تابع الرأي العام التقرير الأخير الصادر عن مجلس المنافسة بشأن مستجدات سوق المحروقات بالمغرب، في أعقاب الغرامة التصالحية الموقعة سنة 2023 مع عدد من شركات التوزيع، وذلك بناء على الشكاية الرسمية التي رفعتها النقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل منذ سنة 2016. سجلت النقابة، في إطار مساهمتها في النقاش الوطني الدائر والغضب الشعبي المتصاعد بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار المحروقات وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، عددا من الملاحظات الجوهرية على هذا التقرير: غرق التقرير في معطيات تقنية ومواضيع خارجة عن اختصاص المجلس، ترتبط بإدارات أخرى كالجمارك ومكتب الصرف ووزارة الانتقال الطاقي، وهو ما يثير التخوف من تحول عملية تجميع المعطيات التجارية إلى وسيلة لتبادل المعلومات الحساسة بين الفاعلين، في خرق صريح للقانون وتشجيع غير مباشر على التنسيق السعري المحظور. تحاشى المجلس الإفصاح عن أسماء الشركات التسعة التي سبق أن اعترفت بمخالفة قانون المنافسة وحرية الأسعار، في حين لم يتردد في ذكر أسماء شركات أخرى لا علاقة لها بالملف، مما يطرح تساؤلات حول الحياد والشفافية في التعاطي مع القضية. وغاب عن التقرير السؤال الجوهري: هل لا تزال الشركات المدانة تواصل خرق القانون؟ وإن كان الأمر كذلك، فلماذا يتلكأ المجلس في تفعيل العقوبات الزجرية التي يخولها له القانون؟ حيث تجنب التقرير إجراء مقارنة واضحة بين أسعار المحروقات قبل قرار التحرير وبعده، ولم يقدم أي تفسير منطقي للارتفاع المفرط في هوامش أرباح عدد من الشركات، خصوصا تلك المدرجة في البورصة والتي أظهرت مضاعفة أرباحها في سنتي 2016 و2017. كما تفادى المجلس التطرق للانعكاسات الخطيرة لأسعار المحروقات على كلفة الإنتاج والمعيش اليومي للمغاربة، كما تراجع عن موقفه السابق المؤيد لضرورة استرجاع المغرب لأدوات تكرير البترول الوطني، في تجاهل لمطلب استراتيجي يحظى بإجماع وطني. فيما خيب المجلس آمال المواطنين حين اكتفى بدور المتفرج والناصح، متناسيا أنه سلطة تقريرية تمتلك صلاحيات تدخلية في مراقبة الأسواق وردع التجاوزات، وليس هيئة للإرشاد أو التطبيع مع واقع الأسعار الفاحشة. وأرجع النقابيون مسؤولية انفلات الأسعار بالدرجة الأولى إلى قرار تحرير السوق وإلغاء الدعم، محملين رئيس الحكومة كامل المسؤولية باعتباره الجهة المخولة قانونا لإعادة تنظيم القطاع ووضع حد لفوضى الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطنين.