سومية نوري – عادت مجددًا قضية شركات نقل العمال والمستخدمين وحوادث السير المروعة والمميتة التي ترتكبها العربات التابعة لهذه الشركات في بعض المدن المغربية إلى سطح الجدل والنقاش العام. حيث تتسم هذه الحوادث غالبًا بانتهاكات مبالغ فيها لقانون السير وحقوق المستخدمين الآخرين على الطريق، مما يؤدي إلى عشرات الوفيات والإصابات التي تفرض كلفة اجتماعية وإنسانية باهظة. وتزايد الجدل حول هذا الملف بعد صدور الحكم الابتدائي في القضية الرائجة أمام ابتدائية طنجة بشأن حادثة السير التي ارتكبها سائق إحدى شركات نقل العمال والمستخدمين في نفس المدينة، حيث قام بالتسبب في صدم طبيبة كانت تسير فوق ممر الراجلين، قبل أن يقوم بمغادرة موقع الحادث بعدما علم بأن الضحية لفظت أنفاسها الأخيرة. وقد اهتز الرأي العام بطنجة في يوم 19 أكتوبر 2022 على وقع حادثة سير مميتة أدت إلى وفاة طبيبة في الشهر الثامن من حملها، وذلك بسبب ارتكاب السائق لجنحة القتل بغير عمد بسبب عدم احترام السرعة المفروضة وصدم الضحية على ممر الراجلين. وقد أعرب الكثيرون عن استيائهم لتصرف السائق الذي غادر بسيارته مكان الحادثة، إلا أن المصلحة الولائية للشرطة القضائية تمكنت من تتبع السيارة وتحديد مكانها وحجزها، ومن ثم توقيف السائق في حي البرانص القديمة. وفي سياق متصل اعتبر حقوقيون ومهتمون بالمجال، أن خطورة حوادث السير المرتكبة اليوم بالمغرب؛ والتزايد المستمر لعددها ناتج – في جانب كبير-؛ عن غياب النجاعة والفعالية الزجرية الواردة في نصوص قانون السير الحالي؛ وأيضا ناتجة عن تساهل جزء مهم من القضاء مع مرتكبي حوادث السير بمبررات "ظروف التخفيف" او ما شابه ذلك؛ وهو الواقع الذي يستدعي -حسب هؤلاء الحقوقيون- ضرورة المراجعة الشاملة لهذا القانون؛ ولما لا؛ فتح حوار وطني حول الموضوع. وداىما في ارتباط بنفس الموضوع، استقبل المعنيون بملف الطبيبة الراحلة- من ذوي الحقوق؛ وزملاء الراحلة من قطاع الطب والصيدلة؛ وبعض فعاليات المجتمع المدني بطنجة ونشطاء مواقع التواصل الإجتماعي...- باندهاش واستياء عميق الحكم الصادر أخيرا عن ابتدائية طنجة؛ والقاضي في الدعوى العمومية بمؤاخذة المتهم من أجل ما نسب إليه من التهم؛ والحكم عليه بستة أشهر حبسا نافذة؛ معتبرين ذلك لا يتناسب وحجم الضرر الحاصل؛ حتى وإن تضمن نفس الحكم حرمان السائق من رخصة السياقة لمدة سنتين؛ واخضاعه لدورة تدريبية على السلامة الطرقية. وتفاعلا مع الموضوع؛ ومباشرة بعد نطق المحكمة الابتدائية بالحكم؛ أصدرت جمعية الأطباء المقيمين بطنجة بتاريخ 23 فبراير 2023؛ بيانا اعتبرت فيه أن ملف الطبيبة (ح.ب) هو ملف جميع الأطباء المقيمين بالمشتشفى الجامعي محمد السادس بطنجة؛ معلنة في نفس البيان عن عزمها على تتبع مختلف تطورات هذا الملف المعروض أمام القضاء. البيان ذكر أن الطبيبة التي راحت؛ هي وجنينها؛ ضحية حادثة سير مروعة "بطلها" ساىق لا مبال كان يقود بسرعة متهورة؛ وبالمجال الحضري؛ حافلة لنقل العمال والمستحدمين؛ وهي الحادثة التي كانت كفيلة بقذف الضحية بعيدا عن ممر الراجلين لمسافة تزيد عن 60 مترا؛ وتلفظ أنفاسها؛ للأسف؛ حالا وبعين المكان. الاطباء المقيمون بالمستشفى الجامعي بطنجة نظموا؛ أيضا؛ أمام كلية الطب والصيدلة بنفس المدينة؛ وقفة تضامن ومساندة لملف زميلنهم الراحلة؛ وذلك في أفق الإقدام على خطوات نضالية وتضامنية أخرى؛ سيتم تحديد طبيعتها وشكلها بناء على التطورات التي سيعرفها الملف أثناء عرضه؛ من طرف هيأة الدفاع؛ على محكمة الإستئناف في الأيام القليلة المقبلة. وعلمت الجريدة أن أطباء باقي المصالح الطبية بنفس المدينة؛ وتمثيلياتهم النقابية يتدارسون إمكانية تنظيم أشكال تضامنية مع ملف هذه الطبيبة التي راحت ضحية أفعال ارتكبها شخص في حالة تهور ولا مسؤولية؛ وبسبب استخفاف بعض شركات نقل العمال والمستخدمين بمعايير اختيار السائقين المشتغلين لديها؛ وأيضا في ظل غياب ظروف عمل مواتية لهؤلاء السائقين في الكثير من هذه الشركات التي أصبح بعضها عنوانا بارزا ل"جرائم الطريق" ويرى بعض المتتبعين أن ما جعل ملف الطبيبة الراحلة (ح.ب) يأخذ كل هذا المنحى؛ ويتجاوب مع حيثياته وتفاصيله الراي العام بقوة وتفاعل كبيرين؛ هو حجم الخروقات التي أضحى يعرفه قطاع نقل العمال والمستخدمين بطنجة؛ وبعموم التراب الوطني؛ وأيضا بسبب حوادث السير التي ترتكبها هذه الشركات؛ حتى أصبح الموضوع يشكل كابوسا حقيقيا لمستعملي الطريق؛ ولدرجة يعتبر البعض أن العربات المملوكة لهذه الشركات بمثابة "0لة حرب لا تتوقف عن القتل عندما تنزل الى الشارع".