البطاقة التقنية المؤلف : عبد الناجي ميراني ، المخرج : محمد عاطفي ، فيسينوغرافيا : الحسين حطوطو ، غناء : سعيد عاطفي سناء بحاج ، تشخيص : محمد عاطفي العربي الساسي سناء بحاج سعيد عاطفي محمد العضموني عبد الكبير الهيلالي فاطمة الزهراء ميراني ، المناسبة : اليوم العالمي للمسرح 27 مارس 2010 ، مكان العرض : دار الثقافة محمد حجي سلاالجديدة ، الإنتاج : فجر للإنتاج السمعي البصري و المسرح إشارة لا بد منها : قبل أن نستأنف قراءة هذا العرض المسرحي لا بد من الإشارة إلى أن هذا العمل قبل أن يعرض بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس أمام اللجنة الوطنية للترويج المسرحي ، قد عرض لأول مرة لطلبة مدينة العرائش حيث لاقى تجاوبا كبيراً لدى الحاضرين 1 تيمة العنوان . منذ الوهلة الأولى يضعنا عنوان العرض أمام نص مستقل بذاته ، فماذا تعني كلمة ديمو إذن ؟ديمو في دلالتها اللغوية تعني الشعب فالكلمة إغريقية بلا شك ، لكن شقها الثاني مبتور عن قصد و معناه الحكم . فمن هو ديمو إذن ؟ و ما هي دلالات المفهوم في سياق العرض المسرحي ؟ 2 ديمو بين الواقع و الحلم . ينفتح العرض على زنزانة انفرادية قاتمة اللون محاطة بجدران و أقفاص حديدية في هذا المكان نشاهد ديمو يكتب مذكراته ، فهو معتقل رفقة قلمه و كتابه ، و بالتالي فهو رمز لسجناء الرأي و التفكير . تتوالى الأحداث ليواجه هذا الأخير جلاديه الذين سنكتشف فيما بعد أنهم أميون جهلة ، و هنا تكمن مفارقة السخرية التي تزخر بها الأنظمة العربية . و رغم قساوة المكان ، و إصرار الجلادين على معرفة تفاصيل ما يدور برأس ديمو عبر اِستنطاقه و تعذيبه ، و معرفة مكان رحيمو التي هي رمز للمرأة العربية بصيغة التعدد يبقى ديمو مُصراً على عشق الوطن ، و تباث في الموقف سواء داخل قبو الزنزانة أو بعد ترحيله خارجها . يقول ديمو في هذا الصدد ׃ ا حنا جيل قلم الرصاص ، حنا جيل كتبنا بالإخلاص ... بالجمر بالقرطاس .... حب الوطن ... هو الأساس ... و كل واحد فينا ... بالحب و الإيمان ... ضحى ديما ... ما طلب كريمة ... ما ساوم ما خان يتجلى بالملموس أن ديمو هنا يعود بنا إلى ما اصطلح عليه بسنوات الجمر والرصاص ، فهو إذن ضحية مرحلة قاومها بصدق و حب و إيمان لتحقيق حلم راود جيل تلك المرحلة . يصرخ ديمو بعد حصة تعذيب ׃ بغيت نبول...عل الكلام لي وسخني ... ردني في الدنيا مجهول و مسخنينستشف من هذا الحوار أن ديمو يرغب في البول على الكلام ، كلام المديح الزائف الذي يزين الرعية للحاكم ، و بالتالي يتبوأ البول هنا كمركز للدناسة منهاجاً جريئاً للنقذ و تفكيك خطابات تدعي القداسة عبر كلام ظاهرهزواق و باطنه نفاق . 3 ديمو من سجن لسجن آخر . في لحظة ترحيل ديمو من المعتقل لمعانقة الحرية التي من أجلها اعتقل ، يطالب جلاديه بإنصافه عن سنوات العمر ، و شبابه الذي ضاع في أقبية السجن . يخرج ديمو أو يرحل بعد تفتيشه تفتيشا دقيقا فيجد نفسه وسط شارع لا فرق بينه و بين المعتقل .