في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه الوسائط الرقمية منصات للتعبير الحر والتفاعل البناء، تتحول للأسف إلى ساحة مفتوحة للتنمر والتشهير والإساءة، وخصوصا تجاه النساء والفتيات. في المغرب دقت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة ناقوس الخطر بشأن الارتفاع المقلق لظاهرة التنمر الرقمي، مؤكدة أن هذه الأفعال المهينة باتت تمارس بشكل شبه يومي على مواقع التواصل الاجتماعي دون أي رادع قانوني فعال، ما يجعل النساء والفتيات أكثر عرضة للانتهاك النفسي والاجتماعي. وفي بلاغ رسمي لها، عبرت الجمعية عن قلقها العميق من تصاعد هذه الظاهرة، التي لم تعد مجرد حالات معزولة، بل أضحت جزءا من واقع رقمي يتساهل مع العنف الرمزي الموجه ضد النساء. فبحسب الجمعية لا تقتصر خطورة هذه السلوكيات على الإساءة المعنوية فقط، بل تمتد لتخلف آثارا نفسية وصحية خطيرة، قد تصل في بعض الحالات إلى تفكير الضحايا في إنهاء حياتهن وهو ما حدث فعلا في وقائع صادمة استقتها الجمعية خلال عملها الميداني. أحد أبرز الإشكالات التي تسجلها الجمعية يتمثل في غياب إطار قانوني صريح يجرم التنمر الرقمي بمفهومه الشامل. فبينما يتضمن القانون الجنائي مقتضيات متعلقة بالسب والقذف والتشهير تظل الأفعال الرمزية المهينة كالتعليقات الساخرة، أو نشر صور وفيديوهات خارج سياقها بعيدة عن نطاق التجريم ما يفتح الباب أمام مرتكبيها للإفلات من العقاب ويزيد من هشاشة وضع الضحايا، اللواتي غالبا ما يجدن أنفسهن في مواجهة تنمر مضاعف تنمر رقمي من جهة، ولا مبالاة مؤسساتية من جهة أخرى. وأشارت الجمعية إلى أنها انخرطت منذ أكثر من عام، في جهود متواصلة للترافع من أجل إقرار نص قانوني خاص بالعنف الرقمي ضد النساء والفتيات وعلى الرغم من تسجيل بعض التعديلات على القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، إلا أن الاستجابة التشريعية وفق الجمعية، لم تصل بعد إلى الحد الأدنى المطلوب لمواجهة هذه الظاهرة بجدية تتناسب مع خطورتها لاسيما وأن الأمر يتعلق بالحق في السلامة الجسدية والنفسي بل وبالحق في الحياة في بعض الحالات القصوى. وفي هذا السياق، طالبت الجمعية الحكومة المغربية بالإسراع في ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع تطورات الجريمة الرقمية من خلال إدراج التنمر الرقمي ضمن الأفعال المجرمة، وتحديد عقوبات واضحة تضمن ردع مرتكبيها إلى جانب وضع سياسات عمومية شاملة تروم توعية المواطنات والمواطنين بخطورة هذا النوع من العنف الذي يتخفى خلف شاشات الهواتف والحواسيب. وأكدت الجمعية في ختام بلاغها، أنها ستواصل نضالها إلى جانب الضحايا، من خلال تقديم الدعم النفسي والاستشارات القانونية والعمل على تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر التنمر الرقمي كما دعت كافة الفاعلين، سواء في المؤسسات الرسمية أو المجتمع المدني، إلى التحلي بالمسؤولية والانخراط في معركة جماعية من أجل حماية النساء والفتيات وضمان حقهن في فضاء رقمي آمن يليق بكرامتهن الإنسانية ويصون حرياتهن.