في تحول استراتيجي يشير إلى تغير موازين القوة في النقل البحري عبر مضيق جبل طارق، تباشر شركة "باليريا" الإسبانية مهامها في تدبير خط طريفة – طنجةالمدينة، بعد إنهاء شركة FRS/DFDS لنشاطها في هذا الخط الذي أدارت جزءاً من حركته لأكثر من ربع قرن. ويأتي هذا التغيير في أعقاب فوز "باليريا" بامتياز تدبير الرصيف رقم 3 في ميناء طريفة لمدة 15 عامًا، ضمن مشروع يُنتظر أن يحوّل الخط البحري إلى أول محور "أخضر" بين القارات. وبينما نقلت FRS أزيد من 16 مليون مسافر منذ سنة 2000، فإن انسحابها لم يُقرأ في الأوساط البحرية كتقاعد طوعي بقدر ما اعتُبر إقرارا ضمنيا بعدم القدرة على مجاراة النموذج الجديد الذي تقترحه "باليريا"، القائمة على دمج النقل السريع بالكهرباء في أفق 2027، باستثمار يقارب 160 مليون يورو في سفن سريعة تعمل بالطاقة النظيفة. وأعلنت هيئة الموانئ الإسبانية رسميا عن بدء تنفيذ مشروع السفن الكهربائية من طرف "باليريا"، وهو ما سيسمح بخفض الانبعاثات بنسبة قد تصل إلى الصفر، في واحد من أكثر الخطوط نشاطا في غرب المتوسط. ويأتي هذا الاستثمار في وقت تُبدي فيه السلطات الإسبانية والمغربية اهتماما متزايدا بتطوير الربط البحري المستدام، خصوصاً في ظل رهانات خفض الانبعاثات ومواكبة المعايير الأوروبية الجديدة في مجال البيئة. وفيما تواصل FRS/DFDS تشغيل خطوط أخرى نحو طنجة المتوسط وسبتة، اكتفى مسؤولوها بإصدار إشعار تقني يؤكد نهاية العمل في خط طريفة – طنجة دون توضيح خلفيات القرار، تاركين المجال مفتوحا أمام التأويلات في أوساط العاملين بالقطاع. بالمقابل، أكدت "باليريا" التزامها بإعادة دمج بعض المستخدمين المتضررين من مغادرة الشركة السابقة، ابتداء من 7 ماي الجاري. ويُعد هذا التطور مؤشرا على تغير متسارع في ديناميات الربط البحري بين الضفتين، حيث لم تعد الخبرة وحدها كافية، بل باتت الرؤية البيئية والتكنولوجية محدداً رئيسياً في مآل الامتيازات. وبينما آثرت FRS التواري بصمت، تتقدم "باليريا" برهان واضح المعالم: تحديث مستدام يربط بين أوروبا وإفريقيا، دون ضجيج، ولكن بخارطة طريق محكمة. ويُرتقب أن تعزز الشركة حضورها في محور طريفة – طنجةالمدينة مع تحسّن البنية التحتية المينائية، واستكمال عمليات المواءمة البيئية والتقنية التي تتيح احتضان الجيل الجديد من السفن الكهربائية، في انتظار سنة 2027 التي وُصفت داخل الشركة ب"نقطة التحول التاريخي" في الربط بين القارتين.