فالأول سجن صغير و الثاني سجن كبيرو تزداد محنة ديمو في هذا المكان حيث يبدو شيخا و خطه الشيب ، و بدت على ملامحه آثار السنين ، و الاعتقال حاملاً معه كتاباً و رأسا مليئا بالحنكة و التجربة لكنه سرعان ما سيصطدم بشرائح أخرى تمثل ديمو / الشعب تتحدث لغة أخرى لن تتعرف عليه رغم أنه كرس حياته من أجلها ، و هنا تبدأ المأساة الحقيقية من خلال إحساسه بمفارقة بين مرحلتين : مرحلة جيله ،و جيل آخر. 4 ديمو فشل جيل أم فشل مرحلة ؟ في الشارع نشاهد دمية و هي تعبير رمزي لواقع الأطفال المتخلى عنهم، يحتضنها رجل مدمن على شرب الكحول، هو نفسه متخلى عنه. و هنا تكمن مفارقة أخرى تتمثل في السؤال الصادم: من سيحتضن الآخر ؟ و هل هذا الرجل المدمن مؤهل لتربية هذه الطفلة ؟في نفس المكان نشاهد أيضا ستيكا و هي عبارة عن فتاة شابة في مقتبل العمر فقدت هويتها الأنثوية ، و سلكت طريقا تطلب من خلاله الهجرة السرية إلى بلاد الغرب ، رفقة تكتيكا وهو شاب فقد هو الآخر هويته الجنسية . و في ذروة هذا المشهد الذي نلمس عبره صراعا خفيا بين جيلين ׃الأول يمثله ديمو المعتقل السابق المتشبث بثقافة المقاومة، و حب الوطن، ورفض الهروب من الواقع مع العمل على مواجهته بحراك و شجاعة، و الثاني يمثله جيل موسوم بثقافة القهر وتدمير الذات .خلال هدا الصراع يصرخ تكتيكا في وجه ديمو و جيله ׃انتوما اللي علمتونا هاكا... انتوما اللي ربيتونا هاكا .. .وفي نفس السياق تضيف ستيكاماشي انا اللي فشلت ...فشل جيل و فشلت مرحلة نحن هنا أمام محاكمة أشبه بشماعة يعلق فيها الجيل الثاني مسؤولية الفشل على الجيل الأول ،لكن ديمو بحنكته و تجربته يعزو المسؤولية للجميع ، ويناشد الشباب باستئناف المشوار ، وثنيهم عن الهروب من الواقع ، فالوطن بحاجة إليهم باعتبارهم المفتاح و الباب بتعبير ديموفي نهاية العرض يسلمهم ديمو كتابا و يدعوهم لقراءته و إعادة كتابته . فهل يمكن اعتبار هدا الكتاب ذكريات و حياة ديمو أم هو التاريخ ؟ خلاصة المسرحية ، إذن ، تتعرض لواقع السجون العربية ، و محنة معتقلي الرأي والتفكير، ويتجلى ذلك من خلال بث الصور الفظيعة لأبو غريب و غوانتانامو مصحوبة بأغنية مؤثرة . و هنا إشارة دالة على فضح راعية حقوق الإنسان ، و فضح السجون السرية المنتشرة في أكثر من دولة في العالم . من خلال هذا السياق المتأرجح بين الواقع و الحلم ، ينجح ديمو المعتقل السابق في إقناع كل من ستيكا و تكتيكا اللذين يمثلان جيل الشباب ، بأن التغيير لا يتم من الخارج و إنما من الداخل . وقد لقي هدا الخطاب تأثيرا في نفسيهما ، حيث يصرخ تكتيكا ׃لا .. ما نهربوش .. و نخليو البلاد .. فريسة للدياب ..فتعقب ستيكا ׃لا .. ما نحركوش .. و نبيعوا العز و الكرامة .. ونعيشوا فالعذاب ..ثم تنتهي المسرحية بصوت واحد ملتف حول الوطن العربي وكل القيم الجميلة فيه، منددا بالحصار المضروب على سجن آخر اسمه غزة بأغنية مؤثرة׃واخا يشدوا عليك الحصار..واخا يدكوا ألف مسمار..لا بد نفديك يا يما ..لابد نفديك..ونعيشوا أحرار...