بعد ست سنوات من إغلاق المعبر الجمركي البري في سبتةالمحتلة، باتت مؤشرات ميدانية تؤكد سريان اتفاق الجمارك التجارية بين المغرب وإسبانيا، حيث بدأت أولى العمليات التجارية تمر عبر معبر "تراخال" في الأسابيع الأخيرة، في خطوة تعكس نجاح الرباط في فرض رؤيتها لتنظيم المبادلات التجارية وفق إطار رسمي يخضع لمعايير السيادة المغربية. وتشمل العمليات المسجلة حتى الآن دخول شحنات من الأسماك ومواد البناء من المدن المجاورة، في مقابل تصدير منتجات النظافة الشخصية والمعدات المرتبطة بصناعة السيارات من سبتة إلى السوق المغربية، وهو ما يمثل تحولًا جذريا في طبيعة المبادلات التي كانت تتم سابقًا في إطار غير منظم. ورغم إعلان الحكومة الإسبانية منذ يناير 2023 التزامها بالاتفاق المبرم مع المغرب لاستئناف التبادل التجاري عبر المعابر البرية، إلا أن التنفيذ تأخر بسبب مفاوضات مطولة فرضت خلالها الرباط شروطها لضمان أن يتم استئناف هذه المبادلات وفق صيغة تتماشى مع رؤيتها السيادية، بعيدًا عن الممارسات السابقة التي كانت تعتمد على شبكات غير نظامية. وقد استند المغرب في موقفه إلى اتفاق يعود إلى عام 1957، وقع بين الملك الراحل محمد الخامس والجنرال فرانكو، وهو ما عزز مطالبه بإعادة هيكلة الحركة التجارية بين سبتة والمملكة وفق ضوابط جديدة. وفي مدينة سبتةالمحتلة، تتحدث الصحافة الإسبانية عن "انطلاق فعلي" للجمارك التجارية، لكن ضمن نطاق محدود من المبادلات التي تخضع لمراقبة صارمة، حيث لا تزال الإجراءات التنظيمية تتحكم في طبيعة وحجم السلع المتبادلة. ويرى متابعون أن هذه الدينامية الجديدة تهدف إلى تكريس نموذج اقتصادي مغربي بديل يضع حدًا لتهريب السلع الذي شكل لعقود أحد أبرز مصادر الإيرادات غير المشروعة في المدينةالمحتلة. وتزامن ذلك مع فرض السلطات المغربية قيودا متزايدة على المسافرين عبر المعبر، ما أدى إلى تقليص تدفق البضائع غير النظامية التي كانت تمر تحت غطاء ما يُعرف ب"الاقتصاد غير المهيكل". ويشير تطور المبادلات عبر المعبر إلى أن التغيير الذي فرضه المغرب لم يكن ظرفيا أو محدود التأثير، بل يندرج ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة رسم معالم العلاقات الاقتصادية بينه وبين إسبانيا، خاصة في ما يتعلق بمستقبل التجارة عبر سبتة. وتؤكد مصادر إسبانية أن الجانبين سيواصلان مراجعة قائمة السلع المسموح بتداولها عبر المعبر وفق اجتماعات دورية، مما يترك الباب مفتوحًا أمام تعديل قائمة المنتجات المرخصة وفقًا لأولويات المغرب الاقتصادية. ويرى خبراء أن الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ يعكس، في جوهره، اعترافا إسبانيا عمليا بالشروط المغربية في ما يتعلق بضبط حركة البضائع على الممرات البرية، مما يضع حدا نهائيا للوضع السابق الذي استفادت منه شبكات تجارية غير رسمية على حساب الاقتصاد المغربي. ويشكل هذا التطور امتدادا لمرحلة جديدة في العلاقات بين المغرب وإسبانيا منذ التقارب الدبلوماسي الذي انطلق في مارس 2022، بعد الموقف الإسباني المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، حيث أفضت المفاوضات بين البلدين إلى إعادة ضبط قواعد التعاون الاقتصادي والتجاري، لا سيما في المناطق التي كانت تشهد نشاطًا تجاريًا غير مهيكل. ورغم استمرار ضبط المبادلات في سبتة ضمن نطاق محدود، إلا أن ذلك يمثل، وفق محللين، انتصارًا مغربيًا على صعيد فرض قواعد جديدة للعلاقات التجارية الثنائية، بما يكرس سيادته على تحديد شروط التبادل عبر حدوده.