بقلم:ريتا بشارة عودة ناقدة فلسطينية مقيمة بأمريكا تعتبر الشاعرة و الروائية الجزائرية الشابة "هدى درويش" من القامات الأدبية و الأكاديمية الواعدة فقد صنعت في سنوات قليلة جدا تجربة مميزة ،حضورها لافت و لا يمكن أن أنسى حين قرأت عنها أنها لا تعتبر نفسها "أديبة" بل "كاتبة " و أنّ درجة الأديب لا تأتي الا بعوامل ثقيلة يمثلها الزمن و التجربة و العمل على صقل الموهبة ، و هو الصعب الذي لا يمكن لهذا الجيل الصغير من المبدعين إنتاجه خاصة و نحن نرى أنّ الساحة الثقافية العربية أصبحت مفتوحة ، مخترقة، يدخلها الجميع و يعتبرون أنفسهم مدارس أدبية ... في حين ما تتراكم السنين على طبقة كبيرة من بعض كتاّب الثمانينات و ما بعدها ليصبحوا "أدباء" بشيب الأقدمية ، لذلك اعتبر هذه الكاتبة الشابة متميزة و متفرّدة و ذلك لربما اول مفاتيح النجاح و الاحترافية . في شخصها صادق العلم الأدب فهي تلك الطبيبة النجمة التي وضعت بصمتها على خارطة الشعر المغاربي و العربي الحديث ، و هي أيضا "حسناء الأدب الجزائري" حسب الكتاب النقدي القيّم الذي أصدره بحقها الناقد و المحاضر السابق بجامعة القدس المفتوحة الاستاذ "عبد المجيد جابرالتميزي" في نسختين احداهما بالقاهرة عن دار الحكمة للنشر و التوزيع التي أنتجت ديوانها " لك وحدك" و نسخة ثانية عن دار الجندي الرائدة في عالم النشر و التوزيع من مقرّها بمدينة "رام الله" الفلسطينية . تعتبر نصوص الروائية "هدى درويش" من النثر المجدد ، المتمرد، النابض و الرافض ، هي مجموعة تناقضات و صراعات إنسانية تدفقت حرفا ساحرا في رواية ثابتة الأركان ، صائبة الاتجاه و متقنة اللغة. 1.بعيدا عن البرناسية: تعتبر هذه الرواية واقعية الى حد بعيد ، يتخللها الإيحاء و الرومانسية و الجرأة " التي تحترم عقل القارئ" و ذلك نلحظه بداية باعترافات الإهداء التي تشير بشكل صريح أن واقع الرواية ببطلاتها الثلاث : وهيبة ، حياة و روز ...قادمة من الواقع بصدفة غير مقصودة . نهاية حياتها مرتبطة بالتوقف عن الكتابة ، هي هدى درويش التي ترى المرأة بمنظار مختلف و تكتب لأنثيات لم يولدن بعد!! 2.ارادة نسائية لا تُهزم : حين تتفحص هذا العمل الذي صدر في حوالي 200صفحة عن المجموعة الدولية للنشر و للتوزيع "سما" بالقاهرة ، نجد إرادة نسائية تثبت نفسها ، تتحدى، تؤثر و تغيّر ... لا تعترف بالعوائق أو الطابوهات ، إرادة صحيحة نابعة من القيم السامية و الإيمان بالغد الأفضل. 3.وهران ،مدينة الخذلان التي لا غنى عنها: المدينة الساحلية الساحرة منذ عهد "سارفانتيس" الإسباني بقيت لتتغنى بها هدى على طريقتها ، بوصفها في محنة الحرب الأهلية التسعينية التي أُضرمت في جسد الجزائر ... 4.اللغة المنفتحة: اللغة هي الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها الكاتب للتعبير عن مكنونات الحدث و قد تميزت لغة الرواية بطبائع مختلفة و متنوعة و كأنك تقرأ لأكثر من كاتب في ذات العمل كما أنها اهتمت بتوظيف بعض المفردات التي تكشف الثقافة المزدوجة للكاتبة و محاولتها خلق جسور في ذهن القارئ بين ثقافة الاليزيه و الجذور الجزائرية لبيئة الرواية : " البولفار " ..."البالكون" ..."إيرل بيز " و غيرها من الألفاظ التي تقود القارئ الذي لا يملك مفردات مفرنسة الى القاموس او صفحات الويب بحثا عن ثقافة الكاتبة و انتماءاتها ... 5.وجه المحبة الآخر : مؤمنة هذه الكاتبة بالاختلاف و التعدد و درس التعايش واضح في عملها من خلال" أوديت" الصديقة الوفية ،مارونية المذهب التي كانت توأم روح البطلة المسلمة " حياة" و التي يخطفها الموت و يجعل شجن الذكرى بلا ذاكرة ... و التنويع في البيئة ايضا بين " وهران" و "سوسة" و "باريس" و "ليموج " و التمسك اخيراً بالجذور في حلم العودة. كتبت عن المرأة ليقرأها الرجل ... و كأن الروائية تبحث عن نفسها حين تسرد ما يمكن له ان يجعل امرأة بلا ذاكرة ، غير فقدان الذاكرة المرضي ، كسيمفونية هادئة ليلا تتوقف بين سطورها ليصل للقارئ ما كانت تريد البوح به . 6. صِدَام ٌمع الواقع و رغبة في التمرد: كمرجع نقدي متميز ، لابد من أعمال مشابهة ان تزين جنبات مكتباتنا على مساحة الوطن الكبير ، فهي الرواية التي كما سلف الذكر سلطت الضوء على حالة الأنثى العربية و هو موضوع اجتماعي يجرم المرء اذا اقترب منه او لامسه ، هي تلك الأفكار المغشوشة في الاذهان و المفاهيم و العادات الاجتماعية الرجعية البالية و المتخلفة و التي تقيأيتها المجتمعات المتحضرة و نبذتها الا ان بنت الجزائر الحرة أبت الا ان تتناولها و تكتب بوعي و التزام و تضع حلولا غير آبهة بكل تلك التفاصيل الرخيصة و ابدعت ايما ابداع في سرد وقائع حقيقية . 7.المنطقية و الانسياب في الأحداث: حيث تعالج الكاتبة قضية امتهان كرامة المرأة في الجزائر نهاية القرن الماضي و تستمر أحداثها على وتيرة حادة تتراوح بين الهبوط و الصعود فتنتقل بالقارئ من حالة التأقلم الى عنصر التشويق و الحماسة ... ليستريح فيما بعد عند " استرجاع" الأحداث بأسلوب الفلاش باك الهادئ رغم تصاعد الايقاع وصولا الى العقدة . و أختتم هذه القراءة بالإجماع على ان الروائية هدى درويش تظهر قاصة في كل جزء من أجزاء روايتها الثلاثة كما انها استفادت من تقنيات الرواية الجديدة و من آليات الرواية المنولوجية كما جسدت الواقعية الانتقادية قي صورة متعددة الأبعاد و اهتمت بالوجودية الانسانية و أنصفت الرجل بموضوعية تصوير وجع الأنثى .... و احسنت تداخل الازمنة و الامكنة و جعلت الحوار الداخلي يحلّ محل الفواصل الزمنية و يحتضن ذهن المتلقي في فضاء كبير المدى : قلتُ: هل هي حبيبتك ؟! قال: كانت و أصبحت بلا ذاكرة !!