كان يفترض ان يكون عيد الاضحى المقبل لحظة صفاء وصدق جماعي، مناسبة نادرة ليراجع المغاربة علاقتهم بالاستعراض الاجتماعي، وان يعيدوا الاعتبار للجوهر بدل القشور. لكن بدل ان نرتقي جميعا الى مستوى الدعوة الملكية النبيلة، التي خاطبت ضمائر المواطنين في ظرف اقتصادي خانق، هرول كثيرون الى الحظائر والاسواق كأنهم يثأرون من انفسهم لا لشيء فقط لأن أسعار الاضاحي تراجعت قليلا وكأننا كنا ننتظر هبوط الثمن لنبرهن ان العيد عندنا لا يُفكر فيه بل يُستهلك. هذا التناقض الصارخ او بالاحرى هذا الانفصام المزمن بلغ حد الوقاحة هذا العام. فقبل اسابيع فقط كانت منصات التواصل تعج بنداءات الاستغناء عن الشعيرة، وكان البعض يُسوق قراره بعدم الذبح كنوع من الوعي الاجتماعي، وكأننا امام صحوة مواطنين حقيقيين. واليوم يكاد أولئك أنفسهم يعتدون على ابواب الاسواق، يتدافعون يتفاوضون يلهثون خلف "الدوارة" كأنها تاج العز. لكن الاخطر ليس في هذا الازدواج النفسي وحده بل في تورط شبكات كاملة من المتاجرين بالدين والموسمية، ممن وجدوا في الدعوة الملكية فرصة سانحة للربح من جيوب البسطاء. مساحات تجارية كبرى شرعت بلا خجل في تسويق عروض العيد على شكل اضاحي جاهزة مذبوحة ومغلفة كأنها تتحدى صراحة مضمون الرسالة الملكية. لا احترام للظرف، لا تقدير للحكمة المتضمنة فيها، لا اكتراث لا لمغزى الشعيرة ولا لكرامة المواطن فقط شهية مفتوحة للربح ولو على حساب كل شيء. ان ما جرى هذه السنة لا يُظهر فقط استخفافا بمضمون الدعوة الملكية بل يكشف بلا مواربة خللا اخلاقيا عميقا يسكن سلوك شريحة واسعة من المجتمع، ويُغذيه تواطؤ مساحات تجارية، لوبيات اللحوم، وسماسرة "المظاهر". نحن أمام نوع من الناس لا يربط الدين بالسلوك، ولا يربط الشعيرة بالقصد، ولا يرى في العيد سوى لحما يجب ان يُشترى ويُصور ويُعلق عليه "انعمتم". لقد فشلنا في اول امتحان جماعي يختبر وعينا في زمن الازمة. لا بسبب الفقر بل بسبب غياب الرشد. لاننا شعب لا يريد ان يتنازل عن الفرجة ولو كانت على جثة المعنى. شعب يحج الى الاسواق حين يُطلب منه التعقل، وينتفض حين يُطلب منه التريث، ويقيس الايمان بوزن الذبيحة لا بنية القلب. هكذا نحن لا يشبهنا في هذا العالم احد الا انفسنا.