"، على خلفية بثها لحفل مغني الراب المغربي "إل غراندي طوطو" ضمن فعاليات مهرجان "موازين". تدفقت الشكايات بشكل متواصل منذ 2 يوليوز، احتجاجا على بث سهرة الفنان الشاب، التي شهدت حضورًا جماهيريا هائلا تجاوز 400 ألف متفرج، غالبيتهم من فئة الشباب. وعلى الرغم من النجاح الجماهيري، أعرب عدد من المواطنين عن استيائهم، واعتبروا أن بث الحفل على شاشة عمومية "غير مناسب". ركزت الشكايات على مضمون الحفل، مشيرة إلى تضمنه "عبارات ومشاهد لا تليق بالأخلاق العامة"، قد تؤثر سلبا، بحسب رأيهم، على القيم التربوية لدى فئة الشباب، خاصة في غياب تأطير مناسب أو توجيه. حيث حسمت الهيئة موقفها بتأكيدها أن تنظيم المشهد الإعلامي يقوم على مبدأ التناسب، وأنه لا يجوز وصم الفنان أو جمهور موسيقاه، بل يتوجب على المؤسسات الإعلامية العمومية توظيف الآليات المنصوص عليها في دفاتر التحملات، بما يوازن بين حرية التعبير، واحترام التعددية، وحماية المتلقي. استند القرار على الإطار القانوني المنظم لقطاع السمعي البصري، مشددا على أن تقييم جودة أو مضمون الأعمال الفنية، بما في ذلك الموسيقى ليس من صلاحيات الهاكا، التي لا تملك حق الرقابة أو فرض اختيارات تحريرية على القنوات. وذكرت الهيئة بعدد من المبادئ المؤطرة لعملها، أهمها أن الإعلام في المغرب يقوم على الاستقلالية والحرية، وأن من مهام القنوات العمومية التفاعل مع جميع فئات الجمهور، بما في ذلك الأجيال الشابة وأنماط تعبيرها الحديثة. كما أوصت الهيئة بتوفير سياق ملائم عند بث بعض الأعمال ذات الطابع الفني أو الغنائي، خاصة من خلال استخدام إشعارات تحذيرية مناسبة، مشيرة إلى أن بث حفل الراب موضوع الجدل جرى بعد الساعة 23:05، أي خارج أوقات الذروة. كما أعادت الهيئة التأكيد من خلال هذا القرار على أن خدمة الإعلام العمومي لا تُختزل في الرقابة، بل يجب أن تكون منصة منفتحة على مختلف التعبيرات الثقافية، مع الحرص على التنوع والاندماج ومراعاة تحولات الذوق العام خاصة لدى فئة الشباب.